من المعروف أن الإمبريالية العالمية وضمن مبادئها العامة , أن تخلق ودائما عدوا مفترضا , , وأن حالة الحرب والإحتراب من ضمن إستراتيجيتها , وذلك لأن منهجها قام على إطلاق نظرية تملكها للعالم بأسره والتحكم بمقدراته , وأعطت لنفسها الحق بأن تمارس أي وسيلة حربية لتكون أداة ضاغطة على من تريد أن يكون ضمن دائرة الإستهداف .
الحرب بالسلاح حرب , وإحتكار العلم حرب , ونشر الأمراض والأوبئة أو الفايروسات التي تؤدي الى ذلك حرب , نشر الرذيلة وإفساد الأخلاق والذوق العام حرب , التلاعب بقوت البشر وممارسة سياسة التجويع وفرض الحصار اإقتصادي حرب , منع الدواء أو رفع أسعاره بما لايتلائم والقدرة الشرائية لأي من بلدان العالم حرب , تأمين فرص العمل عند طرف دون آخر من أجل إستقطاب القدرات العلمية وتهيئة الأجواء الإغرائية لهجرتها وبالتالي إفراغ ذلك الطرف منها والذي يؤدي الى المزيد من التخلف وعدم اللحاق بالركب حرب ,الإستيلا ء على المواد الأولية المتواجدة على أراضي طرف والتي تدخل ضمن دائرة التصنيع ومنعه من الإستفادة منها وإستغلالها داخليا حرب , السيطرة على منابع الطاقة وبكل أنواعها أو شرائها بأثمان بخسة بما لايمكن لأصحابها من تحقيق أي تنمية أو تطور في البنى التحتية لها من اجل إبقائها ضمن دائرة الحاجة الدائمة حرب , إحتكار المعلومة الخبرية ومعها وسائل الإعلام من أجل دبلجة الحقيقة وإخفاء حيثياتها حرب , خلق أعداء مفترضين لجميع الأطراف من أجل زرع الخوف والرعب وعدم الإطمئنان وبالتالي بيعها الأسلحة المتطورة أولا لإبتزازها سياسيا ومن ثم السيطرة على مركز القرار بإستخدام تلك الأسلحة ضد من تفترضهم أعداء حرب , واللعب على خلق الفوضى الداخلية وإيجاد ادوات لفرض أزمات لزعزعة الأنظمة من الداخل وذلك لتأليب شعوبها عليها وبالتالي الإنقضاض عليها حرب , وأخيرا وهذه اللعبة التي نحن بصددها هي اللعب على مصادر الفائدة الإقتصادية ووسيلة التعامل اليومي , وهي العملة ومجمل فوائدها .
من المعلوم أن القوة الإقتصادية لأي فرد أو جماعة أو مجموعة أو مدينة أو إقليم أو دولة أو أمة هو ماتمتلكه من الإحتياطي العام , سواء فوق الأرض أو تحتها , ومن ضمن هذا الإحتياطي هو العملة الصعبة التي تحقق وتحدد ميزان القوى , من أين تأتي العملة الصعبة وما هو مصدرها ؟ كل دولة قائمة على بقعة جغرافية بطبيعة الحال تمتلك من الثروات الطبيعية ما يجعلها تستمر في الحياة وهذه سنة الله في خلقه , إذن من خلال القدرات العلمية لتلك الدول وإمتلالكها التكنلوجيا المتقدمة التي تمكنها من إستغلال تلك الثروات وتحويل موادها الأولية الى صناعات يمكن إستهلاكها من قبل البشر , وبالتالي تصديرها الى كل الأنحاء , لهو الوسيلة العامة للحصول على تلك العملة الصعبة .
الولايات المتحدة الأمريكية ؟؟؟, والتي تأسست على مبادئ الإمبريالية والصهيونية العالمية إستخدمت كل الوسائل والطرق الشيطانية من أجل إستغلال ثرواتها , إن لم نقل كلها فـــ 80%لكي تكون وسائل ضغط ليست شريفة من أجل تحقيق مكاسب سياسية وعلى حساب شعوبها والشعوب الأخرى والتي مع الأسف تنساق الى تلك الضغوط البهيمية , وبموجب السياسة العنجهية لها تمكنت من جعل عملتها هي الوسيلة الأكثر إنتشارا بين العالم , وفرضت بطريقة أو أخرى على العالم أن تكون تعاملاته المالية فيما يخص الإستيراد والتصدير خاضعة لعملته التي فرضها , وهي الدولار , ومن خلال تتبعنا لمسيرة هذه العملة فقد وجدنا أن المد والجزر كان ينتاب هذه العملة مما يتسبب في خلق الكثير من الأزمات الإقتصادية للعالم , وتتاثر به عمليات الإستيراد والتصدير والإستثمارات الداخلية والخارجية وميزان المدفوعات والعطاءات والمناقصات وبالتالي الدخل العام لشعوب دول العالم .
من وراء خلق حالة المد الجزر المشار إليها في أعلاه , حتى لانذهب بعيدا في التحليلات الإقتصادية , نقول صحيح ان هذه الحالة لها ابعادا إقتصادية , ولكن الأصح من ذلك هو البعد السياسي والإقتصادي معا للتلازم الجدلي ما بين الإثين , كل العالم يتذكر كيف إستخدم النفط كسلاح ضد امريكا وحلفائها من الغربيين إذ بان حرب تشرين التي قامت بين المسلمين وبين اليهود اللقطاء والذين إغتصبوا قدس الأقداس وبدعم من هؤلاء , لم يخطر في بالهم ان المسلمين والذين يمتلكون زمام المبادرة لنحو إمتلاكهم هذه المادة التي أصبحت أهميتها هي الشريان الحقيقي والوحيد لإستمرار الحياة , من هنا تنبهوا لخطر هذه المادة واهميتها وخطورة حيازة المسلمين لأغلبها , لذلك عمدوا على تعويمها وإنتهجوا سياسة إعلامية خاصة من أجل تهيئة الجو العالمي العام وخلق حالة من الوعي أنه لايمكن للمسلمين أن يحتكروا النفط رغم وجوده تحت ديارهم وضمن سيطرتهم , بل جعلة مادة مشاعة وينبغي لكل العالم الإستفادة منه .
لكن كيف يمكن للمسلمين التفريط به دون الإستفادة من وارداته لتحسين اوضاع بلدانهم من خلال إرساء دعائم البنى التحتية للمجمل الخدمات التي ينبغي أن تقوم بتقديمها الى شعوبها , خصوصا إذا ماعرفنا انهم بذلوا الكثير من الجهود وعلى إختلافها من اجل الإبقاء على حالة التخلف في أغلب البلدان لتبقى دائمة الحاجة إليهم , وهذا من ضمن حالات الحرب التي سقناها في بداية بحثنا هذا , هذه المادة ومع التطور الحاصل في كل مفاصل الحياة ونتيجة للإكتشافات والأبحاث العلمية أصبح العالم أكثر حاجة بل غدا النفط هو الشريان الذي يغذي كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم .
إذن لابد من السيطرة على هذا الشريان لأجل تأمين حالة الضخ المستمرة لتغذية وإستمرار الحياة عندهم , تقريبا كل الوسائل التي إنتهجتها أمريكا بائت بالفشل ومرده الى حالة الوعي الجديدة لدى المسلمين وشعورهم بأهمية إستغلال ثرواتهم من أجل إنعاش حياتهم وإغناء علومهم , وبقيت تخطط للكثير من أجل أن تتمكن كي تنفذ الى طريقة تبسط السيطرة الكاملة , لكنها لم تفلح لتعاظم حالة الوعي لدى العالم الذي يمتلك هذه المادة الإستراتيجية , وراحت تسوق للكثير من السياسات التي من شأنها أن تجعل المسلمين أن يتخلوا عن التفكير بإستغلال النفط أولا كسلاح في المعركة , أو الإستفادة من العملة الصعبة من خلال المبيعات الخارجية لها , وهي من خلال فرضها لعملتها والذي بيناه خلال بحثنا وهو ( الدولار ) عمدت الى التقليل من قيمته في التعاملات الخارجية وخصوصا في عمليات الإستيراد من كل دول العالم , وهذا الأمر لم يكن ناجعا كليا لمنع المسليمن من جني الفوائد الكبيرة من جراء مبيعاتها للنفط الى العالم , طبعا هناك الكثير من السياسات اليومية التي تتساوق مع جميع الخطوات وتتصاعد معها طرديا من اجل الضغط على الدول المالكة للنفط لعدم رفع أسعاره أولا , ومن ثم زيادة عمليات الإنتاج والإستئثار بالكمية الأكبر منها وخزنها وهي قد هيأت الكثير من الأنفاق لجعلها مرفق لحفظ الإحتياطي من هذا النفط وذلك لحالات الطوارئ التي من الممكن ان تحدث .
خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي أخذت الأسعار ترتفع بشكل متسارع حتى غدت الدول المالكة للنفط تمتلك من القوة المالية الكبيرة وهو ماإنعكس على الحياة العامة لشعوبها , فهي ذاقت حلاوة هذه الأموال ومن غير المعقول أو قل من المستحيل أن تتراجع عن عدم رفع سقف الأسعار الخاصة بالنفط , لذا بقيت الأسعار في تصاعد مستمر مما خلقت بعض السحب في سماء الدول المستهلكة خصوصا الدول الصناعية , والتي لايمكنها ان تتخلى عن النفط ولو يوما واحدا , في الجانب الآخر أي المسلمين تنبه عقلائهم الى أن لابد من إيجاد بديل للنفط الذي يعتبر المصدر الوحيد للطاقة , فعمدوا الى إنشاء محطات توليد الطاقة النووية السلمية من اجل عدم الإعتماد على النفط كمصدر للطاقة , وهنا ثارة ثائرتهم وإعتبروا ذلك من الخطوط الحمر التي لايمكن لتلك الدول أن تتجاوزها , وهذا من ضمن مبادئها التي تأسست عليها دولهم كما اسلفنا , وها نحن نتابع كل يوم مايصدر منهم من سياسات لمنع المسليمن من إمتلاك تلك التكنلوجيا المتطورة من أجل إقتناء مصدر آخر للطاقة تحسبا لنفاذ النفط مستقبلا , و أيضا خلق طاقة نظيفة , وبالتالي بيئة نقية بعيدة عن التلوث الذي يضر كل الكائنات .
خلال العقد الأول من هذا القرن قفزت أسعار النفط الى أرقام غير متوقعة يمكن من خلالها التأثير على الدول المستهلكة والتي تستورد كميات كبيرة من اجل سد حاجتها منه , عمدت أمريكا الى التفكير بكارثة كبيرة تمكنها من خلال تداعياتها أن تتذرع بالكثير من الحجج لأجل جعل النفط تحت الوصاية الأمريكية , وهنا لابد أن نقول ونذكر أن ( إحتلال الكويت ) كان من ضمن الإستراتيجية البعيدة المدى والمرتبطة لاحقا بما جرى من احداث على الساحة الدولية , هنا جاءت لعبة 11 أيلول المفبركة والكذبة الكبرى والتي مع الأسف إنطلت على الكثير من الشعوب مما حدى بالبعض أن يتعاطف مع أمريكا بل البعض منهم دخل في لعبة الحرب بما يسمى ( الإرهاب ) وكان من تداعيتها هي تهمة المسلمين به وجعلهم محط أنظار العالم وبالتالي شن الكثير من الهجمات المتنوعة والتي يتوقعون ان تؤدي الى قوقعة المسلمين وإنكفاءهم وراء الستار, وبعدها تسهل عملية الإجهاض عليهم والسيطرة على منابع النفط وينتهي كل شئ .
من المؤسف جد أن الأنظمة العربية الرسمية ومن ضمنها بعض الدول التي تسير في الركب الأمريكي إنصاعت الى مآرب وخدع وكذب هذه الدولة فكانت الداعمة والموفرة لذلك الغطاء الذي من خلاله إستطاعت أمريكا من غزو العراق وتهديم وتحطيم كل ماله علاقة بشئ إسمه دولة العراق , وفي هذه الحالة وما نتج عنها أن امريكا وضعت يدها على ثلث إحتياطي العالم من النفط , لكن هل تكتفي بهذا القدر من إستحمار هذه الأمة ؟ مجريات الأمور تقول لا وألف لا , لأن المخطط لم يكتمل بعد , المطلوب تحطيم وتدمير كل ماله علاقة بعناوين القوة التي يمكن أن يمتلكها المسلمين , وبالتالي إستخدامها ضد عدوها الأول ( الكيان الصهيوني ) .
نعود الى موضوع بحثنا , عطفا على ماذكرناه وهو بطبيعة الحال القليل ونعتبره النزر اليسير مما هو حاصل ولم ندون توقعاتنا لما سيحصل لاحقا بل نتركه لحين آخر , في الداخل الأمريكي إنبرت الكثير من الأصوات المطالبة بمنع الدول المالكة للنفط الإستفادة من الأموال التي تجنيها جراء تصديرها للنفط وخصوصا الدول الإسلامية , وذلك بحجة دعمها لما يسمى بالإرهاب , ومنعها من عدم تملكها أيضا التكنلوجيا المتقدمة لبعض العلوم , وبالتالي الإبقاء على حالة التخلف التي ينبغي أن تكون عليها كي تبقى بحاجة الى المساعدة العامة , كيف السبيل الى ذلك ؟ كما قلنا أن الدولار هو العملة التي تتعامل جل الدول بها وهو مصدر الغطاء المالي للدول , وإنتعاش أو إنخفاض الدخل العام مرتبط به , فهل ياترى حينما تنخفض قيمته هل يمكن أن تتأثر الدول المتعاملة به أم لا ؟ والجواب نعم تتأثر من خلال مستوى التبادل التجاري بينها و الإعتمادات المالية التي تتعامل بها من خلال البنوك والمصارف وأسواق البورصة , ولا يعني أن إنخفاض قيمته له علاقة بالدخل اليومي للفرد الأمريكي أو يؤثر على تعاملاته بل قوته الشرائية تبقى كما هي في الداخل , بل العكس هو الصحيح , فقد إزدادت صادرات أمريكا , وأسست شركات أضافية , وخلقت فرص عمل ووظائف كثيرة , وإنحسر الإستيراد , وتوجه الأمريكي لمنتوجاته المحلية , هذا إذا كان البعض يفكر أن في إنخفاض الدولار ينعكس سلبا على الداخل .
مانريد قوله أن اللعبة القذرة التي تلعبها أمريكا الآن وهي خفضها لقيمة الدولار ومطالبتها للدول التي تملك النفط بزيادة إنتاجها , هو من اجل تنفيذ سياستها الإمبريالية والتي سقنا بعض من مبادئها في البداية , لذا نقول أن على الدول المنتجة أولا , أن تجعل سقفا معينا للإنتاج ومع مايؤمن حاجة الدول المستهلكة مع ضمان عدم الإستهلاك الفوضوي , وعدم إعطاء شعوب تلك الدول أي مسوغ لدفع أنظمتها الى غزو أو إحتلال الدول المنتجة بحجة إحتكارها للنفط , ثانيا عليها أن تبحث عن سلة عملات أخرى ولا تعتمد على الدولار كعملة أساسية للبيع أو الشراء , وثالثا تقوية أواصر العلاقة بينها وتأسيس جبهة واحدة ضد التوجهات الشيطانية لتلك الدول , رابعا إستغلال الأرباح المتوفرة لديها من تنفيذ مشاريع وبدائل أخرى للطاقة كي لاتعتمد على النفط لاحقا , خامسا تسهيل عملية إنتقال النفط الى المسلمين أينما كانوا وبأسعار شبه رسمية مع المشاركة في نقله اليهم .
علي المطيري
19 ___ 5 ___ 2008
التعليقات (0)