شارك الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني في برنامج بعثة الأمم المتحدة (يونامي) الذي أقامته بمناسبة اليوم العالمي المفتوح حول قرار مجلس الأمن ذي الرقم 1325، تحت شعار: دور منظمات المجتمع المدني النسائية العراقية في بناء السلام، والذي أقيم ظهر يوم الثلاثاء 23/10/2012 في مقر البعثة ببغداد بمشاركة عدد من ممثلات منظمات المجتمع المدني والناشطات في مجال حقوق المرأة، وحضور ممثل الأمين العام في العراق مارتن كوبلر. أدناه نص الكلمة التي ألقاها الدكتور الجعفري في الندوة: بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الأستاذ الممثل الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة السيد كوبلر، السيدات الحاضرات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. فهمت يوم أمس أن محور الطاولة المستديرة هو قرار الأمم المتحدة 1325 الذي اتخذته عام 2001، وأنا أعتقد أنه تأخر 56 سنة، إذ يفترض أن يكون هذا القرار في نفس اليوم والسنة التي تأسست فيها الأمم المتحدة عام 1945. أن يأتي القرار متأخراً أفضل من أن لا يكون هناك قرار.. النقاط التي تضمنها قرار 1325 عبارة 18 نقطة تستوعب الكثير من مجالات المرأة، واهتماماتها، والتحديات التي تواجهها. التفريق الدقيق والتمييز بين العنف الجنسي والجنساني، هو إن الجنساني يقصد به الجانب الجسمي والجنسي بما هي أنثى، وهذه قضية متراكمة في مجتمعاتنا وفي كل دول العالم بلا استثناء. لا توجد أمة من أمم العالم لا تتحمل جزءاً من الجريمة التي ارتـكبت بحق المرأة؛ إذن لسنا أمام مشكلة تخص بلداً واحداً.. المرأة في مختلف مناطق العالم وفي جميع مقاطع التاريخ مضطهدة بمختلف أنواع الاضطهاد، وفي الوقت نفسه هناك نساء بطلات في مختلف مناطق العالم استطعن أن يرسمن دورهن على الرغم من هذه التحديات.. ربما استطاعت السيد هلري في روما عام 304 بعد ميلاد السيد المسيح أن تسجل رقماً رائعاً من النضال ومواجهة العقـد الذكورية، فحكمت عليها المحكمة بالحرق هي وبناتها، والشيء نفسه كان مع الشابة جان دارك عذراء أورليان عام 1429 في فرنسا، حين حرقت وهي حية، وعلى الرغم من ذلك قدمت مجموعة من النساء على طول التاريخ نماذج نعتز بها، ومنهن أيضاً السيدة هاربيت بتشرستو التي كتبت قصة (كوخ العم توم) عام 1852، واستطاعت أن تـوقف الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب الأميركيين، كما خرجت علينا على المسرح هلن كلر وكانت طرشاء وعمياء، ولكنها كانت خطيبة مفوهة عمرها 86، هذه المرأة استطاعت أن تحول الجامعات إلى منبر للدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، ولدينا في العراق نساء بطلات. أقدم لائحة تدافع عن حقوق الإنسان هي لائحة حمورابي 1792 إلى 1750 قبل الميلاد، وقد سجلت حقوق المرأة في مسلة حمورابي. عندما تأتون هنا إلى أرض العراق تقفون على قمة الحضارة، ونحن لدينا شاعرات، وعالمات، وطبيبات، ومهندسات، ومناضلات ضد الكتاتورية، وشهيدات، وسجينات.. هذه الأساطير التي صنعتها مجموعة من النساء كانت إحداهن آمنة الصدر وسلوى البحراني، وكذلك الشهيدة عقيلة الهاشمي التي كانت معنا عضوة في مجلس الحكم، والكثير من النساء في مختلف المناطق. القرار 1325 مهد له القرار 1324، لكن بقيت على القرار 1325 ملاحظتان، الأولى: توجد قضايا مهمة لم يشرع لها، والثانية، وهي المشكلة الأكبر أنه لم يضمن لها التطبيق بآليات معينة، ونحن لسنا في أزمة تشريع إنما في أزمة تطبيق. إن الأدوات والأوراق وحدها لا تعني شيئاً إنما نحتاج إلى تفعيل حقيقي؛ لذا أوجه نصيحتي إلى الأمم المتحدة بأن تـقدم على خطوات على الصعد التالية، أولاً: أن تتحرك على السلطات السياسية في مختلف مناطق العالم لضمان حقوق المرأة، ومنع العنف الذي يستخدم ضدها، ثانياً: يجب أن يكف الإعلام عن ثقافة التحلل السلوكي،وإعلام الرعب،والتشجيع والتجرؤ على المرأة، وإشاعة ثقافة أخرى مقابل هذه الثقافة، وعلى السلطات القضائية أن تـشعر دول العالم أن الاعتداء على المرأة هو اعتداء على العمق الإنساني واعتداء على المصنع الذي ينتج رجالاً وأطفالاً، ويبني حضارة، ويجب أن تترتب على هذه المفاهيم إجراءات قضائية صارمة، ثالثاً: إن المناهج التربوية في المدارس لا تثقف على دور المرأة وأهميتها، ولا تحذر من الخطر الذي يحيط بها، وأخيراً، وهو مهم جداً: تحرير المرأة من داخلها من عقدة الاستسلام بأنها مخلوق دون الذكر. ما لم تتحرر المرأة من هذه العقدة لا تستطيع أن تمارس دورها، حتى إذا فتحنا لها المؤسسات.. أنا من أشد المطالبين بمشاركة المرأة وبقدر ما أؤكد على أهمية مشاركة الحجم الكمي الكبير، لكن أركز على الجانب النوعي.. نحن الآن لدينا 82 سيدة في البرلمان، وهذا عدد غير قليل، لو استطعن ممارسة فعاليات ممتازة من حضور سياسي وإعلامي، وحضور في اللجان المختلفة لبعثن رسالة ليس فقط للعراق، بل لكل العالم بأن المرأة قادرة على الصناعة والإنتاج في المجتمع. في الحكومة التي شكلتها في عام 2005 جئت بست سيدات في الوزارة، وكنت أريد السابعة نائبة ًلي لكنا واجهنا عقبة في رئاسة الجمهورية، وكنت أتمنى أن تأتي الحكومات فيما بعد بأعداد أكبر، لكن - للأسف - يوجد تراجع مثلما يوجد تراجع في الوضع الكويتي بالبرلمان حيث غابت عن البرلمان بعد دورة الحضور التي سبقتها.. متى ما وصلنا إلى أن النصفية الاجتماعية تتحول إلى نصفية مؤسساتية فقد انتصرنا للمرأة، فلا يجوز أن تكون المرأة نصف المجتمع، ولا تكون نصف المؤسسة. نهاية حديثي.. أنا شخصياً أتبنـى الثقافة الثالثة للمرأة، وأرفض الثقافة الأولى ثقافة التقاليد والعادات التي تمكن الرجل على المرأة لأسباب خلاف القيم والأخلاق والديانات، وتجعلها أدنى من حيث الكرامة.. كان في بعض مجتمعاتنا في الشرق، وكانت بشكل أسوأ في مجتمعات الغرب الذين يسمونها البطرياركية التي انتشرت في دول أميركا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا، فلم تـعط المرأة حق التصويت في أميركا إلا عام 1919، ولم تـعط حق التصويت في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا إلا في عام 1945، ولم تـعط حق التصويت في سويسرا إلا في عام 1977.. هذه مأساة حقيقية. هناك ثقافة ثانية، أنا أرفضها، وأحاربها، هي: ثقافة الإثارة والأنوثة، واختزال المرأة في الأنوثة أي إن حياتها محصورة بين 20 سنة إلى 40 أو 45 سنة، وإذا فقدت جمالها المادي؛ لأي سبب من الأسباب فقدت حياتها.. هذا قتل من نوع ثان (قتل معنوي). النظرية التي أتمسك بها، هي النظرية الثالثة، وهي ثقافة الجمال المعنوي، وتعدد الجمالات والسلوك: (جمال العقل، والإرادة)، وليكن جمال البدن فيما بعد. أبارك للأمم المتحدة والسيد كوبلر هذه المبادرة، أعتقد أننا أمام مهمة إنسانية تلتقي عليها الديانات، ويقول بها العقل، والأنظمة الاجتماعية المختلفة على أن نضع حداً لهذه المآسي التي أحاطت بالمرأة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وفي ختام الندوة كان هناك مداخلات للسيدات الحاضرات، وعقـب الدكتور الجعفري بكلمة قال فيها: من خلال استماعي إلى الحديث، والمداخلات القيمة أجد نفسي ملزماً لتوضيح بعض النقاط؛ وحتى لا يكون هناك التباس حول عمل مؤسسات المجتمع المدني.. مؤسسات المجتمع المدني مختلفة، وتقوم على ثلاث نظريات، منها: نظرية جون لوك، ومنها نظرية هوبز، ومنها نظرية غرامشي، وقسم ترتبط مباشرة بالحكومة، وقسم ترتبط بالدستور، وقسم تربطها مصالح طبقة اجتماعية معينة. لا يهمني كثيراً بأي نظرية تعمل، لكن يهمني أن تعمل المؤسسة على أنسنة قضية المرأة، ولا تسيسها أي لا تجعلها في خدمة الأهداف السياسية، أو تعنصرها، أو تمذهبها بأن تدخلها في التقاطعات. على المؤسسات أن تجعل هدفها بناء شخصية المرأة وخدمة قضاياها.. سمعت ملاحظة باسم الدين.. أنا أعتقد أن المشكلة ليست في الدين إنما المشكلة في التدين، في طريقة فهم الدين، والممارسات التي حصلت في أوروبا في القرن السابع عشر قرن غاليلو من قبل محاكم التفتيش لا تمت إلى الدين المسيحي بصلة، ولا تمت إلى السيد المسيح (ع) بصلة، فلا نـسقط الدين ضحية بعض الذين أساؤوا فهم التدين. الدين يعتبر المرأة قداساً لا يسمح بإيذائها، ولا بإقصائها، ولا الاعتداء على كرامتها؛ لذا فأنسنة قضية المرأة تجعلكم تلتقون مع كل الديانات، ولا يشتبه أحد بأن الدين يعادي طفلاً، أو امرأة، أو عالماً، أو مكتشفاً. لا نقع في الخطأ الذي وقعت فيه حكومة التحالف عندما شكلت مجلس الحكم، كان يدعونني أن آتي بأكبر عدد ممكن من النساء، وما كان عندي اعتراض على السيدات اللاتي اشتركن في مجلس الحكم، لكن عندي ملاحظتان أخبرت بهما الحاكم المدني، وهما: لابد أن يزيد من العدد، وكان لابد أن يتبنى نساء عرفن في مجالات التضحية، ويحملن هوية الشهادة؛ حتى نبعث رسالة مفادها: أن أنسنة قضية المرأة يعني أنسنة الديمقراطية، الوزيرات الست اللاتي اخترتهن للحكومة الانتقالية عام 2005 كن من أكثر من دين، ومن أكثر من مذهب، وأكثر من قومية، وكان مجلس الوزراء يناقش هموم العراق بغض النظر عن خلفية الوزير أو الوزيرة. أعتقد أن ما جعل السيدة (هاربيت بتشر ستو) تشتهر عام 1852 إلى الآن، هو إنها ناقشت قضية الملونين في أميركا؛ ولأنها كانت تمثـل عمق جراح الشعب الأميركي، يجب أن نقارب كل مجتمع بالشخصيات التي تمثل العمق الثقافي والتضحية؛ حتى نستطيع من خلالها أن ننفذ إلى قلوب الناس.. هذا ما أعنيه بإضفاء صفة الإنسانية على مؤسسات المجتمع المدني. مؤسسات المجتمع المدني لم يمض عليها 200 سنة، وقضية المرأة، وحقوق الإنسان كانت منذ آلاف السنين، فالمؤسسات جاءت متأخرة، نحن نستفيد من المؤسسة، لكن لابد أن ننفتح على هموم المرأة بأوسع ما يمكن. بسم الله الرحمن الرحيم في البداية أتقدم بجزيل الشكر إلى السيد كوبلر على هذه الدعوة الكريمة، اليوم أثناء لقائي بالسيدات على المائدة المستديرة كان الاجتماع مخصصاً لمناقشة مادة 1325 من الأمم المتحدة، وفي هذه المناسبة جرى التعريف بمسألة المرأة، وما نعتقده نحن هو إن المرأة كإنسانة لابد أن تأخذ دورها كنصف المجتمع، وكمؤثرة، ومربية للنصف الثاني. لا توجد هناك أي عوائق أمام هذا الشيء، فلا نعاني من أزمة فكرية، أو معرفية، وكل كتب السماء أكدت على المرأة.. القرآن الكريم زاخر بآيات مختلفة تؤكد على أهمية المرأة بنتاً وزوجة ًوقائدة ًسياسية، كما هي بلقيس ملكة سبأ، وهنا في العراق على الرغم من أن التجربة حديثة فقد استطاعت المرأة أن تقتحم مجلس الوزراء، وفي 2005 كان ست نساء وزيرات، وفي البرلمان بدوراته المختلفة لم يقل عددهن عن 30%، وأعتقد أن هذه النسبة غير موجودة حتى في الدول الديمقراطية، فلازلنا نعتقد أن هذا ليس مستوى طموحنا.. نحن نتطلع إلى أن تكون المرأة نصف المؤسسة مثلما هي نصف المجتمع، ولا يعني عدم وجود إجحاف. المرأة في العراق كما هي المرأة في مختلف مناطق العالم لاتزال تعاني من مشاكل كثيرة، تحديات، وعنف جنسي وجنساني من النوع الآخر؛ هذا يحتاج إلى جهود مكثـفة، ويمكن لكل المؤسسات أن تلعب دوراً كبيراً في رفع هذا الظلم والحيف الذي وقع عليها، وتبرز دورها المطلوب، وضربنا لذلك أمثلة من مختلف مجتمعات العالم، وكيف استطاعت أن تنهض وتواجه هذه التحديات سواء كان في أميركا أو أوروبا، وفي عالمنا هنا في الشرق الأوسط الكثير من النساء واجهن هذه التحديات، واعتـقل بعضهن، وأعدم منهن الكثير، وعلى الرغم من ذلك استمرت مسيرة المرأة نحو الأفضل. لقد قيمت الـ 18 نقطة التي وردت في قرار الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وأعتقد أنها تحتاج إضافة نقاط أخرى مهمة تمس المرأة، وتحتاج إلى تفعيل، وإلزام الحكومات التي تنضوي تحت مظلة الأمم المتحدة بالاهتمام بالمرأة كبنية تحتية للمجتمعات، وهنا قلت للسيد كوبلر: إن الرؤساء في العالم، ورؤساء الحكومات، والمتصدين في الأمم المتحدة لا يبقون أما الذي يبقى فهو الشعوب والأمم والقيم التي تصنع هذه الشعوب؛ لذا على الأمم المتحدة باعتبارها مظلة تعبر عن إرادة الأمم والشعوب أن تهتم بهذه المجتمعات، وتركز على قضية المرأة؛ لأنها صانعة الشباب، أي صانعة الحاضر، وهي صانعة الأطفال أي صانعة المستقبل. ماتزال المظالم تتكاثف في وسط المرأة، وتزداد، وتنتظر عملاً مستمراً، يؤسفني أن ما بين تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 إلى 2001 جاءت المادة 1325 وقبلهما 1324.. أتمنى أن تتواصل الأمم المتحدة بالانتصار لحق المرأة، وتركز على إنسانيتها؛ فإنها عنوان الحضارة والتقدم.. شكراً جزيلاً.
http://beladitv.tv/index.php?aa=news&id22=3127
التعليقات (0)