صعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الإفريقي في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، وذلك في إطار أهمية منطقة القرن الإفريقي جغرافياً واستراتيجياً بصفتها منطقة ربط التجارة الدولية، وبصفتها تشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول، ولأسباب أخرى ثقافية وسياسية. وقد اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في تلك المنطقة، وقامت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بعدة زيارات إلى المنطقة، وكذا الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في إطار الاهتمام بالحلول محل النفوذ الفرنسي والإيطالي في المنطقة، وفي إطار استخدام تلك المنطقة كمنطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وفي إطار الرغبة الأمريكية في حصار مصر والسودان والشمال العربي والإفريقي، بل والدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وهذا الأمر هو نفس ما فعلته إسرائيل دائماً، أي أنه تم دعم هذه الإستراتيجية الإسرائيلية أو التنسيق معها، ومن المعروف أن إسرائيل ذات علاقة تقليدية بإثيوبيا.
القرن الإفريقي من حيث العموم شديد الأهمية، ولكن للصومال أهمية خاصة، فهو يمتلك أكبر ساحل على المحيط، في حين أن إثيوبيا لا تمتلك أي منافذ بحرية!! ومن ثم فإن اهتمام الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في الصومال حقق قفزة متقدمة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ونجحت الولايات المتحدة في الدخول بقواتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة في ذلك الوقت، بل واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب والميليشيات في الصومال بعد سقوط نظام سياد بري، أي أنها حصلت على تفويض بالحرب والدخول في الصراع عام 1993، وقد اعترف جوناثان هاو في مجلة (النيوزويك) عام 1995 بوجود مشروع في الصومال على غرار المشروع العراقي فيما بعد، ولكن قيام قوات الجنرال عيديد بإسقاط طائرتين عموديتين أمريكيتين في الصومال في 3 / 10 / 1993 وقتل (18) جندياً أمريكياً وإصابة (84) جندياً آخرين، بل وسحب جثة أحد الجنود المقتولين الأمريكان في شوارع مقديشو، وانتشار تلك الصورة على نطاق إعلامي واضح، شكّل فضيحة للعسكرية الأمريكية، وجعلت الرئيس كلينتون يضطر إلى إعلان نيته الانسحاب من الصومال، وتم تنفيذ هذا الانسحاب في 31/1/1994. مما جعل أمريكا تغير استراتيجيتها في الصومال باتجاه دفعها نحو الضعف والتفكك خوفاً من قيام نظام إسلامي مستقر بها، وتوافق هذا تماماً مع رغبة إثيوبيا التي أصبحت قاعدة للدعم الأمريكي والإسرائيلي بدلاً من إريتريا التي شعرت بدورها بتخلي الأمريكيين والإسرائيليين عنها، فقفزت إلى المعسكر الآخر.
الدور الإثيوبي
في عام 1954 قام الاحتلال البريطاني بتسليم إقليم أوجادين الصومالي إلى إثيوبيا، وبديهي أن ذلك تم على عكس رغبة أهل الإقليم وعلى عكس رغبة الصومال، وكان هذا الأمر بمثابة إضافة عامل جديد للحساسية بين البلدين: إثيوبيا والصومال اللتين تشتركان في حدود طولها (2800) كيلو متر، وتشعران بشيء من العداء الديني التاريخي ومراحل متواصلة من أشكال الصراع، وقد دخل البلدان في حرب عام 1977، 1978، ونجحت القوات الصومالية في تحرير جزء من إقليم أوجادين، إلاّ أنها اضطرت إلى الانسحاب بسبب التواطؤ الدولي!! وبديهي أن الصوماليين لن ينسوا إقليم أوجادين، وبديهي أيضاً أن الإثيوبيين يعرفون ذلك، وهكذا فإن إضعاف الصومال هدف إثيوبي ثابت، وقال الرئيس الإثيوبي الأسبق منجستو هيلا مريم يوم فراره من أديس أبابا عند الإطاحة بحكومته "لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلاً كبيراً عليهم، لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم وهي الصومال".
وبالإضافة إلى موضوع أوجادين، فإن إثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً؛ لأن قوة الصومال ستكون دعماً لحركات المعارضة العرقية والدينية داخل إثيوبيا ذاتها، والتنسيق بين السودان والصومال مثلاً يمكن أن يشكل محوراً إسلامياً إفريقياً ضاغطاً على إثيوبيا، ولا تخفي إثيوبيا ذلك، ودعمها للحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف، والذي تم تنصيبه بضغط إثيوبي في 10/10/2004 يأتي في هذا الإطار، بل أكثر من هذا فإن الحكومة الإثيوبية تريد تغيير مناهج التعليم الصومالية، ومنع مراكز تحفيظ القرآن الكريم في الصومال حتى لا تظهر في الصومال قوة إسلامية تهدد التماسك الإثيوبي برمته.
التعليقات (0)