الدولة الإسلامية بين الأخوان والسلفية
قبيل ثورة 25 يناير كانت جميع التيارات الدينية سواء كانت جماعات تمارس العمل السياسي مثل الإخوان ، أو كانت فصائل تعيش في كنف النظام وتنام في حجره وتنعم بالطمأنينة والهدوء مثل السلفية ، فكل هؤلاء جميعا كانوا يعيشون في حالة سبات طويل الأمد ، ولم يجرؤ أحدهم على الاطلاق أن يتلفظ بلفظ واحد يغضب النظام ، يقول فيه أننا نريد إقامة دولة إسلامية بهذا الوضوح وهذا التشبث وهذه الجرأة ، كما لم يتجرأ أحدهم أن يتلفظ بكلمة واحدة عن المادة الثانية من الدستور ، ولكنهم جميعا كانوا يوافقون على ما يفعله النظام غير عابئين بالفساد والظلم والقهر والاستعباد ، وكان اعتراضهم على النظام محصورا ومحددا فقط على إبراز ورفع مظالمهم الشخصية مع نقد عادي جدا للنظام الحاكم شأنه شأن النقد المُروض والمتفق عليه ، الذي كانت تقوم به المعارضة الكرتونية التي صنعها النظام الفاسد في مصر على مدى ثلاثة عقود أو أكثر ، باختصار كان الأخوان والسلفييون يقتسمون مع الشعب المصري كل شيء من ظلم وقهر وذل وخنوع وخضوع ورضاء بالمقسوم.
وهنا يجب أن لا نفرق بين المعارضين المصريين الذين صنعهم النظام وبين التيارات الدينية التي تتخذ من الاسلام ستارا للضحك على الناس وخداعهم باسم الدين ، فكلاهما فشل في قهر هذا النظام ، وفشل في مواجهة الفساد مواجهة حقيقية ، وأحدهم كان يدعى أنه معارض لهذا النظام وهم معظم من ينتمون للمعارضة السياسية بكل أنواعها ، والآخر كان يدعي أنه يريد تطبيق الشريعة ويرفض الظلم والفساد وهم جماعة الأخوان وكل الفصائل التي ولدت من رحم هذه الجماعة ، الجميع فشل فشلا واضحا في صناعة أي شيء يخدم هذا الوطن ، أو يساعد بأي طريقة في وضع نهاية لهذا النظام الفاسد ، ولكنهم اليوم ركبوا على أكتاف الثوار ، وأكثر من استفاد من الثورة ، وكلما مرت الأيام ظهروا جميعا أنهم يبحثون عن مصالح ومكاسب شخصية خاصة لا علاقة لها بمصلحة مصر وشعب مصر ومستقبل مصر ، وتمكنهم خبرتهم في العمل السياسي من التعامل بوعي وحرص وحرفية مع كل مرحلة جديدة تمر بها البلاد بعد الثورة.
في هذا المقال سوف أبين أن الأخوان والسلفيين يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون عكس ما يقولون ، وأوجه لهم اللوم لأنهم بين الفينة والأخرى يقحمون اسم الإسلام في كل ما يقولون أو يفعلون ، وكأنهم يتحدثون باسم السماء أو يوحى إليهم مثل الأنبياء ، أو اعتبروا أن الاسلام حكرا لهم دون غيرهم ، وأنهم فقط من حقهم إقامة الدولة الإسلامية حسب منهجهم وفكرهم وطموحاتهم وأهواءهم ، وأن مصر وشعبها يعيشون كفرا واضحا وهم يريدون نشر الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية الآن لانقاذ الشعب المصري من كفره ، ولو كنت مخئا في هذا فليفسر لي أحدهم معنى إقامة دولة إسلامية في مصر ، فمن وجهة نظري لا تقام دولة إسلامية إلا في بلد كافر..!!
أولا: السلفية
السلفييون كل يوم يظهرون علاقتهم الوثيقة بأمن الدولة ، وأنهم يأخذون أوامر حتى يومنا هذا من فلول أمن الدولة لتدمير مصر وتخريبها ، وحرقها على رؤوس أهلها ، وما يحدث في قنا مؤخرا دليل هذا التعاون الواضح بين أمن الدولة والسلفية والبلطجية ، وأبشع ما في هذا الأمر أنهم يقولون أنهم يريدون دولة إسلامية ويريدون تطبيق الشريعة الإسلامية ، رغم كل الجرائم التي ارتكبوها منذ بداية الثورة تنفيذا لأوامر العاملين بأمن الدولة وبالتعاون مع البلطجية ، الذين سيصبحون عما قريب سلفييون في ثوب جديد ، حيث يتم إعدادهم الآن ، ولكن بعد أن ينمو شعر لحاهم حتى يتحولوا إلى سلفيين شكلا وفعلا ، و أعتقد أن هذا ما يحضره فلول أمن الدولة الآن ، وهي عملية تدريب للبلطجية على شعارات وكلمات سلفية في محاضرات يلقيها عليهم بعض دعاة السلفية المجندين في جهاز أمن الدولة ، وذلك لصناعة جيش جديد من السلفيين يتمتع بالبلطجة والقدرة على القتل بحرفية ومهارة ، ويلبس لباس الدين ، وهنا تحقيقا واضحا لنبؤات مبارك من قبل حين أعلنها وحذرنا منها أنه يجب الاختيار بين الفوضى والاستقرار ، وأنه يخاف لو ترك الحكم أن يستولى عليه الإسلامييون.
فهذه حقيقة فصيل يدّعي أفراده أنهم يريدون دولة إسلامية ، ورغم ذلك ولاءهم لأعداء هذا الوطن ، ولا يمكن على الإطلاق أن نصدق كلام كبار دعاة السلفية حين يدافعون و يقولون أن هؤلاء قلة لا يمثلون السلفية الحقيقية وأنهم شباب مندفع ، لأن هذا هراء وخداع وضحك على خلق الله ، لأنهم بذلك يظهرون فشلهم وكذبهم وتزويرهم للحقائق ، لأن هؤلاء الشباب الذين يفعلون هذه الجرائم قد تلقوا العلم في دروس ومحاضرات على يد نفس الدعاة الذين يتملصون منهم الآن سواء كان هذ التلقي في مساجد أو عبر الفضائيات ، فهم صناعتهم الفاسدة التي يتنكرون منها الآن.
ثانيا: الإخوان
حقا من يريد معرفة الأخوان يقرأ ما يكتبون ، ويسمع ما يقولون ، هذه مقوله نصحني بها أحدهم حين قلت له في حوار دار بيننا أن الأخوان كانت لهم صفقات مع النظام الحاكم في مصر ، فقال لي أنت تسمع عن الأخوان.
وعملا بهذه النصيحة سوف أقارن بين ما قاله بعض قيادات الأخوان بأنفسهم وأعلنوه صراحة في أخر مؤتمر لهم ، وبين ما قالوه في بداية الثورة:
في بداية الثورة وقبل أن تظهر معالم أي نجاح أوانتصار للثورة ظهر الأخوان في ثوب جديد جدا عليهم فكلهم وبلا استثناء وافقوا على جميع مطالب الثورة والثوار ، كانوا يتحدثون عن الدولة المدنية وموافقتهم على قيام دولة مدنية حقيقية ، واعترفوا جميعا أن الإسلام ليس فيه دولة دينية وأن دولة الاسلام هي دولة مدنية ينعم أهلها بالعدل والحرية والديمقراطية وحرية العقيدة والمساواة في الحقوق والواجبات ، وكلهم سواسية أمام القانون ، ولا فرق بين مسلم أو غير مسلم ، وأعلنوا احترامهم لحرية العقيدة وحرية ممارسة شعائر الدين ، وحينما تطور الأمر وازدادت نجاحات الثورة وأصبح من حقهم تأسيس حزب قال أحد أعضاء مكتب الإرشاد أن هذا الحزب لن يكون حزبا دينيا ، ولا علاقة له بعمل الجماعة الدعوي ، ومن حق أي مواطن مصري حتى لو كان قبطيا أن يكون عضوا في هذا الحزب فهو حزب لكل المصريين ، وأعلنوا موافقتهم على ترشيح القبطي والمرأة لرئاسة الدولة ، كل هذا قالوه بوضوح شديد.
لكن حينما استقرت الأمور وبدأت الثورة تعلن بوضوح عن مطالبها الحقيقية في دولة مدنية ديمقراطية لا علاقة لها بدولة الأخوان الدينية التي ينشدونها ، تغير خطابهم وتغيرت وتبدلت تصريحاتهم ، لأنهم لا يريدون ضياع الفرصة المواتية الآن ، فقد انهزم نظام مبارك الذي أذاقهم الذل والقهر والاستبعاد والاعتقال مثل باقي المصريين ، وساعدهم القدر في القضاء على النظام الفاسد الذي لم يخطر في وجدانهم أنه سيسقط بهذه السهولة ، وستفتح لهم الدنيا ذراعيها بهذه الطريقة.
أعلن الأخوان صراحة عن حقيقتهم وحقيقة مطالبهم وحقيقة هدفهم المنشود ، وتناقضوا مع أنفسهم ومع مطالب الثورة التي وافقوا عليها من قبل ، وهذا ما قاله قادة الجماعة الراشدون العقلاء ، حتى لا يقوم أحدهم بتكذيبي أو بتسفيه شخصيات من أدلى بهذه التصريحات ووصفه بأنه لا يعبر عن منهج الجماعة ولا يعبر عن الجماعة ككل كما يفعل كبار دعاة السلفية:
في آخر مؤتمر صحفي للجماعة قالوا الآتي:
((قال المهندس سعد الحسيني وهو عضو مكتب الإرشاد ـ إن مجد الأخوان هو نهضة الأمة وصبغة الشعب بصبغة الإسلام ، وأضاف، خلال المؤتمر الجماهيرى الذى نظمته الجماعة، مساء أمس الأول، فى منطقة إمبابة بالجيزة: «نحن نريد فى هذه الفترة ريادة المجتمع لتحقيق هويته الإسلامية تمهيداً للحكم الإسلامى، الذى تترسخ فيه قيم الحرية والعدالة والشورى والتعاون، لأن حريتنا هى أن نمكن الدين الإسلامى ونرفع رايته وندعو له.
ووجه «الحسينى» كلامه إلى التيارات الإسلامية الأخرى قائلاً: «يا سلفيين.. يا صوفية.. يا أنصار السنة، لا نوم بعد اليوم، حتى نمكن لهذا الدين فى مصر، فلا تضيعوا علينا هذه الفرصة العظيمة فى الانتشار السياسى بالمساجد والمصانع والجامعات».
وحول موقف الجماعة من تطبيق الحدود فى الشريعة الإسلامية قال الدكتور محمود عزت، نائب المرشد العام، إن هذا الأمر يأتى بعد «امتلاك الأرض»، فلابد أن تقام الحدود بعد أن يكون الإسلام فى حياة الناس وأخلاقهم وتعاملاتهم.
وأشار «عزت» إلى أن الجماعة لن تدير حزب الحرية والعدالة، لكنه سيشترك معها فى تحقيق نفس الأهداف والسياسة والاستراتيجية، موضحاً أن الحزب وسيلة للحكم.))انتهى.
وهنا تناقض واضح جدا بين ما قالوه من قبل عن حرية العقيدة وحرية ممارسة العقائد ، وعن الدولة المدنية التي يمكن أن يعيش فيها من هم على عقائد وأديان مختلفة ، وعن حقوق الإنسان والمساواة والعدل ، فهذا تناقض وتباين واضح جدا ، لم أخترعه من عند نفسي ، ولكنه من كلامهم هم ومن أفواههم.
وعلى الرغم من صعوبة ما قيل في هذه التصريحات إلا أنه مفيد جدا لإظهار حقيقة هذه الجماعة ، وكشف عن وجهها الحقيقي وتوجهاتها وأهدافها المنشودة ، فقد استخدموا في أول الأمر منهج التهدئة وطمأنة المجتمع لكسب التعاطف وزيادة المؤيدين ، وقد نجحوا في هذا بتفوق ، وأقنعوا بعض المثقفين أنهم جماعة معتدلة ذات منهج إسلامي وسطي معتدل بعيد كل البعد عن العنف والتعصب والتطرف والإرهاب ، لكن هذه التصريحات الواضحة فضحت حقيقتهم.
ومع أن الأخوان يتحدثون عن الاسلام كمنهج ينهجونه ويريدون تطبيقه إلا أن مقاصد الشريعة الاسلامية ليس فيها على الإطلاق مسألة امتلاك الأرض ، فكيف نصدق هذا التناقض في القول خلال هذه المدة القليلة.؟.
غير مقبول على الاطلاق أن نسمع أو نقرأ كل حين عن تصريحات مثل هذه التصريحات الأخوانية شديدة التطرف والتعصب ، وإقصاء الآخر واحتكار الدولة أرضا ودينا وشعبا ، غير مقبول أن يقوم هؤلاء كل يوم بعملية جس نبض للمصريين بهذه الطريقة الخادعة ليتمكنوا من التخطيط للمرحلة القادمة ، ولكي يكون خطابهم مناسبا لردود الأفعال التي حدثت ، فهم يضحكون على المصريين ، ويخدعونهم باسم الإسلام ، فأنا لا أتجنى عليهم فما قالوه من متناقضات قاله قادتهم وأعضاء مكتب إرشادهم ، فلابد للمصريين أن يفطنوا جيدا أنهم قاموا بثورة حقيقية ، ولا يمكن أن تكون نهاية الثورة بالخلاص من نظام حكم فاسد مستبد ومجيء نظام حكم أكثر فسادا وظلما وقهرا يقهر المصريين ويختزل حياتهم في لحية وجلباب ونقاب ، ويحرمهم من مجرد التفكير لأن طاعة ولي الأمر هي أساس الدولة الدينية التي يحلم بها الأخوان وكل الجماعات التي تتمسح بالاسلام ، وأنهم جميعا يؤمنون بحديث يـجعل من الحاكم راعٍ ومن الشعب رعية ، ويبيح للحاكم (الراعي) قتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين.
سؤالي الأخير ::
هل قامت الثورة المصرية لتأت بحاكم (براعٍ) تمنحه سلطته أن يقتل ثلث شعبه (رعيته).؟.
التعليقات (0)