مواضيع اليوم

الدولة.. بين حكومة الكفاءة وحكومة الثقة - الحلقة الثانية

الدولة.. بين حكومة الكفاءة وحكومة الثقة


"الحلقة الثانية"

"رفيق معالي الوزير"

 

عبد الهادي فنجان الساعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


من المأثور عن النبي محمد (ص) "انا جد كل تقي"

سمعت عن نداء تلفوني من احد الوزراء يمثل القيم السائدة في عصور التخلف العربي الاسلامي وحتى العصر الحاضر، يوجه هذا النداء من احد وزراء العصر الديمقراطي الحديث في جمهورية العراق الديمقراطية الفدرالية الاتحادية الى رئيس احدى المؤسسات المهمة في هذا البلد العريق. يقول في النداء: ابعث لك "رفيقي" ارجو تعيينه في الدرجة الشاغرة لديكم. "مع ان المسلمين يشكلون نحو 13% من عدد السكان فان نسبتهم في قطاع الخدمات الادارية النخبوية في الهند لا تتخطى الـ (3%) ومن غير المفاجئ ان معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية جعلت بعض المسلمين يفقدون الثقة في مؤسسات الهند الديمقراطية وينقلبون ضد الدولة بشكل عنيف. مع ذلك كان قادة الهند الحاليون بطيئين في الاعتراف بهذا الواقع ايضا. او على الاقل التكلم عنه علناً، خوفا من اغضاب الناخبين المسلمين المهمين(1).
لقد دمرني هذا النداء لانه يمثل اربعة عشر قرنا من التخلف والاكثر تخلفا من ذلك هو ان هذا الرفيق سيشغل منصبا ثقافيا في اهم دائرة من دوائر العالم المتقدم التي تهتم بالثقافة، بالرغم من اننا لانمتلك ثقافة ولا بحث في هذه الدائرة، والاكثر ايغالا من القتل هو ان يصدر هذا النداء من اهم وزير مفترض في وزارات العالم، حيث تمثل الثقافة جانب البناء الحيوي والخطير في أي منظومة سياسية وحكومية في العالم، ولكننا لانعتبر هذه الوزارة سوى (حقيبة لموازنة الحصص من الحقائب الوزارية) لمرفق يعتبر كماليا في الدول التي تقع شرق الاطلسي. وهذه الحقيبة مخصصة لإرضاء أحدى الكتل التي ما تزال تشغلها وكأنها لاتمتلك مثقفا او سياسيا يعرف كيف يدير امور الثقافة في البلد وقد فشل هذا التكتل المذهبي الذي خلفه بريمر في هذا الجانب فشلا مروعا.
"ماذا نعني بـ "الازمة الثقافية"؟ ان الجواب على هذا السؤال يتأتى بطريقة مباشرة، فكلما يعمل المجتمع واجبه في السهر على سلوك الافراد بدعوى الحرية، او اية دعوة اخرى، ويزول الضغط الاجتماعي، تنطلق الطاقة الحيوية من قيودها، سواء كانت هذه القيود مفروضة على اساس ديني او اساس دستوري، فتدمر كل ما يقوم على تلك الاسس سواء كانت دينية، او علمانية، أي انها تدمر كل البناء الاجتماعي.
وهذا يحدث ايضا عندما يفقد المرء، مثلا لاسباب سياسية، حقه في النقد او فيما يشير اليه الحديث السابق كواجب تغيير المنكر"(2).
في الحين الذي يعتبر الزنا والسرقة والغش منكرا يجب تغييره من قبل اولي الامر أو القائمين مقامهم فتعاملهم لا يعتبر تعيين الثقة والاقارب على حساب الكفاءة والنزاهة وتدمير القيم الاجتماعية منكرا بل يدخل في باب الوفاء للعشيرة وتحت قاعدة "الاقربون اولى بالمعروف"، وكأن الوطن او المجتمع لا مكان لهم في هذه القاعدة الفقهية التي لا ترتبط بهذه الاشكالية في أي فقرة من فقرات هذه المبادئ المتأزمة التي تشكل مفاهيم عصور المجموعات القبلية المتوحشة والتي تعيش على حساب قتل الاخرين والاستيلاء على اسلابهم.
"ان ميزانية التاريخ ليست رصيدا من الكلام بل كتل من النشاط المادي ومن الافكار التي لها كثافة الواقع ووزنه. وهذه الميزانية المكونة من صنوف النشاط الايجابي هي في الحقيقة ميزانيات من القيم الثقافية تقوم على فصول الثقافة الاربعة: فمنهجها الاخلاقي، وفلسفتها الجمالية، وفنها الصناعي، ومنطقها العملي"(3).
عندما جاء فيء العراق في زمن احد الخلفاء الراشدين، اعطى خمسه الى احد اقرباءه وكان هذا الخمس يمثل مبلغا كبيرا فاعترض عليه الصحابي والمحدث الكبير عبد الله بن مسعود فقال له الخليفة : اتمنعني ان اصل ارحامي؟!! فقال له ابن مسعود: ان كان من مالك فهو اسراف والله لا يحب المسرفين وان كان من مال المسلمين فهو حرام!!! فحرمه الخليفة من العطاء حتى وفاته!!!
وبالرغم من كل ذلك وبالرغم من مرور اربعة عشر قرناً على هذه الحادثة ومازلنا نصل ارحامنا بالمال الحرام على حساب اموال الناس واموال البلد تحت غطاء الفتاوى الفقهية والحديث النبوي" صلوا ارحامكم".

الحواشي
(1) مجلة نيوزويك عدد 9 ديسمبر 2008 مقالة بعنوان "ثلاثة عيوب فتاكة في سياسة نيودلهي" ص4.
(2) مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر، ص130.
(3) المصدر نفسه، ص162.


كاتب وصحفي عراقي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !