الدوافع الذاتية للالحاد:5
لا يوجد من معتقدات دينية مستندة على اسس متينة قادرة على رد الفكر الالحادي بقوة مميزة سوى الاديان السماوية الثلاثة ،فالاديان والمذاهب الوضعية ليست بقادرة بل هي ممهدة احيانا للفكر الالحادي سواء اذا كانت داعية الى عبادة الاله الواحد او الالهة المتعددة من خلال التيهان في دروب المعتقدات الغريبة والتقاليد الموروثة منها! ويمكن لنا الاستعانة بالمتحف الكبير للاديان في بلد مثل الهند!...ولكن يبقى الاقوى بين الاديان الثلاثة من ناحية الثراء الفكري والمقدرة المعرفية والجدلية المتميزة على صد التيارات الالحادية وردها بقوة وجدارة لا يمكن الاستهانة بها...الا وهو الدين الاسلامي بغالبية مذاهبه السائدة، ولذلك كان اشد خصوم الالحاد والملحدين هو الاسلام والعقبة الكبرى في طريقهم نحو السيادة العالمية!.
ومن جملة الاسباب التي جعلت للاسلام تلك المقدرة الهائلة هي انه جمع بين الجانب الروحي وهو الذي اشتهرت به المسيحية والجانب التنظيمي للحياة وهو الذي اشتهرت به اليهودية،ومن خلال الجمع بين الصفتين اعلاه كانت نتيجته ذلك التغلغل الهائل في النفوس والتجذر فيه الى درجة يندر وجودها،وخرج لنا الفكر الاسلامي ايضا بتراث ضخم ساعد على تنوعه هو وجود عدد هائل من المدارس المذهبية والفكرية التي تحتاج الى اثبات وجودها المعرفي على الساحة ومحاولة استقطاب المؤيدين ورد المعارضين والخصوم والمشككين،من خلال البحث الدائم عن الادلة العقلية والنقلية لاثبات الرأي، ولذلك رأينا هذا المقدار الهائل من الكم والكيف من المعارف الدينية وبخاصة التي تتعلق بجانب العلوم العقلية ومتفرعاتها الفلسفية والكلامية الخ والتي تستخدم مختلف الطرق الاستدلالية للوصول الى النتائج المرجوة منها...وكلما كانت الحرية متوفرة للفكر الاسلامي كلما كان الاقدر على البذل والبحث والعطاء والعكس صحيح ايضا وبخاصة اذا تم التحجر عليه بحجج واهية وقد يكون من بينها الخوف من سيادة مدرسة مذهبية او فكرية ما على المجموع العام! كما وانه قد مرت عليه فترات زمنية صعبة لم يستطع ان يتحرر من اساليبه القديمة التي ابتدعها فترة زمنية معينة.
لم يخضع التراث الديني وبخاصة الاسلامي منه الى دراسة موضوعية منفصلة لدى دعاة الالحاد وقادته الفكريين في الغرب بل وضعوه في قوالب جاهزة لا تنطبق عليه بل تخرج لنا منها نتائج وتحليلات مشوهة او غير دقيقة والكارثة انها قد تكون مراجع دائمة في البحث التطويري! ومن هنا يتبين لنا ان مقولة الماركسية هي نتاج الفلسفة الالمانية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسي الانكليزي هي صائبة لانها نتيجة ولادتها ونموها وتطورها كان مركزه في القارة الاوروبية وبخاصة في الفترة التي كانت فيها الكنيسة في اضعف حالاتها،وبالتالي فأن الماركسية وهي اقوى المدارس الفكرية واكثرها ثراء في الجانب المعرفي قد التزمت الالحاد منهجا لها وسادت على البقية وهي قد استمدت مصادرها الفكرية والالحاد بصورة خاصة من المصادر والبيئة الاوروبية،وحتى ان انهيارها كان موجودا ايضا على الارض الاوروبية بينما بقيت النظم الشيوعية الاخرى في اسيا مستمرة في الصمود لكونها قد انفتحت على العالم واستفادت من الاخطاء السابقة او ان لها بيئتها الخاصة بها!.
ان ابرز دوافع الالحاد الذاتية سواء للمسلمين السابقين او من يقرأ ويستعرض الاسلام واحكامه من غير المسلمين هي بالاساس اتت من تاريخ المسلمين المشوه او الاسود نتيجة سيادة النظم الاستبدادية فيه والغير دقيق بدرجة عالية كما هو معروف مع استغلال النصوص المدونة في بعض الاحكام الشرعية والتي خضعت للاجتهاد الشخصي بالاضافة الى السيرة الذاتية الفردية والجمعية في تبني موقف الالحاد والتنكر للخالق جل وعلى...!
من الحماقة والغباء تصور ان جميع المتحولين للالحاد هم فلاسفة ومفكرين على درجة عالية من الثقافة والفهم والادراك! كما وان العكس صحيح ايضا اي ليس كلهم جهلاء ومتخلفون وبالتالي ينبغي تركهم وعدم الانشغال بهم!...اذا في كلا الحالتين تطرف غير محبب!...نعم قد يكون هنالك بارزون فكريا وثقافيا منهم ولكن ذلك شيء طبيعي لان الشائع هو سيادة صاحب الفكر والثقافة على اصحاب الجهل والتخلف،فهل رأينا اميا جاهلا يشار اليه بالبنان يوما ما؟!...الجواب بالتأكيد كلا! اذا في هذه الحالة سوف يكون الاستناد على مايطرحه البارزون فكريا من الملحدين من قضايا يعتبرونها من الاسباب الرئيسية لتحولهم نحو الالحاد او التنكر للخالق والدين! واهمال الاغلبية الساحقة من الجهلاء وانصاف المثقفين والمقلدين!.
من هذا المنطلق نبدأ القول ان الغالبية الساحقة للمتحولين للالحاد لم يبنوا اعتقاداتهم الجديدة وفق دراسات موضوعية معمقة للفكر الاعتقادي والفلسفي الاسلامي حتى توصلوا الى تلك النتيجة المضادة! والتي من شروطها ايضا ان لا يكونوا في وضع نفسي سيء مسبقا حتى لا يؤثر على درجة التغيير المستندة على اسس قوية، بل استمد تحولهم من وجود مصادر الاخطاء الشائعة في التدوين او في التاريخ الاسلامي سواء حكاما او شعوبا،وهي اساسا خاضعة للانتقادات الاسلامية الذاتية قبل ان تكون مصدرا للنقد الالحادي الخارجي!...فالسيرة النبوية الشريفة والاحاديث التي دونت عنها هي خاضعة لمنهاج قاسي من التحقيق بغية الوصول الى ادق النتائج المرجوة كي يبنى الاعتقاد السليم حولها، في حين نرى ان استناد الاغلبية الساحقة من الملحدين عليها وكأنها نصوص مقدسة عند جميع المسلمين ولا يقبلون اي المسلمين نهائيا التحقيق حولها مما يعني ان مستواهم الفكري والاخلاقي هو وضيع لا ينبغي لطالب الحق اتباعه!...انه منطق هزيل لا يمكن الركون اليه،فمتى كان التاريخ المعاصر المدون والمستند بالصورة والصوت دقيقا الى درجة مطلقة يعتقد به الاخرون بصورة لا تقبل الشك وتصل الى درجة اليقين المطلق؟! ان العيش في العصر الحديث بين لنا المقدرة البشرية العالية من الكذب والتدليس والتحريف والتحوير بل وهزلية العقل البشري في عدم الاعتقاد والتصديق حتى ولو كانت منقولة بالصورة والصوت وامام الملايين نقلا مباشرا!!وان ابسط خبر اليوم يمكن لنا رؤيته منقولا بمختلف الصور في عينة عشوائية بسيطة من وسائل الاعلام! فكيف اذا والحال في امة كانت تعيش الضياع في صحراء قاحلة ولا يزيد عدد المتعلمين فيها على بضع عشرات فقط ولم تكن لديهم لا مدارس ولا جامعات ولا وسائل متقدمة في التدوين قادرة على نقل تراث ضخم بدقة لا يأتيها الشك ولا تخضع للتحريف والتدليس والاخفاء؟!...اذا كان عدد الاحاديث النبوية الشريفة يقدر بمئات الالاف وهي في فترة زمنية قصيرة وتم البدء في تدوينها بعد مرور قرن على رحيل الرسول الاعظم(ص) لاسباب معروفة او مجهولة! فكيف تأتي الدقة والثقة فيها في ظل الاضطرابات السياسية والاجتماعية آنذاك؟!...نعم هنالك احاديث موثقة متداولة وهي قليلة بالطبع ولكن كل حديث يخالف القرآن والعقل والمنطق هو مرفوض حتى ولو كان سنده قويا كما يشاع وبالتالي فأن اي حجة لدى المتحولين نحو الالحاد مرفوضة حول هذا الاساس وسوف يكون الدافع الذاتي نحو الالحاد من هذا الجانب ليس فقط مرفوضا وهزيلا بل ويكون اساس الالحاد المستند اليه باطلا ولا قيمة له!.
الدوافع الذاتية التي يسوقها الملحدون حول اسباب تركهم للاسلام في انهم يدرسون التراث القديم وفق المناهج العلمية الحديثة والبيئة المعاصرة التي تولد الحضارة الحديثة المستندة على حقوق الانسان والحريات الفردية! وليس وليدة الظروف السابقة المحيطة بالحدث والتدوين،وعلى هذا الاساس كانت نتائجهم بعيدة عن الدقة والوضوح والعدل،لانه في هذه الحالة سوف نقيس كل حقب التاريخ الماضية وفق ما يمليه عصرنا الحالي من مناهج وظروف جديدة هي اساسا غير ثابتة! فمن يضمن لنا في المستقبل ان تكون فيه نفس ظروفنا الحالية سواء الفكرية او المعيشية بنفس الدقة؟!..اكيد الجواب كلا!...واذا في هذه الحالة سوف يكون اسس الالحاد منهارة كما هي كافة الاسس المقيمة على اساسها المذاهب الفكرية المعاصرة لكون المقدرة التحليلية في المستقبل لا تخضع نهائيا للظروف المؤثرة بالحدث المادي والمعنوي في نفس اللحظة!...ولنعطي مثالا يقرب الى الاذهان ذلك المضمون:وهو ان دراسة الماركسية ونقدها حاليا لم يكن ابدا موجودا بنفس الكمية والكيفية سواء عند بدء ظهورها في منتصف القرن التاسع عشر او مع بدء انتشارها في بداية القرن العشرين،بل وحتى عند انهيار النظم الاشتراكية في العقد الاخير من القرن العشرين،ولذلك فأن الدراسات النقدية والتحليلية الحالية(واكيد سوف تتطور اكثر في المستقبل) على درجة عالية من الدقة والموضوعية التي تبحث في كافة دقائق التاريخ وبما انه اكتشف عدد كبير من الاخطاء الفكرية والعملية التي استندت عليها مختلف فروع المدرسة الماركسية،فهذا يعني ان تلك الاخطاء تبناها ودافع عنها بوحشية مؤلمة احيانا عشرات بل مئات الملايين من البشر دون ان يعوا الى حقيقة الخطأ او الجرم الذي يرتكبونه بحماس وشجاعة قل نظيرها!...انها علامة فارقة دائمة في تاريخ الانسان! ولكن الاسوأ دائما هو من يبقى مواصلا طريقه الخاطئ ويدافع عنه بطريقة مهينة للعقل البشري بل وللانسانية كلها ويمكن لنا استحضار الكثير من الامثلة في التابعية الذليلة لكل من هب ودب في سماء الحكم والفكر والذي ظهر فساده واجرامه وانحطاطه بعد رحيله من الحياة!.
التعليقات (0)