ديكتاتورية العلمانية..حرية الرأي من فولتير الى المنسي القانع
جمال الهنداوي
مبدئياً,يجب التعامل مع الديمقراطية والعلمانية كحركات تحديثية تهدف إلى تشجيع مبدأ المواطنة والتمدن وترفض الدين كمرجع رئيسي للحياة السياسية واعتماد المعرفة العلمية المستمدة من الوقائع المادية للأمة كسبيل أوحد نحو تحضر المجتمعات ورقيها. وتعمل على ضمان حرية الإنسان واعتباره المرجعية الرئيسية للسلطات والشرعية والممثل الوحيد للإرادة الشعبية. على العكس من المرجعيات الدينية التي تعتمد على ما تعتقده حقائق مطلقة أو قوانين إلهية لا يجوز التشكيك في صحتها أو مخالفها مهما كان الأمر,وتدعو إلى الاحتكام إلى الأغلبية في بيان أشكال ومنطلقات المجتمع والسعي إلى استخدام آليات متفق عليها في تحديد هذه المفاهيم وتوفير الوسائل الضرورية للمجتمع في إمكانية طرح البدائل والسعي إلى تكوين إجماع شعبي مغاير للوضع القائم..ويمكن اعتبارها منهج وضابط للمتصدين للقيادة في المجتمع عن طريق تثبيت تفاهمات محددة وملزمة لاتخاذ القرار من قبل المفوضين شعبياً لهكذا مهمة ,أما ماهية هذه القرارات فيتوقف على خيارات المجتمع المعني في ضوء ثوابته ومنطلقاته العقائدية المثبتة دستورياً والمشرعة قانوناً .
فالعلمانية لا تحاول وغير معنية اصلاً بأن تتحول إلى عقيدة فلسفية تبغي أن تحل محل العقائد التي يؤمن بها الناس في المجتمع .فالفرد يملك الحق أن يؤمن بما يشاء ويحفظ إيمانه بما يعتقد ,ولا يتعارض ذلك مع علمانيته إذا آمن بحق الآخر بالاعتقاد وإبداء الرأي وإذا آمن بالتداول السلمي للسلطة وبحق الأغلبية في الحكم مع ضمان حقوق الأقليات الفكرية أو المذهبية أو الدينية أو العرقية المغايرة, وان لا مساومة في هذا,ويجب أن يتم حمايتها بقوة القانون.
فللفرد أن يكون مؤمنا بالله وان يتعبده بأي دين من الأديان أو أن يكون ملحدا أو معتقدا بأي مذهب فلسفي أو عقلي يشاء,أو لا يكون,دون أن يؤثر ذلك على مواطنته ودون أن يكون هناك أي حق لأي منظومة فكرية مغايرة مهما كانت من التطور أو القبول الاجتماعي الواسع أن تزدري أو تحتقر أي اعتقاد ديني أو فلسفي تعتنقه مجموعة من البشر ضمن المجتمع أو النظر بفوقية إلى مفاهيم يضعها طيف واسع من المجتمع ضمن خانة المقدس ..بل نرى من الواجب-حسب المفهوم العلماني-أن يكون هناك احترام تام للمثابات العقائدية للفرد باعتبارها مسألة فردية تخص من يعتقد بها وحده..إلا في حالة محاولة اقسار المجتمع على تبني تلك الخيارات بالإكراه أو باستخدام وسائل الترهيب والإخضاع الفكري والمعنوي.
كما-وهذا رأيي الشخصي_أن الدين في حد ذاته ليس عامل تخلف في المجتمع بقدر اتخاذه وسيلة من قبل بعض المنحرفين من فقهاء الترهات المتخندقين خلف سمّية لحوم العلماء لإضفاء شرعية زائفة على وضع ما يؤدي بالضرورة إلى تحقيق منفعة بيّنة لتلك الفئة التي تجد استمراريتها وتواصل تفوقها المعنوي والاقتصادي من خلال الاصطفاف الانتهازي مع قوى التسلط والرجعية باستخدام رموز هزيلة وقولبتها تجاه ضمان السيادة على العقل الجمعي لأفراد الشعب.والدفاع المستميت عن فكرة الدمج التام للسلطات الدينية والسياسية في نظام معتمد على الغيبي المؤول قسرياً لخدمة الهدف الأزلي للسلطان بالتأبد على سدة الحكم.
وكرأي شخصي ايضاً,على المثقف العلماني المؤمن بالإنسان وحقه بالحياة والتعبير الحر ,أن يحاول التصدي للانحراف السلطوي من خلال مشروع تنويري تحديثي يهدف إلى احتواء التأثير السلبي للعامل الديني في نظريات الحكم الشمولي وممارسات تطعيم التاريخي بالمقدس من قبل فقهاء التبرير .
فهنا يكون من غير المفيد للتيار العلماني التناقض المعلن مع الدين وتحميله كل إخفاقات واحباطات الأمة وتسليم المجتمع لقمة سائغة لرجال الكهنوت السياسي من خلال تكريس الصورة التي تعمل المنابر الدينية ,وبدون كلل,على ترسيخها للعلمانية كمرادف للابتعاد عن القيم والأخلاق الحميدة ومعاداة الدين وإبعاد المجتمع عن أخروية متخمة بالحور العين وانهار الخمر واللبن والعسل
ولذلك ولكل ما تقدم لا نرى من الضروري الاعتراض الذي يبديه البعض من مصطلح"صلى الله عليه وسلم"الوارد في استشهاد من احد الكتب السلفية وعلى لسان مؤلفه, كما ورد في إشارة المعلق المحترم السيد "المنسي القانع" على موضوع "فقه النكوص..الخطر على مستقبل الإسلام كحضارة وتأثير"والمنشور على الحوار المتمدن على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=162190,لكون ذلك يدخل ضمن خانة الحق الأصيل للكاتب السيد البر بهاري المحترم في حرية الرأي والتعبير,
فإذا كنا ندعي التمتع بالمنطق العلمي في نظرتنا إلى الأشياء..وإن كنا ندعي تبني الفكر العلماني والليبرالي.وإذا كنا نؤمن بالإنسان كقيمة عليا وكهدف أعلى.فلا يجب التلبس بلبوس الديكتاتورية الفصيحة.ولا يصح أن نتعامل كما لو كن مبشرين بدين جديد.. يخرج بفتوى ما أو بفقه المتأولين كل المخالفين لتعاليمه,ويرميهم في غياهب النبذ والتكفير..إنما وبسم المسؤولية التي يفرضها علينا الوعي فيجب أن ندعو لقبول الآخر - بوصفه إنساناً - و بوصفه صاحب فكر - وإن خالفنا- وبلزوم قبول الآخر المختلف ورفض فرض الآراء عليه كمبدأ لا يجب أن نتنازل عنه.
بل يمكن القول بأن تلك الطروحات الاستئصالية قد تزيد من زخم التنفير المبرمج من مفردة العلمانية والليبرالية لدى شريحة لا يستهان بها من الشعب ويؤدي خدمة مضافة للمشروع الاستحواذي الاستلابي للعقل المسلم من قبل النخب الدينية المرتبطة والمدعومة من قبل السلطان .
وأرجو أن لا يكون من السماجة تكرار مقولة فولتير" قد اختلف معك في الرأي,لكني على استعداد لدفع حياتي ثمناً,لأن تقول رأيك"...فمن لا يعرفها.
التعليقات (0)