الدوافع الذاتية للالحاد:7
تشاع ايضا بعض الشبهات التي تقرأ خطأ من الواقع المعاصر دون تقييم الاوضاع في تلك العصور التي من الممكن لاصحابها لو اتيحت لهم فرص زيارة مجتمعاتنا المعاصرة لكانت مفاجآتهم الدنيا في بعض الاشياء الايجابية وسوف تكون مفاجآتهم العليا هي في الاشياء السلبية السائدة لانه من غير المعقول ان تكون المجتمعات المعاصرة، بتلك المستويات من التقدم التكنولوجي والتأخر الزمني الذي يلزم اصحابها بضرورة الاستفادة من اخطاء المتقدمين دون ان تكون هنالك ادنى فائدة ظاهرة من خلال شيوع المظاهر اللااخلاقية والعنف والجوع والجهل والتخلف والمستويات المذهلة من شيوع الاباحية والشذوذ والالحاد واستغلال البشر وانتشار العبودية وولادة وسيادة مختلف المذاهب الفكرية التي هي من نتاج الانسان ولكن يتم تقديسها بشكل يثير الانتباه!...اذا حالة التعجب متبادلة،وكما تثيرنا بعض المظاهر الوحشية او الغير انسانية في الحقب الماضية،فأن عصرنا الحالي ليس مثاليا بالدرجة التي تجعلنا قيمين على كل العصور السابقة! ولا ننسى ان الجميع بشر ليسوا معصومين من الخطأ، ويمكن لنا ذكر الكثير من الامثلة الدالة على وحشية وهمجية العصور الحديثة من حروب عالمية الى تدمير البيئة وتدمير القيم الانسانية واستغلال معاناة الشعوب في توليد القوة السياسية والحفاظ عليها دون مراعاة حقوق الانسان! الخ... من الامثلة التي تجاوز الانسان المعاصر اسلافه في حجم همجيته بشكل لا يوصف!.
من الامثلة الشائعة المثارة لدى الملاحدة هي قضية الرق وامتلاك الجواري ،بأعتبار ان الدين الذي يشرع لتلك الانتهاكات الصريحة لحقوق الانسان او يقف مؤيدا لها دون ان ينسفها هو غير جدير بأعتناقه او الدفاع عنه!وكأن الدول المعاصرة خالية من تلك المظاهر المبطنة!...في الحقيقة ان دراسة تلك القضايا لم يكن بمنظار تلك الايام والا لخرجت النتائج مختلفة!...بل انها تمت وفق القيم التي شاعت في العالم بعد ذلك وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة او شيوع المذاهب الفكرية الوضعية من قبل! وبعد نهاية تلك الحالات التي شوهت التاريخ الانساني وجرى تقييم الماضي على اساسه!.
الانسان القديم استخدم الرق في جميع الحضارات السابقة وحتى الغربية المعاصرة كانت مدينة لاكبر عدد من العبيد على مدار التاريخ! بل ان فلاسفة الاغريق الذين يدافعون عن حقوق الانسان والمجتمعات الفاضلة كانوا يستبعدون تلك الفئات من الوجود الانساني او المشاركة في قراراته المصيرية بشكل مثير للانتباه! وليس خافيا ان غالبية الكنائس كانت تناقش لفترة طويلة هل للمرأة روح ام لا؟! .
فالرق والعبودية كانتا بمثابة الطاقة الاحفورية في اقتصاد اليوم،فقد كانت الغزوات والحروب والنزاعات شائعة ومنتشرة بشكل يجعل من وصف حال العالم بأنه غابة من الوحوش هو تعبير مهذب !وليس هنالك قوانين دولية او مشتركة تحضى بقبول الجميع وتحد من تلك الظواهر،الا في حالات شاذة ليس لها السيادة الزمنية،وبالتالي فأن تقرير مصير المحاربين الاعداء وعوائلهم واوطانهم كان يتم تحت رحمة المنتصرين الذين كانوا يعتبرون من حقهم فعل مايريدون للتعويض عن الخسائر او كغنيمة لا يجوز تركها! ولم تكن تلك الاعمال توصف بأنها اعمالا همجية ولكن الوحشية تكون في الاستخدام السيء لتلك القدرة على هؤلاء الضعفاء او الاسرى بأعلى درجة ممكنة،وكلما كان الانسان متحضرا في معاملاته كلما كانت عملية التخفيف من معاناة تلك الفئات اكثر مقبولية سواء من جانب الاديان السماوية او الضمير الانساني الحي.
لم يقوم الاسلام بتحرير تلك الطبقات الفقيرة بصورة مفاجئة كما في بعض الحالات التي عاصرت ظهوره، بل كانت خطواته مدروسة وبطريقة تحفظ حقوق الجميع وبالرغم من ذلك فأنه شكل انقلاب على المنظومة الاجتماعية حينها لم يستوعبها الناس لفترة طويلة وللدلالة التوضيحية يقارب رأي بعض الفقهاء في ان العصر الحالي هو الاكثر ملائمة لبناء الدولة الاسلامية الحديثة من العصور الاولى التي ظهر الاسلام فيها بأعتبار ان المسلم آنذاك لم يكن بنفس المستوى من الوعي الثقافي والفكري العالي والقادر على التمييز من المسلم المعاصر الذي تشبع بالحضارة الحديثة وانجازاتها الفكرية والعلمية المذهلة،ولذلك فشلت الدولة الاسلامية القائمة على اسس دينية صحيحة بعد فترة وجيزة من قيامها بعد رحيل الرسول(ص) واصبحت دول ملكية مطلقة لا يمكن اعتبارها اسلامية الا بالاسم فقط مما يعني ان اي احتجاج يكون مستمد من تلك الفترات مرفوضا اذا توجهت اصابيع الاتهام للاسلام في تسببه بل ان المفاهيم المتعددة الاتجاهات للاسلام وشريعته كانت ناتجة من اختلاف الاجتهادات او الاستغلال لديمومة الحكم والحال!...اذا كان الاسلوب المثالي للاسلام يتمثل في الاسلوب التدريجي الذي يلائم عقلية شعوب تلك المجتمعات المتخلفة وبخاصة مجتمع الجزيرة العربية الاكثر تخلفا في العالم آنذاك! وكان يشجع ويحث وبأسلوب سلمي على تحرير العبيد او ماملكت الايمان الذين كانوا من غير المسلمين وكان يوجب ان يتحرر هؤلاء بعد اسلامهم ولكن التطبيق الفعلي بقي ضعيفا لتلك الواجبات بسبب هيمنة العامل الاجتماعي والمنفعة الذاتية على تطبيق الكثير من الاحكام الشرعية اذا تعارضت معها!وهذا هو ديدن غالبية البشر ثم يأتي المعاندون وينسبون اخطائهم الى الله تعالى بدلا من نسبها الى الانسان نفسه!.
لقد سطعت في التاريخ امثلة رائعة من العبيد والفئات المستضعفة السابقين والذين تحرروا بفضل الاسلام واصبحوا من القادة والمفكرين ويشار اليهم بالبنان ولو كان الاسلام محايدا في تلك المسألة وغيرها لما رأينا تلك الحالات المثالية بل ان فئات شعبية كثيرة اطلق على بعضها بأسم الموالي وغيرهم اصبحت تشكل الاغلبية في اقاليم متعددة ولكن الانقلاب على الاسلام او تفضيل العادات والتقاليد الموروثة وابعاد الشريعة عن الدولة كان قد وصل الى ابعد مدى بحيث لم يبقى من الاسلام الا شعائر متعددة واصبح الحكم والسطوة للاسر التي تناوبت على تلك الشعوب! بحيث ظهرت حركات تطالب بالمساواة مع العرب مثل الشعوبية! رغم ان الاسلام يوجب المساواة بين الجميع...
كانت تجارة العبيد والجواري تشكلان ركنا اساسيا من اقتصاد اي دولة في تلك الايام لكونها الفئة القادرة على تحمل اعباء بناء الدولة وتوفير الحياة الكريمة الناعمة للفئات الثرية،وبما انها الفئة الاضعف فأن الاسلام اوجب او شجع ورغب على التحرير بدون مقابل بهدف القضاء على تلك المظاهر اللانسانية،ولذلك جاءت بعض احكام الشريعة الخاصة بهم مختلفة حتى من ناحية العقوبات من خلال مراعاة كافة الجوانب المحيطة بهم.
لو كان الاسلام دينا يفرق بين البشر ويؤيد او يشجع على العبودية والرق واستغلال البشر لما اعتنقه ذلك العدد الضخم وغالبيتهم الساحقة من شعوبا مستضعفة ومحرومة ابتليت بالاستلاب المادي والمعنوي من سلطات واذنابها من الفئات الطليعية التي اساءت التأويل والتفسير لكل مبادئه الحقة!.
ان اتهام الاسلام بالتمييز هو خاطئ لكون الكثير من الايات القرآنية الشريفة قد اقرت بصراحة، بالمساواة بين الرجل والمرأة وبالمساواة بين البشر كافة ووضع مقياسا جديدا فريدا من نوعه يتمثل بأن اكرمكم عند الله اتقاكم اي بجانب العمل بالتقوى تكون الافضلية ولهذا رفع اناس واحط آخرين ولم يهتم بالانتساب او بأمتلاك المقدرة المادية واي اتهام من قبل الاخرين له بعكس ذلك سوف يكون غير موضوعي او غيرعقلاني ولا يطابق الحقيقة كاملة لان الايات صريحة ولا مجال لتأويلها او التهرب من تطبيقها، ،ولكن استعارة النماذج التاريخية للاشارة الى الاسلام بها هو دلالة على ضعف التحجج بتلك الامثلة التي ليس للاسلام دخلا فيها،والا لاعتبرنا ان كل مايجري اليوم من سلبيات في الغرب هو نتيجة للفكر الليبرالي السائد! وعادة فأن التمييز الذي يطبقه البشر ظاهرا او باطنا هو ناتج غالبا من دوافعهم الذاتية وشهواتهم التي ليس للدين الاسلامي او غيره علاقة بها الا اذا صرح بعكس ذلك!...ولنعطي بعض الامثلة التوضيحية على الفقرات الاخيرة،في ان العديد من خلفاء بني العباس يملكون الآلاف من الجواري بحيث يستحيل عليهم ان يعاشروهن بالمعروف او يتم التساوي بينهن والكثير منهن في الاصل اما فقيرات او غنائم حروب ونزاعات او يقوم التجار بشرائهن من تجار البلاد الغير اسلامية،فأي دين او مذهب يعترف بذلك او يقوم بالتشجيع عليه فضلا عن اهمال شؤون الدولة والرعية في الانغماس في تلك الشهوات البهيمية التي لم يتخلص البشر لغاية الان منها؟! ان ذلك هراء لا يمكن القبول به لان الاسلام يرفض هؤلاء المتحكمون بمصائر شعوبهم كما بقية الاديان السماوية الاخرى وبالتالي فأن كل ماجاؤوا به هو في ظاهره وباطنه مخالفا للشريعة الا اذا كان محكوما بالصحة الجزئية...فلو كان الاسلام يشجع على ظاهرة الرق والعبودية بمختلف مسمياتها لكانت الشعوب الاسلامية مستمرة في العمل بتلك المظاهر وبخاصة من طرف اصحاب العقول المقفولة!ولكننا نرى اليوم انه بالرغم من وجود بعض آثار تلك الظواهر لاسباب محلية فأنه لا علاقة للاسلام بها...فأذا كان الفرد مسلما ومنحرفا فليس من الحق اتهام الاسلام بكافة الاتهامات لكون ذلك خاضع لارادته الذاتية وليس نتيجة لخضوعه لاحكام دينه والا فأن الاتهام سوف يكون شموليا لانتشار المظاهر المخالفة بالنسبة للشرائع الاخرى.
التعليقات (0)