الدولة.. بين حكومة الكفاءة وحكومة الثقة
"الحلقة الاولى"
"مبعوث المفتش العام"
عبد الهادي فنجان الساعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لم ارَ اسوأ من البعثيين سوى مبعوث المفتش العام في أحدى الوزارات لاننا وجدنا بأنه لم يكن مقتنعا بوظيفة نصف اله"
" ومن عادة التأريخ الا يلتفت للامم التي تغط في نومها، وانما يتركها لاحلامها التي تطربها حينا، وتزعجها حينا آخر، تطربها اذ ترى في منامها ابطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم، وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد."(1)
تألفت الحكومة العراقية الحديثة في بداية العقد الثالث من القرن العشرين وما تزال تحمل نفس النمط السائد في ايامها الاولى حيث ليس هناك فلسفة سائدة تستند اليها وانما تكون قراراتها مستنبطة من الثقافات المتخلفة السائدة بين طبقة المسؤولين الكبار الذين يتولون شؤون الدولة، وهكذا فقد اصبحت الحكومات المتتالية تمثل أمزجة الطبقة العليا من صناع القرار حيث تمتزج مجموعة من المكونات في عقول مجموعة من الساسة الكبار من ذوي التفكير المحدود الذين يأتون الى هذه المناصب بموجب معطيات عديدة وبالتأكيد لا تمت الى الكفاءة بصلة.
"المشكلة الاساس هي السلطة، وبنية السلطة عند العرب. وما لم تتغير هذه البنية من المحال ان نتقدم. لان السلطة صارت مجتمعا منفصلا داخل المجتمع العريض مثل قلعة مطوقة ومسورة من جميع الجهات، وهي تملك المجتمع الذي تهيمن عليه بالكامل فهي اذن تشل المجتمع وتمنعه من ان يشارك على أي مستوى في بناء السياسة التي هي مسؤوليته. المجتمع وافراده لا رأي لهم على أي مستوى وفي أي شيء والشعب معزول عن المشاركة في بناء مصيره وفي بناء حاضره وبناء مستقبله. وهذا العزل الذي تمارسه السلطة العربية منذ قرون هو اساس تخلفنا"(2)
في اعتقادنا بأن الفلسفة هي المكون الاساسي للاقتصاد حيث يولد هذا الاقتصاد من ضمن معطيات الفلسفة الاساسية، والفلسفة هي مجموعة المكونات الفكرية والتي تمتزج مع تجارب عديدة ودراسات في حاوية يحملها الانسان في الجزء الاعلى من قحف الرأس تمثل خلاصة المعطيات الانسانية والتي فسرتها القواميس بـ(حب الحكمة) وما اعتقده بأن الكثير من صناع القرار بين قوسي الاطلسي وحدود الصين قد حرموا منها لفترة طويلة تعادل سبعة قرون الى هذه اللحظة وما موجود من صناع القرار هم مجموعة من"اصحاب الحظوظ"(3) او لاعبي السيرك الذين يمتلكون القدرة على الانتقال من تكتل الى تكتل ولكنهم لا يمتلكون القدرة على الانتقال من طائفة الى طائفة لان ذلك يمثل احدى المقدسات الحاجزة والانتقال يمثل اشد المحرمات التي تحرمه من الدنيا ومن الاخرة التي لا يؤمن بها الا بقدر ما تمثل له من مردودات اقتصادية او عشو فكري وحب للسلطة قد يعادل في ذهنه اشكالية وجود الله. ألم تنسخ بعض الاحاديث آيات قرآنية، لا لشيء الا لمصلحة السلطان.
"مما يلفت النظر ان اول معهد للدراسات العالية ينشأ في العراق قبل الحرب العالمية الاولى كان "كلية الحقوق" لكن الكليات الفنية الزراعية بقيت حتى يومنا هذا غير ذات كفاءة، والاقبال عليها قليل، وخريجوا كلية الحقوق وكليات العلوم الانسانية يتزايد عدد العاطلين منهم، او بقليل من العمل، تجدهم بعد انقطاع صلتهم بتقاليد آبائهم واجدادهم او بعد ان احتقروها يظهرون بواجهة من المدنية الغربية التي لم يتشربوها في الواقع: طموحون، مترفعون عن العمل اليدوي، حاقدون ابدا على مجتمع لا يقدر مؤهلاتهم حق قدرها، ألفوا طبقة خاصة ملكتها شهوة جامحة للعمل السياسي بأضيق مفاهيمه، ونزعت الى تشكيل زمر وعصابات تعمل على حبك الدسائس والمضاربة بالاشاعات وهو نشاط عقيم بائر خلا انه كان عنصرا من عناصر الاستياء والسخط وعاملا منشطا لكل مركز من مراكز القوى في محاولته الاطاحة بالحكم وكان الجيش العراقي او بعبارة اصح نخبة من ضباطه افضل مركز من مراكز هذه القوى ملائم لهذه الغاية من تحقيق الاستقلال"(4)
وبما اننا لا نؤمن بفلسفة محددة فاقتصادنا لم يعد محددا بشكل معين فلا هو بالاقتصاد الاسلامي ولا هو بالاقتصاد الرأسمالي ولا هو بالاقتصاد الاشتراكي.
وبما ان الاقتصاد يولد مجتمعا مشابها له فقد ولد مجتمعنا وهو يتصف بكل ما يتصف به الاقتصاد من فوضى وآلام وخسائر. اما الارباح فهي على حساب الآخرين. فهنا تجد نعمة موفورة وبالتأكيد ستجد بجانبها حق مستلب.(5)
وعند ما تجد من يتعامل بالحلال والحرام تجد في الجانب الاخر من يتعامل بالعرض والطلب، والكل يطالب الحكومة بأن توفر الوظائف والسكن والتعليم وكل الخدمات الاخرى، وهو مطلب يكاد يكون اشتراكيا اتكاليا نابعا من كسل في الروح الشرقية الاسلامية وقد ولّد مجتمعا يدعو الغيب وهو نائم في قعر الهاوية ولا يعرف كم مرة حاول الانسان في الضفة الاخرى من العالم الغربي صعود هذه الهاوية حتى خارج منها عاريا لينسج ملابسه من قطن الشرق ويجعل لطعامه مذاقا آخر من توابل الهند ودول شرق آسيا ومطيباتها.
هذا المجتمع الذي ولد من حاضنة هذا الاقتصاد المتردي والذي يتميز بطعامه البري وخيراته التي يتمتع بها الانسان اكثر من الاطعمة والخيرات التي يصنعها.
هذا الانسان البائس هو الذي يخلق الحكام. وعندما وجد الانسان في الجانب الاخر من العالم الطريقة التي يختار بها حكامه، بقي الشرق يخلق حكاما لا يعرفون غير افواههم وفروجهم بموجب معطيات خلقها فقهاء السلطة الذين تحولوا في الوقت الحاضر وبموجب المعطيات الى فقهاء للارهاب والتسلط والدم.
الم يتزوج المستعصم بالله العباسي 750 امرأة من اجمل جواري العالم!!. اما آخر الخلفاء العثمانيين فقد وجد بانه متزوج من 300 جارية من اجمل الجواري وهن صبايا من مختلف اطراف الامبراطورية الاسلامية الي كانت تدعى بالامبراطورية العثمانية واستحقت لقب "الرجل المريض" اما حضارتها فقد سميت "حضارة المطبخ".
"ايها العرب يا جبالا من الطحين واللذة) (6).
هذه الامم البائسة لا توّلد الاّ حكاماً بائسين.
الحواشي
(1) شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة عمر كامل مسقاوي، عبد الصبور شاهين، دار الفكر، ص34.
(2) الشاعر اودنيس في "حوار مع اودنيس" صقر بو فخر، انظر زلزال في ارض الشقاق، تاليف د. كمال ديب، تقديم د. جورج قرم، دار الفارابي، ص475.
(3) يقول لقمان الحكيم "اللهم اعطني ولداً من اصحاب الحظوظ كي يخدمه اصحاب العقول ولا تعطني ولدا من اصحاب العقول كي يخدم اصحاب الحظوظ".
(4) العراق في عهد قاسم، اوريل دان، ترجمة وتعليق جرجيس فتح الله، الجزء الاول، دار بنز للطباعة والنشر، السويد 1989، ص17.
(5) يقول الامام علي "ما ترى من نعمةٍ موفورة الا بجانبها حقٌ مستلب".
(6) من قصيدة للشاعر العربي الفذ محمد الماغوط ، الفرح ليس مهنتي، المجموعة كاملة
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)