لو تأملنا فى تاريخ مصر السياسى والدينى سنكتشف أن الشعب المصرى الطيب المسالم الذى يعشق حياة الحب والسلام هو الذى صنع بهذه الطيبة وتلك المسكنة والغلبنة أعتى عتاة الديكتاتورية على مر التاريخ ولنا أن نتذكر ونتدبر حكاية ذلك الفرعون الذى عاصر النبيين موسى وأخاه هارون وفى قصته عبرة لمن يريد أن يعتبر أو يتذكر أو يتعظ، فلقد وصل بهذا الرجل وحاشيته أنهم قد استعبدوا الناس فى مصر وتملكوا الإنسان والأرض والعرض وجعلوا من هذا الفرعون إلهاً معبوداً بل لقد كانت سنة متبعة أن يقوم كهنة المعبد بتنصيب أى فرعون إلهاً للبلاد والعباد ومن يرفض الإنصياع أو يتأخر عن القيام بطقوس العبادة يلقى حتفه حرقاً بالنار، أو صلباً على جذوع الأشجار، أو تعذيباً فى سجون بشعة ليس لها قرار، أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف، بل ويتم تقتيل أبنائهم والإعتداء الجنسى على نسائهم ولا يسمحون لهم حتى بالهروب بجلدهم من البلاد تاركين أملاكهم وبيوتهم ولكنهم لا بد وحتماً أن يواجهوا المصير الرهيب الذى يرتضيه الفرعون الفاجر وكهنته المجرمون القتلة السفاحون.
كان المصريون لا يختارون الملك الذى سيحكمهم وسيفرض عليهم بل كانوا يفا جئون به سلطاناً عليهم وبعد أيام قليلة يفرض سطوته وسيطرته ثم يعلن عن برنامجه الإلهى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن هذا الذى يحب العذاب والموت حتى يتجرأ وينبس بحرف أو حركة أو إيماءة توحى برفضه لشىء معين فيا ويله مما سيلاقيه على أيادى زبانية الفرعون اللعين من عذابات تشيب من هولها الولدان.
كل الغزاة والطغاة حكموا مصر وشعبها بالحديد والنار من هكسوس إلى إغريق إلى رومان حتى الأتراك العثمانيون حكموها بالحديد والنار لمئات السنين حتى العبيد الذين تم شراؤهم للخدمة فى مصر وهم المماليك حكموا مصر وأذلوا شعبها ودمروه ونشروا الفساد فى طول البلاد وعرضها ضاربين عرض الحائط بجميع القيم والمبادىء الإنسانية والمثل العليا التى يتحلى بها هذا الشعب المسكين المعطاء النائم فى العسل نوماً عميقاً مسلماً أمره للحالكم أى حاكم وللوالى أى وال يلطش فيهم كيفما شاء وحيثما أراد حتى يرسل الله رجلاً شهمأ شجاعاً مصرياً أصيلاً يجمع الناس حوله ويهب فى وجه الطغيان لتحيا مصر ويحيا المصريون من جديد بعد طول العذاب المر الذى قد يصل إلى قرون أو أقل او أكثر ولكن هذا المصرى الحر يأتى فى كل عصر ويزيح الغمة وينصر الأمة بشجاعته وإيمانه بالله تعالى وحرية الوطن العظيم.
على مر التاريخ يرضخ المصريون ويرضون ويسكتون فيتفرعن الفرعون ويركب الكرسى ويمسك بزمام كل شىء فى يديه فيسن القوانين ويخترع الدساتير واللوائح التى تحرص فقط على المحافظة على مصالح الحاكم وحاشيته وزبانيته الذين ينهبون فى خيرات البلاد والعباد نهباً لا يعلم مداه غير الله وحده.
فى عصورنا الحديثة إعتاد أى حاكم مصرى وهو بالطبع ديكتاتور بلا منازع إعتاد أن يوظف كل شىء فى الدولة ليصبح ممثلأ عن جزء معين من جسم الحاكم فالإعلام مثلاً هو لسانه الناطق المعبر عن رأيه وإرادته وأهوائه التى لا تلبث أن تتحول إلى عقيدة ودين عن طريق رجال للدين يحسنون القيام بهذا الدور وهو دور تحويل أفكار وأحلام الحاكم إلى عقائد وشرائع يجب أن يعتنقها الشعب ويرضخ لها مهما كانت ضد مصالحه وهو نفس دور كهنة المعابد فى عصور الفراعنة القدامى.
أما أذن الحاكم الصاغية لكل حركة وكل همسة وكل كلمة ينطق بها المواطن المصرى فتقوم بها مباحث أمن الدولة ولا تقصر أبداً فى إستدعاء المتاعيس الذين حكم عليهم حظهم الأسود أن يتكلموا كلمة واحدة فى حق الحاكم والحكومة أما الجزء الأكبر من الداخلية فهو يقوم بدور القميص الواقى الذى يقى الحاكم ويحميه من أى غدر أو حقد او بطش قد يقوم به مجنون أو مظلوم او مقهور.
أما الوزراء فهم من صناعة الحاكم حيث يختارهم على الفرازة لكى يكونوا مخلصين له وليس للشعب وتابعين له ضد كل مصالح الناس ويصبح كل وزير بمثابة لعبة مرتعشة يحركها الحاكم حيثما وكيفما شاء لأنها صنعته ولا يجرؤ وزير ان ياتى بقرار لم يسمعه من الحاكم أو أن يخرج بقانون ضد رغبة أو إرادة الحاكم فالطرد فى الشارع هو المصير الطبيعى المحتوم لذلك الوزير، وهكذا تصبح أى وزارة فى مصر بمثابة الذراع الشمال لأى حاكم أما الذراع اليمين الأهم فهو مجلس الشعب الذى تصنعه الحكومات إياها التى ذكرت صفاتها آنفا وتحت حماية ضباط الداخلية ورعايتهم وبسيطرة الحكومة المذكورة على الموقف يتم تحديد أسماء الأعضاء الذين سينجحون فى الإنتخابات ويتم طبخ مجلس للشعب يعبر دائماً عن إرادة الحاكم ولا يعبر عن إرادة الشعب وإذا حدثت غلطة وجاء عضو طيب نشيط حريص على مصلحة الناس ضد الحاكم والحكومة كان مصيره الطرد من المجلس بألف حجة والف سبب قانونى وإذا لم يكن قانونياً يخترعون له قانوناً ليصبح قانونياً.
ثم يأتى دور تسييس القضاء وترويضه حتى ينفذ القوانين والدساتير الجديدة ويصبح لقمة سهلة فى يد الحاكم الهمام وحكومته التمام فلا يجرؤ مخلوق أن يتكلم ضدهم أو أن يتظاهر سلمياً أو أن يوجه نقداً لأخطاء الحاكم المؤله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه والذى يريد من الرعية الذليلة المحرومة من حرية الرأى وحرية التعبير ومحرومة من الوظيفة المحترمة التى تعطى فقط لأبناء الأكابر ومحرومة من شربة ماء نظيفة أو لقمة عيش سائغة، يريد من هذه الرعية أن تسبح بحمده ليل نهار وتشكره وتذكر إنجازاته قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .
هل سأعيش وأرى بعينى الإنسان المصرى حراً كريما يقول ما يشاء لمن يشاء فى أى وقت يشاء؟
هل سأعيش حتى أرى الإنسان المصرى الذى يعشق الحرية والكرامة والمحبة والسلام هل سأراه حاصلاً على حقوقه الدستورية والسياسية والإجتماعية ؟
هل سأرى الكفاءات المصرية محترمة داخل مصر وتجد من يقدرها ويعطيها حقها ولا يقهرها ويطردها بحقده القاتل وضغينته الشيطانية؟
هل سأعيش حتى أرى المصرى بختار رئيساً لمصر بكل حرية دون خوف أو قهر أو إرهاب من ذوى السلطة وأهل الثروة والمناصب؟
هل سأعيش حتى أرى المصرى يتعلم تعليماً نظيفاً من الإرهاب وهدفه الرقى والتقدم وإحترام الآخر وتكريس التجارب العلمية لخدمة الوطن والمواطنين؟
هل سأعيش حتى أرى المصرى يعالج فى نفس المستشفيات الفخمة التى يعالج فيها المسيطرون على الثروة والسلطة؟
هل سأعيش حتى أرى كل كاتب ومفكر يكتب ما يشاء دون تهديد أو قهر أو إرهاب من الحكومة أو الجماعات الإرهابية ؟
هل ستنتعش الثقافة والحوار الحر المتمدن الهادف لصناعة القيم والمثل العليا ونشرها بين أبناء المجنمع؟
هل سأعيش حتى أرى المصرى محترماً فى مراكز البوليس ولا يضرب ولا يعذب ولا يشتم ولا يعامل بحقارة وإشمئزازمن قبل أهل السلطان المسيطرين على القرار والزنازين القبيحة التى لا تليق بكلب؟
هل سأعيش حتى أرى المصرى يتمتع بحريته الكاملة فى الكلام والنقد الحر البناء القائم على الحقائق دون تجريح أو إهانات لأى مخلوق؟
هل سأعيش حتى أرى المسلم والمسيحى يربطهما الحب والسلام والمودة والصداقة كما ربطتهما على مر التاريخ؟
هل سأعيش حتى أرى الإنسان المصرى يحاسب نفسه على أخطائها ويصحح مساره قبل أن يحاول إصلاح الآخرين ؟
هل سأعيش حتى أحضر إنتخابات حرة لمجلس شعب وشورى وإنتخابات رئاسية وطنىة حقيقية تمثل الناس وتعبر عن أحلامهم وتحقق أمانيهم ؟
التعليقات (0)