هل يمكن الحديث عن وجود قطب ديموقراطي في الجزائر، أم أن الأمر يتعلق بمجرد حساسية إيديولوجية تعيش مرة في كنف السلطة ومرة أخرى على هامشها؟
يتحدث البعض عن غياب غير مسبوق لما يسمى القطب الديموقراطي في الجزائر عن الانتخابات الرئاسية المقبلة مع غياب سعيد سعدي الترشح لأكثر من مرة في رئاسيات سابقة، وغريمه حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية الذي ترشح لرئاسيات 1999 ثم انسحب منها في آخر لحظة، وغياب رئيس التحالف الوطني الجمهوري رضا مالك الذي سبق وأن أعلن عن ترشحه لرئاسيات سابقة ولم يتمكن من اجتياز عتبة الـ 75 ألف توقيع، وحتى عمارة بن يونس الذي تحالف مرة مع رضا مالك في إطار حزبه ومرة مع السلطة ولم يترشح هذه المرة، وهو الذي لم يتمكن من الحصول بعد على اعتماد لحزبه الاتحاد من أجل الديموقراطية والجمهورية، لكن الأسوأ من غياب مرشحين من القطب الديموقراطي هو غياب الديموقراطيين كحساسية موجود في الساحة السياسية، وقد تشكلوا في أكثر من مناسبة كحساسية يحسب لها مثلما فعلوا عشية إلغاء الانتخابات التشريعية وإيقاف المسار الانتخابي سنة 1992 ضمن ما سمي حينها لجنة الدفاع عن الجمهورية، وكان من أقطابها الراحل الهاشمي شريف الذي كان يرأس حزب الطليعة الاشتراكية (حركة التحدي ثم الحركة الاجتماعية الديموقراطية لاحقا)، النقابي الراحل عبد الحق بن حمودة والدكتور سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، ثم لجنة الدفاع عن الجمهورية والديموقراطية التي تشكلت قبل سنين وكان من أقطابها الدكتور عبد الحق برارحي الوزير الأسبق للتعليم العالي والرائد عز الدين والمناضل صالح بوبنيدر المعروف باسم صوت العرب، ولئن نجحت اللجنة الأولى لاعتبارات تاريخية وتحالف الديموقراطيون حينها مع السلطة من أجل قطع الطريق على الإسلاميين للوصول إلى الحكم والانفراد به، وتقاسم الطرفان الأدوار، فقد عملت السلطة الفعلية حينها بتعبير عبد الحميد مهري على تنفيذ قرار وقع المسار الانتخابي، في حين روّج الديموقراطيون لتلك العملية على أساس أنها انتصار للحداثة والديموقراطية وذهبوا في ذلك بعيدا إلى درجة أن البعض صدق بأن الديموقراطيين هم الحاكم الفعلي في البلاد وأن ما حدث هو فعلا ثورة ديموقراطية وحداثية، وسرعان ما انتهى شهر العسل ذلك بخيبة أمل الديموقراطيين وعاد الإسلاميون مرة أخرى إلى السلطة، لكن ذلك النجاح النسبي للجنة الأولى تبعه فشل ذريع للجنة الثانية التي تزعمها الوزير الأسبق عبد الحق برارحي وسرعان ما تفكك ذلك الحلف ولم يكن له أي أثر على الساحة السياسية·
ولئن كانت خيبة الديموقراطيين كبيرة في تشكيل قطب يحسب له ألف حساب في المواعيد السياسية الكبيرة، فإنهم كأفراد كان لهم وجود في تاريخ الجزائر المعاصرة، والثورة التحريرية التي فجرها ما يسميه المؤرخ محمد حربي التيار الثوري الشعبوي الذي ولد من رحم أزمة حزب الشعب الجزائري (الاتحاد من أجل انتصار الحريات الديموقراطية) سرعان ما التحق بها ديموقراطيون (من المركزيين خاصة) سنة بعد ذلك وأصبحوا قوة وأشرفوا على مؤتمر الصومام، وأصبحوا قوة داخل الثورة ثم داخل السلطة كأفراد وكان رضا مالك من محرري ميثاق طرابلس عشية الاستقلال والناطق الرسمي باسم الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان، وكانت لهم رموزهم داخل السلطة بعد الاستقلال مع مصطفى الأشرف الذي أصبح في نهاية حكم هواري بومدين وزيرا للتربية وحاول تطبيق أفكاره في المنظومة التربوية، وهي في الأصل ميدان المعربين والدكتور عبد الحق برارحي الذي بقي طويلا على رأس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلفا للراحل محمد الصديق بن يحيى المحسوب هو الآخر على الديموقراطيين·
الخير شوار
التعليقات (0)