جديد المشهد الثقافي التونسي..
الدكتور مصطفي الكيلاني يدق نواقيس الخطر !
تونس – كتب البشير عبيد
الحدث البارز الآن في المشهد الثقافي التونسي و الساحة الأدبية تحديدا، هو استبعاد الناقد و المفكر و الروائي الدكتور مصطفي الكيلاني من جائزة أبو القاسم ألشابي التي ينظمها البنك التونسي منذ عام 1986، تمنح سنويا للقصة أو الشعر أو المسرح أو الرواية، وهي مفتوحة أمام كل العرب و مقدارها 10,000 دينار تونسي و ذالك منذ عام 2008 بعدما كانت 8,000 دينار تونسي فقط في الدورات السابقة، علما بأن الدكتور مصطفي الكيلاني المعروف بغزارة إنتاجه النقدي و الفكري و الأدبي و إشعاعه العربي، تحدث في بعض الفضائيات التونسية موضح عدة تفاصيل و حيثيات متصلة بمسألة الجوائز و علاقة هذه الأخيرة بالوساطة و المحسوبية و الكيل بمكيالين و الإقصاء و التهميش. كما أدلى الروائي مصطفي الكيلاني بحديثين مهمين لأهم صحيفتين تصدران يوميا في تونس و هما : " الصباح " و " الشروق " قائلا بالحرف الواحد " حرماني من جائزة أبو القاسم ألشابي رغم أنني أحترم الجوائز و اللجان المشرفة عليها و لجان تحكيمها إلا أنني اخترت أن لا أشارك فيها في تونس لإقتناعى بأنها تعمل في أغلبها بلا شفافية و بلا آليات واضحة و تخضع للتدخلات و موقفي هذا قديم و معروف. و مع ذالك قلت لأجرب هده المرة لعل الأمور تغيرت و تقدمت بروايتي " كازينو فج الريح " التي نشرتها دار الفرقد السورية و شاركت.. و بعد الثورة تصورت أن تكون الجائزة تخلصت مما كان يرافقها من عبث. ما حدث بالضبط هو أن أحد أعضاء لجنة التحكيم اتصل بي يوم 28 جانفي و هنأني بالجائزة كما اتصل بي شخص أخر و أكد لي الأمر و الحقيقة أني اقتنعت بالخبر خاصة و قد تغيرت الظروف بعد 14 جانفي إلى يوم 26 ماي حيث اتصل بي البعض من أعضاء اللجنة العليا للجائزة و عضو من لجنة القراءات و قيل لي أن هذه الأخيرة كلها تجمع على أن تسند لي الجائزة ما عدا عضو واحد ذكر لي بالاسم يريد إسنادها إلى كاتب سعودي. و تم إعلامي بأنه تم تجاوز رأي اللجنة العليا و لجنة القراءات ووضعوهما أمام الأمر المقضي و أفتكت مني الجائزة بعد أن تم الاتصال بي و إعلامي بأنني مطالب بالحضور و كتابة الكلمة التي عادة ما يلقيها الفائزون بالجوائز أثناء عملية التكريم و استلام الجائزة ". يواصل الدكتور الكيلاني كلامه المفعم بمشاعر الغبن و الخيبة " هذا الموقف أشعرني بالإحباط لأنه يتجاوز شخصي ليسئ إلى الكتاب التونسيين الحقيقيين خاصة و أننا كنا قبل الثورة نعيد مثل هذه الإقصاءات و الولاءات إلى سلطة النظام السابق السيئ الذكر، و تدخلات بعض رموزهم، أما اليوم فإننا نتساءل بمرارة عن المسؤول عن هذه المهزلة. لقد هالني هذا الموقف و أساء لي إذ لا سبب لشطب اسمي و تعويضي بالشقيق السعودي و حتى و إن تم هذا على أساس مواقف معينة فأنا أقول بأنه ليست لي خلافات مع أحد، أما ما حدث بيني و بين البعض فهي خلافات تعود إلى تسعينات القرن الماضي. ثم أليس في استبعاد روايتي – وهي الرابعة و ليست إنتاجا بكرا – بعد أن تم اختيارها من جملة 126 رواية تقدم بها أصحابها من كل البلدان العربية و من الكتاب العرب المستقرين في استراليا إساءة لتونس و لكتابها.. أليس في هدا إشحافا في حقنا ؟ إن بيت القصيد في الضجة التي أحدثها استبعاد رواية " كازينو فج الريح " لمصطفي الكيلاني من جائزة أبو القاسم ألشابي التي ينظمها سنويا البنك التونسي هو تفشي ظاهرة الحسابات و الولاءات و الانتماءات على حساب القيمة الفنية و الإبداعية للعمل الروائي و الفني عموما، و كأنا ثورة الرابع عشر من جانفي / يناير المجيدة التي قامت على محاربة أمراض المحسوبية و الوساطات و الكيل بمكيالين و إقصاء و تهميش الأصوات الحقيقية في الثقافة التونسية، لم تقدم مسارها و نهجها النموذجي لكل أقطار الوطن العربي الكبير الموبوء بالهزائم و الاستبداد و الانكسارات لو أن هده المهزلة حدثت في زمن حكم بن على الديكتاتوري، و ما رافقه من فضائح و تنكيل و قمع لكل الأصوات الفكرية و السياسية و الحقوقية و الإعلامية و الأدبية الحرة، لقلنا هذا أمر طبيعي لأن النتائج تتبع الأسباب و الثمار تأتي نتيجة الزرع، أما و قد قدم الشعب التونسي الجريح المسلوب الإرادة طيلة نصف قرن ثورة نموذجية و خلع حكما فاسدا بكل المقاييس و المعايير و يتطلع لإرساء جمهورية ديمقراطية مدنية قوامها احترام مبادئ حقوق الإنسان و الذود بلا هوادة عن قيم الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و إنصاف أصحاب الحق و وضع أتباع الباطل في زوايا النسيان. أن يحدث هذا في زمن الثورة المباركة و دموع أمهات و زوجات و أخوات و أولاد الشهداء البررة لم تجف بعد.. فهذا أمر مخجل للغاية و محرج لكل أطياف الحركة الديمقراطية و الحقوقية و المجتمع المدني التونسي الحر. بعد رحيل الطاغية و حكمه الفاسد إلى الأبد، حري بكل الأصوات المؤمنة بقيم الديمقراطي و الكرامة و الحرية و المساواة، من كل الأجيال و الطبقات و الأطياف الفكرية و السياسية، أن تضع النقاط على الحروف و تبادر بالقضاء غلى الفساد المستشري في القطاع الثقافي بكل تعبيراته و على وزارة الثقافة التي يرأسها مثقف تونسي مشهود له بالكفاءة و النزاهة و الجرأة و نحن نستعد لإرساء جمهورية ثانية أن تعد العدة لإقصاء بعض الرموز في الحقل الثقافي التي تورطت و ناشدت الرئيس المخلوع و سوقت له خطابه السياسي في الداخل و الخارج. في ختام هذه المقالة أسوق كلمة وحيدة لكل إطارات وزارة الثقافة و المشتغلين بحقول السياسة و الإعلام و الفكر و الفن : إن الزمن لن يعود إلى الوراء، و الثورة منتصرة بإذن الله.. أما أستاذنا القدير الدكتور المصطفي الكيلاني الذي شرفنا في المشرق العربي بغزارة إنتاجه النوعي و إصدارته المتعددة المشهود لها بالإضافة و الاجتهاد و الابتكار و الخروج عن السائد، فإنا زمن الثورة سينصفه في قادم الأيام و غدا يبدأ اليوم !
التعليقات (0)