الدولة.. بين حكومة الكفاءة وحكومة الثقة
"الحلقة الثالثة"
"البحث عن نيمو "
عبد الهادي فنجان الساعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وراء كل اصولية تكمن اسطورة نرجسية القبيلة"(1)
في احدى الدوائر التي ترعى الحكمة في بلد الخليفة المأمون المتشظي بين العرب والفرس. لا يعرف رئيس اكبر محفل من محافل الحكمة اين يقع شارع المتنبي، هذا الشارع الظاهرة الذي يتفرع من ظاهرة اكبر هي شارع الرشيد الذي يمثل مجموعة من الظواهر في كل فرع من فروعه. هؤلاء الموظفين الكبار المسؤولين عن صنع القرار في مؤسساتهم هم الذين يمثلون الجانب البائس من هذه الامة، بودي لو ابعثهم الى مجاهل افريقيا لاطعام القبائل التي تشكو الجوع والعري في عصر الاتصالات بجيله الثالث.
هؤلاء هم اطفال الانابيب في الشرق حيث هناك الغبي والاغبى والرديء والاردأ بموجب قانون تعيين الثقة والاقارب والاصدقاء دون الالتفات الى اهمية الكفاءة في البناء المستقبلي لبنية البلد الاخلاقية والتقنية.
اذا اردت ان تعرف الى اين يسير هذا البلد فاذهب لترى المجموعات الكبيرة من المستشارين من ذوي القربى والذين يلتصقون بصنّاع القرار اكثر من التصاقهم بالمعرفة او حتى المعرفة بالشيء او لماذا وجدوا في هذا المكان اللعين "فالاستشارات بالنسبة الى السياسة الخارجية هي بمنزلة الموقع بالنسبة للعقار: ليست كل شيء ولكنها تكاد تكون كل شيء"(2).
لقد تركنا لهم كل شيء ولكنهم مازالوا يبحثون عنا، لالشيء الا لندفع عنهم السأم عندما يتمتعون بتعذيبنا.
"ان ازمة المجتمع المدني العربي ناتجة عن هيمنة الحكم العربي على المجتمع، وعن تهميش الشعب، والحد من مبادراته ومشاركته في عملية التغيير، بحرمانه من حقوقه الانسانية الاساسية، ومنها حقه في العمل المنظم والتعبئة الشعبية، من خلال مؤسساته وجمعياته المهنية واتحاداته ونقاباته واحزابه ومنظماته، ومختلف الحركات الاجتماعية المستقلة التي يمكن العمل من خلالها على تغيير الواقع. وان البحث في ازمة المجتمع المدني هو البحث في ممارسات الدولة التعسفية للسلطة فلقد سلبت الدولة العربية المجتمع من وظائفه الحيوية واحتكرتها لنفسها"(3).
عندما عملت في احدى اللجان التي تحاول ان تعيد الاعتبار الى المفصولين السياسيين ورايت العمل في هذه المباءة الفاسدة، تذكرت صديقي الذي يعيش في امريكا عندما قال من باب السخرية بان الله قد ترك الشرق وهو الان في هذه الاماكن الجميلة، في هذه البلدان الرائعة يزرع لهم الورود وينزل عليهم الامطار والثلوج ويخلق لهم كل ما يرفه عنهم في حياتهم (انتهى).
اما هنا فعشرات الجثث في الشوارع حيث الدماء لا تغسلها سيارات الدولة انما تغسلها الامطار القليلة التي لا تنزل لتسقي الزرع انما لتغسل عنا عار المقتلة.
"الارادوية، مصطلح سياسي يعني الاستعلائية، وفرض ارادة الحاكم ونزعته الديكتاتورية، التي يحاول بها ان يغلّب ارادة التأريخ. هي ارادة ما لا يريده التأريخ. والارادوية هي وضع الرغبات فوق التأريخ؛ أي انها قد تحيد عن مسارات التأريخ الحتمية؛ أي عن تاريخانيته، او ان انعطافاته ومفاجأته غير المتوقعة، لان الرهان عليها مجرد اضغاث احلام. وهي ادعاء مزدوج بمعرفة المستقبل، وبالقدرة على تحقيقه طوعا او كرها. والارادوية في القاموس الاشتراكي، تعني تغليب العنصر السياسي على الاقتصادي، واعتماد الفكرة التي تقول بأن البناء الفوقي المتقدم يقيم البناء التحتي)(4)
عندما نتابع التطورات السياسية في العالم نجد بأن الشرف في العالم الاخر هو في "الكلمة" و "الموعد" و المصداقية لها ما يعادلها في اذهان الناس من تصورات حيث تهاجر العائلة بعد ان تعاني في بلدها فتجد بعد سنوات بأن احد ابنائها او بناتها قد تبوأ أو تبوأت منصبا يحتاج في بلداننا الى الاف السنين من المشي حافيا لتصل اليه.
عندما تنظر الى قبورنا تجدها عالية اما قبورهم فتجدها دارسة (خير القبور الدوارس)(5). اما عندما تنظر الى مبانينا فتجدها قريبة الى الارض بينما تجد مبانيهم تناطح السماء، هناك ستعرف السبب، لاننا نوظف الاقارب والاصدقاء ومن نثق به هنا. اما هم هناك فيبحثون عن الكفاءة في التوظيف. وبالتاكيد ستجد هنا القتل غماً عندما تخطئه الرصاصة.
لقد شدني فلم كارتوني اسمه "البحث عن نيمو" "Finding Nemo"
وهو يتلخص بمغامرات سمكتين ذكرين واحدة زرقاء والاخرى حمراء وهما يبحثان عن ابن السمكة الحمراء الذكر الضائع وعندما تيأس السمكة الحمراء تخاطبها السمكة الزرقاء الذكر في حوار جميل.
-: ايها البائس .. إذا عاكستك الحياة ماذا تفعل؟!!
السمكة الحمراء الذكر:- لا ادري..
السمكة الزرقاء الذكر :- تواصل السباحة !!!
الحواشي
(1) محامي الشيطان، شاكر النابلسي، ص206.
(2) مجلة نيوزويك عدد 9 ديسمبر 2008 مقالة "الصين .. لا لعزلها نعم لدمجها" بقلم ريتشارد إن هاش، ص31.
(3) حليم بركات، المجتمع العربي في القرن العشرين، ص923، انظر محامي الشيطان
(4) الارادوية (Voluntarisme). العفيف الاخضر، انظر محامي الشيطان، ص200.
(5) حديث مأثور عن النبي (ص)
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)