مواضيع اليوم

الدم السوري والضمير الإنساني.

محمد مغوتي

2012-02-17 10:54:52

0

    يوما بعد يوم تزداد معاناة السوريين تحت نير آلة القتل المتوحشة، ويوما بعد يوم تندحر الإنسانية وتتمرغ في أوحال العار بسبب هذا الصمت الطويل الذي يلازم العالم بينما يتفنن الأسد في ترهيب وقتل شعب اختار الحرية والكرامة بدل الخضوع والمهانة. السوريون يقتلون كل يوم والعالم يتفرج على ولائم الدم هناك دون أن نرى خطوات حاسمة تضع حدا لجنون وطغيان نظام البعث المجرم.
    يبدو أن العقبات مازالت تعترض مطلب تدويل الملف السوري. فبالرغم من أن وضعا كالذي تشهده سوريا ينبغي أن يكون مناسبة لتوحيد المواقف الدولية والتعالي على الخلافات والمصالح الضيقة، فإن روسيا والصين اختارتا السير عكس التيار. ومرة أخرى يتم رفع ورقة الفيتو لحماية القتلة والمجرمين تماما مثلما تعودت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفعل كلما تعلق الأمر بقرار يدين إسرائيل في كثير من المحطات السابقة. هكذا يدافع صانعو القرار السياسي في المحفل الأممي عن الظلم ويساهمون في حماية القتلة وتبرير أفعالهم بدل حماية المستضعفين ودعمهم بكل الوسائل. روسيا يأخذها الحنين إلى مشهد حروبها الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها فقدت كثيرا من مقومات القوة السوفياتية. ومع ذلك فإن العقلية السوفياتية البائدة مازالت متحكمة في صياغة القرار السياسي في روسيا الجديدة. ومازال ساسة موسكو يعتبرون بشار الأسد حليفا استراتيجيا في الشرق الأوسط. لذلك فإن الفيتو الروسي الأخير ليس إلا مناورة روسية محملة برسائل كثيرة للولايات المتحدة خصوصا والدول الغربية عموما. وهي رسائل تعلن أن لروسيا نفوذها في هذه المنطقة المتوترة، وهي بالتالي لاعب أساسي في مسرح السياسة الدولية. لكن هذا النفوذ (المزعوم) يراد له أن يتحقق من خلال دماء أبناء الشعب السوري الذين يسقطون كل يوم.
    السياسة لا تعترف إلا بلغة المصالح. وتضارب هذه المصالح هو الذي سيرهن مصير سوريا والسوريين إلى أجل غير مسمى. وفي غياب توافق دولي عاجل لإيقاف حمام الدم الذي تشهده عدد من المدن والبلدات في أرض الشام، لا يتورع نظام الأسد عن ممارسة هوايته في القتل والتنكيل بأبناء سوريا الذين يخرجون يوميا في حمص وحلب ودرعا وحماة... بصدور عارية في مواجهة آلته العسكرية الهمجية. لذلك فإن كل يوم يمر في ظل هذا الوضع هو بمثابة إدانة للضمير العالمي، لأنه يعد في الواقع مشاركة دولية عن سبق أصرار وترصد في إطالة معاناة السوريين، كما أن هذا الصمت ( الفعلي وليس القولي) هو بمثابة ضوء أخضر لقتل المزيد من الأبرياء من طرف عساكر وشبيحة الأسد. بل إن الفيتو الروسي والصيني لايخدم إلا خيار العسكرة الذي يجر إليه النظام السوري شعبه ومعه كل المنطقة مدعوما بإيران و" حزب الله. وهذا يعني أن تجنب حرب أهلية بين السوريين أصبح مطلبا أساسيا في السعي نحو تطويق الأزمة. أما الأسد الذي يدرك جيدا أن جبروته لن يخمد الثورة، فإنه بات مثل الغريق الذي يتشبث بقشة. وهو لا يمل من ترديد خطاب المؤامرة و الحديث عن جماعات إرهابية تستهدف أمن البلد. ومن تم فهو مستعد لإشعال سوريا و تحويلها إلى مسرح لحرب أهلية مادام بنيان نظامه ينهار تدريجيا. لكن السوريين حتى الآن لم ينجروا إلى هذا المستنقع، غير أن استمرار مسلسل القتل اليومي لابد أن يحول الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة سواء عبر تواصل الإنشقاق في الجيش أو من خلال طرق أخرى.
    الجيش السوري منقسم إلى قسمين. قسم اختار الدفاع عن الشعب وهو يمثل أقلية محدودة جدا، وقسم آخر اختار أو أكره على الدفاع عن النظام. ومادامت الدائرة الضيقة المحيطة ببشار الأسد متحكمة في الجيش، فإنه من الصعب جدا أن يتحقق الحسم لصالح الشعب في ظل هذه الظروف. لكن عجز الأمم المتحدة عن تدويل الملف السوري قد لا يسمح بتكرار السيناريو الذي شهدناه في ليبيا. لذلك فإن الرهان الآن سيظل معقودا على استمرار الشعب في تحديه البطولي لطاحونة الدم، لأن ذلك كفيل بزعزعة الثقة في معسكر البعث الحاكم ودفعه إلى مزيد من التهور. وكلما عجز النظام عن إطفاء الثورة أو تحجيمها ستدب الخلافات بين أركانه وقادته. حينها يمكن للتغيير أن يأتي من الداخل وتفادي تدخل عسكري خارجي. أما في حالة استمرار الوضع على ماهو عليه فإن خيار التدويل سيظل الحل الأنسب. ومهما طال الوقت ستقبل روسيا ومعها الصين هذا الخيار لأنه سيكون بمثابة طوق النجاة الأخير لمصداقية الأمم المتحدة. لكن كم يلزم أن يدفع الشعب السوري قبل حدوث هذا؟. الأكيد أن الثمن سيكون باهظا. وذلك هو حال الثورات.
                   محمد مغوتي.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !