مواضيع اليوم

الدين والسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط

Nooor Alaml

2010-04-13 19:24:28

0

على الرغم من أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية كباقي الدول الغربية يقوم على فصل الدين عن الدولة، إلا أن دور الدين لم يغب أبدا عن عملية صياغة الخطوط العامة للسياسة الأمريكية والقرار السياسي الأمريكي وخصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
فمن المعلوم أن المحور الذي تدور حوله السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هو إسرائيل، الى درجة أن الولايات المتحدة تضحي أحيانا بمصالحها الاستراتيجية وتعرض أمنها القومي للخطر من أجل إسرائيل، والتي تعتبر أكبر متلق للمساعدات الأمريكية سواء الحكومية أو الشعبية.
ولا شك أن الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل له أسباب ومسوغات عديدة، ولكن أهم هذه الأسباب هو العقيدة الدينية المنتشرة في الولايات المتحدة والتي ترى ببساطة أن إسرائيل تمثل إرادة الله وأنها تحقيق للنبوءات الدينية الواردة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
والجذور التاريخية لهذه العقيدة ترجع الى حركة الإصلاح التي قادها (مارتن لوثر) ضد البابوية ونشوء المذهب البروتستانتي، حيث ألف لوثر عام 1523 كتابا أسماه (عيسى ولد يهوديا) ضمّنه كثيرا من الأفكار الغريبة عن اليهود وفضلهم عند الله وكونهم أبناءه الأحباء، وعن طريق لوثر ومذهبه البروتستانتي تسربت الأدبيات اليهودية والتوراتية الى المسيحية ومنها أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن هناك ميثاقا إلهيا يربط اليهود بالأرض المقدسة فلسطين، وربط الايمان المسيحي بعودة المسيح بقيام دولة صهيون وتجميع اليهود في فلسطين..
فارتفعت الدعوات في العالم المسيحي وفي أوروبا بالتحديد مطالبة بإعادة اليهود الى فلسطين، وكان عالم اللاهوت البريطاني توماس برايتمان (1562 – 1607) أول من دعا الى ذلك، وتوالت بعده تلك الدعوات وكان اللورد البريطاني (أنطوني اشلي كوبر) أول من رفع شعار (فلسطين وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) وذلك عام 1839.
وهكذا انبعثت الصهيونية المسيحية قبل الصهيونية اليهودية بقرون، وتتلخص عقيدة هذه الحركة في أنه من أجل العودة الثانية للمسيح فإن اليهود يجب أن يتجمعوا في فلسطين وأن تكون القدس بين أيديهم ويهدموا المسجد الأقصى ويقيموا مكانه هيكلهم، فالمسيح يجب أن يظهر من بين اليهود.
وبعد تجمع اليهود في فلسطين يتحالف المسلمون مع الروس ويزجفون نحو اسرائيل بجيش لم يشهد له التاريخ مثيلا يقدر بـ(200) مليون جندي يتوجهون الى سهل (مجيدو) بالقرب من القدس وتحدث معركة (هرمجدّون) النووية الرهيبة التي تدمر العالم وتتم إبادة ثلثي اليهود ويتحول الباقون الى المسيحية ويؤمنون بالمسيح الذي ينزل ليبيد أعداءه وينقذ من تبقى من اليهود ويحكم العالم بعدالة وسعادة مدة الف عام.
هذه الأفكار انتشرت أولا في أوروبا ثم انتقلت الى الولايات المتحدة عن طريق البروتستانت البيوريتانيين الذين فروا من الاضطهاد الديني الكاثوليكي لهم في انجلترا وهولندا وسويسرا وغيرها من الدول وأسسوا أول (13) مستعمرة من المستعمرات في العالم الجديد والتي كانت نواة للولايات الأمريكية الاثنين والخمسين. والمجتمع الأمريكي أكثر تدينا من المجتمعات الأوروبية ولذلك أصبح ذلك المجتمع حاضنة ووارثة لتلك العقيدة.
وقد فضحت الكاتبة الأمريكية الراحلة (غريس هالسل) عقائد هذه الحركة في كتابين شهيرين لها هما (النبوءة والسياسة) و(يد الله)، وحسب هالسل هناك 1400 محطة دينية في أمريكا تبث هذه الأفكار ويعمل فيها 80 الف قسيس، وهناك أكثر من 250 منظمة مسيحية صهيونية تعمل من أجل المصالح الاسرائيلية، ويقدر عدد أتباع الحركة بـ(40) مليونا.
ولم يقتصر الإيمان بهذه الأفكار على عوام الناس بل آمن بها المسؤولون والمتنفذون في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كما حملها وآمن بها رؤساء أمريكيون منهم ريغان الذي أعلن مرة أننا قد نكون الجيل الذي سيشهد هرمجدون، وكان يتمنى أن ينال شرف الضغط على زر الأسلحة النووية التي ستستخدم في هذه المعركة، وكان يقول ان اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة التي يمكن أن نعتمد عليها كموقع لحدوث هرمجدون، حتى أن قصف القصر الرئاسي للزعيم الليبي معمر القذافي في عام 1986 اعتبره الكثيرون في حينه كانعكاس للعقيدة التي يحملها ريغان لأن ليبيا حسب نبوءات الكتاب المقدس ستكون جزءا من الجيش الذي سيزحف على اسرائيل.
وقد تراجعت افكار هذه الحركة نسبيا في عهد جورج بوش الأب وكلينتون، لكنها عادت الى الظهور بقوة في عهد بوش الإبن، فبوش يعتبر واحدا من أكثر الرؤساء الأمريكيين تدينا، وبحسب القريبين منه فإنه يقرأ الكتاب المقدس يوميا ويبدأ يومه في البيت الأبيض بالصلاة والدعاء، وعندما كان حاكما لولاية تكساس قال لصديق له: أشعر أن الله يريدني أن أترشح للرئاسة! فهو يعمل حسب رأيه بإرشاد إلهي، وقد تناقلت وسائل الإعلام قوله للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن الله قد أمره بضرب أفغانستان ففعل ثم أمره بضرب العراق ففعل، وهو غالبا ما يستخدم عبارات دينية في خطاباته مثل (محور الشر) و(العدالة المطلقة) و(الحروب الصليبية) وهي كلمات من صميم أدبيات الصهيونية المسيحية، ومما ساعد على بروز تلك الكلمات أن كاتب خطابات بوش هو القس الإنجيلي (مايكل جيرسون).
ولذلك لم تكن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عام 1948 الوجه الآخر للسياسة الإسرائيلية كما كانت في عهد بوش، وهذا ما شجع اسرائيل على المضي في تحدي المجتمع الدولي وعدم الخضوع لقرارات الأمم المتحدة، لأن اسرائيل بحسب هذه العقيدة تمثل إرادة الله وبالتالي لا يمكن أن تطبق عليا القوانين الأرضية.
والحرب على العراق اعتبرت انعكاسا لتلك العقيدة لأن القساوسة الإنجيليين من أمثال هال ليندسي وبات روبرتسون وجيري فولويل وتيم لاهاي يعتبرون أن العراق يشكل نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم وأنه سيلعب دورا أساسيا في هرمجدّون، وقد كتب جيري فولويل في تلك الأثناء مقالا تحت عنوان (إن الله مؤيد للحرب) ونقل عنه أنه قال: إننا عندما نشن الحرب على العراق سنقوم بذلك لأجل المسيح ولكي تقوم الحرب الأخيرة، وقال زعيم الأغلبية الجمهورية حينها توم ديلي: يجب دعم الحرب على العراق لأنها البشير الذي يسبق عودة المسيح.
وهكذا تمكنت الكنائس الإنجيلية وتيار اليمين المسيحي المتشدد بدعم من المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي من حشد الدعم للحرب على العراق.
هذه هي العقيدة التي آمن بها بوش وأتباعه وكثير من الرؤساء الأمريكيين، وتستند اليها الإدارة الأمريكية في سياستها الشرق أوسطية المتحيزة الى جانب اسرائيل الى أبعد حدود، بحيث تخوض أمريكا الحروب بالنيابة عن إسرائيل.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !