قضية الديمقراطية في العراق تبدو الان اكثر ضبابية من الايام الاولى للحمله البوليسية الأمريكية للقضاء على نظام صدام حسين والتي جاءت بشكل هوليودي نادر الاخراج والعرض واستحوذ على شاشات التلفزة والفضائيات العالمية لايام ، ربما الان سنتسأل ما الذي تغير ما الذي حصل هل بدلوا صدام حسين فقط ، هل جاءوا من اجله فقط ؟!!!
في عام 2003 كان الامل العراقي عند بعضهم مرتفعا فوق الارض الواقعية ومنشغلا بلم شتات الوجود الذي بعثرته الايدي القذرة هنا وهناك وهذا ما جعل الرئيس بوش يقول في احدى خطبه إن العراق الديمقراطي سيكون "مثالاً إيجابيا للإصلاحيين من الدول المجاورة"، وهي ضرب من ضروب الكهانة التي لا يجيدها بوش الابن كما كان يجيدها اباه ، ووصف انتقال العراق السريع من نظام طاغ إلى نظام ديمقراطي "بأنه أمر مذهل، وبأنه يدل على رغبة أبناء الشعب العراقي في العيش في "مجتمع حر". لكن ما نسيه بوش الابن ان الديمقراطية ليست انتخابات ولا حتى مؤسسات دستورية كما هي في أمريكا ، فهذه اشكال للتطبيقات الديمقراطية او آلية عملها على الارض بعد مرحلة إشاعة الثقافة الديمقراطية والتي قد تستغرق سنوات او تستهلك حربا اهليه كما حدث في بعض الدول الاوربية وغيرها من الدول وهو الامر الذي يقترب منه العراق للظفر بالديمقراطية المرعبة!!! .
الديمقراطية قبل كل شيء ثقافة تشيع بين الناس فرص التوافق والتسامح والتعايش فتخلق نوعاً من التوافق الوطني وهو الامر الذي لم تفعله في العراق لان النتائج تقول ان العراق دخل دوامة الحرب الاهلية ولا يمكنه التقدم الى ارض السلام الا بانتهاء هذه المذابح الرهيبة في العراق .
يمكننا ان نرصد تعثر الديمقراطية في العراق و نستطيع تشخيصها كالتالي :هيمنة المرجعيات الشيعية من خلال الاحزاب السياسية الشيعية على غالبية المفاصل السياسية في العراق، وكما نعلم أن الكثير من المرجعيات والأحزاب الشيعية لها إرتباطات قوية مع ايران ،اما وفق مبدأ ولاية الفقيه – الولاية المطلقة التي لايقول بها شيعة العراق - او وفقا للانتماء المذهبي وكلنا نعلم الدور الذي تفعله طهران للنفوذ الى العراق بشكل سافركما حصل في البصرة التي قال عنها احد الزوار :- ينقصها العلم الايراني فقط!!!.
وإيران لا تكتف بلعب دور الوصاية بل ان يكون لها كراسي (ظل) في البرلمان العراقي وهذا ما اراد التنويه عليه الرئيس المصري حسني مبارك قبل سنوات اثار غضب الحكومة في العراق فما كان من السياسي المصري الا ان يبتسم ساخرا ويقول (( الله مش هم دولة ديمقراطية ، طيب بيزعلو ليه من الكلام .... والا دي ديمقراطية نص نص ))– مع الاعتذار للمغنية عجرم لانها بالتأكيد اكثر رزانة من الواقع السياسي في العراق - .
الامر الاخر هو:
الطائفة السنية بعيدة عن العملية السياسية سوى قلة منهم او التي قبلت على نفسها ان تصبغ بصبغة الارهاب او خالف تعرف كما حدث في قضية الاستفتاء على الدستور والانتخابات فخسرت الفرصة السياسية من ان تكون اكثر ديمقراطية من نظام الحوزوي السني الذي لا يقل عن الحوزوي الشيعي الا بفاصل نقطة واحد وهي ان الحوزه الشيعية اكثر نظاما وادراكا للعبة السياسية وان كلمتها موحد وواحد في حين تشاهد التفرقة والتفريق في الكتلة السنية ، والانكى من ذلك ان نتهم اننا اقل ديمقراطية اوليس لنا خلفيات الفكر الديمقراطي .
الاحزاب الكردية على رغم تجربتهم اكثر من 14 سنة في الحكم شبه الديمقراطي، وهم في الغالبية ، اكثر اطياف الشعب العراقي اهتماماً بدمقرطة العراق ولكن بسبب عدم تمكنهم وقلة تأثيرهم على الساحة السياسية العراقية ليس باستطاعتهم فرض اراءهم على أطياف اخرى .لذلك يحاولون الدفاع عن حقوقهم القومية اكثر من الدفاع عن الديمقراطية او الوحدة الوطنية ، اذن ليس الخلل في الديمقراطية كمفهوم وسلوك وآلية لكن الخلل في التطبيق والإستيعاب والفهم والممارسة ، فالتدخل الدولي والخارجي والنقلة النوعية للعراق والجو المشحون سياسياً بفقدان الثقة المتبادلة وعدم وجود فهم موضوعي مشترك لمفهوم المواطنة وعدم وجود ثوابت وطنية متفق عليها ، جعل من الديمقراطية أداة للتحريض ولتمرير مصالح وارادات نفعية ضيقة على حساب الفهم الشمولي للديقراطية كأداة للتحرير والتطوير للأرادة الأنسانية باتجاه افق حضاري وبناء مجتمع متمدن ، وهذا ما نجده فور سماعنا أي نشرة اخبار عراقية لتجد الكم الهائل المختلف فيه بين الكتل السياسية للحصول على الكراسي السلطوية لخدمة تيار واحد على حساب ابناء الشعب العراقي ، و الشيء المحزن ان تجد انك تعيش باسم الديمقراطية في العراق وانت في خطر من وجود هذه الديمقراطية بيد الحكومة المفرطة في
( ديكتوقراطيتها ) ، اذا فتحنا اعيننا على الزمن الحالي فمن منا يملك الشجاعة ليكذب على 25 مليون عراقي ويقول له اننا نعيش زمنا ديمقراطياً حراً ، وهو لا يجد من امامه او من خلفه الا الخراب والهدم و الهمر والمدرعات ، فالهدم أسهل بكثير من البناء ان الهدم والتخريب الذي طال العراق بسبب الغباء الامريكي او الحكومي الوطني!!!!!!!! في العراق قد لا يرقى للسنوات العجاف التي عشناها ، وحكومتنا تقبع في المنطقة الخضراء وهي حبيسة الجيش الامريكي ايضا لكن بشكل ديمقراطي ، فمن حقنا ان نسأل اين ارض العراق واين سمائه واين ثرواته واين حكومته الحقيقية ؟!!! من حق العراق اليوم ان يقرر مصيره السياسي والداخلي بعيدا عن الوصاية او عصر الانتداب الامريكي الذي وقع عليه المالكي وبوش اننا بحاجة الى ديمقراطية حقيقية وليس ديمقراطية إعلام وتلفزة وصحف وندوات ...
التعليقات (0)