الدولة الفلسطينية والفرص والدروس المهدورة (2/2)
بقلم : عزيز الحاج
ذكّرنا الأخ أبو مازن مؤخرا بقرار التقسيم الذي نص على قيام دولتين، وهو القرار الذي رفضه الفلسطينيون والعرب، وردوا عليه بحرب خاسرة أدت لضياع مساحات مهمة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وفقا للقرار المذكور. كان بإمكان الفلسطينيين إعلان دولتهم ولكنهم، وكما يقول الأستاذ عادل الطريفي، " قرروا الانصياع للعقل الجمعي العربي الذي لم يكن يرضى بمشروع التقسيم."
لقد صار تحقيق ذلك القرار فيما يخص دولة فلسطينية بمثابة الحلم ليس إلا، وصار أقصى سقف فلسطيني اليوم هو دولة بحدود 1967 وأقصد طبعا الواقعيين والمعتدلين منهم، وليس المتطرفين الذين لا يزالون يرددون، مع إيران، أن لا تنازل عن شبر واحد من فلسطين، وهو تكرار لشعار رمي إسرائيل في البحر. وما دمنا مع قرار التقسيم، فالعودة لنصوصه ضرورية لمحاولة فهم معضلة الطلب الإسرائيلي المنادي بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية، والرفض الفلسطيني للطلب. والحقيقة أنني شخصيا لا أفهم هذه الإشكالية التي تبدو مستعصية. فنص قرار التقسيم يكرر مرة بعد مرة الحديث عن دولتين " مستقلتين، عربية ويهودية"، بدلا من دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية [ انظر نص القرار في مختلف المراجع ومنها غوغول العربي]. فهل من فارق جوهري في القبول بيهودية دولة إسرائيل وبين وصفها بالدولة اليهودية؟؟ شخصيا لا أدري. وما أعرفه هو وجود خوف من أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني تطهيرها من الفلسطينيين العرب. وهناك من يقولون إن الاعتراف يعني غلق أبواب إسرائيل أمام عودة اللاجئين مع أن أولمرت وافق عامي 2007 و2008 على عودة بضعة ألاف منهم لإسرائيل.
لم نضيع فرصة قرار 1947 وحسب، بل ضيع الفلسطينيون قبل ذلك مشروعا بريطانيا لعام 1939، يقضي بقيام دولة عربية فلسطينية مستقلة على أن يكون ربع سكانها من اليهود ولهم إدارة ذاتية.
وبعد هاتين الفرصتين، كان رفض عرض بيل كلينتون عام 2000 على ياسر عرفات والذي تمثل في استعادة 98 بالمائة من الضفة ، مع مبادلة أراض بالبقية؛ لكن عرفات، لم يتمكن من قبول العرض بسبب ضغوط المزايدين من الفلسطينيين والأنظمة والنخب العربية.
جاء بعد ذلك ضياع فرصة موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أولمرت، على قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 بحيث تنسحب إسرائيل من معظم أراضي الضفة وتعطي الفلسطينيين المساحة التي لا تردها. كذلك أن يكون للفلسطينيين دور في إدارة القدس الشرقية. كما وافق أولمرت على عودة بضعة آلاف من اللاجئين إلى إسرائيل. كان ذلك في سبتمبر 2008 ، وقد أكدت المعلومة هذه الأيام وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، وعدد من الساسة الإسرائيليين. وكان أبو مازن قد قال في حينه إن المفاوضات لم تكتمل بسبب حرب غزة. ويكتب عن ذلك أولمرت نفسه في النيويورك تايمس بتاريخ 24 سبتمبر 2011 مقالا، نشرت ترجمته العربية الشرق الأوسط، ويرد فيه:
"الشروط الواجب توفرها للتوصل إلى اتفاق سلام معروفة جيدا للجميع، وسبق أن تم طرحها على طاولة المفاوضات. لقد قمت بطرحها بنفسي في سبتمبر 2008، عندما قدمت عرضا بعيد المدى لعباس. ووفقا للعرض الذي قدمته، يتم حل النزاع الإقليمي من خلال إقامة دولة فلسطينية على أراض تعادل في حجمها أراضي الضفة الغربية وغزة قبل عام 1967، بناء على اتفاق مسبق لمقايضة الأراضي يأخذ بعين الاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. وسيتم تقاسم مدينة القدس. ستكون المناطق اليهودية عاصمة لإسرائيل، بينما ستصبح الأحياء العربية عاصمة للدولة الفلسطينية. ولن تكون لأي من الطرفين سيادة على الأماكن المقدسة في المدينةن حيث ستتم إدارتها بشكل مشترك بمساعدة الأردن والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وسيتم تناول مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن إطار مبادرة السلام العربية لعام 2002، وستصبح الدولة الفلسطينية الجديدة موطنا لجميع اللاجئين الفلسطينيين مثلما إن دولة إسرائيل وطن للشعب اليهودي. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ستكون على استعداد لاستيعاب عدد صغير من اللاجئين على الصعيد الإنساني." [ الشرق الأوسط عدد 24 سبتمبر2011].
نذكر أيضا أن الجانب الفلسطيني قد امتنع عن التفاوض خلال فترة وقف الاستيطان لعشرة شهور.
تقول الوزيرة السابقة رايس، وهي على كل الحق، إن أوباما يتحمل هو الآخر مسئولية عدم الاتفاق لأنه لم يبدأ المفاوضات السلمية من نتائج المحادثات السابقة، بل بدأها من نقطة الصفر؛ ثم أصر على وقف الاستيطان، وهو ما تمسك به الجانب الفلسطيني كشرط قبل التفاوض. وقد كتبنا في حينه، كما كتب عبد الرحمن الراشد وآخرون، منتقدين وضع شروط للتفاوض لان ذلك هو ما يريده المتطرفون الإسرائيليون للمضي في الاستيطان ولرفض الحل السلمي العادل. وقد وصف الراشد الاشتراط الفلسطيني ب" مصيدة المستوطنات"، وقال " رأيي، كان ولا يزال، أن مباشرة التفاوض تستحق تجاوز كل الشروط والتحفظات، بما فيها قضية هامة مثل المستوطنات.[ في 22 سبتمبر 2009 ]. فالاستيطان- برغم كونه قضية مهمة- فإنه ليس أساس القضية، بل الأساس هو قيام الدولة الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من الاتفاق على الحدود، وحل مشاكل الأمن و اللاجئين والقدس، وكذلك الاستيطان. فلا يجب تغليب الفرع على الأصل، والمفاوضات تكون مفاوضات لأنها بلا شروط مسبقة. وقد أخطا أوباما ثانية حين تحدث قبل عام عن شرط حدود ما قبل حرب حزيران، ثم اضطر لتعديل خطابه، ولولا هذا التخبط والتناقضات لأوباما ومستشاريه- [ كتخبطه في النووي الإيراني] - لما وصل المأزق لهذا الحد، ولما تجرأت إسرائيل على التمادي في الاستيطان. وفي حينه، كتبنا مرارا أن ضغط أوباما على إسرائيل مطلوب وضروري، ولكن يجب اقترانه بضغط مماثل على معرقلي الحل السلمي من الجانب الآخر: كحماس والجهاد وحزب الله وسوريا وإيران، وانتقدنا اليد التي مدها لمدة طويلة لإيران، [ بادئا هنا أيضا من نقطة الصفر!!]، وهي التي تقف وراء حزب الله وحماس لعرقلة الحلول السلمية. مثلا كتبنا بتاريخ 20 مايو 2009 ما يلي:
" إن الضغط على إسرائيل مطلوب، ومطلوب أيضا ممارسة الضغوط على كل أعداء الحل السلمي في الجانب الآخر، وفي المقدمة إيران وسوريا وأدواتهما الفلسطينية والعربية."
كما نتفق مع الأستاذ كمال غبريال حين يكتب أن وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات "قضية خاوية المضمون، وإن الخطر المتمثل في الاستيطان والتهام الأراضي الفلسطينية يتحقق بهذا التأخر في الوصول بالقضية إلى حل نهائي لها، وإنه طالما أمعن العرب في رفض السلام وفي " ركوب أعلى ما في خيولهم الخاوية"، كلما وجدها معسكر التشدد الإسرائيلي فرصة للإمساك بالأرض، فيما " نركب نحن الهواء"..."!! وبينما وافقت إسرائيل في أواخر سبتمبر المنصرم على اقتراح الرباعية باستئناف المفاوضات، فإن الجانب الفلسطيني لم يعلن الموافقة في حين يمضي في موضوع طلبه المقدم للأمم المتحدة.
جاءت خطوة أبي مازن حول الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية بديلا عن المفاوضات، مع أن هذا الاعتراف قائم، وحتى نتنياهو اعترف بهدف دولة فلسطينية. وكان جورج دبليو بوش قد أعلن هذا الاعتراف بدقة ووضوح في خطابه في 24 حزيران 2002 ، وأرسل وزيرة خارجيته في زيارات مكوكية للمنطقة لهذا الغرض، وتمت سلسلة مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية تكللت بنتائج إيجابية في أنابوليس أواخر 2007 والاتفاق على خارطة طريق. ثم جاء عرض أولمرت، الذي لم يستجب له أبو مازن. وجاء في خطبة بوش الابن:
"هناك مصلحة كبيرة أيضا لإسرائيل في نجاح قيام دولة فلسطينية ذات طابع ديمقراطي. فدوام الاحتلال يهدد هوية إسرائيل وديمقراطيتها، وقيام دولة فلسطينية مستقرة مسالمة ضروري لتحقيق الأمن الذي تتوق إليه إسرائيل؛ لذا أدعو إسرائيل إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتأييد قيام دولة فلسطينية لها مقومات البقاء وذات مصداقية."
أذكّر بأن هذا كلام بوش الذي تجاهله الإعلام العربي، ولحد يومنا هذا!![ انظر نص الخطاب في غوغول]
إن السنوات القليلة المنصرمة شهدت صعودا في نفوذ اليمين الإسرائيلي ،السياسي والديني المتطرف، وهذا التطرف يتغذى بتطرف حماس وحزب الله ومن وراءهما، ولا أعتقد أن المتطرفين الإسرائيليين ينزعجون صدقا لقنابل أحمدي نجاد الصوتية عن المحرقة وحول محو إسرائيل. وأما صواريخ غزة وتحركات حزب الله، فلم تفعل غير تقوية نفوذ اليمين المتطرف في إسرائيل وإضعاف التيارات اليسارية واللبرالية المعتدلة هناك. وكلما استطاعت القيادة الفلسطينية الشرعية التزام الواقعية ورفض الرضوخ للمزايدات، فلسطينية كانت، أو عربية، أو إيرانية، أو أردوغانية، فإنها سوف تساعد على نهوض القوى المعتدلة في إسرائيل وعزل متطرفيها من أمثال لبرمان وتياره. وإن قيام دولة فلسطينية لا يمكن أن يتم بغير التفاوض مع الدولة المحتلة وبإشراف دولي. وإلا فما يعني اعتراف الأمم المتحدة [ لو تحقق؟] بدولة فلسطين غير الموجودة؟!!- فيما ستواصل إسرائيل الاستيطان وقضم الأراضي بنهم. نؤكد ثانية أيضا على خطأ تقسيم الدول إلى من يصوت بنعم ومن يقول لا. فهل تكون الصين روسيا هما مع طموحات الفلسطينيين والعرب مع أنهما يدعمان أنظمة دموية كنظامي الأسد وإيران، ومع أن روسيا وكوريا الشمالية تساعدان إيران على صنع قنبلتها لابتزاز العرب أولا؟؟ وهل فنزويلا شافيز وكوريا الشمالية وبورما وإيران وسائر الدول المستبدة التي صوت بنعم في اليونسكو هي حقا مع مطامح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ومع الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن جميع من قالوا لا هم أعداء [ ولنترك إسرائيل جانبا]؟!!
تعليق على المقال الأصلي: اسم المعلق: احمد حسن. عنوان التعليق: لا حياة لمن تنادي. لقد عشتم في اواسط القرن الماضي المد الشيوعي والقومي الجارف الذي لم يمنح اي فرصه لعقلاء الامه للاخذ بزمام المبادره واليوم نعيش مد الاسلام السياسي الجارف الذي سيمضي بما لايعلمه الا الله من سنين هذه الامه لنصحو على مد اخر لا ندري الى اين سيمضي بنا.وبين كل هذا يدفع الانسان الشريف وحده ثمن تللك المغامرات.
وأقتبس الفقرة التالية من الجزء الاول من المقال (الدولة الفلسطينية والدروس والفرص المهدورة.. (1/2) :
كما كتبنا مرارا، فإن الموضوع الفلسطيني تحول، منذ عقود كثيرة، لبازار المزايدات والمتاجرة بعد أن أزمن تعريبها، ثم أسلمتها. وصار مجرد إقحام القضية واسم إسرائيل في أية قضية أو حالة عربية، ولو مجرد إقحام، يعتم على كل القضايا الأخرى، بما فيها قضايا التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الدينية. وعندما بادر الفلسطينيون لوحدهم للتفاوض مع إسحاق رابين، تم التوصل لاتفاقية أوسلو التي أعادت الراحل عرفات من المهجر لأرض فلسطينية، وأعطت القضية بعدا شرعيا دوليا، وفتحت الأبواب الدولية أمام القيادة الفلسطينية. صحيح أن الاتفاقية كانت خطوة جزئية، ولكنها كانت هامة، وسبق أن استشهدنا بموقف الشاعر الفقيد محمود درويش، الذي قال عن الاتفاقية: " إنها لا ترضيني ولكنني أقبلها"، قاصدا موازين القوى، وقاعدة أن ما لا يدرك كله لا يرفض ما يتيسر منه كخطوة أولى.
المصدر : ايلاف
---------------------
وبعد، فإنني أشيد بصراحة الكاتب عزيز الحاج وشهادته التي تكشف عن صدق نوايا اسرائيل فيما يتعلق بالمسار السلمي، وأن الوصاية العربية والاسلامية على فلسطين كانت دائما حجر عثرة امام تقدم العملية السلمية. بيد أنني أتحفظ وأتوجس من الجملة التي ختمنا بها المقال المنقول وتحديدا حديث الكاتب عن اتفاقية اوسلو بوصفها (خطوة جزئية) وانها تندرج ضمن قاعدة (ما لا يدرك كله لا يرفض ما تيسر منه كخطوة أولى)، خصوصا وانها تقترن بموقف الشاعر محمود درويش الذي اعتبر اتفاقية اوسلو خطيئة واستقال بسببها من عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقال موصيا ابو مازن: "خُذوا أرضَ أُمّي بالسيفِ .. لكنّني لن أوقعَ باسمي على بيعِ شبرٍ من الشوكِ حولَ حقولِ الذُرةْ ". فهل موقف الكاتب الذي يحمل ظاهره اعترافا صريحا باهدار الجانب الفلسطيني والعربي الفرصة تلو الفرصة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية، يستبطن اعتبار دولة فلسطينية على اراضي الضفة الغربية مرحلة اولى ل (تحرير كامل فلسطين)..؟؟! في كل الاحوال، نحن نعتبر المقال مهما وصريحا كما أسلفنا.
التعليقات (0)