الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب / جمال سلطان
المختصر / لم تكن مفاجأة كبيرة أن يتم اختيار فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر ، فهو كان أحد الأسماء البارزة المطروحة للاختيار بجوار فضيلة الدكتور علي جمعة ، وربما كان اختيار الطيب قد أرضى الشريحة الأوسع من أبناء الأزهر ، باعتباره نشأة أزهرية خالصة ، كما أني أتصور أنه سيرضي كثيرين من المهتمين بشأن المؤسسة الإسلامية الأكبر في مصر والعالم ، وأنا شخصيا متفائل كثيرا بقدوم الدكتور أحمد الطيب إلى منصب المشيخة ، وقد كتبت من قبل عن الشيخ علي جمعة وقلت عنه ما أعرف ، وأنا اليوم أقول كلمتي أيضا عن فضيلة الدكتور أحمد الطيب ، وكلا الرجلين أعرفه معرفة شخصية وليس عن سماع ، وكلاهما من خيرة أهل العلم والفضل والثقافة والمعرفة ، ويتميز الشيخ الطيب بالعديد من الصفات الكريمة التي ورثها من أسرة صعيدية أصيلة عرفت بالدين والعلم والمروءة وعفة النفس ، ولعل عفة النفس من أبرز سمات الشيخ الطيب ، وهو ما جعله إلى حد كبير زاهدا في المناصب ، حتى أن أغلب ما تولاه من المناصب سعت هي إليه دون أن يسعى إليها ، ولعله كان أقصر من شغل منصب الإفتاء في مصر إقامة زهدا في المنصب ، وهذه الروح الطيبة ستحرره ـ بلا شك ـ من قيود كثيرة ، كما أن دراسة العالم الجليل في فرنسا وحصوله على الدكتوراة بعد أن اكتمل نضجه ووعيه الشرعي في الأزهر كان سببا في انفتاحه على الثقافة العالمية ، بأفكارها وآدابها ومعارفها ورموزها ومعاركها ، وهو بذلك يملك نافذة من الوعي الإنساني أرجو أن تعيد للأزهر هيبته عندما يشتبك مع قضايا الإسلام والمسلمين في أوربا وأمريكا وغيرها من بلاد المهجر أو الأقليات إن أحسنا التعبير ، والشيخ الطيب غير مسيس ، بالمفهوم الحزبي الضيق للسياسة ، وهذه ميزة للإمام الأكبر ، ولكنه قد يكون مستفزا لتيارات دينية سياسية تتصور أن له موقفا منها ، مثل الإخوان المسلمين ، ولكني أزعم أنه غير معني بالجماعة وسلوكها بعيدا عن الأزهر ومؤسساته ، ولكنه كان يستاء كثيرا من محاولة الجماعة اختراق الأزهر أو التأثير على مجريات الحياة العلمية والإدارية فيه ، وهذا حقه ومسؤوليته حتى وإن بدا صارما فيه ، لأن الأزهر كمؤسسة دينية تاريخية لها حساسيتها ومكانتها التي تقتضي أن تكون في منأى عن الهوى السياسي أيا كان مصدره ، وإن كنا نتمنى عليه أن يحافظ على مسافة كرامة الأزهر هذه في الموقف مع بقية القوى السياسية وفي مقدمتها الحزب الوطني الحاكم ، فلا ينبغي ولا يليق أن يكون له أي نفوذ أو توجيه في ما يتعلق بشأن الأزهر ، والشيخ الطيب معروف بحبه للثقافة وخاصة الثقافة الإسلامية الرفيعة ويتابع شؤونها وتجلياتها في الواقع الجديد ، وكان شغوفا بمتابعة المجلات الفكرية والثقافية الإسلامية ، ومنها مجلة "المنار الجديد" التي أشرف برئاسة تحريرها ، وأذكر أنه عندما تبوأ منصب الإفتاء تفضل مشكورا بالاتصال ليطلب تغيير العنوان الذي نرسلها عليه من الأقصر إلى دار الإفتاء ، حرصا منه على المتابعة لما هو جديد حتى وإن اختلف معه ، والعالم الجليل لا يخفي حبه للتصوف ، وهذه سمة غالبة في الأزهريين من دارسي الفلسفة ، وهكذا كان الإمام الأكبر الراحل الشيخ عبد الحليم محمود الذي أجمع الناس على حبه ، وأعاد للأزهر جزءا من بهاءه وهيبته في الفترة التي تولى فيها المشيخة ، ولم يتوقف الناس طويلا عند كونه صوفيا أو غير صوفي ، ولكنهم توقفوا عند مواقفه الصلبة في وجه مطالب السلطة بتمرير بعض القوانين التي رتبت لها السيدة جيهان السادات وعرفت حينها باسمها ، ولما كان الأزهر مشتبكا في السنوات الأخيرة مع العديد من مشكلات الإعلام والثقافة والفكر والسياسة وغيرها ، فإني أتمنى أن يبادر فضيلة الإمام إلى اختيار مستشارين مؤتمنين في الإعلام والثقافة والسياسة وغيرها يكونون له عونا وبصرا بالأحداث وخلفياتها ويسدون له النصح الأمين ، تفاديا لصدامات يتسبب فيها عدم الإدراك بخلفيات الأمور كما كان يحدث في السابق ، نسأل الله أن يعين "الإمام الأكبر" الجديد على المهمة الثقيلة وأن يسدده ، فالأزهر في حاجة إلى ثورة إدارية وعلمية وتربوية ، تعيد له مكانته التاريخية ، و"الطيب" قادر ـ بعون الله ـ على تحقيق هذا التحول .
المصدر: المصريون
نأمل ان لا يفسده المنصب او السياسة كما افسد من قبله الشيخ الطنطاوي رحمه الله .
التعليقات (0)