الدمع يغسل المقلة الميتة وبياض العين كفن

من الذي يستحق الثناء والإعجاب, الأديب والشاعر الذي أبدع ما يبعث البهجة ويحرك الشعور في قلوب المتذوقين أم التي حركت فيه ملكة الشعر وقد لا تكون هي في ذاتها تلفت النظر لأن العيون لا تراها كما تراها عيون الذي تتيم بها وأحبها ....هي واحدة من ملايين البشر المتساوين في الحسن والجمال!!!! المهم أن شاعرنا المبدع قد تعرض لهجر حبيبته فأنشد ملتاعا يقول:

وأبعدني عن أربعي بعد أربع.....شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكون إلى الفلا ....وبالوحش أنسي إذ من الإنس وحشتي
يقول الشاعر أن الذي أبعده عن ربعه (يعني أهله وقومه) أربع أشياء صارت بعيدة هي شبابه وعقله وارتياحه وصحته...فذهب إلى الصحراء واستوطنها واستأنس بالوحوش لما رأي الوحشة من الإنسان .....(لم يحتمل هجرها وبعدها)
ويصف التي أعرضت عنه وتركته قائلا:
ومعرضة عن ساهر الجفن راهب الفؤاد المعني مسلم النفس صدت
تناءت فكانت لذة العيش وانقضت.....بعمري فأيدي البين مدت لمدتي
لقد أعرضت عنه وصدته رغم أن عينه ساهرة وفؤاده راهب في محرابها لا يريد سواها وهو معني (أي متعب) وقد أسلم نفسه لها ولكنها مع ذلك لم تبادله الحب والقرب فابتعدت ولم تعد في عمره لذة للحياة لأن أيدي الفراق بينهما امتدت حين امتد به العمر

وبانت فأما حسن صبري فخانني ........وأما جفوني بالبكاء فوفت
فلم ير طرفي بعدها ما يسرني..فنومي كصبحي حيث كانت مسرتي
وقد سخنت عيني عليها كأنها......بها لم تكن من الدهر يوما قرت
فإنسانها ميت ودمعي غسله.........وأكفانه ما ابيض حزنا لفرقتي

وبانت (أي ابتعدت) فخانه صبره ووفت (أكملت) عيونه البكاء ولم تر بعد ذلك ما يسرها وأصبح ليله كنهاره بسبب فراقها (ربما كان يحلم بها ليواصل حبها) وبعد أن كانت عينه قريرة بها أصبحت بعد هجرها كالميت فإنسانها (سواد العين) كأنه ميت تغسله الدموع وبياض العين هو الكفن وقد ماتت العين بسبب الفرقة وهجر الحبيب .......والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل هناك واحدة من البشر تستحق ذلك؟ وهل الجمال هنا فيها أم في تعبير الشاعر وبلاغته التي خلدت ذكر هذه المحبوبة و(هي قد لا تفهم حتى معني ما قال) فضلا عن أنها قد تكون متوسطة الجمال كسائر نساء العالم (وكلهن جميلات وحبيبات) .......رحم الله هذا المبدع بن الفارض