الدوافع الذاتية للالحاد:10
ان دافع رفض المنهاج التنظيمي لاي صورة من صور الحياة هو صفة سائدة لدى البشر لاستحالة قبول الجميع بمنهاج واحد بدون زمن محدد ولذلك فأن وجود منهاج تنظيمي للحياة ضمن دين معين سوف يؤدي بطريقة او بأخرى الى رفضه من قبل البعض وبالتالي الى رفض الدين كله وبما يمثله من ايمان بالله تعالى وسوف يؤدي ببعض الرافضين الى سلوك طريق الالحاد كوسيلة متطرفة لرفض ذلك المنهاج الخاص بالفرد والمجتمع وفق تصورات دينية خالصة.
دافع الرفض للمنهج التنظيمي:
الاسلام ليس دينا فقط بل هو منهاج متكامل للحياة ويعطي تصوره لها من خلال العقيدة الاسلامية الثابتة للحياة والكون والانسان ومن خلال الفقه الثابت والمتجدد من مصادره المعروفة لغرض تنظيم حياة الانسان مع نفسه والاخرين ومحيطه،وعليه يسبب هذا من ضيق للبعض لكونهم يرفضون الخضوع لاي تنظيم ينظم سلوكهم وقد يقضي على حريتهم التي يتصورونها انها غير مطلقة ولا يمكن ان تكون كذلك في ظل دين يمتلك شريعة بهذا الحجم الكبير من الاتساع والدقة الى درجة مراقبة حياتهم حتى ولو كانوا مع انفسهم لكي لا ينحرفوا،وبالتالي فأن من اسباب الدوافع الذاتية للالحاد هو رفض ذلك المنهج الذي هو اساسا غير مطبق بشكله الصحيح والتام على مدار التاريخ بسبب الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة،كما ان النفس البشرية بصورة عامة امارة بالسوء وتميل الى اللعب والدعة وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية ولذلك كان عدم التطبيق الحقيقي من خلال التعارض بين جوهر الدين وعدم التزام الغالبية في معاملاتهم لانهم يميلون الى تبرير معاملاتهم من النصوص الدينية وليس تصحيحها بالشكل الذي يجعلها مثالية! وعليه فأن رفض ذلك الدين لهذه الاسباب الفرعية هو شائع ويبرر احيانا بأنه كيف تكون هنالك شريعة قديمة ومن مصادر غيبية وتقود البشر الى مالانهاية؟!.
اغلب الاديان والعقائد والافكار والنظريات هي جاءت لتنظيم حياة البشر وليس فقط الاسلام يختص بها،ولكن الفارق ان الاسلام شامل الى درجة تنظيم حياة الفرد ومعاملاته مع ذاته والاخرين بينما اغلب اصحاب الملل الاخرى يختصون بجزء نسبي من التنظيم،مما يعني انه هنالك حق للجميع في فرض تصور معين للتنظيم والا فلماذا يتم اشغال النفس في العمل التنظيري والتطبيقي اذا كان الغرض لا يؤدي الى تنظيم شؤون المجتمع؟!هل هو جهد لغرض اللعب ام فرض اللعب على الاخرين؟!...مثلما يحق للجميع محاولة فرض تصوراتهم على المجتمعات سواء بحرية الاختيار ام بدونه فأيضا يحق للاسلام ان يعطي تصوراته والتي هي لغرض مثالي لاجل بناء حياة حرة ومستقيمة وليس لغرض الهدم العشوائي،واي تفريق في المعاملة بين الطرفين هو سخافة لا مبرر لها،ولكن اكثر الاضواء تسلط على الاسلام كونه الاقوى في الادارة ودقتها ومراعاة ابسط شؤون الفرد والمجتمع بينما الاخرين يستندون على مبادئ الفكر الوضعي الذي يثبت بالتجربة او رأي الاقلية او الاغلبية!.
اكيد غير المسلمين لا يعتقدون بالمنهج الاسلامي للحياة وبالتالي فأنه من الطبيعي يرفضونه اذا فرض عليهم بالقوة كما ان للاخرين الحق ذاته،وقد يقتنعون ببعض التشريعات الاسلامية التي تناسب حياتهم وظروفهم وليس في ذلك عيب لهم بل هو نقطة ايجابية في استعارة اي شيء قد يفيد المجتمع،كما وانه يحسب للاسلام على انه اثبات من غير المسلمين بصحة ما شرعه للمسلمين.
في حالة المسلمين لو تركت الحرية في الاختيار للجتمعات الاسلامية،فالنتيجة الطبيعية والتي يعرفها الملاحدة قبل غيرهم وبالتأكيد انها سوف تغيضهم! وهي ان الرغبة سوف تكون نسبتها عالية جدا في قبول التطبيق للمنهج الاسلامي المتكامل بسبب الميل الفطري للاسلام والملل الشديد من الظلم واللاعدالة التي خضعوا لها من جراء القوانين الوضعية،ولذلك فأن نسبة 98.8%من المجتمع الايراني الذي كانت تسوده المظاهر الغربية قد قبل به عام 1979عندما اتيحت له حرية الاختيار الكلية او النسبية وايضا في تجارب الشعوب المسلمة الاخرى المقاربة في الجزائر وتركيا وغيرها والتي اجهضت مرارا! اما البقية فهي غير مسموح لها بذلك ولذلك نرى مساندة الغرب للانظمة الشرسة في محاربتها لتطبيق التعاليم الاسلامية وبخاصة مناهجه الحياتية لكونها خطرا على مصالحه او حتى هيمنته الفكرية،اما ما يظهر من نقد وخلافات بعد ذلك فهي تخضع لظروف التطبيق البشري لذلك المنهاج.
ان اي تطبيق اذا نجح فسوف يحسب له وسوف يبقى في قيادة المجتمع والعكس صحيح ايضا اي تتم تنحيته لكونه غير ملائم،فأذا لم يكن هنالك تطبيق للاسلام بحرفية تامة فلمذا اعيب عليه فشل مناهجه الحياتية؟!...اين هو التطبيق الحقيقي المستند على قواعد ثابتة لا جدال فيها ولا تشويه سواء في حرية الاختيار والعدل والمساواة بين الجميع؟!...لا يمكن الركون الى التجارب السابقة والحالية لان الظروف المحيطة الداخلية والخارجية وحب السلطة والذات والتفسيرات الاجتهادية وبخاصة القديمة منها التي لا تراعي اتساع الدين الاسلامي لكافة المذاهب الفقهية،تمنع الحكم الدقيق على نتائج التطبيق وقد يكون هنالك تطبيق نسبي ولكن لا يكون تمثيلا صحيحا بسبب ترابط الاحكام والقواعد بينما المناهج الحياتية الوضعية هي تخضع بأستمرار للتغيير بسبب كون النتائج الظاهرة من بعض التطبيقات اثبت عدم صحتها او جدواها وبالتالي فأن نسبة التأييد او الرفض دائما متغيرة.
المجتمعات المسلمة الحالية هي غير اسلامية في تطبيقها للشريعة الاسلامية بصورتها المطلقة بل هي خاضعة لنظم سياسية واجتهادات بعيدة عن طريق الحق والعدل والحرية والمساواة وغيرها من الاسس الاسلامية الثابتة ولذلك ظهر بعض المتطرفين الذين يتهمون تلك المجتمعات بالجاهلية(هي في الحقيقة مهزلة ان يكون ادعاء تمثيل الدين وتطبيق شريعته من الطرفين!) ولذلك لا يمكن الحكم على تلك المجتمعات المسلمة بهويتها بكونها اسلامية وان تخلفها وفشلها هو تخلف الاسلام وفشله! فذلك ظلم فظيع لهذا الدين العظيم الذي حرر الانسان من كل عبودية ارضية وجعلها خالصة لله تعالى بحيث رفض ادنى مشاركة للعبودية معه فكيف يقبل بالعبودية التي تسلب الانسان عقله وقلبه ووجدانه وسلوكه وكافة مقومات حرية وجوده كما نرى ذلك في الظاهر والباطن في السلوك...ان التقييم الحقيقي اذا كانت النتائج ظاهرة للتطبيق الصحيح لذلك المنهاج العملي والذي يحاول رفع الانسان من كافة المعاملات الخاطئة او التي تحط من قيمته الى درجة سامية تجعله بحق خليفة الله تعالى في ارضه.
اذا كان الملحد يبتغي الديمقراطية ويدعي امتلاكها فعليه ان يترك الحرية في الاختيار للجميع،وكما من حقه ان يشكك في صحة تنظيم الاسلام لشؤون الحياة والبشر من خلال امتلاكه الادلة العقلية والتطبيقية،فأيضا للاخرين الحق في الاعتراض والرفض وبخاصة انصار التطبيق الاسلامي الشامل الذي يحفظ للانسان حريته وكرامته التي لا تتناقض مع حرية المجتمع لان عامل الموازنة بينهما يجب ان يكون دقيقا حتى لا يتم انتهاك حق احد...وعليه فأن وجود نظام تنظيمي للحياة ضمن الدين الاسلامي هو نقطة ايجابية لصالحه وليس العكس لان عدم وجود ذلك المنهاج سوف يضعف العامل الروحي لكونه خاضعا للظروف المحيطة بالانسان ولذلك رأينا كيف ساد التهاون بالدين في عدد من المجتمعات لكون نظام منهاج الحياة المتبع ليس كونه يتيح حرية الاختيار،بل انه يحارب تلك الحرية بطرق ضمنية قد لا يشعر بها الانسان نفسه،ولذلك انتقد عدد كبير من فلاسفة الغرب مظاهر الحياة السائدة فيه كونها تسلب الانسان روحه وحياته وتجعله بلا ارادة حقيقية او تجعله تابعا بصورة مقننة وخفية للالة المتحكمة بمعيشته مما يجعله بحق انسانا ذو بعد واحد حسب وصف هربرت ماركوز له في حينه! اما الان فقد اضيفت التكنولوجيا كعامل جديد للسلب مما يعني تدهور متراكم في انسانية الانسان وحريته الحقيقية!.
اذا كان رفض تنظيم الحياة من الشريعة الاسلامية يؤدي الى الالحاد فلماذا لا يؤدي بالرافضين للقوانين الوضعية ان يبدوا الرغبة في اتخاذ اتجاهات فكرية معادية لها؟!
هل ان سلوك طريق الالحاد الذي هو اقصى عداء للايمان لكونه غير مؤذي لهم لعدم وجود سلطة زمنية للدين اكثر شجاعة من عدم الوقوف ضد نظم الحياة الوضعية ومعارضة اساليبها بطرق متعددة؟!.
التعليقات (0)