الديموغرافيا والاستيطان وعملية السلام هما ثلاث أضلاع لمثلث يسيطر على الفكر الإستراتيجي للدولة العبرية، والعلاقة بينهما علاقة أمنية، وتعمل إسرائيل على تحقيق الأهداف الثلاث من أجل الحفاظ على بقائها ونقاء عرق شعبها، والمحافظة على صورتها أمام الرأي العام الدولي.
حيث تشكل الديموغرافيا أحد أهم الأمراض المزمنة التي تعاني منها دولة إسرائيل، حيث تشير الدراسات الصادرة من دولة الاحتلال وأبرزها ما ذهب إليه أرنون سوفير الخبير الإسرائيلي المتخصص في قضايا السكان بالقول: " هناك تراجع في أعداد اليهود بفلسطين المحتلة عام 1948م مع حلول عام 2025 ، في مقابل تزايد أعداد العرب، وأضاف سوفير: إن نسبة اليهود في فلسطين المحتلة تتآكل عاما بعد عام ، مشيراً إلى أن نسبتهم بلغت خلال العام الجاري 49% من إجمالي سكان فلسطين ، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة ، كما تقدر نسبتهم 56.3% بدون احتساب قطاع غزة، وأن هذه النسبة سوف تتضاءل مع حلول عام 2015 وستصل نسبة اليهود في فلسطين كلها إلى 46% من إجمالي السكان.
وتابع أنه مع حلول عام 2025 ، ستصل نسبة التكاثر اليهودي في فلسطين المحتلة إلى نسبة سلبية تقدر بنحو 41.8% من إجمالي السكان ، مضيفاً أن إجمالي سكان فلسطين اليوم 11.4 مليون نسمة، وسيصل مع عام 2015 إلى 12.8 مليون نسمة ، ومع حلول عام 2025 سيبلغ إجمالي الفلسطينيين 15.5 مليون نسمة ، أما اليهود داخل إسرائيل فستبلغ نسبتهم 70.6% فقط من بين إجمالي 7.4 مليون نسمة ، فيما سيبلغ السكان العرب نحو 29.4% ".
لذلك تجد الاهتمام الصهيوني بالبحث عن العلاج في ازدياد، ويبدو أن الإسرائيليين باتوا أكثر اقتناعاً بأن الدواء للمشكلة السكانية متمثل بالاستيطان، ومن هنا يأتي حجم الإصرار الصهيوني على الاستمرار في عمليات بناء المستوطنات غير آبهة بردود الأفعال الإقليمية والدولية ، وتأثيرات ذلك على جهود عملية السلام في المنطقة.
تنطلق إسرائيل في نظرتها لغير اليهود من نظرة دينية، وهذا ما جاء في تلمودهم: (الناس الوثنيون ويقصد بهم غير اليهود يوسخون العالم لأن أرواحهم تحررت من الشق النجس، وهو الذي خلق كل شيء حياً، أي خلق الإسرائيليين لأنهم أبناء الرب العظيم منه تحررت أرواحهم ).
ومن هنا نجد إصرار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على يهودية الدولة، ومن هنا أيضاً نجد الحماسة الأمريكية والإسرائيلية تجاه استئناف المفاوضات غير المباشرة والمباشرة.
أعتقد أن إسرائيل اليوم ومعها الإدارة الأمريكية، جاهزة لتمرير اتفاق سلام يحقق هدفين استراتيجيين لدولة إسرائيل وهما:
1- إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض الأحياء العربية في القدس الشرقية، وهذا الهدف سوف يخدم إسرائيل من الناحية الديموغرافية، ومن الناحية السياسية والأمنية.
فمن الناحية الديموغرافية فإن ذلك يخلص إسرائيل من أكثر من خمسة ملايين نسمة يقطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما من الناحية السياسية والأمنية، فمن المؤكد أن تتركز تلك المفاوضات حول الترتيبات الأمنية بما يحقق لإسرائيل الأمن بالوكالة، بمعنى أن تقوم الدول العربية الشريكة في عملية السلام بحفظ أمن إسرائيل، والتنسيق الأمني والإستخباراتي المتبادل من أجل تحقيق الهدف وهو محاربة الإرهاب الإسلامي من وجهة نظرهم.
وسياسياً سوف تفتح قنوات تطبيعية مع دول عربية، ويخفف ذلك عن كاهل الدولة العبرية من تبعات الاحتلال سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً.
2- رغبة صهيوأمريكية تتمثل في إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تتوافق مع الرؤى والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
إن المراقب للبيئة السياسية التي تحيط بالمفاوض الفلسطيني، والمتابع لخطاب السيد محمود عباس الأخير، يجد أن هذا المفاوض هو جاهز اليوم لتمرير أي اتفاق سلام وتمريره عربياً حتى لا يسجل التاريخ المعاصر تلك المرحلة الأليمة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)