لمباريات الديربي الكلاسيكي بين الغريمين التقليدين الوداد الرياضي و الرجاء البيضاوي، نكهة خاصة و طابع احتفالي، مرارا ما خدشت صورته الراقية تلك الأحداث المرافقة له، و التي عادة ما تخلف إلى جانب الفريق المنهزم ضحايا آخرين، يكون جمهور الفريق المنهزم هو من تسبب في وقوعها، و ذلك بعد قيام فئة محدودة بإحداث الضرر المعنوي و المادي و الجسدي، ضد كل من وجدوه أمامهم، بهدف تصريف غضب الهزيمة و فرغ مكبوتاتهم الداخلية، إلى حين النسيان المؤقت لمباراة الإخوة الأعداء و دخولها ثلاجة الماضي في انتظار موعد الديربي القادم.
فالقاعدة أضحت أن تخلف مباراة الديربي خسائر مختلفة و متنوعة، و الاستثناء فيها هو أن تمر بسلام، الشيء الذي لم يحدث رغم أنهم جربوا في أربع مناسبات، نفي الديربي للعاصمة الإدارية الرباط، كإجراء وقائي للحد من ظاهرة الشغب التي ترافق مباريات الحمراء و الخضراء، و الرفع من عدد رجال الأمن و قوات المساعدة، و توزيعهم على مختلف الممرات المؤدية لأبواب مجمع الأمير مولاي عبدالله.
و رغم الإحتياطات الأمنية المشددة التي يتم اعتمادها مرارا و تكرارا، فإن ما تخلفه مباريات الديربي الكلاسيكي فوق أن تتصور، نظرا لأن رهان بعض أفراد جمهور الفريقين هي إحداث الفوضى خارج و داخل الملعب، و الانتصار على جماهير الخصم هو الهدف المنشود مهما كان الثمن و العواقب المترتبة عن ذلك، و هي في غالب الأحيان تكون وخيمة و مكلفة.
هي إذن تكلفة الشغف الجنوني بمباراة من تسعين دقيقة، مباراة تزن ثلاث نقاط لا غير في بورصة بطولة من ثلاثين دورة، بطولة الفوز في مباراة ديربيها أفضل من الفوز بها هي بالذات، كما هو سائد عند شريحة واسعة من أوفياء الحمراء و الخضراء على حد سواء.
بين الشغف بأجواء الديربي المرغوب فيه والشغب المرافق له، جرت الكثير من الأحداث المشينة تحت جسر ديربي الإخوة الأعداء، منذ نهاية عقد تسعينيات القرن الماضي، و بات الشغب مرادفا أساسيا للشغف عند فئة من جماهير الغريمين، لدرجة أن إيقاف إعصار الشغب أصبح مسألة بعيدة المنال و صعبة التحقيق و التصديق حتى لو تطلب الأمر الكثير من التدقيق عند أبواب مركب محمد الخامس.
فالأيادي التي احترفت التخريب بعد عمليات من التجريب، غير مستعدة للتنزال عن حقها الطبيعي في القيام بأعمال الشغب، و قادرة بوسائلها الخاصة على إيذاء الآخرين، و تحدي كل من أنيطت بهم مهمة حفظ أمن و سلامة المواطن العادي و ممتلكاته الخاصة، فالكل يهون من أجل يظهر هؤلاء ولائهم التام لمعشوقتهم.
خاصيات الديربي المغربي الأول عربيا و إفريقيا، فريدة من نوعها و تجمع بين الكثير من المتناقضات، أولها أن أغلب مباريات الغريمين التقليديين تقام بأبواب مغلقة، لكن عند التدقيق في مداخيل المدرجات المكشوفة و المغطاة، نجد أن أكثر من نصف الحاضرين ولجوا أبواب الملعب دون المرور عبر بوابة اقتناء تذكرة اللقاء كما تفرض الضرورة، الشيء الذي حرم و لا زال يحرم خزينة الفريق الأحمر و الخضر من أموال كثيرة، أموال تفي بالمطلوب في تغطية المصاريف لبضعة شهور.
ثاني خاصيات الديربي السابع عالميا، تلك اللوحات الفنية التي ترسمها أنامل شغوفة بالمستديرة، في تسابق محمود بين جماهير الفريقين في نيل إعجاب و تقدير اكبر شريحة من المشاهدين و المتابعين، ليزيد سحر المدرجات الساحرة المستديرة متعة يعجز القلم عن وصفها و التعبير عنها بكلمات لن تفي بالمطلوب.
التعبير عن الشغف بالفريق المفضل لعشاق الغريمين التقليديين يأخذ أشكال متنوعة، مثلما يحصل عندما يرفع لافتات تمجد هذا الفريق أو ذاك، يقابلها في الطرف الثاني لافتات تنقص من قيمة الجار، و تستهزئ من تاريخه و تسخر من قيمة لاعبيه، من أجل خدش صورة الفريق المنافس و تسجيل أهداف التفوق في مرماه، أهداف غير تلك التي تسجل في شباك حراس المرمى، و التي تظل راسخة في ذكريات أوفياء القمة الكروية بامتياز.
لافتات بلغات مختلفة و تعابير راقية ممزوجة بأسلوب بديع ينم عن احترافية كبيرة في صياغتها، لكن هذا لم يمنع من حدوث بعض الفلتات التي خرجت عن اللباقة و احترام الطرف الثاني، حيث حملت بعض اللافتات عبارات عنصرية و قدحية مشجعة على العنف و الشغب، عوض التآخي و الصراع الشريف من اجل الزيادة من حلاوة ديربي.
التعليقات (0)