الدوافع الذاتية للالحاد:9
ان القول بأن الالحاد هو التحرر من القوانين الدينية التي تضبط وتقيد سلوك الانسان الجسدي والروحي وتسلبه حرية الاختيار،هو قول هزيل لان الالحاد نفسه سوف يكون خاضعا لقيود القوانين الوضعية وسلطتها المدنية المستمدة منها وهي ايضا تقيد الحرية المطلقة للانسان وبخاصة القيد المختص بواجب احترام جميع اصحاب العقائد والاديان او المتحررين منها وعدم انتهاك خصوصياتهم التي يتجاهلونها بطريقة تستفز الاخرين بل وتحرك فيهم الدوافع الذاتية للدفاع بقوة عن تلك الخصوصيات المنتهكة وبالتالي سوف يكون كغيره من العقائد والاديان موضوع تحت قيود وحدود لا يمكن تجاوزها!...ومن الطريف ان نشاهد بأنه اغلب السلطات المدنية تسمح بحرية اكبر في بعض المسائل الشخصية وهي حالة محاباة للملحدين اكثر منها للمؤمنين! من قبيل الحرية الجنسية وحرية بعض الممارسات الغير اخلاقية ومنها ممارسة بعض المهن الشاذة والفاسدة،ولكنها تقيد وبشدة الحريات الاخرى وبخاصة التي تتعلق بالاديان وبعض التزاماتها على اتباعها من قبيل محاربة الحجاب وغيره،اذا في هذه الحالة وقع الملاحدة في مطب التناقض الفاضح في ضرورة التحرر المطلق من الاديان للتخلص من قيودها وبين الخضوع للقوانين والتي تحجم تلك الحريات وتميز بينها وفي هذه الحالة عليهم ايضا محاربة اي تقييد لاي حرية والا فأن منطقهم الهزيل سوف يكون محل تناقض مفضوح من خلال سكوتهم على اي انتهاكات تحصل!.
طبعا هنالك عدد كبير من الشبهات التي ادرجها الملحدون والمخالفون دينيا في تاريخهم الطويل وبخاصة صراعهم العقائدي مع الاسلام وحفلت التدوينات التراثية بالكثير منها،ولم يقف المدافعون صامتون بل ردوا بقوة علمية ومنهجية ووفق مختلف المذاهب والمدارس الفكرية التي كانت مختلفة في مستويات القدرة العلمية...فبعضها استخدم نفس الوسائل العلمية وبخاصة العقلية والمنطقية ونجح نجاحا كبيرا كون ان استخدام نفس الادوات المعرفية من طرفين متناقضين سوف يؤدي الى نتائج متناقضة ولكن سوف يحترمها الى حد ما الطرفان، والاقوى في الاساس والبناء التكويني للبرهان يكون هو المنتصر والاخر خاسر او ضعيف الذي يعرف ان مايعتقد به من منظومة فكرية قد اثبتت نفس وسائله التي يتحجج بها انها خاوية او ضعيفة ولا تنفع لنظام الحياة وتجعله مثالي وفي هذه الحالة سوف يكون عليه اما الاعتراف بذلك وتلك شجاعة نادرة لا تحصل الا في حالات استثنائية او يكابر ويتعالى على الاخرين وهي الحالة السائدة مع شديد الاسف عند بني البشر! سواء في هذا الموضع من الجدال او في بقية الجدالات الفكرية بين بني البشر او حتى اثناء البحث الذاتي والذي يحصل لكثير من الباحثين عن الحقيقة بغض النظر عن التمسك الاعمى بما جرى لهم اثناء فترة محددة في حياتهم الذي يتسم بالصراع الداخلي الذي يكون شديدا على الفرد من خلال المعاناة بحيث لا يتحمله ويصبر عليه الا قلة من الشجعان بغض النظر عن النهايات الفكرية التي تحصل لهم فليس من الثابت ان تكون النهاية هي في جانب الحق والصواب ولكن اتباع الاساليب المنهجية المتصفة بأعلى درجات الموضوعية مع شمول كافة العقائد والافكار(وهي اندر شيء يكون لانه يستحيل على الانسان ان يتناول كافة العقائد والافكار في العالم لكثرة عددها ووجود عدد كبير منها بلا معنى كمثل حالة الانترنت الان!) هي قادرة على ان توصل الانسان الى اقرب الطرق نحو الصواب،ويمكن لنا الاستعانة بما جرى للمفكر الفرنسي روجيه غارودي في بحثه الطويل في العقائد والافكار حتى انتهى به الى الاسلام وبالطبع وفق التفكير المتقدم الذي يتجاوب مع متطلبات الحياة،وطبعا هنالك الكثير من الامثلة الاخرى مثل محمد اسد واحمد سوسة وآخرون...
البعض الاخر استخدم خطأ الادوات التي يستخدمها في مناهجه الداخلية الخاصة به والكارثة اذا كانت تلك المناهج محل خلاف مع الاخرين من المدارس الفكرية الاخرى ضمن الدين او المذهب ذاته!...ولتقريب هذا المفهوم للاذهان يكون من خلال حالة مناهضة الفكر الالحادي او الافكار الاخرى مثل الاشتراكية او الراسمالية من خلال استخدام منهج مذهبي خاص(قد يخالف بقية المذاهب ضمن الدين الاسلامي نفسه) وينحصر ضمن دائرة اتباعه الضيقة مما يعني ان اي نتائج للبرهنة على قوة الحجة سوف لا تكون محل احترام او الزام للاخرين حتى لو ظهرت قوية لان الاخرين اساسا لا يعتقدون بصحة هذه المباني المنهجية فكيف يلتزمون بنتائجه او يسلمون بقوة الحجة الخ من قبيل الاستناد الى الاحاديث النبوية الشريفة المروية والتي لا يتفقون عليها او الاستدلال ببعض اقوال واراء علمائهم من قبيل التكفير المسبق واللعن او الادعاء بالتخلف والهمجية لدى الاخرون...الخ من تلك الاستعارة اثناء المجادلة والحوار والبحث والتنقيب في حقول الافكار والاراء،وهذا الامر ينطبق ايضا على الرأي الاخر ايا كان في ضرورة الالتزام بما يلتزم به الطرفان من خلال استخدام الادوات المعرفية المتفق عليها حتى يكون الاخر خاضعا لها اذا فشل كمثل استخدام دواء جديد على حالة مرضية معينة فأذا نجح مع مجموعة مختارة فسوف يلزم اصحاب الحالة جميعا بأستخدامه واذا فشل فأنهم ملزمون بالامتناع عنه،ولذلك فأن التطرف في استخدام الالفاظ والمعاني والمقررات ضمن الفلسفة الماركسية على سبيل المثال مثل الديالكتيك والمادية التاريخية وغيرها واعتبار ذلك انها حقائق مطلقة لا يأتيها الشك ابدا! هو خطأ كبير.
استمد بعض الملاحدة تفكيره المناهض للايمان من خلال الممارسات الوحشية التي حدثت في التاريخ الاسلامي سواء للشعوب المختلفة او للافراد والمجموعات المناهضة سياسيا او فكريا والقول ان ذلك مبرر لديهم من خلال الغطاء الشرعي المزيف الذي يستند عليه القائمون بتلك الاعمال ولهم مؤيدون ضمن صفوف علماء الدين والصفوة من اصحاب الفكر والرأي...وفي الحقيقة ان عدد كبير منهم صنف كتبا وبحوثا خاصة بتلك التوجهات والتي اجبرتهم على ترك الايمان بصورة عامة ومعارضة الاديان لانها سببت الكوارث للبشرية على حد زعمهم! ولو اردنا تطبيق تلك النتائج المثيرة للانتباه على الامثلة التاريخية فهي شائعة فقد اضطر عدد كبير من بني البشر لترك الاشتراكية كمذهب فكري وسياسي بعد الفشل التطبيقي للايديولوجية وعليه يكون الواجب الرجوع الى النصوص لتبيان الخطأ فيها بدون الذهاب الى التطبيقات الخاطئة،وقد لا تتحمل النصوص الاخطاء ولكن التطبيقات التي غالبا ما تكون خاطئة هي التي يجب ان توجه لها اصابع الاتهام ويشار للمتسببين بذلك.
من السهل استخدام نفس المنطق والتفكير في هذه المسألة على اصحاب تلك الاراء نفسها!...فالملاحدة انفسهم بمختلف مدارسهم التي سادت لزمن معين مثل الشيوعيون وغيرهم،قد مارسوا اعمالا وحشية اصبحت بالمقارنة معها المجازر الوحشية التي ارتكبتها السلطات الغاشمة المتسترة برداء الاسلام،هي مجرد اعمال صغيرة لصغار يتعلمون من اساتذتهم الكبار التفنن في تلك المهن الوضيعة،فقد كانت اعداد الضحايا في الصين ايام ماو وروسيا ايام ستالين وابادة الخمير الحمر لثلث شعبهم في 3 سنوات في كمبوديا هي جميعها تفوق بشكل لا يصدق كافة المجازر التي ارتكبتها السلطة الاموية على سبيل المثال،وبما ان جميع تلك المجازر وممارسات التعذيب الوحشية هي مرفوضة جملة وتفصيلا في الشريعة ولا يعار اي اهمية لمن يؤيد تلك الجرائم سواء من ادعياء الفقه والشريعة او الفكر والرأي فأن التبريرات الواهية المبينة على اساس انها جزءا منها تعتبر من الهزلية والضعف الى درجة يكون الضحك واجبا فيها على ضألة العقول التي تبرر اعمالا تتستر برداء ديني من خلال الاستناد الى بضعة ايات قرآنية او احاديث نبوية مروية للقيام بتلك الجرائم!...
ان ربط الدين بالسياسة حتى لو استند على قاعدة فكرية قوية في الظاهر فأنه لا يبرر اخطاء السياسة ابدا مادام هنالك معارضون لنفس المنهج او استخدام جزء من النصوص الدينية للتبرير والتغطية،لانه من السهولة استخدام النصوص سواء الدينية او حتى الفكرية لتبرير اعمالا قد تكون مخالفة لها في الجوهر ولكن مزيفة التشابه او الادعاء بذلك التشابه بين الواقع نصوص المشرعين،وعليه لا ينبغي وصم الدين بتلك الاعمال الغير انسانية التي لا يقبلها اي عقل او منطق من قبيل الاعمال الارهابية التي يقوم بها التكفيريون فهي حتى لو استندت الى نصوص دينية فهي مرفوضة للغالبية الساحقة ولا تمت للدين بصلة حتى لو اصر القائمون بها بذلك،وعليه فأن هذا المستند من التبرير يضعف موقف الملاحدة بدلا من ان يقوي حجتهم وبالتالي سوف يكون الواجب عليهم البحث عن ادلة واساليب اخرى.
ان تلك التبريرات والتحليلات التي تخضع المنظومة الدينية كما هي المنظومة الاجتماعية لقالب فكري واحد او متعدد ولكنه غريب عنه في الاسس والاساليب المنهجية،ليس معناه ان سوف يكون دقيقا ومحايدا وبالتالي ان تصوراته ونتائجه سوف تكون صحيحة!...كلا العكس صحيح فهو ان اخضاع الغير لما يمتلكه الاخر لا يؤدي الى الوصول الى الحقائق المطلقة والعدل الذي يرجى له ان يسود العالم...نعم هنالك اسس وقوانين تسري على الجميع او تناسب الغالبية ولكن لا يكون التفسير القسري هو الانموذج الصحيح لما ينبغي عليه التفسير الموضوعي!.
ان كل ذلك ادى الى الدفع الذاتي الخاطئ بأتجاه الالحاد بالرغم انه من الممكن تصحيح الاخطاء البشرية الشائعة من التفسير الخاطئ للشريعة الاسلامية او التمسك بأتجاه تفسير اجتهادي واحد لشريعة انتجت التفسيرات البشرية لها الى اكثر من مائة مذهب ديني وفكري!.
التعليقات (0)