لا جدال فى أن تلك الرسوم تعبر عن رؤية شخصية لأفراد دنماركيين قد يكون أصلاً غير مؤمنين بالأديان ، ولا جدال فى أن تلك الرسوم لم يهتم بها أحد لا فى الدنمارك ولا خارجه وقت صدورها أى منذ أربعة أشهر مضت ، لكن شركات الأبحاث الإخوانية والوهابية وما شابهها فى بلدان العالم العربى تقوم دائماً بأعمال جليلة للإنسانية " العربية " وينقبون عما يمكن تحويله من تراب إلى ذهب وهو ما حدث بالفعل إذ أستطاع هؤلاء الباحثين أن يجدوا ضالتهم فى تلك الرسوم ويحولوها إلى قنبلة موقوتة فى الوقت الذى حددوه لإنفجارها .
بدلاً من الصراخ والقول بأن الرسامون أهانوا الدين وأنهم أخطاوا ، يجب أن نسأل أنفسنا ما الذى يدفع رسامون أو صحيفة إلى إخراج أنطباعاتهم عن شخصية محمد وليس عن شخصية المسيح أو شخصية موسى أو بوذا أو غيره من الشخصيات الدينية المعروفة على مستوى العالم ؟
قرأت مقالة شخص أوربى عن إنطباعاته عن الإسلام والمسلمين وهنا أنقل ما قرأته فى موقع إحدى الصحف الأوربية " عرفت الإسلام عن طريق الأعمال الإرهابية والخطف وقطع رؤوس البشر والعنصرية تجاه كل الأديان المخالفة للإسلام ، الكبرياء والكراهية نحو الآخرين ، عرفته فى كلمة شهيد من يفجر نفسه وسط النساء والأطفال والعمال ، فى فتاوى الموت والتكفير لسلمان رشدى وغيره .. " . لا جدال فى تلك الكلمات ليست إجابة شافية للفرد العربى بل هى مجموعة من الأسئلة التراكمية التى ينبغى عليه النظر إليها بجدية .
لماذا يتحد العرب من جاهليهم إلى مثقفيهم فى الكراهية والحقد على الآخرين ؟ لماذا ينتفضون غضباً وذعراً قبل أن يتفحصوا تلك الرسومات والأسباب التى دفعت رساميها إلى رسمها بتلك الرموز لأستكشاف هل كانوا على حق أم كانوا على باطل ؟
ما هو المعقول واللامعقول الذى يفهمه العربى فى حياته الإنسانية ؟
هل دور الأديان يتمثل فى جعل الناس عبيداً يتدافعون جموعاً نحو المجهول الذى يدفعهم إليه أيدى خبيثة مستغلين الدين بعنصرية شديدة ؟ لماذا لا يثور بقية الأديان والطوائف من الصفات التى تلقى جزافاً وبكرم عربى فوق العادة عليهم مثل الكفرة والمشركين وإخوان القردة والخنازير ؟ هل العالم هو عالم إنسانى أم عالم إسلامى ؟ لماذا يقبل أكثر من مليار مسلم تلك الإساءات اليومية التى تقال على مسامعهم ضد الكفرة والمشركين من الأديان الأخرى ؟ ألم يتغير واقع الكفر والشرك والإيمان فى المجتمع الإنسانى ؟ بالتأكيد نعم وهذا ما يجعلنا نسأل لماذا الإصرار على أستخدام تلك العقائد فى ترسيخ قيم الكراهية والعداء للإنسانية ؟ هل لأن الجميع مؤمنين بها ؟
لماذا أنزلقت الدول العربية وقادتها وسياسييها فى تصريحات الإدانة لتشعل أكثر مشاعر الشارع العربى ؟
هل ذهنية وذاكرة العربى مصنوعة من القش الذى ينتفخ بمجرد وقوع بضعة قطرات من المطر عليه ويرجع إلى حجمه الطبيعى بعد شروق الشمس ؟ هل يحتاجون إلى خوذة واقية من الأمطار أم يحتاجون إلى إزالة القش الذى أرهق تربيتهم وأزهق إنسانيتهم ، القش الذى تكاثرت منه الكراهية والعنصرية والعدائية ضد بقية البشر ؟ لماذا كل هذا الإهتمام بالإساءة ولا نعرف أن نغفرها ؟ فإن كان الإله نفسه سكت أربعة أشهر ولم يعاقب من أساء إليه ، فهذا يعنى أنه إله حكيم لا يلتفت إلى التوافه ويقيس الأمور بمقاييس الغفور الرحيم ، إن كان الله حقاً يغفر زلاتكم ، فهو يطلب أيضاً أن تغفروا زلات بعضكم بعضاً !
القضية لا تحتاج جدال ، إما ان تكون محباً متسامحاً غفوراً نحو الإنسانية جمعاء ، وإما أن تكون حاقداً كارهاً لاعناً الإنسانية جمعاء ، وهذا خيار كل إنسان أن يصنع مبادئه وقيمه وفق ما يراه صواباً .
لقد أستطاع العرب بأن يخلقوا معركة يثبتون لأنفسهم بأنهم الأقوى وسيشعرون بأنهم أنتصروا على الأعداء وكبدوهم الخسائر الكبيرة ، لكنهم لو جلسوا إلى أنفسهم وراجعوا تاريخعم وتراثهم وصلواتهم ومشاعرهم نحو الآخر لأصابهم الفزع الحقيقى مما هم فيه من عمى الألوان !
لقد أدخل العرب أنفسهم فى نفق مظلم بالأتكال الكلى على الأيديولوجية الدينية الأستبدادية التى أقنعتهم بأنهم خير الناس وأطهرهم وأشرفهم وأعلمهم وأغناهم فى الوقت الذين يستوردون فيه ملابس وأقمشة ومواد نظافة لتستر وتنظف عوراتهم من بلاد الكافرين المشركين وهى أقل القليل من الأشياء .
إن المعتقدات الدينية صنع منها العرب وحشاً مفترساً فاتحاً فاه لأفتراس لكل من تسول له نفسه الأقتراب منها ، وكل من حوله يرى ذلك، لكن الفرد العربى يتجاهل ذلك بل ومستمر فى تعطشه إلى الكراهية والعداء قتال الآخرين ، ولم يشعر بعد أن الوقت قد حان ليبحث عن أسباب تلك الأمراض المزمنة بفكر هادئ ونفس غارقة فى السكينة والحب والسلام .
2006 / 2 / 5
التعليقات (0)