في قوله تعالى: {اليَومَ أَكمَلتُ لَكمْ دِينَكمْ وأَتمَمْتُ عَلَيكمْ نِعمَتِي ورَضِيتُ لَكمُ الإِسلاَمَ دِينا} الخطاب الفيصل في كمال هذا الدين الحنيف، وإن غفا عنه أتباعه زمنا، فإن من حكمة الله أن يبعث فيهم مجددين يعيدونهم إلى الصراط المستقيم الذي غفلوا عنه، وقد ارتضاه لهم رب العباد. وأعلام التجديد في التاريخ الإسلامي أعلنوا حربهم المقدسة ضد كل ما لم يأت به القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة، مع اجتهادهم في تفسير القرآن الكريم، وتصحيح الأحاديث الشريفة، واستبعاد ما علق بها من أحاديث موضوعة وغير صحيحة، أقحمها المنتفعون ضمن الأحاديث النبوية، وهي بعيدة عنها بعد الثرى عن الثريا، لكن وعبر التاريخ الإسلامي أيضا ظهر إلى جانب هؤلاء المجددين فئة أو فئات من المجدفين الذين يستقلون ما وهبهم الله من النعم، فيطلبون المزيد منها بأساليب تعكر صفو الدين وتشوه جلاءه، عن طريق التجديف والإتيان بما هو بعيد عنه، والتجديف كما يراه الفراهيدي في (العين) كفر النعمة، وهو التقصير في الشكر، مما يؤدي إلى الافتراء على الله ودينه ونبيه، وهو بهذا المعنى إلحاقهم بالدين ما هو بريء منه، وهم في هذا على جانبين كلاهما على خطأ، أولهما التساهل في أمور الدين وإباحة ما لا يباح، وما ينجم عن ذلك من انحراف في العقيدة وانحلال في الخلق وشذوذ في السلوك، وتفسخ في العلاقة بالآخرين، وثانيهما الغلو وما ينجم عنه من تطرف وعنف وإرهاب وإثارة الفتن الطائفية بين صفوف المسلمين وإقصاء الآخرين، ومن يسلك أي الجانبين هو في حقيقته منكر لنعمة الإسلام وفضله عليه وعلى كل من اتبعه.. وجاهل بأمور دينه غير مدرك لأهدافه السامية وغاياته النبيلة، في الوصول بالبشرية إلى الأمن والسلام والطمأنينة، دون التخلي عن الانضباط الذي تفرضه القوانين والأنظمة للرقي بالمجتمعات، وتحديد واجبات الإنسان وضمان حقوقه، وما الواجبات والحقوق سوى طريقين متوازيين لا تنتظم حياة البشر بالانتصار لأحدهما على الآخر. وإذا كان المجددون يتخذون من العودة إلى منابع الدين الحنيف العذبة، ومناهله الصافية، منطلقا للوصول بالبشرية إلى حياة كريمة وتنقذها من ويلات الجمود والتحجر، لتستفيد من التطور في كل المجالات، فإن المجدفين المنكرين لهذه النعمة الإلهية.. يريدون تعكير تلك المنابع العذبة والمناهل الصافية، باجتهادات لا تستند على دليل شرعي، ولا تستقي مواردها من المصلحة العامة للبشرية دون استثناء، وهي المصلحة التي ضمنها الدين لمن اتبعه، وليس لمن اتبع هواه. وكما أبرز التجديد نخبة من علماء الأمة وفضلائها، الذين يحاولون قيادتها إلى بر الأمان، وصد موجات العبث بمقدراتها وقيمها، وحمايتها من تيارات التغريب والضياع، فإن التجديف قد أبرز أيضا فئة من المفرطين والمتشددين الذين لم يجلبوا على الأمة سوى الدمار الأخلاقي المتمثل في السلوكيات المنحرفة، أو الدمار المادي المتمثل في الاعتداء على النفوس البريئة بالإرهاب والتدمير والعنف، وعند هذا اجمع الطرفان على الإساءة للإسلام كل بطريقته الخاصة، وإن بدت متناقضة في أساليبها رغم اتفاقها في غاياتها وأهدافها، وهي غايات وأهداف تظهر الإسلام بغير مظهره الحقيقي، وتبرزه للآخرين بصورة مغيرة لحقيقته، وفي ذلك فرصة لأعدائه، ليلصقوا به تهم الإرهاب والتطرف والانغلاق، والتجهم في وجه الحياة. ويعلق الشاعر مصطفى الغلاييني الأمل على شباب الأمة ليتخذوا من مبدأ التجديد نبراسا لحياتهم.. وعنوانا لطموحهم.. لينقذوا الأمة من كبوتها، والشباب إذا تسنم ذرى التجديد متسلحا بالإيمان ومتحصنا بالقيم السامية يمكنه أن يصنع المعجزات، وينقذ من حلا لهم الجهل حتى لا يساقوا إلى نوع من العبودية اسمه التبعية والتقليد. يقول الشاعر: يا أيها النشأ الكريم عليك قَد عقد الرجاءُ وأنتَ خير عَمِيد عَز الدواءُ وفي يَدَيكَ شِفاءُ من ضُرِبُوا بِداءٍ في الصميمِ شديد فانهَضُ إلى العَرَبِ الذِينَ حَلاَ لهم جَهلٌ يَسُوقهُمُ إلى التَعبيدِ ويَسُودهُمْ خُلفٌ أذَل سراتَهُم فَعَنوا كما تَعنو ظِبا لأسُودِ اِنهَضْ بِهِمْ وأثِرْ نفُوسَهُمُ وخُذ أَبَداً بأَيْدِيهمْ إلى التجْدِيدِ.
التعليقات (0)