بادئ ذي بدء, نعرج قليلاً على تعريف الدوغماتية, فهي تعني التعصب لفكرة معينة من دون قبول النقاش فيها أو رفض الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشتها, وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو السياسي أو في أي جانب آخر، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك, كما إنها تمثل الاستبدادية أو اللادحضية (الزعم بأن قولا معيناً غير قابل للدحض بتاتاً)، والقبول الخانع من قبل الملتزمين بهذه الفكرة والمعتقدين بها.
هذه الأفكار تستدعي عادة الانتقاد من قبل المعتدلين والمجددين والباحثين ولذلك تستخدم كلمة الدوغماتية غالباً للإشارة إلى عقيدة أو مبدأ لديه مشكلة الزعم بــ " الحقيقة المطلقة " كما أن من سمات الدوغماتية هي القطع برأي أو معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع، وهو ما يسمى في اللغة العربية بــ "التعسف" توجد الدوغماتيات في مختلف الفرق و الأديان على جميع المستويات من مذاهب وفرق وطوائف، مثل المسيحية واليهودية والإسلام، بحسب آراء بعض علمائها، والتي تُلزم أتباعها بإعتناق أركان أو مبادئ بشكل دوغماتي, يعتبر رفض الدوغماتية "هرطقة" في بعض الأديان أو المذاهب, وهذا ما نجده جلياً في الفكر التيمي الداعشي التكفيري.
إذ إن فكرة التكفير تجدها أصبحت عقيدة عند إبن تيمية وأتباعه, فلو كانت هناك مراتب للدوغماتية لكان إبن تيمية وأتباعه تصدر المرتب الأول في دوغماتية التكفير, ومن خلال التعريف الذي طرحناه للدغوماتية نجد إنها تنطبق تمام الإنطباق على الفكر والمنهج التيمي الداعشي التكفيري, فهو يُكفر كل الفرق والمذاهب والطوائف الإسلامية لا لشيء إلا لأن عقائدها وتفريعاتها العقدية تختلف عن عقيدته وفكره فهو يرى بأن كل من يختلف معه في الرأي فهو كافر لأنه يعتقد بصحة ما يعتقد به ولا يقبل النقاش ولا التجديد الفكري ويتعصب لرأيه كل التعصب ويجزم بصحة ما يقول ويرفض أي دليل يؤتى به لدحض ما يقول به, فكل ما يقوله إبن تيمية يعتبر صحيحاً ودستوراً غير قابلاً للنقاش, وهذا الأمر موجود عند أتباع إبن تيمية فهم يمثلون قمة التحجر والجمود الفكري الذي يعد الوجه الآخر للدغوماتية, حيث جمدوا فكرهم على كل ما يقوله إبن تيمة.
ومن الأمثلة على ما نقوله نرى إن إبن تيمية يُكفر الشيعة والمعتزلة والأشاعرة والصوفية, وخير شاهد على ذلك هو ما قاله في كتاب مجموع الفتاوى باب الأسماء والصفات " 6 / 359 " فنجده يكفر المعتزلة والأشاعرة وكل أهل القبلة,حيث يقول (( ومن رزقه الله معرفة ما جاءت به الرسل وبصراً نافذاً وعرف حقيقة مأخذ هؤلاء علم قطعا أنهم يلحدون في أسمائه وآياته وأنهم كذبوا بالرسل وبالكتاب وبما أرسل به رسله ولهذا كانوا يقولون إن البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه ويقولون إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة والأشعرية مخانيث المعتزلة. وكان يحيى بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية الذكور والأشعرية الجهمية الإناث ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية ...))...
ونكتفي بما قاله المرجع الديني العراقي الصرخي الحسني في المحاضرة الثالثة من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) كإثبات على ما ذهبنا إليه ونعلق به على كلام إبن تيمية, حيث قال المرجع الصرخي معلقاً على قول إبن تيمية ...
{{{... يوجد تكفير أوضح من هذا؟ يوجد اتهام بالخروج من الدين أوضح من هذا؟ يقول علم قطعا انهم يلحدون، هؤلاء ملاحدة، وأنّهم كذّبوا بالرسل، يكذب بالله ويكذب بالرسول ما هو حكمه؟ ويكذب بالكتاب بل بكل الكتب وبكل الرسل، حتى أن الحكم ينزل عليه أكثر من اليهودي والنصراني والمجوسي والصابئي، لأنه يكذب بكل الرسل وبكل الكتب, طبعًا سيأتي الجهال الأغبياء وقولون: هو نقل الكلام. الكلام من أين نقله؟ ينقل الكلام أيضًا من أئمة التوحيد الخرافي الأسطوري الداعشي التكفيري الإرهابي، لا فرق بين هذا وذاك، هذا الكلام مع من قال في هذا المورد أو في باقي الموارد، وهذا جواب عام لإشكال واستفهام تافه، يقوله الأغبياء، وكيف إذا هو أتى بالشاهد هنا أو في مقام آخر ولم يعلّق عليه، ولم يعترض عليه، بل أتى به في سياق الكلام للاحتجاج على المقابل، للقدح بالمقابل، لتثبيت ما يقول على المقابل، لهذا قال: ولهذا كان يقولون: … لاحظ، بعد أن أتى بالكلام فرع وقال: ولهذا كان يقولون: إنّ البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه، ويقولون: إن المعتزِلة مخانيثُ الفلاسفة، والأشعرية مخانيثُ المعتزلة، إذن من المقصود بالكلام؟ المقصود بالكلام المعتزلة والأشعرية، من هنا قلنا بدعة ذبح المعتزلة والأشعرية, إذن من هم الجهمية؟ -انتبهوا أيّها المسلمون- هم أهل السنة، أهل الجماعة، أهل القبلة، الكل مشمول بتكفير التيمية، استيقظوا، اصحوا من نومكم ومن سباتكم، واجهوا الفكر بالفكر ...}}.
فهذه هي الدوغماتية التكفير عند إبن تيمية وأتباعه, فمنهج التيمية مبني على تكفير المعتزِلة والأشاعرة والشيعة وباقي المسلمين, فكفّروا كل أهل القبلة، فأرجعوا إلى أدبيات الدواعش وقوى التكفير وكل قوى التكفير، ما هي أدبيات قوى التكفير؟ ما هي ثقافة قوى التكفير؟ ما هي أصول ومنابع قوى التكفير؟ ارجعوا إليهم، حيث تجدونها بكلام وبمقولات وبمقتبسات ابن تيمية وخط ابن تيمية التكفيري من أئمة ابن تيمية ممن سبقه وممن أتى بعده، من الحكام وممن ينسب إلى العلم والعلماء, فصار التكفير هو مبدأ وعقيدة وفكر ومنهج عند إبن تيمية غير قابلة للرفض أو النقاش أو المجادلة.
بقلم :: احمد الملا
التعليقات (0)