الدولة الناجحة والدولة الفاشلة
كان مصطلح الدول الفاشلة قد استخدم للمرة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون، ونعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان، ومثل الصومال حاليا، حيث أصبحت القرصنة البحرية تنتشر على سواحلها، ولكن التقرير لم يستند على نفس الرؤية الرسمية الأمريكية في تحديد الدول الفاشلة، وكانت نظرة الخبراء المستقلين الذي أعدوا التقرير اقرب إلى نظرة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي أصدر العام الماضي كتابه "الدول الفاشلة"، ليؤكد من خلاله أن الولايات المتحدة الأمريكية ينطبق عليها تعريف الدولة الفاشلة، والتي احتلت المرتبة 161 في مؤشر هذا العام، خلف بريطانيا، ولكن الاثنين خرجا من المساحة الخضراء، ليكونا في آخر المساحة الصفراء.
إن تقرير مجلة "السياسة الخارجية" ومؤسسة صندوق السلام يستخدم 12 مؤشراً لتحديد مواقع الدول المختلفة في ترتيب الفشل، ويقدم تقديراته الكمية لكل من هذه المؤشرات.
اعتمدت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية المختصة بتقدير حالة الدول , مسألة القلق الأمني وتدني مستويات الخدمات وما يحصل فيها من نزعات، وكوارث طبيعية وغير طبيعية.
و"صندوق السلام" هو منظمة تسعى إلى منع الحروب ومكافحة الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع صراعات مسلحة، وتتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقراً لها.
المؤسستان تعرِّفان الدول الفاشلة بأنها تلك التي لا تستطيع أن تقوم بوظائف أساسية وتحديداً التعليم والأمن والحكم.
وهناك تقرير "بروكنغز" يتعامل مع أربعة مؤشرات فقط، هي النمو الاقتصادي، والمؤسسات السياسية وخصوصاً قوة البرلمان، والأمن، والرفاهية الاجتماعية. ويميز تقرير "بروكنغز" بين دول فاشلة ودول ضعيفة ودول ذات وضع مقلق.
اعتمد التصنيف على عدد من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن بينها شرعية الدولة، مستوى الخدمات العامة، الضغوط الديمغرافية وحقوق الانسان , وعلى 12 مؤشرا اجتماعيا، اقتصاديا ، سياسيا، وعسكريا، مؤشراً لقياس مدى نجاح وفشل حكومات الدول في التعامل مع المشكلات المختلفة التي تواجهها , مثل الزيادة في عدد السكان، وسؤ توزيعهم، الحركة السلبية للهجرات و اللجوء ، الميراث ألعدائي بين الطوائف، والقبائل، والأعراق . غياب التنمية . مستوى الفقر , وانعدام المساواة. فقدان شرعية الدولة، وغياب القانون. تدخل دول خارجية في شئون الدولة بما في ذلك التدخلات العسكرية، كما يحدث في العراق وأفغانستان.
ووفق التصنيف السنوي الرابع الصادر عن المجلة الأمريكية، بالاشتراك مع "صندوق السلام"، فقد جاءت الصومال على رأس قائمة الدول "الفاشلة"، برصيد 114.2 نقطة، تلتها السودان في المركز الثاني برصيد 113 نقطة.
أما الخامسة فكانت العراق، التي جاءت بالمركز الخامس برصيد 110.6 نقطة، ثم لبنان في المركز الثامن عشر برصيد 95.7 نقطة، فاليمن في المركز 21 برصيد 95.4 نقطة , وبالنسبة لمصر، فقد احتلت المركز 40 بالتصنيف الدولي، الذي شمل 177 دولة، برصيد 88.7 نقطة، لتصبح سابع دولة عربية تأتي ضمن المراكز الـ60 الأولى، في حين جاءت إسرائيل في المركز 58 برصيد 83.6 نقطة، ولأول مرة منذ بدء التصنيف العالمي قبل أربع سنوات. بحسب (CNN
وفي تقرير هذا العام ترتبت الدول العشر الأكثر فشلاً في تقدير الباحثين الذين أعدوا هذا التقرير كما يلي: الصومال- السودان- زيمبابوي- تشاد- العراق- الكونغو- أفغانستان- كوت ديفوار- باكستان- إفريقيا الوسطى . ثم تلتها عشرون دولة أخرى فاشلة أكثرها يقع في إفريقيا جنوب الصحراء، ولكن بعضها في آسيا: كوريا الشمالية (رقم 15)، وأوزبكستان (رقم 26)، و طاجيكستان( رقم 39).
وجاءت النرويج في المركز 177 والأخير برصيد 16.8 نقطة، ففنلندا في المركز 176 برصيد 18.4 نقطة، والسويد بالمركز 175 برصيد 19.8 نقطة.
وأشار التقرير إلى أن التصنيف اعتمد على 12 على مدار العام، تتنوع ما بين مؤشرات اجتماعية، وأخرى اقتصادية، وثالثة سياسية، بالإضافة إلى مؤشرات عسكرية.
وتم التوصل إلى هذه المؤشرات بعد استطلاع آراء نحو 30 ألف خبير دولي خلال الفترة من مايو/ أيار 2007 إلى ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، وفقاً لما جاء في التقرير.
واكتست قائمة ضمت الدول الـ35 الأولى ضمن التصنيف باللون الأحمر، في إشارة إلى أن تلك الدول دخلت المرحلة الحرجة، ثم الدول من 36 إلى 127 باللون البرتقالي، وهي مرحلة الخطر، ثم الدول من 128 إلى 162 باللون الأصفر، أي المرحلة المتوسطة، ومن الدول 163 حتى 177 باللون الأخضر، وهي مرحلة الأمان.
عربيا احتلت عمان المرتبة الأولى حيث حلت في المرتبة 146، متقدمة على بولندا، وبعد اليونان مباشرة، ولكنها في المساحة الصفراء مع كل من الإمارات العربية المتحدة، قطر، والبحرين، أما بقية الدول العربية فقد احتلت المساحة البنية، ما عدا الدول الستة التي احتلت المساحة الحمراء ، أما ليبيا فقد احتلت المرتبة 111 متقدمة عل كلا من أوكرانيا وأرمينيا.
وبحسب التقرير فإن الدولة "الفاشلة " هي : الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة.
ولو نظرنا إلى الدول الثلاثة الأولى المتربعة على قائمة الدول الفاشلة وهي:
الصومال - والسودان - والعراق ، لوجدنا أنها لم تكن فاشلة كما هي الآن , قبل التدخل الخارجي في شؤونها .
فالصومال أبان المحاكم الإسلامية شهد أمنا واستقرارا . لكن بعد اجتياح القوت الإثيوبية لأراضيه، ليمارس الاحتلال بالنيابة عن القوات الأمريكية، فقد الأمن والاستقرار، وباتت أرضه تعج بمسميات التنظيمات المسلحة المقاتلة للاحتلال، علاوة على قطاع الطرق والقراصنة الذين يمتهنون خطف الرهائن لمبادلتهم بالدولارات ، وأصبحت حركة الشباب المجاهد من أقوى التنظيمات المسلحة بالصومال، وحلت محل المحاكم الإسلامية المشهود لها بالاعتدال.
السودان لا يختلف الحال فيه عن الصومال، فما الذي حوله إلى دولة فاشلة سوى التدخل الخارجي بجنوبه وفي دار فور، فتحولت تلك المنطقتين إلى مرتع للجماعات المسلحة ، وأصبح حرق مدن وقرى بأكملها خبرا يوميا.
العراق أيضا، لم يكن قبل احتلاله دولة فاشلة، وكان ينعم بالأمن والاستقرار، ولم يكن به لا مليشيات ولا حتى أحزاب، غير الحزب الحاكم آنذاك، وأصبح الآن بعد خمس سنوات من الاحتلال، يعج بعشرات المليشيات، من مختلف الطوائف المتصارعة .
تلك النماذج الثلاثة تؤكد أن التدخلات الخارجية هي التي حولت تلك الدول إلى دول فاشلة , لأنها هزت أسس دستورها وتشريعاتها وقوانينها وأبطلت فاعليتها.
لنشبه الدولة الناجحة أو الفاشلة كما يفعل الكثيرين بجسم الكائن الحي مقارنة بخلاياه وأعضائه , فهذا يوضح لنا الأمور , ويسهل تحديد عوامل نجاح أو الفشل .
في الأساس عوامل النجاح أو عوامل الفشل أكانت للشخص أو الجماعة أو أي كائن حي , هي متعددة . يمكن أن يكون الحظ أي الظروف والأوضاع هي مصدر النجاح أو مصدر الفشل , وعندها يكون النجاح أو الفشل , كاذباً , وغالباً يزول بزوال الظروف والأوضاع , فهناك فرق بين الدولة الناجحة والدولة الغنية .
ويرى البعض أن التصنيع أو العلمانية أو الديمقراطية أو التنوير أو الحداثة , هم من أهم عوامل نجاح الدول , ولكن هذه العوامل في رأي البعض الآخر غير كافية وغير أساسية .
عوامل نجاح وقوة الدولة :
1 - أرض وموارد مناسبة وكافية للنجاح
2 - يتطلب في أول الأمر انتماء موحد وقوي يوحد الأهداف والطاقات والموارد , وتوفر عوامل بناء دولة المؤسسات والقوانين , والانتماء القوي لا يكفي إذا كان هناك عوامل وظروف معادية كبيرة . لماذا مصر لم تستطع الآن بناء دولة ناجحة مع أن أفرادها لهم انتماء قوي موحد . بينما إيران الآن مثلها,هناك انتماء قوي موحد لغالبية أفرادها , وهي سائرة في بناء دولة ناجحة وقوية .
دولة الولايات المتحدة مثال :
تعتبر دول ناجحة وقوية , ولكنها مؤلفة من ولايات وجماعات وانتماءات متعددة ومختلفة , أي الانتماء القوي للدولة غير محقق من قبل كافة الأفراد أي ليس هناك قومية أو أمة واحدة متماسكة , وهذا يعني أن شرطاً هاماً لنجاح الدولة لم يتحقق , ما تفسير ذلك ؟
في الواقع إن بناء الدولة ذات الدستور والتشريعات والقوانين المناسبة والفعالة والمطبقة على الجميع , قد تم نتيجة جهود وتضحية مؤسسي الدولة . وأصبحت مشكلة تعدد و تضارب الانتماءات مسيطر عليها بالتشريعات والقوانين النافذة . وسوف يظهر تأثير الانتماءات المتضاربة إذا ضعفت سلطة الدولة , وعندها سيحصل انهيار كامل للدولة , كما هو حادث الآن في العراق والصومال ولكن على مستوى أكبر .
3 - بناء أنظمة وتشريعات وقوانين مناسبة ويلتزم الجميع بها , بناء حكومة ومؤسسات المناسبة والفعالة والمتطورة ( السياسية الداخلية ) .
4- نشاط و فاعلية وثقافة ( التعليم ونسبته) وحضارة الأفراد , فمن عوامل نجاح أو فشل الدولة , درجة نشاط وتعليم وثقافة وحضارة الأفراد , والملاحظ بشكل عام أن شعوب الشمال البارد أنشط من شعوب الجنوب الحار . أفريقيا - أمريكا الجنوبية - المكسيك - بعض الدول العربية
5 - قدرات مناسبة وكافية للحماية والدفاع عن الدولة , والمشاركة المناسبة والفعالة مع الدول الأخرى ( السياسية الخارجية ) .
6- عدم وجود عوامل طبيعية معادية , أو أعداء من الخارج
7 - استغلال غيرها من الدول ( استغلال مواردها أو شعبها ) .
عوامل فشل وضعف الدول :
1 - انتماءات متعددة ومتضاربة وصراعات داخلية .
2- أنظمة وحكومة غير مناسبة وعدم قوانين مناسبة ويلتزم الجميع بها .
3 - أرض وموارد غير كافية .
4 - نشاط وثقافة ( التربية والتعليم ) وحضارة الأفراد غير كافية .
5 - ظروف طبيعية غير مناسبة , وأعداء أقوياء من الخارج .
أمثلة على الدول الناجحة وأهم عوامل نجاحها .
الصين الآن : تحقق العوامل النجاح الخمسة , وهي لا تستغل غيرها من الدول .
اليابان : حققت الشروط الأربع , مواردها متواضعة , استغلت في وقت سابق دول أخرى .
إنكلترة : مثل اليابان , مواردها متواضعة واستغلت دول أخرى .
الولايات الأمريكية المتحدة : محققة الشروط الأربعة , الانتماء الموحد القوي غير محقق , فهناك الكثير من الجماعات والانتماءات المختلفة المسيطر عليها بالقوانين والتشريعات , تستغل غيرها من الدول .
النيروج - والسويد - كندا : محققة الشروط الخمسة , لم تستغل غيرها من الدول
ماليزيا : محققة الشروط الأربع , هناك انتماءات متعددة مسيطر عليها , ولم تستغل غيرها من الدول .
ظاهرة سنغافورة - هونغ كونغ - تايوان - الإمارات العربية المتحدة .
أن الشركات والمؤسسات الجبارة التي نشأت نتيجة التطورات الاقتصادية , قد نمت وأصبحت بعضها بنيات تفوق بعض الدول قوة وتأثيراً . تؤثر الآن و تتحكم في الدولة فتجعلها ناجحة أو تجعلها فاشلة , وهونغ كونغ مثال وكذلك دبي أو دولة الإمارات . . . مثال على ذلك .
لماذا نجحت دولة كوريا الجنوبية وفشلت دولة كوريا الشمالية , وكذلك ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية , وكذلك تايوان والصين الشيوعية . مع أنهم شعب واحد , وبنفس الظروف والخصائص انقسم إلى قسمين ؟
في رأيي البعض : هذا كان فقط نتيجة اختلاف أنظمة الحكم , أي اختلاف الدستور والتشريعات والقوانين هو الذي أدى لذلك.
نجاح دول وإمبراطوريات قديمة :
الصين القديمة : محققة الشروط الخمسة ولم تستغل غيرها من الدول .
حضارة الفراعنة : محققة الشروط الخمسة , ولم تستغل غيرها من الدول .
الإمبراطورية الرومانية : محققة الشروط الخمسة , الانتماءات متعددة .
المغول : محققة الشروط الأربعة , انتماءات موحدة في البداية , موارد قليلة في البداية , استغلت غيرها من الدول .
الأمويين والعباسيين : انتماءات موحدة في البداية وموارد قليلة , استغلت غيرها من الدول .
الدول القديمة التي كانت ناجحة : الفرس - الرومان - المايا - الأزتك -
إن نجاح الدول ليس ضرورياً أن يكون نتيجة مبادئها و تصرفاتها الحميدة , بل يمكن أن يكون نتيجة طغيانها واعتدائها على الدول الأخرى .
والملاحظ أن الدول الكبير الضعيفة يمكن أن تتفكك إلى دول صغيرة نتيجة تعدد وتضارب الانتماءات وضعف أو عدم صلاحية الدستور والتشريعات والقوانين , أمثلة على ذلك تفكك الاتحاد السوفياتي وتفكك يوغسلافيا , وتفكك الإمبراطوريات في السابق .
وبالعكس الدول الناجحة ونتيجة تطورها الاقتصادي والإداري والسياسي وبراعتها في هل الصراعات وتحويلها إلى صفقات , تسعى لتعزيز المشاركة مع بعضها وزيادة نجاحها , الاتحاد الأوربي وغيره مثال .
يمكن للدولة الناجحة أن تهدد باقي الدول أو تستغلها , ألمانيا النازية هددت دول - إنكلترة استغلت واستعمرت دول ضعيفة - والولايات المتحدة الآن تستغل وتهدد دول ضعيفة . أي مثلما الدول الفاشلة يمكن أن تهدد وتسيء لدول أخرى كذلك بعض الدول الناجحة تسيء وتستغل بعض الدول . فإسرائيل يمكن اعتبارها دولة ناجحة , ولكنها تعتدي على جيرانها وتضر بهم .
فبعض الدول الناجحة تؤذي الدول الفاشلة أو تستغلها وتزيد فشلها والولايات المتحدة الآن هي مثال على ذلك .
أصل نشأة الدولة
هناك العديد من المذاهب والنظريات لتفسير وبيان نشأة الدولة أهمها :
ا - نظرية تطور الأسرة
هذه النظرية ترجع أصل الدولة إلى الأسرة وأساس سلطة الحاكم إلى السلطة المتمثلة في رب الأسرة وهو الأب
تصور هذه النظرية للدولة
ب - النظريات العقدية
ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة ، استخدمها الكثير من المفكرين في تأييد أو محاربة السلطان المطلق للحاكم . هذه النظريات ترجع إلى القرن السادس عشر ، والتي ساهم في صياغتها وإبراز مضمونها كل من هو بز ، ولوك ، و روسو .
علماء هذه النظرية ارجعوا نشأة الدولة إلى فكرة العقد وان الأفراد انتقلوا من الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها إلى حياة الجماعة المنظمة بموجب العقد . ركز فلاسفة هذه النظرية حول حياة الأفراد الفطرية والبدائية .
ج - نظرية التطور التاريخي :
إن هذه النظرية تمتاز عن أخواتها من النظريات أنها لا ترجع أصل نشأة الدولة إلى عامل محدد بذاته وإنما إلى عوامل متعددة منها ( القوة ، الاقتصاد ، الدين ، والفكر … الخ ) . هذه النظرية تقول ان هذه العوامل اجتمعت مع بعضها البعض وشكلت تجمع للإفراد وأدت إلى ظهور فئة من الأفراد استطاعت ان تفرض سيطرتها على باقي الجماعة ( ظهور هيئة عليا حاكمة ) .
تفاعل العوامل من اقتصادية واجتماعية وفكرية ومادية لم تحدث فجأة وفي تجمع واحد إنما حدثت في فترات زمنية طويلة ونطاقان مكانية متباعدة .
عناصر الدولة : يوجد خلاف بين الدراسات والأبحاث على عناصر الدولة الأساسية فمعظمهم يركز على ثلاث عناصر أو أركان للدولة وهي :
1- السكان .
2- الأرض والموارد .
3- السلطة أو أنظمة الحكم
السلطة
إن الدولة لا يمكن ان تنشأ بتوافر مجموعة من الأفراد وإقليم يعيشون به ، وإنما يجب أن يكون على هذا الإقليم سلطة ليخضع الأفراد لقرارات هذه السلطة . والسلطة الحاكمة لا يكفي مجرد وجودها في الدولة للقول بوجود الدولة ، فالسلطة تستند إلى القوة ، لان ممارسة السلطة تتم عبر القوة .
التميز بين صاحب السلطة وبين من يمارسها
في القديم كانت هناك فترة سادت فيها ما سميت بشخصية السلطة وهذه الفترة جاءت نتيجة تربط السلطة السياسية بفكرة الحاكم . إلا انه ومع تقدم الجماعات بدأت هذه الفكرة ( الارتباط بين السلطة السياسية والحاكم ) بالانهيار ، وبدأت ظهور فكرة جديدة وهي فكرة السلطة المجردة عن شخصية الحاكم ونتج عن هذه الفكرة الفصل بين السلطة والممارس وهو الحاكم.
السيادة
إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى . وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا . لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة أنها منبع السلطات الأخرى . فالسيادة أصلية ولصيقة بالدولة وتميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى .
مصدر السيادة وصاحبها : أهم النظريات التي قيلت في بيان صاحب السيادة :
النظرية الثيوقراطية : ترجع هذه النظرية إلى ان السيادة لله وحده ، أي ان الحكم والقرار الأول والأخير لله وحده .
الانتقادات التي وجهت للنظرية الثيوقراطية :
1- نظرية مصطنعة فقط لخدمة مصالح معينة .
2- نظرية لتبرير استبداد السلطة .
نظرية سيادة الأمة :
بعض العلماء اخذ يقرب مفهوم سيادة الأمة إلى مفهوم الديمقراطية واعتبارهم تعبيران عن فكرة واحدة ولكن من ناحيتين .
حيث أن الديمقراطية هي تعبير عن الشكل السياسي أما مبدأ سيادة الأمة ، فهو عبارة عن التعبير القانوني .
أول ما ظهرت فكرة السيادة ظهرت على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا ضد البابا والإمبراطور ، مؤكدين أن الملك يتمتع بالسيادة الكاملة في ممتلكاته ، وان هذه السلطة العليا لا ينافسه عليها أحد في الدولة .
ومع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة الأمة قائمة بما لها من صفة الإطلاق والسمو والأصلة ولكنها انتقلت من الملك إلى الأمة ، لتصبح بذلك إرادة الأمة هي السلطة العليا ان لا تنافس .
إن مبدأ سيادة الأمة يعني أن الصفة الآمرة العليا الدولة لا ترجع إلى فرد أو أفراد معينين بل إلى وحدة مجردة ترمز إلى جميع الأفراد أي الوحدة التي تمثل المجموع بأفراده وهيئاته وأنها بالإضافة إلى ذلك مستقلة تماما عن الأفراد الذين تمثلهم وترمز إليها .
النتائج المترتبة على مبدأ سيادة الأمة :
1- النظام النيابي التقليدي .
2- الانتخاب وظيفة وليس حقا .
3- الأخذ بالاقتراع المقيد .
4- النائب ممثل للأمة .
5- القانون تعبير عن إرادة الأمة .
نظرية سيادة الشعب :
التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ، والانتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة الأمة هي الأسباب الكافية لظهور أصوات تنادي في التمثيل النسبي الحقيقي للشعب منظورا إليه في حقيقته وتكوينه ، لا بوصفة المجرد كوحدة متجانسة مستقلة عن الأفراد المكونين له .
تقوم نظرية سيادة الشعب على ان السيادة للجماعة بوصفها مكونه من عدد من الأفراد ، لا على أساس أنها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها .
وطبقا لنظرية سيادة الشعب تكون السيادة لكل فرد في الجماعة ، حيث إنها تنظر إلى الأفراد ذاتهم وتجعل السيادة شركة بينهم ومن ثم تنقسم وتتجزأ .
الدولة دوما هي مفهوم نظري ، ولذا فانه لا يمكن قيامها بأي صفة ملموسة أو مادية إلا حين تعبر عن نفسها من خلال الحكومة والدولة موجودة فقط لان الشعب يؤمن بأنها موجودة ، وهي كالشركة القانونية ، كيان قانوني .
وهناك تعاريف كثيرة هذه بعضها :
الفرنسي كاري دي مالبيرج carre de mailbag عرف الدولة بأنها " مجموعة من الأفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص ، يعطي جماعة معينة فيه سلطة عليها تتمتع بالأمر والإكراه
الفرنسي بارتلي bartheley حيث عرف الدولة بأنها " مؤسسه سياسية يرتبط بها الأفراد من خلال تنظيمات متطورة "
الدكتور محسن خليل يعرف الدولة بأنها " جماعة من الأفراد تقطن على وجه الدوام والاستقرار ، إقليما جغرافيا معينا ، وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية ، تستقل في أساسها عن أشخاص من يمارسها "
ماكيفر mcypher يعرف الدولة بأنها " اتحاد يحفظ داخل مجتمع محدد إقليمها الظروف الخارجية العامة للنظام الاجتماعي وذلك للعمل من خلال قانون يعلن باسطة حكومة مخولة بسلطة قهرية لتحقيق هذه الغاية "
الدكتور بطرس غالي يعرق الدولة بأنها " مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين ، تسيطر عليهم هيئة منظمة استقر الناس على تسميتها الحكومة . ويحدد ثلاثة عناصر لابد منه لكيان الدولة هي :
(1)مجموعة الأفراد ، (2) الإقليم ، (3)الحكومة .(7)
ديفو defoe يعرف الدولة " مجموعة من الأفراد مستقرة في إقليم محدد تخضع لسلطة صاحبة السيادة ، مكلفة ان تحقق صالح المجموعة ، ملتزمة في ذلك مبادئ القانون " وهو بذلك يحدد أربعة أركان لقيام الدولة هي :
(1) مجموعة من الأفراد، (2) الإقليم ، (3) السلطة ، (4) السيادة .(1)
الدولة هي بنية متماسكة لها خصائصها , ولكي تستمر وتنمو وتتطور , فيجب المحافظة على وحدتها وتماسكها وتغذيتها وتنميتها عن طريق إدارتها ( السلطة السياسية ) .
وهذا يتم عن طريق عمل أفرادها فهم المسؤولون عن نموها وتطورها ونجاحها , وهذا يعتمد بشكل أساسي على أن يكون انتماؤهم الأول إلى هذه الدولة . لذلك كانت الدولة التي تعتمد على الأسرة أو القبيلة الواحدة هي أساس تشكل الدولة , لأن الانتماء الأسري والقبلي واضح وقوي .
طبعاً يمكن أن تكون عوامل أخرى أهم وأقوى كالمصالح أو العقائد وغيرها .
وعندما تتوسع الأسر ومن ثم العشيرة أو الجماعة بشكل كبير يصبح الأفراد البعيدين عن المركز رأس الأسرة انتماؤهم أضعف من الموجودين في المركز عندها الانتماء الموحد يصبح مهدد , وهذا نتيجة اختلاف المكاسب التي يحققونها من انتماؤهم للعشيرة أو الجماعة التي تصبح بمثابة إمارة أو دولة صغيرة . عندها لابد من وجود تشريعات وقوانين وأنظمة تحقق تماسك ونمو الدولة .
أن الفرق الأساسي بين أنظمة وإدارة أو حكم الدولة قديماً وأنظمة الحكم حديثاً هو : تطور وتوسع فاعلية التشريعات والقوانين , وظهور أو ولادة مؤسسات الدولة الحديثة و المتطور ( الوزارات والجمعيات والهيئات . . ) .
إن الدولة قديماً وحديثاً لا تحكم من قبل إرادة قائدها أو قادتها فقط , فالأعراف والتقاليد والعقائد والتشريعات ( أي الموروث الاجتماعي ) لهم دور أساس وتأثيرهم الهام أيضاً . والدول الآن غالبيتها ( وبشكل خاص الدول الناجحة أو المتقدمة ) تحكم من قبل الدساتير والتشريعات والقوانين والمؤسسات , ودور القادة وإرادتهم للدولة محدود بشكل كبير , وإن نسبة إرادة الأفراد وحريتهم في إدارة الدولة ونسبة دور القوانين والتشريعات والمؤسسات تسير في زيادة نسبة دور المؤسسات والقوانين . فالخيارات المتاحة للحكام هي دوماً مقيدة بالتشريعات والقوانين والأنظمة
( هذا بالنسبة للدول المتطورة والناجحة ) , وتبقى خياراتهم المتاحة هي في المجال الذي لم تحدده التشريعات والأنظمة والقوانين بصورة دقيقة وواضحة , عندها لهم الحرية في اعتماد الخيارات التي يرونها مناسبة .
فقادة الدول وحكوماتها تدير أمور الدولة حسب التشريعات والأنظمة والقوانين والأعراف الموجودة , ويستطيعوا اتخاذ الخيارات والإجراءات التي يريدونها عندما لا توجد قوانين وتشريعات لتحقيقها . فإعلان الحرب غالباً ليس له قوانين وتشريعات دقيقة ومحددة موجودة , فهو مرتبط بالأوضاع والظروف المستجدة , ومدى تقدير القادة لهذه الأوضاع , لذلك يكون قرار الحرب من قبل القادة أو الحكومات .
إن أهم عوامل التي تجعل بعض الدول العربية دولاً فاشلة هو :
ضعف الانتماء للدولة نتيجة تعدد وتضارب الانتماءات , وهذا العامل هو الذي يصعب ويبطئ بناء دولة المؤسسات والقانون .
أن اللغة العربية ليست كافية لبناء انتماء موحد قوي , ولا توجد قومية عربية كما يدعي البعض , فهناك جماعات كثيرة لها انتماءات مختلفة . والانتماء للدين الإسلامي والتشريع الإسلامي لا يكفي في الوقت الحاضر لبناء دولة ناجحة .
البعض يرجع سبب عدم تقدم غالبية الدول العربية وفشلها إلى طبيعة العقل العربي التي لم تقبل التجديد والتطور . وتمسكها بالأصول والمحافظة عليها . لكن هذا غير دقيق وهناك الكثير من الدلائل التي تظهر عدم دقة هذه الفكرة .
والديمقراطية والعلمانية ليسوا من العوامل الأساسية لنجاح الدولة .
كيف يمكن تحقيق الديمقراطية بوجود انتماءات متعدد ومتضاربة وقوية , ولا تتفق أهدافها ودوافعها مع دوافع وتوجهات الدولة ككل , كانتمائها لدولة أخرى أو بينية خارجية , وفي نفس الوقت لا يوجد دستور ومؤسسات وقوانين مناسبة وملزمة للجميع . إن هذا صعب جداً .
وتكمن مشكلة أغلب الدول العربية بالدرجة الأولى في الموروث الاجتماعي الذي جعل الانتماء للأسرة أو العشيرة أو الجماعة , أو لدين أو ملة . . .الخ , قوي وأقوى من الانتماء للدولة , وهذا لا يمكن تغييره أو تعدله بسهولة .
فالذي يحصل يقوم الأفراد بالسعي لتنمية البنية التي ينتمون إليها , وهم يضعون السعي لتنمية دولتهم في درجة متأخرة , هذا إذا لم يقوموا باستغلال الأوضاع لتنمية البنية التي ينتمون إليها على حساب دولتهم حتى وأن أضروا بها . وطبعاً هذا يعيق تقدم الدولة ككل لأن جهود وقدرات الأفراد غير مستخدمة لتنميتها بشكل جدي وفعال .
لذلك قضية بناء الدولة والانتماء القوي الدولة هو , المهمة الأساسي التي يجب الاهتمام والتركيز عليها , وهذا ليس بالأمر السهل أبداً , وتحقيقه يلزمه توفر عناصر وعوامل معينة , ويحتاج لوقت طويل وعمل وتضحية من قبل الأفراد . فبناء دولة المؤسسات والقوانين والتشريعات المناسبة والتزام الجميع الأفراد بها وتنفيذها , هو الأمر المهم والأساسي , وتأتي قوة الدولة ونجاحها من مدى تحقيق ذلك .
أما الموارد والظروف الطبيعية ومدا تطور وثقافة وحضارة الأفراد . . , كل هذا لن يكون له جدوى وفاعلية مؤثرة إذا لم يتحقق بناء دولة المؤسسات والقوانين الملزمة للجميع .
فالانتماء القوي هو الضروري والهام في أول الأمر , وهذا هو الذي يسمح ببناء دولة القانون والمؤسسات . وبعد نشوء هذا الدولة , عندها ليس مهماً كثيراً طبيعة وخصائص انتماءات الأفراد القوي للدولة , لأن الدستور والتشريعات والقوانين والمؤسسات العاملة بفاعلية هي التي تماسك وتقوي الدولة .
التجديد والتطور هو المطلوب الآن
أننا نلاحظ كافة شعوب الدول والأمم تسارع لتبني التجديد والتطوير بهدف تحقق التقدم بأسرع وقت , وقد حققت كثير من الشعوب التجديد والتطور وبالتالي التقدم . وتدعي كافة الدول العربية بأنها تسعى للتجديد والتطور , ولكن الواقع يظهر غير ذلك . فملاحظ هو البطء الشديد في التطور والتقدم لدى غالبة الدول العربية , وأن المحافظة على الموروث الاجتماعي والثقافي غير المناسب هي الغالبة . وكلما تباطأنا في المسارع إلى تجديد الحقيقي والفعلي وبشكل خاص بتجاوز الموروث الاجتماعي والثقافي والفكري غير المناسب , كلما كان تقدما أصعب وأبطأ .
يمكن أن يقول الكثيرين أن هذا مرفوض : فالمحافظة على ترثنا وثقافتنا وعقائدنا هو المهم والأساس .
نعم ترثنا وأصولنا وعقائدنا هامة جداً , ولكن عندما يكون بعضها هو أساس إعاقة تقدمنا , عندها يجب التعامل معه وتعديله أو تغييره.
ونحن الآن مطالبين في هذا الوضع العالمي الموجودين فيه , و في هذا التنافس والصراع الذي انخرطت فيه كافة دول الأرض : المسارعة إلى الانخراط في هذا السباق أو الصراع الذي هو صراع وجود .
لقد أصبح وجودنا مهدد إذا لم نبادر ونسارع في الانخراط في هذا التنافس العالمي , شئنا أم أبينا .
فالتطور وتجاوز الموروث الاجتماعي والثقافي وحتى العقائدي " غير المناسب " مفروض علينا من قبل قوى كبيرة خارجية .
هل نتمسك بأصولنا وترثنا كله مهما كان الثمن ؟
أم نسعى للتطور والتجديد , مع تطوير وتجديد ما هو بحاجة إلى ضرورة تجديده وتطويره ؟
لكن السؤال الهام هو :
المناسب لمن وغير المناسب لمن ؟
وبالنسبة لمن ؟
المهم والمناسب الآن هو :
يجب أن يكون الانتماء للدولة ( دولة المؤسسات والقوانين والتشريعات الملزمة للجميع , والمساواة والديمقراطية ) هو أول وأقوى الانتماءات . وكل ما يعزز ويخدم نمو وتطور الدولة , بالإضافة لمراعاة مصالح وتوجهات الأفراد , يكون هو المناسب .
وكل الانتماءات الأخرى التي تكون أقوى من الانتماء للدولة , أكانت للأسرة أو العشيرة أو البلدة أو الدين أو عقيدة معينة أو لفئات ذات مصالح مشتركة أو غير ذلك , هي غير مناسبة .
وليس ضرورياً أن تكون الدولة علمانية وتمنع الدين من التدخل في أمور الدولة , يمكنه التدخل إذا كان ذلك يفيد ويساهم في تقدم وتطور الدولة ككل , فالدين والعقائد ليست المشكلة كما يظن البعض . فكثيراً ما أساء وأعاق من يدعي العلمانية إلى الدولة . وهذا من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات .
التعليقات (0)