تكاد الأنظمة السياسية العربية تنفرد من بين كل الأنظمة في العالم, بما فيها أنظمة دول العالم الثالث, بابتكار مفاهيم منطلقها ومحمولها وغاياتها التفرد بالسلطة. فقد عرف العالم أنظمة رأسمالية متعددة الفلسفات و التوجهات و التطبيقات, وأخرى شيوعية واشتراكية, أ وبين بين, تختلف أيضا في ألوان طيفها النظرية والتطبيقية ــ ولسنا هنا بصدد تصنيف جامع لهذه الأنظمة, أو محاولة للتصنيف. فالواقع انه رغم وجود خطوط عريضة عامة, متحركة ومتداخلة, تقرب أو تبعد بعضها عن بعض, تبقى دقة التصنيف خارج المستطاع ــ وكان غالبيتها يضع في علاقاته الدولية مصلحة الدولة بالدرجة الأولى, أو الدولة و النظام السياسي الذي يعتقد انه في خدمتها وخدمة مصالحها.
وما يهمنا هنا هو النمط الخاص للأنظمة العربية ــ المتجسدة بملوك, وأمراء, وشيوخ, ورؤساء, وأولياء عهودهم الجاهز منهم أ ومن هو في طور "الجهوزية" والتكوين ــ فهي على تنوعها واختلافها وتناقضاتها, تجتمع على وحدة المفهوم المتمثل بعدم التمييز بين الحاكم و الدولة, و باحتكار السلطة والتنعم بها, لعقود طويلة, والرفض المطلق وبالحديد والنار لتداولها, وتبنّيها علنا وعلى المكشوف المكيافيلة, وخاصة في مبدئها الشهير: الغاية تبرر الواسطة. والغاية هنا ليست بناء الدولة, وإنما هي السلطة, كل السلطة, ولا شيء غير السلطة.
فإضافة لترتيب الأوضاع الداخلية الملائمة لهذه الغاية ــ وليس هنا مجال ذكر وسائل ونتائج ذلك الترتيب الداخلي بمآسيه ــ ترتب علاقاتها الدولية, بنفس الترتيب العتيد لوضعها الداخلي, و لفائدتها كسلطة تنشد الخلود بأي ثمن كان. أما مصالح الدولة, والتي هي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية, فقد تأتي, إن أتت, بالتبعية.
ومنه, لايرى المراقب فصلا فعليا بين السلطة , أو بشكل أدق, الحاكم بسلطته المطلقة, والدولة بمفهومها في العصر الحديث, وان حصل فهو فصل شكلي مسايرة للقانون الدستوري والقانون الدولي و"العصرنة" ولاعتبارات دولية وليست داخلية, قائمة على المفاهيم المبتكرة لتلك الأنظمة المتميزة جدا.
و حتى لا يكون الكلام عائما نرى أن نوضح بعض ما يُقصد بالعلاقات الدولية, دون الذهاب بعيدا في مفاهيمها الأساسية, ولا في تاريخها البعيد, ولا الصفات الخاصة للعالم بعد الحرب العالمية الثانية, أو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي, والقطب الواحد, والعولمة.., ولكن مع محاولة إعطاء فكرة نعتقدها مفيدة, رغم الإيجاز والانتقائية.
" مصطلح العلاقات الدولية مصطلح شائك لأنه يعني, في الوقت نفسه, العديد من المسائل و الفروع المطلوب دراستها. " ( M. Merle. Bilan des relations internationales, Economica, 1995, p.5 ) .
واعُتبرت هذه العلاقات, تقليديا, على أنها مجموعة من الصلات والعلاقات واللقاءات التي تقوم بين الدول وتتبع سياساتها الخارجية. وكما يرى فيليب بريلارد Philippe Braillard إن مثل هذا التصور يأخذ في الاعتبار الصيغ المختلفة والأبعاد التي يمكن أن تتخذها هذه العلاقات مثل: التوتر والتعاون سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاستراتيجي أو الثقافي الخ..). ( Les relations internationales, PUF ).
ومع ذلك يستبعد هذا التعريف , كما يشير الكاتب المذكور, كل مشاركة في العمل تقع خارج نطاق فعل الدولة étatique مثل القوى المتعددة الجنسيات أو التيارات الفكرية. ففي حين تحتل الدولة المركز الأساسي في الحياة الدولية فانه لا يجب حصر علاقاتها الدولية بين الدول interétatiques في الوقت الذي يتزايد فيه تطور العلاقات الاقتصادية والثقافية , التي تفلت في جزء منها من الرقابة الحكومية.
الأمر الذي يجعل النظرة إلى تلك العلاقات أكثر اتساعا وشمولية بأخذها في الاعتبار مجموعة الظواهر الدولية كمجال للبحث. وعليه يمكن تعريف العلاقات الدولية على أنها مجموعة العلاقات والاتصالات القائمة بين مجموعات اجتماعية وعبر الحدود. (فيليب بريلارد. المرجع السابق).
وقد جرت غالبية الكتاب على التمييز بين ثلاثة مفاهيم رئيسة في العلاقات الدولية وهي: مفهوم الواقعية. ومفهوم الترابط. والمفهوم الماركسي.
1ـ مفهوم الواقعية.
تعود أصول مفهوم الواقعية إلى تقاليد تصل إلى الحضارات القديمة. وخاصة مع تيسيد Thucydide . ومع ميكافيلي. ثم أخذ صيغته في أعمال هوبس Hobbes وخاصة كتابه Léviathan عام 1651 .
يركز هذا المفهوم على الدور الرئيسي للدولة في العلاقات الدولية. ويؤكد على أن هذه العلاقات, من حيث الجوهر, هي علاقات تنازع. وبان وجود نظام دولي فوضوي, يشجع الدول على البحث عن تحقيق اكبر قدر من القوة.
ومنه بدأ التفكير بضرورة إيجاد نظام دولي يقوم على الاستقرار والثقة, ويتوفر فيه توازن القوى, وكل ما من شأنه الحد من أطماع الأقوياء.
واثر الحرب العالمية الأولى, وفي محاولة البحث عن نظام دولي يمنع تكرار المآسي الناتجة عن الحروب, نظام يؤمّن السلم والاستقرار, ظهر تيار المثالية idéaliste مستوحيا الليبرالية, والاشتراكية الطوباوية والسلمية بمفاهيم القرن التاسع عشر. فاعتبر أتباعه أن مثل تلك الحروب والأزمات بين الدول يمكن تفاديها بالتحول عن الواقعية الدولية لإقامتها على القانون وقدر من الأخلاق moraleفي الحياة الدولية والتعاون الدولي. وقد جسّد الرئيس الأمريكي ويلسن هذا التيار في مشروعه لإنشاء هيئة الأمم.
الواقعية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية , رفضت المثالية idéalisme وكان من أهم دعاتها هانس مورجنتو Hans Morgenthau الذي يقدم على انه الأب المؤسس للعلاقات الدولية, وهنري كيسنجر وجورج كنان, والفرنسي ريمون ارون .
كما ظهر في أواخر السبعينات تيار الواقعية الجديدة ممثلا بكتاب مثل روبير جيلبان, وكنتث والتز, فأغنوا المفهوم المذكور بنقدهم لعيوبه ومحاولة اخذ الحقائق المعاشة بعين الاعتبار. " يتلخص النظام الدولي بان الفاعل الأساسي فيه هي الدولة, في مجال علاقات القوى والسياسة " J.-C. Ruano – Borbalan, pourquoi les guerres, in sciences humaines, n° 138 mai 2003. . ومازال مفهوم الواقعية هو الأكثر حضورا و حيوية في دراسة العلاقات الدولية.
2 ـ مفهوم الترابط Interdépendance
يشير هذا المفهوم إلى أن في أساس العلاقات الدولية, بعد الحرب العالمية الثانية, شبكة معقدة من الترابط قادت لخلق فاعلين جدد في العلاقات الدولية غير الدول. وفي تأكيده على عناصر التعاون القائمة في النظام الدولي, يُعتبر هذا المفهوم ردا نقديا على النظرية الواقعية. " فبشكل عام توجب على الدولة, للرد على متطلبات التعاون الاقتصادي والاجتماعي, إن تنفتح أكثر فأكثر على التبادل مع الخارج, وبالتالي الالتزام بترابط متزايد ينتج عنه مباشرة تقييد سيادتها". ( Ph. Braillard, les relations internationales, PUF, 1994 ). فمتطلبات التحديث والاحتياجات الجديدة واللامتناهية في المجتمعات الحديثة لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي تقود إلى العمل على إشباعها, سواء في الدول المتقدمة أو في دول العالم الثالث, مما يفرض على الدولة مهام جديدة اقتصادية واجتماعية. وعليه بدأ نوع من التداخل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية .
ومما يؤخذ على هذا المفهوم مغالاته في التقليل من أهمية دور الدولة والتعظيم من دور الفاعلين الآخرين غير الدوليين non étatiques .
3ـ المفهوم الماركسي
يستوحي هذا المفهوم النظرية الماركسية في العلاقات الاجتماعية, باعتبار أن النظام الدولي هو في عصرنا الحالي, التعبير المباشر عن فعل وتطور التناقضات الرأسمالية. ظهر هذا المفهوم في العلاقات الدولية بشكله الصريح في أعمال روزا لكسمبورغ ولينين الذي كتب عام 1917 أن " الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" والذي يعطي العامل الاقتصادي الأولوية في تلك العلاقات. فالامبريالية ليست فقط مجرد ظاهرة توسع استعماري, فهي في الواقع نتيجة مباشرة للتطور والاحتكار, وبشكل خاص , نمو رأس المال المالي, وتزايد مجالات الاستثمارات. فالصراع بين قواها هو في أصل تطور الرأسمالية وبقائها. وبقي الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي والدول المتأثرة بشكل أو بأخر بإيديولوجيته تتبنى هذا المفهوم وتدافع عنه.
إلى انه ابتداء من الستينات ظهرت تيارات ماركسية متعددة ومختلفة في الدول الاشتراكية حاولت البرهنة في طروحاتها على أن الامبريالية تبقى العامل الأساسي , رغم استقلال الدول التي كانت ترزح تحت الاستعمار, في إعاقة نمو العالم الثالث وطبع علاقاته بالتبعية. وهذه النظرة للعلاقات الدولية كانت في أساس المطالبات بنظام اقتصادي دولي جديد وتيارات جديدة لدراسة مسائل التنمية.
ويأخذ معارضو هذا المفهوم عليه, انه يعطي مكانة كبيرة للعوامل الاقتصادية في التبادل الدولي و يهمل إلى حد بعيد العوامل السياسية والثقافية والنفسية, والتي هي مع ذلك حاضرة بقوة في العلاقات الدولية.
دراسة العلاقات الدولية
دراسة العلاقات الدولية قديمة جدا. ولكن تطورها بدأ بعد الحرب العالمية الأولى, ليأخذ بعدا جديدا بعد الحرب العالمية الثانية, وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية, فظهرت كدراسات مستقلة ــ ساعد فيها ما نشر من أعمال في هذا لمجال, وكذلك مساهمة مجموعات علمية لبحث وتحليل الظواهر الدولية ــ بعد أن كانت سابقا موضوعا احتياطيا على هامش دراسة الدولة والمجتمع. وتتبع , تقليديا, دراسة التاريخ الدبلوماسي, والفلسفة السياسية, والقانون الدولي, والاقتصاد, ومجالات أخرى كعلم النفس وعلم الانسنة, والأعراق. وقد أغنت هذه الفروع دراسة العلاقات الدولية و خاصة باعتماد طرق تقنية وتحليلية متطورة. كما فُتحت دراسة هذه العلاقات على أبعاد جديدة مثل: المنظمات الدولية, والتكامل القاري, والإستراتيجية النووية, والنمو الاجتماعي الاقتصادي, ومسائل البيئة.
وينصب موضوع دراسة العلاقات الدولية على هياكل وعمل الفاعلين في المجال الدولي أي الدول, والمنظمات الدولية, والمشاريع الدولية, والمنظمات غير الحكومية, في النظام الدولي. فهي تدرس المجتمع الدولي عبر المظاهر السياسية والإستراتيجية والاقتصادية, وكذلك الاجتماعية والثقافية... ومع ذلك فان هذه الدراسات, في تحليلها ظواهر السلطة في المجتمع الدولي, تستدعي فروعا أخرى مثل القانون الدولي والتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع ...
وبعد ترسخها في الولايات المتحدة انتشرت وتطورت في بريطانيا, وألمانيا, وفرنسا , وكافة دول أوروبا الغربية. ودخلت كذلك الاتحاد السوفيتي. لكن تدريسها في هذا الأخير كان ضمن مفهوم عقائدي صرف. وفي روسيا الحالية وتحت تأثير الوليات المتحدة والغرب اخذ تدريس العلاقات الدولية مفهوما جديدا مختلفا عما كان يعرف به سابقا. أما في دول العالم الثالث فلا توجد إلا استثناء.
فالعلاقات الدولية هي بطبيعة الحال علاقات اجتماعية. ومن هنا فهي ككل العلاقات الاجتماعية تحكمها القواعد القانونية. هذه القواعد تُظهر في هذا الصدد طابعا خاصا لان الجزء الكبير منها, وخلال فترات طويلة من الحياة الدولية, لم يكن يخضع للتنظيم القانوني. C.-A . Colliard. Institutions des relations internationales, Dalloz ).
ويُذكر هنا أن القواعد القانونية المذكورة صنفتها المادة 38 من القانون الأساسي لمحكمة العدل الدولية في ثلاثة أصناف وهي: المعاهدات أو الاتفاقات الدولية. العرف الدولي. coutume. المبادئ العامة والمصادر الأخرى المساعدة.
ومن المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية, إضافة لتلك التي كانت سائدة قبل عام 1945 مبدأ المساواة بين الدول, ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة, نذكر ما نص عليه الفصل الأول من ميثاق سان فرانسيسكو, النص المؤسس للعلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية:
ـ مبدأ احترام حقوق الإنسان
ـ مبدأ التعاون الدولي
ـ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها
ـ مبدأ تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية
ـ مبدأ تحريم اللجوء للقوة لتسوية الخلافات الدولية.
الدولة شخص معنوي في القانون العام. تتكون من ثلاثة عناصر هي الإقليم والسكان والسلطة. هذه العناصر التي تتكون منها الدولة لها أهميتها في المجال الداخلي والخارجي. فلا توجد دولة دون إقليم أو سكان أو سلطة عامة ذات سيادة.
السلطة العامة تعود أساسا للقانون الداخلي. وهذه السلطة لها صفة السيادة. وهي في الدولة الديمقراطية تتكون من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.
وفي المجال الدولي تعتبر السيادة العنصر الرئيسي وحجر الزاوية الذي يقوم عليه القانون الدولي. رغم الاختلاف الكبير في تعريفها. فهي على سبيل المثال, حسب المؤلفين الألمان, اختصاص الاختصاص La compétence de la compétence. الاختصاص الذي تقوم عليه كل الاختصاصات الأخرى. وهذا ما يخص المجال الداخلي. السيادة هي المفهوم الذي لا يعلو عليه أي مفهوم أخر. الدولة هي الاستقلال, تدير شؤونها الداخلية والخارجية وحدها وبإرادتها المنفردة. ولا مجال هنا لذكر التعاريف المتعددة للسيادة, ولا لذكر المطالبات بجعلها مطلقة أو مقيدة, ولا المفاهيم الغربية التي تعتبرها عقبة في تطور التعاون الدولي. ولكن الواقع أن كل المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي والمطبقة على الدول هي نتائج مباشرة لمفهوم السيادة.
وحتى تستطيع الدولة قيادة العلاقات الدولية تحتاج لوسائل بشرية تتمثل في هيئات وأشخاص يساهمون في هذا العمل. وكما هو الحال في القانون الداخلي, يقوم التمييز بين الأشخاص الذين يحددون المبادئ الأساسية لعمل الدولة وبين من يقومون بتنفيذ وتطبيق هذه الأعمال. فالسلطات السياسية في المجال الدولي تقوم برسم وتحديد دبلوماسية الدولة . والتقنيون والإداريون مكلفون بوضعها موضع التنفيذ.
وفي الدولة الديمقراطية القائمة على فصل السلطات يبدو من الوهلة الأولى أن السلطة التنفيذية تقود العلاقات الدولية منفردة ودون مساهمة السلطة التشريعية, التي تمارس وظيفة التشريع, ولكن هذا غير دقيق. فالبرلمان يمثل الإرادة الشعبية ومطلوب منه بشكل أو بآخر المشاركة في قيادة العلاقات الدولية, وان كان هذا الدور مختلف في أهميته ونطاقه بين دولة وأخرى من الدول الديمقراطية ( فمثلا, في حين يملك مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة, الذي يمثل جميع الدول الأعضاء فيها, صلاحيات واسعة في مجال العلاقات الدولية, فان دور البرلمانات في دول ديمقراطية أخرى محدود في هذا المجال, وقد يتقلص ليقتصر على التصديق على الاتفاقات والمعاهدات الدولية) ولكنه غير غائب نهائيا عنها.
أما في الدول الشمولية فان من يرسم ويقود العلاقات الدولية والسياسة الخارجية, هي السلطة التنفيذية مجسدة ومركزة بشخص رئيسها. وهذا هو الحال بشكل خاص في المنطقة العربية. فهو باحتكاره لكل وسائل السلطة في الميدان الداخلي والخارجي, وعدم ترك ولو هامش ضيق للرقابة ممثلة بالبرلمان , أو المعارضة, أو الأحزاب السياسة, أو سائل الإعلام, أو الرأي العام, يُدخل الدولة, بإرادته المنفردة, في علاقات دولية ويربطها باتفاقيات ومعاهدات تلزمها, ولفترات غير محدودة, سياسيا واقتصاديا. وهو في فعله هذا ينطلق أولا وأخيرا من مصلحة النظام السياسي الذي يقوده, ولو تعارض ذلك مع مصالح الدولة بمكوناتها. فالدولة في مفهومه لخدمة النظام وليس العكس.
وعليه فليس من المستغرب أن:
ـ كثيرا من الهزائم العسكرية تحولت لانتصارات, ويتم الاحتفال بها دوريا, لأنها اقتصرت فقط على احتلال أجزاء من الدولة, ولم تستطع إسقاط الأنظمة السياسية القائمة.
ـ كثيرا ما قُطعت العلاقات بين دول عربية, ولعقود طويلة, لخلافات بين حكامها, وعلى حساب مصالح تلك الدول وشعوبها.
ـ كثيرا ما تآمرت دول عربية على دول عربية أخرى مستقوية بالقوى الدولية المذكورة للغاية نفسها.
ـ كثيرا ما دعت دول في المنطقة القوى الكبرى لبناء قواعد عسكرية في أراضيها, أو سهلت ذلك, مقابل ضمان حماية أنظمتها.
ـ كثيرا ما رهنت الأنظمة السياسية في المنطقة ثروات دولها ومصادرها الطبيعية للقوى الكبرى ومراكز القرار الدولية, حافظا على أنظمتها القائمة وضمانا لاستمراريتها.
ـ كثيرا ما أخذت الدول الكبرى و مراكز القوى الدولية هذه الأنظمة نفسها ـ المتخاصمة مع شعوبها ـ الداخلة معها في علاقات دولية "مشخصنة" , رهائن للوصول لتحقيق مصالحها بتخويفها, في كل مرة تتغير فيها الظروف أو تقتضي المصالح, من رفع الغطاء عنها أمام تلك الشعوب.
ـ و كثيرا, إن لم يكن دائما, ما تنظر الدول الكبرى ومراكز القرار لهذه الأنظمة نظرة دونية , رغم كل مظاهر الدبلوماسية المخففة واللغة الخشبية.
ولكن كذلك:
ـ نادرا ما دخلت الأنظمة المذكورة, عبر تاريخها, في علاقات صحيحة وصادقة مع شعوبها بهدف بناء الدولة.
ـ نادرا ما تلاقت مصالحها مع مصالح هذه الشعوب في ميدان العلاقات الداخلية أو الخارجية.
ـ نادرا ما عملت بصدق أو تلاقت, بعيدا عن الشعارات الكاذبة والتي أصبحت ممجوجة لتكرارها منذ عقود طويلة, على عمل عربي فيه خدمة القضايا العربية, على المستوى العربي أو الدولي.
ـ نادرا ما امتنعت عن النظر للقضية الفلسطينية كورقة, وليس كقضية, لتسويق سياساتها الداخلية في تعاملها مع شعوبها, و للمساومة في علاقاتها الدولية.
ـ والأكثر ندرة أن تكون قد فكرت يوما أن مبرر وجودها هو خدمة الدولة وليس استخدامها.
د. هايل نصر.
التعليقات (0)