مواضيع اليوم

الدكتور أحمد يوسف مستشار اسماعيل هنية يكتب : “حماس” بين نموذجين؛ طالبان وأردوغان

فلسطين أولاً

2010-06-07 08:55:23

0

الدكتور أحمد يوسف مستشار اسماعيل هنية يكتب : “حماس” بين نموذجين؛ طالبان وأردوغان

القيادي الحمساوي د. أحمد يوسف

تحت عنوان “من المسيرة المحاصرة…حماس بين نموذجين؛ طالبان وأردوغان” كتب مستشار اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة الدكتور أحمد يوسف المقال التالي:

قد لا يروق للكثيرين من كوادر وقيادات “حماس” أن يشبههم أحد بـ”حركة طالبان” الأفغانية، كما قد يعترض البعض منهم على ذكر أن حكومتهم فيها شيء من المرونة والانفتاح الذي تبديه الحركة الإسلامية في تركيا أو أنها تسير على خطى أردوغان ونهجه التصالحي مع الداخل والخارج.

الحقيقة أن الساحة الفلسطينية لها خصوصية مميزة، ولا يمكن الربط بينها وبين أية حالات إسلامية أخرى، لا من قريب ولا من بعيد، بحكم ما تتمتع به القضية الفلسطينية من مركزية الاهتمام في الوجدان العربي والإسلامي، وكون هذا الصراع في جوهره مواجهة مفتوحة بين الأمة الإسلامية والمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بكل أبعاده الدينية والسياسية والقانونية والأخلاقية، وهذه الخصوصية تستدعي قراءةً مغايرة في نظرتنا للتجارب الإسلامية التي تحتضن صراعاتها بعضاً من هذه الجوانب، ولكن تبقى الحقيقة، التي لا يجادل فيها اثنان، وهي أن هناك في جوانب الصورة العامة للمواجهة محددات تضبط عملية إدارة الصراع وسبل الخروج من أزماته، وهذه المحددات قد تشكل قواسم مشتركة إذا تمعنا في المشهد من زواياه البانورامية الواضحة من حيث اللون والأبعاد.

إن حركة “حماس” لا تبدو هذه الأيام في أحسن حالاتها السياسية والأمنية والأخلاقية، حيث تكالبت عليها جهات التآمر الدولي والإقليمي والمحلي، وتركتها نهباً للأقاويل والاتهامات.

إن تناولنا لـ”حماس” “الحركة والحكومة” إنما يأتي في سياق نموذج كُنَّا نتطلع إليه أن يكون فريداً ومشرقًا، وعنوانًا لطموحات شعبنا الحقيقية في التغيير والإصلاح، نموذج يكون قادراً على أن يستحوذ بانفتاحه ونضاليته وطهرية شهداء المقاومة وتضحياتها على مساحات الوعي العربي والإسلامي، وليشكل من خلال جاذبيته “حالة إسلامية” نموذجية معاصرة في مجال المشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة تصلح محاكاتها وتصديرها إقليميًا. لقد سعت حكومة “حماس” لبناء علاقات دولية قائمة على التعاون والتفاهم وتبادل المصالح، والدفع في اتجاه البحث عن حلٍ سلمي وتسوية سياسية تنهي الصراع، ولا تتخطى الخطوط العامة للحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، إلا أن الإدارة الأميركية بأجندتها الإسرائيلية ظلت تعمل دون أن تحقق “حماس” اختراقًا في هذا المجال.

بلا شك، لقد تمكن خصوم “حماس” السياسيين وأعداؤها في استدراجها لمعارك جانبية، حيث استعجلت في حسم الكثير من الخلافات الداخلية عسكرياً، ليتعاظم القول والاتهام بأن حماس تنهي تناقضاتها مع الآخرين عبر سياسة “كسر العظم وسفك الدماء” .!!

إن البعض يرى، للأسف، أن “حماس” فقدت بسبب مشاهد الدم والخلاف الكثير من طهريتها، وخسرت جزءاً لا بأس به من شعبيتها، وخفت بعضٌ من بريقها؛ ليس فقط على الساحة الفلسطينية بل أيضاً في فضاءات جماهيريتها العربية والإسلامية.

إن هذا المشهد الظالم في ملامحه لحركة “حماس” هو الذي يدفعنا لاستدعاء بعض النماذج الإسلامية لمحاولة المقارنة والاستدلال واستخلاص الدروس والعبر، حتى يتحرك الحكماء لإنقاذ السفينة قبل أن يتسع خرقها على قدرات أي راقع.

أولا: نموذج طالبان

لقد جاءت “حركة طالبان” إلى السلطة العام 1996 بهدف حسم الخلافات السياسية والمعارك الدامية التي استعرت بين قوات حكمتيار وأحمد شاه مسعود، عشرات الآلاف من الأفغان سقطوا ضحايا المواجهات المسلحة بين الطرفين، بالرغم من أنهما كانا جزءاً أساسيًا من الحكومة والسلطة، وقد سبق أن قاتلا معاً الوجود السوفييتي في بلادهما، وصنعا معًا ملحمة انتصار تغنت بها حناجر الملايين من أمة العرب والمسلمين، وكان مشروعهما في الجهاد والمقاومة السبب وراء انهيار الإمبراطورية السوفييتية، ووضع نهاية للحرب الباردة التي امتدت لأكثر من ستة عقود بين القوتين الأعظم في العالم؛ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية المترامية الأطراف في أبعادها العقائدية والسياسية والاقتصادية والأمنية.

إن ما يعرفه الناس عن “طالبان” هو أنها حركة إسلامية يغلب التدين على مناضليها وكوادرها التنظيمية، ولكنها حركة منغلقة على نفسها، بالغة التشدد والغلو والتعقيد في علاقاتها الدولية، لم تنجح في خلق أية تفاهمات مع محيطها الإقليمي، ناهيك عن استشراء الخلاف الدامي مع خصومها السياسيين داخل أفغانستان.. صحيح أنها قد نجحت في حسم معاركها الداخلية بالقوة، وأخضعت الجميع لحكم سلاحها، ولكن حالات الاستهداف لإضعاف حكومتها المركزية لم تتوقف، وظل الجميع يتآمر على طالبان ويتربص بها، حتى إذا وقع الغزو الأميركي لها لم تجد إلا جيشها المنهك بالمعارك الجانبية، والإمكانيات العسكرية المتواضعة ليتصدى للقوة الأعظم في العالم ويسجل هزيمة أذهبت بهجة كل الانتصارات السابقة على أرض أفغانستان، ويطوي التاريخ ذكر “حركة طالبان” من صفحاته بكل ما لها وما عليها، ليظهر هيكل سياسي آخر يستمر معه نزف الجرح الأفغاني، وطمس ملحمة المجد والخلود لهذا الشعب العظيم.

والآن تحاول “طالبان” العودة من جديد لمشروع الجهاد والمقاومة، ولكن الالتفاف الشعبي حول الحركة ليس بالزخم أو المستوى المطلوب من الحفاوة والترحيب الذي كانت عليه يوم جاءت فاتحة لكابول، باعتبارها قوة الغد القادرة على إحداث التغيير والإصلاح.

عادت أفغانستان لتشهد احتلالاً جديداً لأراضيها، واستنزافاً لقواها وأخلاقيات شعبها، وبدلاً من أن يأتي التغير والإصلاح على يدها ووفق المعايير والضوابط التي عليها ثقافة المنطقة، يتحرك الغرب ليضع ما يراه هو تغييراً وإصلاحاً ينسجم مع قيمه وثقافته، وهكذا أضاعت “حركة طالبان” مستقبل جيل من أبناء أفغانستان، وعاظمت الأحقاد والخلافات بين القبائل الأفغانية، وبدلاً من كسب الكل الأفغاني الوطني والديني، ليلتف حولها ويقاتل إلى جانبها، تحولت إلى قوة طاردة لا يستريح تحت ظلالها أحد، بل ويعمل الكثير على ضرب مشروعها، وقطع الطريق أمام فرص عودتها والتمكين لها.

ثانياً: نموذج أردوغان “حزب العدالة والتنمية”

انطلق دعاة المشروع الإسلامي في تركيا الكمالية “العلمانية” في العام 1970 بتأسيس حزب بهوية وطنية (حزب النظام الوطني)، لكن الجيش أطاح به بعد عام في ما عُرف بـ “انقلاب المذكرة”، وفي تشرين الاول (أكتوبر) 1972، أسس بعض الإسلاميين حزب (السلامة الوطني ـ مللي سلامات) والذي شاركت فيه حركة أربكان (ملي قروش – الرأي الوطني) وأصحاب الطرق الصوفية النقشبندية والنورسية في تحالف كان الهدف منه العمل على استعادة تركيا لهويتها الإسلامية، والتصدي لتيار التغريب العلماني الذي تقوده المؤسسة العسكرية والحزب الجمهوري الحاكم.

لقد تمكن نجم الدين أربكان، الأب الروحي لتيار الإسلام السياسي في تركيا الحديثة، من إحداث اختراقات سياسية وتطوير قدرات الحزب بحيث أصبح يشكل “بيضة القبان” أو الصوت المرجح لأي حزب سياسي يطمح في الوصول إلى سدة الحكم.. وقد نجح أربكان في تقلد منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الائتلاف التي شكلها بولنت أجاويد من حزب الشعب الجمهوري وعاد الجيش للتدخل من جديد بانقلاب عسكري العام 1980 حلَّ معه حزب أربكان بدعوى معاداة العلمانية، والسعي لإحلال الشريعة الإسلامية بدلا عنها، وترتب على ذلك القرار أيضًا الحكم بالسجن على أربكان لمدة أربع سنوات وحرمانه من العمل السياسي.

وفي ظل التناقضات السياسية والخلافات التي اتسعت بين الأحزاب العلمانية المتنفذة في تركيا، عاد أربكان ليطل باشراقته السياسية إلى الساحة من جديد، وذلك ومن خلال تأسيس حزب الرفاه وليصل من خلال قيادته للحزب إلى رئاسة الوزراء. وقد استمر الحزب في التحرك بتسارع كبير لخلق وقائع سياسية على الأرض، وإقامة تحالفات إستراتيجية مع المحيط الإقليمي، الأمر الذي استفز الجيش وسدنة المشروع العلماني الذين تحركوا بهلع شديد، وأقدموا على حل الحزب وحرمان أربكان من العمل السياسي مرة أخرى وإلى الأبد، لم تتوقف رحى المواجهة بين أربكان وسدنة المشروع العلماني بل تصاعدت وتيرتها، وكادت تأتي على كل ما أنجزه الإسلاميون في أكثر من أربعة عقود من نضالات لتحقيق التغيير والإصلاح المنشود.

كانت مسيرة أربكان الطويلة لتثبيت أركان الحركة الإسلامية في بلاده هي مواجهة مستمرة مع أركان النظام العلماني وأذرعه الممتدة النفوذ في الجيش والمؤسسة التعليمية والإعلامية والمحكمة الدستورية، حيث اختار طريق الحرب المفتوحة والصراع المكشوف مما استعدى عليه الغرب الأوروبي والولايات المتحدة والحركة الصهيونية، ومن ثمَّ عمل الجميع مع النظام العلماني في تركيا على إجهاض حركته، وقطع الطريق أمام نجاح حزبه، وفعلاً، دخلت تركيا في دوامة من الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، الأمر الذي أربك الساحة وجعل الطموحات بإمكانيات تحقيق التغيير والإصلاح تتقاصر في ظل معطيات المواجهة المستمرة والمفتوحة مع جنرالات الجيش، والتي تواطأت فيها مع النظام العلماني أطرافاً دولية، عملت جميعها على إسقاط أربكان ورؤيته السياسية وطموحاته الأممية، هذه المخاوف استدعت أن تتحرك بعض كوادر الحركة القيادية لإنقاذ المشروع الإسلامي، والابتعاد به عن دائرة الاستهداف المباشر لمن يتربصون به من القوى العلمانية المعادية في داخل تركيا وخارجها.

لقد حاول أردوغان وعبد الله غول من جيل الشباب والذين بوعيهم وعلى أكتافهم شهدت الحركة الإسلامية تطوراً كبيراً ونوعيًا في البلاد، حيث تميزوا بالقدرة الإنتاجية العالية على المستوى الخدماتي في البلديات والدوائر الحكومية، وعلى مستوى الخطاب السياسي المعروف بانفتاحه على الجميع، والسعي الدائم لاستيعاب الآخر والتعاطي معه، والعمل من أجل المصالح العليا للوطن باحتضان كل المساحات الشاسعة لأبنائه، بعيداً عن أدبيات الثقافة الحزبية المقيتة، وتطلعاً لكسب كل طبقات المجتمع بروح “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” .

ومع تأسيس حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وعبد الله غول ومعهم الدكتور أحمد داود أوغلو العقل الاستراتيجي للحزب، التفّت القوى الإسلامية والقومية والعرقية خلفه، وارتفع شعار العمل من أجل تعزيز “الديمقراطية وحقوق الإنسان” ليشعر الجميع بالحرية والأمان، وانتعاش عجلة الاقتصاد وتحرك دواليب التنمية التي جعلت المواطن يحس بشكل مباشر بأثر التغيير والإصلاح على حياته المعيشية، كما أن فرص العمل فتحت للجميع أبوابها، بحيث أصبح حديث المجالس يدور حول هؤلاء العثمانيين الجدد الذين تتحدث عن انجازاتهم الأرقام وتتكلم الإحصاءات، وتبشر بالمستقبل الزاهر معهم حالة الأمن والاستقرار التي عمت البلاد.

لقد نجح أردوغان وعبد الله غول في تفكيك معظم ملفات الأزمة مع الغرب الأوروبي ومع الولايات المتحدة، وتوفير التطمينات اللازمة للاتحاد الأوروبي حول جدية تركيا بالالتزام بالمعايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي سيمهد الطريق ليس فقط لاستيعاب تركيا داخل منظومته السياسية والاقتصادية، بل أيضاً الاعتماد عليها في تخفيف حالة الاحتقان الشديد السائدة في العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي.

ولقد شاهدنا كيف تصدى الشارع التركي – ديمقراطياً – لسدنة العلمانية عندما حاولوا قطع الطريق أمام عبد الله غول لحرمانه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، حيث إنهم منحوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية، والتي قاربت 50 في المئة، وبذلك التمكين للحزب من فرض مرشحه – ديمقراطياً – ليصبح رئيساً للبلاد.

وقد رأينا أيضاً كيف فشلت محاولات العلمانيين في حل الحزب عبر المحكمة الدستورية، حيث اصطف الجميع مدافعًا عن الحزب وقيادته.

وختامًا، أريد أن أجمل القول في كل ما سبق، بأن العمل السياسي يجب أن “لا يفسد للود قضية”، حتى مع وجود الخلاف والتنافس الحزبي، وأنه يتوجب علينا كإسلاميين نشر الأشرعة في اتجاهات الجميع، باعتبار أن هذا الجميع هو مرافئ الوطن ودوحته الواسعة، ويتوجب علينا ونحن نسعى للتغيير والإصلاح أن نتحرك بعقلية استيعاب الآخر والبحث عن القواسم المشتركة، وحتى اعتماد سياسة التحالف والعمل المشترك، وعدم التشهير والتبخيس بأحد، وأن لا نجعل من خلافتنا السياسية مدعاة للتحريض والتشويه والتعبئة الخاطئة، التي تسمح للبعض باستباحة القتل وسفك الدماء والدخول على خط المحرمات.

لقد تابعت تجربة الجزائر في التسعينيات، وكتبت عن العشرية الدامية أكثر من ثلاثة كتب، ثم تابعت التداعيات الكارثية لتلك السنوات على الحركة الإسلامية ونظرة الشارع إلى دعاتها وقياداتها، حيث انفض الناس عن أصحاب المشروع الإسلامي سواء في الجبهة الإسلامية للإنقاذ “الفيس” أو حتى الاتجاهات المعتدلة مثل حركة مجتمع السلم “حمس” وحركة الإصلاح الوطني وحركة البناء الحضاري “تيار الجزأرة”.

لقد حدث التحول في اتجاه التطرف والصوفية وحلقات الدروس الروحية بالمساجد أو الزوايا، وتباعد الناس عن السياسة والأحزاب الإسلامية التي تتطلع إليها.

خاتمة وتعقيب

إننا على مفترق طريق صعب، والقضية الفلسطينية تعيش أصعب ظروفها، وأصحاب الرؤية مرهقة عيونهم، وعلينا أن نختار بين الاستدراك أو الانتحار.

أتمنى أن تحدث مراجعات داخل الصف الإسلامي، لنرى أين أخطأنا؟ وأين أصبنا؟ وإلى أين نحن سائرون؟

فلا يكفي أن تَقنع نفسك أنك على حق أو أن الحق معك، بل يجب أن تكون عاقلاً وأن يراك الناس حكيماً أيضاً.

وكيل وزارة الخارجية – غزة





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !