مواضيع اليوم

الديمقراطية العرجاء

يوسف رشيد

2011-10-04 16:06:39

0

  بعد عقود من الحياة السياسة التي تلت الاستقلال ، كأننا نعود إلى نقطة الصفر ، وربما دونها ، وذلك لأننا كنا كمن يسير على ساق واحدة ، " فتكيَّفَ " المجتمع كله مع هذا الطابع في الممارسة السياسية ، وصرنا نميل إلى إحاطة وتغليف أنفسنا وأقوالنا وأفعالنا بشيء من التمويه المقصود ، والغمغمة المبهمة ، والإشارات الدلالية ، لإيهام الآخرين بأهميتنا وأهمية ما لدينا ، وبأننا نعرف ما لا يعرفون ، ونقدِر على ما لا يقدرون ، ونعلم ما لا يعلمون ، ومطلعون على ما لا يمكنهم الاطلاع عليه ، وأن علاقاتنا من الأهمية بمكان لا يتصورونه مع " المَعنيين والجهات العليا " ، وكل شيء قابل للتفاوض ، وبأسعار لا تنافَس ....

 

والواقع ، أن كل ذلك ، ليس إلا فقاعات وبثور جلدية مرضية ، لأن غير أولئك لا يحتاجون إلى ما يحتاجه أولئك المصابون بداء العظمة حينا ، وبداء العقدة " التخويفية الترهيبية " أحيانا أخرى .. وقد أتخِمَ المجتمعُ بهؤلاء ، وما عادت حسابات الربح والخسارة ذات أهمية في ظل المتيسر من الدخل والريع والربح والعائد والوساطة ....

و (( كمثال على تكيّف المجتمع مع طابع الممارسات السياسية التي سادت في العقود الماضية ، قيام منظمي بعض اللقاءات السياسية المعارضة بـ " طرد ممثلي الإعلام الآخر " ، والاختباء وراء أستار من الظلمة والعتمة والتكتم ، طالما اشتكوا هم منها ، كون السلطة مارسته عليهم ، وحين سنحت لهم أول فرصة ـ ولو جزئيا للظهور العلني ـ كان أول ما قاموا به : إقصاء إعلام السلطة بذرائع مبهمة )) ..

" فكأنك يا أبا زيد ما غزيت " .. و " ما في حدا أحسن من حدا " ..

 

ويبدو أن  فكرة " الاستئثار " وسياسة " الإلغاء " داءان لن نبرأ منهما قريبا ، كونهما مستفحليْن ، وتكرّس ذلك في الأشهر المريرة الصعبة السابقة ، بشكل أو بآخر ..

كما لم نعتدْ على فكرة وجود " موالاة ومعارضة " بعد أن عشنا عقودا حياة الـ " فريك اللي ما بيقبل شريك " ، فبتنا بين ليلة وضحاها في وسط هذه " المعميكة " ، فكانت المفاجأة كبيرة ..

(( حيث لم تكن المرحلة السياسية السابقة في وارد السماح بوجود " معارضة " تنمو وتتنامي وتتزاوج وتنجب أبناء شرعيين يعترف الوطن ببنوتهم ، فيرعاهم ويقدم لهم كل حاجاتهم )) ..

 

أما وقد بات المصطلح معبّرا عن شريحة من المجتمع السوري ، فإن " الموالاة والمعارضة الوطنية ، تتحملان معا مسؤولية إعادة زرع الثقة في نفوس المواطنين عامة ، وطمأنتهم إلى صحة التوجّه نحو استمرار العيش المشترك المطمئن الآمن ، لأن الوطن للجميع ، سابقا وحاليا ولاحقا وإلى الأبد ، وليس ثمة بديل عن ذلك ، والتجارب الإقليمية المحيطة أكبر دليل ..

لذا ، فإن الكثيرين من هؤلاء جميعا ـ الذين تبادلوا التهم والشتائم وأقذع الألفاظ أحيانا ، إلى حدّ إضفاء صبغة العداوة والخيانة والعمالة ـ سيجدون أنفسهم في وقت لاحق ، مرغمين على التخفيف من الألوان القاتمة والنشاذ من تلك الصبغة ، وكسر حدتها ، كي يعبّروا عن انصياعهم للمصلحة الوطنية والشعبية ، والدخول في بوابة تضميد الجراح واستعادة اللحمة والوئام اللذين يحتاجهما جميع المواطنين ..

وبعد أن كانت بلادنا مثالا في التعايش ، صرنا مضطرين لاستلهام تجارب الآخرين والتمثل بها ، حتى يدرك الجميع أنه :

 

 لن يكون الوطن حكرا لأحد .. ولن يكون الاستئثار من مصلحة أي أحد .. ولن يسود إلا الإيمان المطلق بمبدأ التعايش السلمي الآمن ، وبالمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، واللجوء إلى الحوار الهادئ العقلاني ، لأنه في النتيجة ، طريق لا بد من عبوره ، فلماذا لا يتم اختصار زمن الوصول إليه ، وقطع مسافاته الطويلة بأقصر وقت ممكن ، وبأقل الخسائر ؟!

 

كما آآآآن الأوان لخوض تجربة سياسية مدنية ديمقراطية شفافة ، تفسح المجال للقوى السياسية ـ كل القوى السياسية ـ كي تعبّر عن وجودها الشرعي والقانوني ، وتمارس نشاطها عبر مؤسساتها ، في جوٍّ من التنافسية الوطنية السلمية ، تحت سقف الوطن ، فيكون لكل مجتهد نصيب ، وللكل حقوقهم التي يكفلها بالتساوي والتوازي " دستور جديد " وقوانين أخرى ، ويمارسون الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع ، بدءا من رئاسة الجمهورية وحتى أصغر مجلس بلدي ..

 

فإذا كان يحلو للبعض أن يلقي التوصيفات والتسميات السياسية على عواهنها ، بما يوسّع الشرخ الوطني ، ويزيده عمقا وشرشرة ، فذلك لا يعجّل في بلوغ أي هدف من الأهداف ، ولن يكون في مصلحة الوطن بأي حال من الأحوال ..

 

وإذا كانت السلطة غير حريصة أو غير جادة في تحقيق الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسية بما فيها :

1 ـ محاربة الفساد ، ومحاسبة المفسدين والمسيئين والمستغلين والجشعين الذين أثروا على حساب المواطنين .

2 ـ استكمال إجراء إصلاحات حقيقية وتنفيذها بما يلبي المطالب المشروعة للمواطنين ..  

3 ـ انتهاج الديمقراطية الشفافة ، المؤدية إلى حرية الرأي والتعبير ، وحق التظاهر السلمي تحت سقف قانوني يكفل الحريات للجميع ، بما يساعد على تحقيق التداول السلمي للسلطة .

4 ـ اعتماد المبادئ الكفيلة بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، بعيدا عن أي انتماء ، وإيجاد شراكة حقيقية تفرزها صناديق الانتخابات لإيصال ممثلي الشعب إلى حقهم في ممارسة دور الرقابة التشريعية والتنفيذية والدستورية والقانونية ، والمساهمة في حكومة وحدة وطنية تقود المرحلة القادمة ..

5 ـ محاربة الرشوة والواسطة والمحسوبية والتسلط والاستزلام واستغلال المنصب والمتاجرة فيه بيعا وشراء ، وتحجيم ومحاسبة مراكز القوى ..

6 ـ تفعيل لجنة التحقيق القضائية لمحاسبة كل من ارتكب جريمة بحق المواطنين ، وحيثما كان موقعه ، بما يكفل تحقيق العدالة بين الجميع ، لتكون النموذج الذي يعطيهم حقوقهم ، ويكون دافعا لهم وعونا على تجاوز المحنة ..

7 ـ إن تحقيق ذلك لا يكون بضربة العصا السحرية ، ولا في ظل التكالب الدولي المتورط في الحصار والعقوبات واستمطار التدخل العسكري ، لكن ، لا بد من العمل المخلص والبناء رغم كل الظروف وقسوتها ، عبر الحواااااااااااااار مع جميع الأطياف ..

فإذا لم تتبنَّ الموالاة تلك الأسس وتنفذها مع غيرها من الإصلاحات التي أعلن عنها ، بما يحقق للشعب نقلة ديمقراطية مدنية سياسية ووطنية تنقذه من الأزمة ، فإنها تكون مساهمة في إطالة أمد الأزمة ، ولا يساعد على تجاوزها ..  

 

لكن ، إذا كانت " المعارضة " تعني :

1 ـ تهديد السلم الأهلي باستخدام السلاح والمناداة بالشعارات الطائفية وممارستها فعليا عبر عمليات التصفية التي تستهدف الأبرياء والعقول وخيرة النخب ، لإذكاء الفتنة ، واستدعاء التدخل الأجنبي ..

2 ـ وتعني : التفريط بحقوقنا في وحدة وسلامة الأراضي العربية السورية ، والتخلي عن المقاومة في مواجهة الصهاينة لاسترداد حقوقنا ..

3 ـ وتعني : الاستسلام للعدو الصهيوني عبر التوقيع معه على اتفاقيات على غرار " كامب ديفيد ، ووادي عربة " ، واتخاذ موقفٍ معادٍ للمقاومة وقضايا الشعب العادلة لصالح الكيان الصهيوني والمشاريع الأمريكية في المنطقة ..

4 ـ وتعني : الدخول في التحالفات الجديدة " للعثمانية الجديدة " ..

5 ـ وتعني : مهادنة أمريكا ومسايرتها لصالح الكيان الصهيوني ..

6 ـ وتعني : التبعية الذليلة للدول " الديمقراطية العربية المعتدلة أمريكيا " ..

 

ثم ، ماذا ، ومن تمثل كل تلك " التنسيقيات " ؟؟

وهل هي مسؤولة عما يجري على الأرض ؟؟

وهل هي قادرة على التحكم بهؤلاء ؟؟

أم إن كل شيء خارج التغطية بالنسبة لبعضهم البعض ؟؟

 

في هكذا حال ، هل يمكن توصيف هؤلاء بأنهم معارضة وطنية ؟؟

هل يبتغي هؤلاء غير السلطة وبأي ثمن ؟؟

 

وبالتالي : هي أهداف وغايات غير بريئة من شبهات كثيرة ، وهي غير جديرة أيضا بالتبني أو الدفاع عنها .. خاصة في ظل رفض الحوار ، والانغماس أكثر في التواطؤ مع أعداء سورية ، بدءا بالصهاينة وأسيادهم ، مرورا ببعض العرب الذين ارتضوا لأنفسهم لعب دور " المهرج الهزلي السمج والممجوج " في السيرك العالمي المتوحش الذي يستهدف تدمير كياننا العربي كله من بوابات " تجيير الثورات " و "مصادرة " آمال الشعب وتطلعاته لصالح التنظيمات المتطرفة ، والأعداء الذين لم يتورعوا يوما عن سفك دمائنا طيلة عقود ، وليست دول العراق وفلسطين ولبنان وليبيا ببعيدة عنا ..

 

وإلى جانب ذلك ، ومما يزيد الطين بلة ، أننا : لم نسمع من المعارضة حتى الآن ، عن برامج حقيقية أو خطط بديلة تطرحها على الجمهور ليتعرف على " بدائل النظام " ..

ولم نر إلا مشاريع التهافت على إسقاط النظام ، ليس حبا بالإصلاح ، ولا رغبة في تحقيق مطالب الشعب ، بمقدار ما هو زحف محموم نحو السلطة ، ولو داسوا على كل الشعب ..

وما نلاحظه عليهم ، لهو أكبر دليل على ذلك :

فهم متشرذمون ، وتبعيون ، وتمتد آنتيناتهم وترتبط بجهات مشبوهة وعدائية ، مستترة حينا وجهرية غالبا ..

ويضاف القول : إن انتماءاتهم وأطيافهم الفكرية والسياسية ، تمتد من أقصى أقصى اليمين ، إلى أقصى أقصى اليسار .. فأين سيكون الشعب وقضاياه من تلك التحالفات الخليطة الهجينة ؟؟!!

 

وعليه ، فهناك أنواع من " المعارضات " برز منها على الشاشات :

1 ـ معارضة من أجل المعارضة .. على مبدأ  " عنزة ولو طارت " ..

2 ـ معارضة : هوايتها : المعارضة ..

فلو تغير شيء في سلوكها ذاك لاهتزت نواميس الكون ..

3 ـ معارضة : بالخِلقة ، خـُلقوا معارضين ، وما يزالون ..

وأعرف بعضا منهم ، كنا نتزامل في الإعدادية .. لكنهم الآن " اخشنشروا " بصوتهم الأجش المبحوح ، و " انتفخت كروشهم وأوداجهم ، وجحظت عيونهم من كثرة التباكي على مصير وطنهم في " العلب الليلية ( النوابية ) " ..

4 ـ ومعارضة حسب الطلب : وكذلك أعرف منهم من كنا نتزامل معهم في الجامعة ..

فهؤلاء يعارضون اليوم على هذه الطاولة ، وغدا يعارضون معارضتهم على طاولة أخرى .. والحبل عـَ الجرّار ..

أيضا على مبدأ الشاعر مظفر النواب :

" كلنا قد تاب يوما عن توبته ، ثم ألفى نفسه قد تاب عما تاب " ..

5 ـ معارضة إلغائية : بمعنى : أللهم أسألك نفسي .. ومن بعدها الطوفان .. أو : فلتحترق روما بمن فيها ..

6 ـ معارضة متسلقة : تريد الصعود إلى الكرسي بأي ثمن ..

 

إلا أن كل ذلك ، لا ينفي أمرين هامين جدا :

الأمر الأول : إن في الطرف الآخر من هو أسوأ بكثير من هؤلاء ، وقد عاثوا فسادا واستغلالا وجشعا وقهرا وظلما .. وبعضٌ من هذا الوابل ، من ذاك الغيم الأسود ..  

الأمر الثاني : وجود كثيرين هنا وهناك ، ما يزال ينعقد الأمل عليهم في حمل خشبة الخلاص ..

 

لقد تحقق كثير من المطالب المحقة ، وصار من الأهمية الواجبة ، أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ الحقيقي ، تمهيدا لمواصلة خطى التغيير ، فما يزال هناك إجراءات مطلوبة  لإكمال دورة الإصلاحات على كافة الصعد ، ويجب اعتمادها بما يلبي طموح الشعب العربي السوري بكافة أطيافه وألوانه ..

 

إننا يجب أن تتضافر جهودنا جميعا ، ونوجهها لرأب الصدع ، وبلسمة الجراح بما أمكن من الإحساس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية ، واعتماد الحوار نهجا وحيدا للوصول إلى عكس ما يريده أعداؤنا لنا ..

فهم ـ الأعداء رافعي راية الربيع العربي ـ متربصون بنا دوما ، ولن يفوّتوا أيّ فرصة للانتقام من عدائنا لصهاينتهم ، ومهما حاولوا التلطي وراء " إنسانيتهم " والتنصل من الولوغ في دمائنا ، فهم مجرمون سفاحون ويشهد لهم بذلك تاريخهم الدموي ضدنا ، وهم كذبَة أفاقون بشهاداتهم أنفسهم ، ولا يريدون بنا جميعا ـ عربا ومسلمين بكل طوائفنا ومذاهبنا وانتماءاتنا السياسية ـ أي خير مهما ستروا تكشيرات أنيابهم ونواجذهم ، ومهما أخفوا أظافرهم القذرة السامّة بقفازات من الحرير ..

 

 

الثلاثاء ـ 04/10/2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !