مواضيع اليوم

الديب والطاغية

سعيد مصطفى

2012-01-28 00:25:24

0

كان أفلاطون أول من واجه الطاغية وجهاً لوجه وأول من وصفه بالذئب ، وفريد الديب كان آخر من دافع عن الطاغية وتغزل فيه وأول من وصفه بالنسر وشبهه بالأنبياء . إنها مفارقة مضحكة مبكية فكأننى تخيلت الفيلسوف الكبير أفلاطون واقفاً مكان المحامى الهزلى فريد الديب فى ساحة المحكمة ليحكى بالتفصيل سيرة مبارك ويصف لهيئة المستشارين كيف بدأ وكيف حكم وكيف انتهى . فالطاغية مبارك تسلم الحكم فى أزمة بعد مقتل الرئيس السادات – وهكذا الطغاة منذ عهد الإغريق يسطون على الحكم فى الأزمات - ، ثم تقرب إلى الناس فى بداية حكمه بالابتسامة والتحية وأحدث بعض التعديلات والإصلاحات الطفيفة فى بعض القوانين وأجزل الوعود وأعفى بعض الناس من الديون ووزع الأراضى على مؤيديه ، وبدأ بتكوين حرس قوى بحجة المحافظة على مطالب ومكاسب الشعب ومراعاة مصلحته ، وتفاوض مع أعدائه فى الخارج ثم تحول إلى الداخل ليقضى على كل صاحب رأى مناهض وإسكات كل صوت مخالف وأشعل الحروب والفتن بين فئات الشعب ليشعروا بحاجتهم الدائمة إلى قائد يحميهم من الأخطار الكبيرة . وبعد أن اقتنع بقوة سيطرته على مقاليد البلد قام بإلصاق التهم الباطلة بحق أهله وسفك دماءهم واحتقر القوانين لإيقاف أى معارضة محتملة لحكمه ، وشيئاً فشيئاً تحول حكمه إلى جنون وكارثة . وصار الطاغية – يا حضرات المستشارين – على استعداد لقتل أى شخص لمجرد شعوره بأنه يشكل خطراً على شخصيته أو نظامه . أثارت ممارسات الطاغية القلق والكراهية والعداء تجاهه فى نفوس المواطنين ، وهذا ما دفعه لتدعيم سلطانه بزيادة عدد الحرس والمرتزقة والجواسيس وأغدق عليهم الأموال . وكان من بطانة الطاغية – يا سادة – الكتاب والشعراء والمثقفون الذين امتدحوه وأوهموا الناس أنه الحامى والرمز والمنقذ .

أدرك الشعب مدى الحماقة التى ارتكبها حين أنجب مثل هذا المخلوق ورعاه ورباه حتى صار ذئباً – بحسب وصف أفلاطون - .

وأفلاطون يقرر هذه الحقيقة " من يقتل الناس ظلماً وعدواناً ويذقْ بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم ، فمن المحتم أن ينتهى به المطاف إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب " .

ويصر هنا فريد الديب المحامى الهزلى على امتداح الطاغية الذئب والإعلاء من شأن المتجبر الظالم القاتل الذى ذاق بلسان وفم دنسين دماء أهله ، ويصفه بنسر الجو الجريح ، بل يشبه حاله بحال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى ناضل من أجل الحق والخير والحب والفضيلة والعدالة والحرية والمساواة فرماه أهل الطائف بالحجارة حتى أدموا قدميه .

الشاعر الكبير عمر أبو ريشة فى رائعته التى قالها فى نكبة فلسطين كأنه يصف واقعنا . دعونا من هزل الديب واستخفافه بالشعب المصرى العريق وبمعاناته سنين طوال وبدماء الشهداء ، ولنقرأ الأبيات التى تمنيت أن يُسْمعها أحدهم لهيئة المحكمة وأن تُتلى على أسماع الحضور وأن تصدم غرور وسخف الذئبين ( فريد الديب ) و ( الطاغية الذئب ) .. يقول أبو ريشة فيما قال مخاطباً الأمة ، مستنهضاً الراعى ليحمى غنمه وليقتص ممن ظلمه :

كيف أغضيت على الذل ولم تنفضى عنك غبار التهم

أوما كنت إذا البغى اعتدى موجة من لهب أو من دم

كيف أقدمت وأحجمت ولم يشتف الثأر ولم تنتقمى

اسمعى نوح الحزانى واطربى وانظرى دمع اليتامى وابسمى

ودعى القادة فى أهوائها تتفانى فى خسيس المغنم

رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه البنات اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

أمتى كم من صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم

لا يُلام الذئب فى عدوانه

إن يك الراعى عدو الغنم

 

هشام النجار




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !