الدكتورة خولة الكريع البدوية الجوفية التي أصبحت كفاءة يشار إليها بالبنان عالمياًَ
الجمعة, 23 أبريل 2010
حسن نايف الشريف - الرياض
مكتب صغير بمركز الملك فهد الوطني للأورام، وروح وثابة، منفتحة على الجديد دائما، من كان يفكر أن تلك البدوية الآتية من الجوف سوف تصير كبيرة علماء أبحاث السرطان بالمملكة، وتحصل على جائزة هارفارد الأمريكية في التفوق العلمي في منافسة مع ثلاثمائة طبيب من بينهم أمريكيون وبريطانيون؟
قررت أن أدخل مكتب الدكتورة خولة الكريع الحاصلة على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى لأبحث في أسباب نجاحها، كنت قد حاولت الاتصال بها مرات عديدة، رسائلي على الهاتف النقال لها كانت تلقى علامات استفهام دائما من جانبها، وفي النهاية اتصل بي مدير مكتبها وذكرت له رغبتي في عمل حوار مع الدكتورة، وكلمتني الدكتورة خولة معتذرة عن عدم الرد في البداية لانشغالها بابنها سلطان الذي كسرت ساقه، وكانت متحفظة كثيرا وشعرت بالحميمية في صوتها، واتفقنا على موعد تم تأجيله أسبوعين لسفرها، أخيرا أنا هنا في مكتبها، سألت نفسي وأنا أدخل المكتب: هل أمد يدي لأصافحها ؟ ولم أكد أستقر على إجابة وإذا بالدكتورة تمد يدها لمصافحتي، كانت متحفظة في البداية، لكنني – وقد نجحت- أن أساعدها في أن تتخفف من رهبة الكلام وتستسلم للبساطة التي تطبع شخصيتها دائما، وساعدتني هي بابتسامتها التي لم تفارقها أبدا وهي تسرد التفاصيل وتستدعي بدايات التكوين، ثلاث ساعات من الحوار المتواصل، كان ينبغي أن يستمر الحوار لساعة واحدة، حيث إنها كان من المقرر أن تحضر اجتماع اللجنة العلمية بالمركز، لكنها فوجئت بأن الساعة قد بلغت الرابعة، وأنها لم تكن تتوقع أن الحوار سوف يأخذها كل هذا الوقت.
فنجان قهوة
فاجأتني الدكتورة خولة وهي تبتسم بطلب فنحان قهوة لها في بداية اللقاء، مبررة أنها تعودت على ذلك، وأنها تشعر أنها تنشطها، قالت كنت أنام قليلا جدا من أربع إلى خمس ساعات إلى أن تحدث كثيرون من الخبراء عن فوائد النوم وأنه يطيل العمر، فصرت أنام أكثر.
نشأة بدوية وبيت كبير
بادرتها بسؤال عن أسباب النجاح فقالت: مزيج من كل الأشياء كوني نشأت نشأة بدوية، في قرية صغيرة هي سكاكا الجوف في حي الطوير، الحياة في المدن الصغيرة بسيطة، ليست طبقية، الغني يحتوي الفقير، هناك كرم، هناك طيبة، هذا ما نشأت عليه، تعلمنا ونحن صغار أن التفاضل بنبل الإخلاق، كان أبي يقول «فلان أفضل من فلان، فبيته مفتوح» ما كان يقول فلان أغنى من فلان، فضلا عن أن أمي غير سعودية من الأردن، ربما علمني هذا أن أدخل في ثقافات وأحتوي أناسا مختلفين ، هذا شيء أضاف لي فيما أعتقد، من ناحية انفتاحي على الآخر، ربما كوني تزوجت في عمر مبكرة وجئت إلى الرياض فاحتككت بشريحة معينة، ثم رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراستي ، هذه شخصيتي من الوضوح والصراحة أمام الناس، ما عندي شيء أخجل أو أخاف منه، لا أحب أن أتصنع، لا أحب أن أكون إنسانة وليدة اللحظة بحيث أن أظهر أمام رجل الدين بطريقة ، وأمام رجل الدولة بأخرى، وأمام رجل الصحافة بطريقة ثالثة، من حقك أن تقبلني أو ترفضني كلي، أما أن أغير نفسي حتى تتقبلني فهذا ليس مبدئي.
خولة بنت الأزور
وتحكي الطبيبة الشهيرة عن تسميتها بخولة فتقول: الوالد اختار لي اسمي خولة، كان متأثرا بتصرف خولة بنت الأزور، أنا الثالثة بين أخواتي، بيتنا في منطقة الطوير بالجوف كانت مساحته كبيرة، طبيعة البيوت كبيرة بالجوف فالبيت داخل مزرعة مساحتها أربعة وعشرون ألف متر، كانت حياة بذاتها، الوالد داخل البيت كان يشجع على التعليم ، كان يشتري أي شيء جديد في الالكترونيات يحفز على العلم ، كنت ترى البيت من الداخل في قمة التقدم والمواكبة للعصر ، وخارج البيت تنطلق بين الأشجار، جمعت أحلى ما في الأشياء داخل البيت وخارجه، المكان كان فيه نوع من السلام والروحانية، هذه الروح التي لا تجدها الآن في أجمل المنتجعات، الوالد كان يستقبل الناس في مجلسه، وكنا نأتي من المدرسة فنجد الدار حافلة بالضيوف، كانت المدرسة الوحيدة بالجوف تلك التي التحقت بها، أتذكر من زميلاتي بالمدرسة نعيمة العدوان، مرزوقة الربيعان، خولة الطويل، كان لي مع نعيمة ذكريات جميلة، كانت بنت الجوف «الجدعة»، وباعتبار أمي لم تكن سعودية كان لدي اختلاف عن الأخريات، كانت زميلاتي يضحكن علي من تناولي الزعتر وهو طعام معروف في الشام باعتبار والدتي أردنية ولكن لم يكن معروفا لدى الزميلات بالجوف، كانت نعيمة تفهم هذا الاختلاف، لم أكن تعودت أن أساعد في أمور البيت مثل بقية البنات من جيلي، كانت هذه المساعدة مثار فخر للبنات فيما بينهن، فلانة طبخت أول كبسة، أخرى استطاعت أن تسوي المرقوق، لم يكن البيت أبدا هوايتي، ما كانت تستهويني حصص التدبير المنزلي، وقد احتفظت بعلاقتي بمعلمتي مها سلطان السديري من المرحلة المتوسطة حتى الآن، وهناك مدرسات تمنيت أن أقابلهن مرة أخرى، أتذكر منهن مدرسة سورية اسمها ميادة، كانت مدرسة تاريخ، كنت أحتفظ بدرجاتي النهائية منذ الصف الأول الابتدائي ولا أنقص عنها ربع علامة، كانت مدرستي قادرة على أن تنزعني من الحاضر إلى الزمن القديم، كنت أحب هذه الحيلة البارعة، كنت وما زلت مأخوذة بهذه العوالم التي لم أعشها، كنت كثيرة الأسئلة، سريعة الإدراك، وكثيرا ما أثارتني أحداث تاريخية تمنيت لو أن لي يدا في تغييرها.
وبما أن التاريخ لا يكتبه سوى الأقوياء المنتصرين فربما تعمد هؤلاء تشويه صورة غيرهم.
خادم الحرمين يقلّد الدكتورة خولة الكريّع وسام الملك عبدالعزيز
معلمة التاريخ حفظتني القرآن
لكن معلمة التاريخ لم تكتف بتعليم خولة التاريخ، فقد اكتشفت أنها تتمتع بذاكرة قوية ، فضلا عن أنها قامت بدور مفسرة الأحلام، تقول الدكتورة خولة: طلبت مني معلمة التاريخ أن أحفظ سور القرآن الكبيرة بما أنني أتمتع بذاكرة قوية وصارت تتابعني في حفظ القرآن وقت الفسحة، وكنت في السنة السادسة الابتدائية، في مرة حلمت بأنني في مكان، إخواني فوق، وأنا مقهورة تحت، ورأيتني أطير إلى أن سبقتهم، وتكرر الحلم، وكانت تفسره لي بأنني سأسبق إخواني، وأنني سأقفز أعلى منهم بكثير، وقالت : إخوانك يعني أقرانك، وذكرتني بتقوى الله، ونسيت الحلم مع الأيام، وذات يوم كنت في طريقي للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وقفز الحلم إلى ذاكرتي.
السعودي يقدر السعودية
وتعلق الدكتورة على صورة لها بالمدرسة شاهدتها ضمن ألبوم مليء بالصور: كانت الدراسة لي متعة، لا أستطيع أن أطالب أولادي بهذا الآن، لم يكن لدينا أشياء تشد انتباهنا غير القراءة والاطلاع، القراءة لم تكن تحتاج دافعا خارجيا، كنت أراها متعة في حد ذاتها لم يكن أحد يدفعني إليها، مؤكد أن الأسرة نمت هذا الشيء، أنا أحب الناس، بحكم عملي، محبة الناس من الله تعالى، دائما أحسن الظن بالناس، أنا طبيعتي صبورة بحكم شغلي، الأبحاث التي تستغرق سنوات وتقتضي تكرار التجربة تهذب الأخلاق، هذه خصلة تعلمك الصبر على الناس، الرجل السعودي يقدر المرأة السعودية، هناك شريحة من المجتمع تؤلمني، هؤلاء لابد أن يخرجوا من القشرة التي وضعوا أنفسهم فيها، أنا يحزنني ويؤلمني أن يعلن أحد أنه ينجز الشيء الفلاني لينافس الدكتورة خولة، هذا يضر بالشخص، هناك أخلاقيات علمية يجب أن نراعيها، أنا أتبرك بماء زمزم، لكن عندما ينصح أحد مريض السرطان بأن يوقف علاجه ويستخدم ماء زمزم أقول له لا، ماء زمزم يتعارض مع بعض الأدوية الكيماوية، للأسف عندما أقول هذا أجد أشخاصا يحولونه ويحورونه ويلوون عنقه لتشويه الصورة، أنا أتكلم في العلم.
أقنعت والدي بأنني تعلمت القراءة
وتضيف معتزة بما فعلت: أنا أصررت على دخول المدرسة ولم أتجاوز سن الخامسة وبكيت فحن عليّ وكسرت خاطره، وأقنعته، كنت آتي بكتب أخي التي كان يدرسها في العام ذاته وأتلوها على أبي، ولأنني حفظت من تكرار أخي ما بالكتاب صرت أرددها ولم أكن قد تعلمت القراءة بعد، ولا أدري كيف اقتنع أبي أني أجيد القراءة دون أن يعلمني أحد، وذهبت إلى المدرسة كمستمعة، وكانوا قد بدأوا حرفي الألف والباء فأسرعت بكتابتها حتى ألحق بهم، أنا تزوجت وعمري ستة عشر عاما وبعض الشهور بعد أن حصلت على الثانوية العامة، ما كان لي اهتمامات مثل المراهقات، وكانت البنات يضحكن عليّ، كنا ندرس مدام كوري العالمة التي حصلت على نوبل مرتين مرة في الفيزياء، وأخرى في الكيمياء، وكانت البنات يقطعن صورتها ويكتبن عليها خولة التي لن تتزوج أبدا، كنت أقرأ روايات أجاثا كريستي البوليسية، من الأسباب التي وجهتني للأبحاث إحساسي القوي بالآخر، أنا أكتب النثر، أكتب مقالا شهريا في مجلة «هي»، أحيانا عن شيء طبي، أو مواضيع عامة، مكتب صغير ، قناعة ، أجمل الأشياء عندي، رأيت أثرياء على سرير الموت، وذهبوا وذهبت ثرواتهم، ولم يتبقَ منهم سوى أشيائهم الجميلة.
من الصحافة إلى الطب
وتتوقف الدكتورة خولة عند صورة لابنها نواف وهو طفل: عندما جاء نواف كنت صغيرة، لم أكن مدركة تماما الأمومة كما أدركها الآن، كنت مشغولة أيضا بالدراسة وكنت الثانية على المملكة في الثانوية العامة 99.9% ، وكنت في السنة الأولى من دخولي الطب، وجاء نواف، كنت أرتب نفسي على أن أكتب بالصحافة وأسير في الاتجاه الأدبي، وسألني والدي عن تصوري للصحفية فأجبته أسوي مقابلات، وألتقي شخصيات، وقال لي ما ينفع (كان وقتها لا ينفع حقا) ، وقال: أنت ماهرة في أشياء أخرى كثيرة فلماذا لا تتوجهين إليها؟ حاول معي، لكن في النهاية ترك لي الحرية فوجدتني أتجه إلى الطب، لم أكن أخطط لأصير طبيبة حتى السنة الثانية من المرحلة الثانوية، في لحظة صرت مسؤولة عن أسرة وبيت وطفل وزوج وأدرس الطب، المسألة كانت تبدو صعبة في البداية، أجمل ما في الطب كان في البداية مرحلة دراسة علوم الطب، وهذا أحببته، ثم بدأنا ندرس الطب الاكلينيكي، كان لدي شغالة ومربية أيضا، أنا أحب التخصص،فالشغالة تمارس عملها في البيت، والمربية تتولى نواف وتفهم جدول طعامه وشرابه، هكذا تعودت منذ أن كنت أما صغيرة، ما زلت أحتفظ بمربية نواف الفليبينية إلى الآن .
كان للقبول بالطب مقاييس أخرى ، هكذا تكشف الدكتورة خولة في مرحلة الطب بدأنا مجموعة كبيرة، كان القبول لا يعتمد على المقابلة الشخصية، وإنما يعتمد على النسبة، ما كان هناك اختبار قدرات كما هو الآن، كنا في الطب والعلوم التطبيقية ندرس المواد ذاتها : الكيمياء والأحياء والفيزياء والرياضيات، وكان هناك اختبار لغة فمن كانت لغته الأجنبية ضعيفة كان لا بد أن يدرس لغة، بالنسبة إليّ لم أكن محتاجة لدراسة اللغة ، كانت لغتي قوية منذ البداية، كنا بالصيف ندخل معاهد لغات بالأردن، لم نكن نضيع الوقت، كان يرسل إخواني إلى معاهد في لندن لتعلم اللغة، بالنسبة لي كان الوالد يخاف عليّ، وأنا كنت بطبيعتي لا أحب أن أبعد عنه، وكان يستغل وقت الصيف في تعليمي اللغات، وفي الكلية كانت البنات تتساءل من هذه البنت البدوية الآتية من الجوف ومعها لغة انكليزية؟ كنت مثار تعجب هؤلاء.
وتضيف الدكتورة خولة: الأولاد بالجامعة ما كانوا يحتكون بي باعتباري الأم الوحيدة بالدفعة رغم كوني أصغر منهم، أمومتي المبكرة خلقت نوعا من المسافة.
تعلمت الفرنسية وأدهشت معلمتي
وتحكي الدكتورة خولة التي تعلمت الفرنسية بجانب الانكليزية: أتذكر أنني عندما اخترت اللغة الفرنسية وكانت ضمن المواد الاختيارية وكان لا يختار الفرنسية سوى هؤلاء الذين يعيش أهلهم هناك ويتكلمونها بطلاقة فيما بينهم، لم أكن ذهبت إلى فرنسا سوى مرة واحدة، لكن كان عندي حب تعلم اللغات، كنت أنا حاملا وخجولة ، وليس لدي أصحاب باعتباري أحتاج كل دقيقة من وقتي، كانت بنات الجامعة منفتحات ومنطلقات، ويمضين الوقت على المقهى بالساعات، بعد أسبوعين أو ثلاثة من بداية دراستي للفرنسية (وكنت حاملا) سألت البنات اللاتي انحصرت المنافسة فيما بينهن عن نتائج الاختبار الذي أديناه معا، وكانت إجابة المعلمة الفرنسية أنه لا أحد منكن، لكن خولة حصلت على الدرجة النهائية من العشرين، وسألتني لماذا لا تتكلمين الفرنسية طالما أن لديك هذا الكم من المعرفة بها؟ بعدها صارت تركز معي على الجزء التطبيقي.
غريبة في الرياض
لكن الرياض التي انتقلت إليها خولة الزوجة والطالبة تختلف كثيرا عن الجوف، تحكي الدكتورة قائلة : كنت بالرياض غريبة، لم يكن أحد يعرفني نحن الذين اعتدنا أن يعرفنا الجميع في الجوف، البدو فيهم اعتداد بأنفسهم، وكان لدي هذا الاعتداد، وعندما التحقت بجامعة الملك سعود قررت أن أسير بطريقي ولا أسمح لأحد أن يكسر مجاديفي، أتذكر أنه عندما كنا ندرس مادة الرياضيات، شرحت المعلمة المصرية مسألة وطلبت منا حلها بخطوات محددة فناقشتها بأن المسألة يمكن أن تحل بطرق مختصرة، واقتنعت المعلمة بطريقتي، لكن الطلاب سخروا مني لكن تأييد المعلمة لي رد لي اعتباري.
هاربة من الجراحة أبدا
وتبرر الدكتورة هروبها من عالم الجراحة إلى أبحاث السرطان قائلة: الجراحة علم مختلف، فن، لابد أن تكون يدك سهلة، فيها قدر من الصنعة، أن تشرح وتقوم بتقفيل ما شرحته، وتحكي قائلة: في مرحلة أخرى بالطب مرحلة التشريح عشت عالما جديدا، المشرحة كانت مقبرة متحركة، الأولاد كانت مشرحتهم منظمة، أما مشرحتنا فكانت مليئة بالفورمالين، والجثث مقززة، وما زلت أتذكر رائحة الموت هذه، طلاب الطب فيهم طموح ونهم وقسوة، تقسو قلوبهم بهدف أن يصلوا إلى ما يريدون، كان يفجعني أن أرى الجثة باعتبار أنها لإنسان كان يملأ الأرض حركة، عرفت في التشريح أنني لن أكون جراحة ماهرة، فإذا كنت أستغرق في الأسئلة وأنا على جسم ميت فما بالك لو كان الجسم الذي أقوم بتشريحه حيا؟
وتضيف: الدكتور المرشد أجبرني أن أدخل معه غرفة العمليات فأغمى عليّ، لكن في الآخر تعلمنا وفتحنا وخيطنا، لكن ما كانت تستهويني الجراحة، والطلبة كانوا يتفاخرون بتفوقهم فيها.
ومع انشغالاتها وأبحاثها لا تفرط الدكتورة خولة في أناقتها تقول: أحب الأناقة مثلي مثل أية امرأة، في نيويورك كنت أذهب إلى معارض الأزياء أذهب أنا وابنتي ، أما إذا كنت أشارك في مؤتمر علمي، فلا تشغل بالي تلك العروض.
وتؤكد من جانب آخر حرصها على المشاركة الاجتماعية التي تأثرت كثيرا في الفترة الأخيرة: في السابق كنت أشارك في المناسبات الاجتماعية، الآن لا أشارك مضطرة بسبب الانشغالات والأبحاث ، إنما لو كانت المناسبة تخص بنات صديقاتي أذهب وأنا مبسوطة أن أشاركهن الفرحة، لأن هذه الأشياء هي التي تظل في الذاكرة.
الله يشفيهم
لكن نجاح خولة أحيانا ما يثير البعض ممن وصفهم الدكتور طه حسين بأنهم لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل الناس، تقول خولة وعلى وجهها علامات دهشة من هؤلاء: لاشك أنك عندما تتميز في شيء تنظر الناس إليك، لكن ما يغضبني أن تتأول الأمور وتأخذ مسارا آخر، عندما أقوم ببحث علمي وأنشره في الصحافة ، هناك مواصفات معينة لنشر الأبحاث ، كونك تقوم بعمل أبحاث وتنشرها ويتم الحديث صحفيا أو أكاديميا عن جوانب ليست لها علاقة بالبحث نفسه فهذا ما يزعجني (نحن أول من سن نشر الأبحاث العلمية بمركز أبحاث مستشفى الملك فيصل في موازاة الصحافة الأمريكية ) ، أشفق على هؤلاء كثيرا، الله يشفيهم، المواقع الالكترونية والصحف صارت تستمتع بنشر تعليقات سخيفة، في الصحافة الأمريكية هناك تعليقات محترمة على الأبحاث المنشورة، هناك رقابة على التعليقات، هناك من يقول شكلها كذا، أو الدكتورة جميلة أو ليست جميلة، يسطحون الموضوع ، لا أعتقد أن شكلي ساهم في نجاح عملي أبدا أبدا، أن يكون لك حضور، كاريزما، هذا مطلوب حتى في رؤساء الدول ، لكن من الناحية العلمية فأنت تنشر بحثك وهناك لجنة علمية ، الشكل أو صغر العمر غالبا ما يكون له أثر سلبي ما هو إيجابي، عندما يكون لديك هذا الزخم من الإنتاج وتدعى إلى مؤتمر علمي على أبحاثك التي عملتها وعندما تذهب يفاجأون بطريقة مزعجة، هذا يحدث في كل مكان، دعيت إلى الجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان وكان لي كمية كبيرة من الأبحاث، كرئيس فريق، وفوجئوا بصغر سني ، ومن خلال تعليقاتهم على العشاء عرفت ذلك، وقتها كنت أتمنى أن أكون أكبر لأليق بمستوى أبحاثي، الآن لم يعد السن مشكلة بالنسبة لي، وصار لي حضور علمي، وأصبحت معروفة شكلا .
بدوية في أمريكا
وتربط الدكتورة خولة بين إحساسها بالانتقال من الجوف إلى الرياض وإحساسها بانتقالها من المملكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت محطة مهمة من النجاح، تقول: من النقلات التي حدثت في حياتي المعادلة الأمريكية ، دخولي الجورج تاون، تذكرت مرحلة قدومي من الجوف إلى الرياض، كنت أعرف من أنا، ودخلت جامعة الملك سعود ، نفس الإحساس، أمضيت ست سنوات بالولايات المتحدة ، اخترت العاصمة واشنطن حتى لا يبعد أولادي عني، الالتحاق بالجورج تاون كان له وضعه بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، مستشفى من أعظم المستشفيات في أمريكا، روح المنافسة عالية، معك خريجون من هارفارد وغيرها من الجامعات القوية المعروفة، كانت من أصعب المراحل في حياتي ، وأنا خريجة جامعة الملك سعود، بيئة مختلفة تماما، كان علي أن أبذل مجهودا يعادل مائة ضعف زملائي في الجامعة لأصل إلى نفس المستوى، ليس عن ضعف مني، لكن هم يستخدمون الكمبيوتر، أنا كنت أستخدم الكتابة اليدوية، هم أسرع في الإنجاز وكان علي أن ألاحقهم، عندهم براعة في استخدام التكنولوجيا، هذه بيئتهم وأنت تدخل عليهم في مجال صعب وهو الطب.
بروفيسور يهودي عنصري «جنني وجننته»
وتحدق الدكتورة خولة في ألبوم صور المرحلة الأمريكية قائلة: إضافة إلى وجود مشجعين، كان هناك حساد، فقد كان هناك بروفيسور اسمه آدم ساندلر يكره المرأة بشكل عام، كان لي زملاء مسيحيون ويهود، لكنه كان يهوديا عنصريا، كان يكره أي طالب من منطقتنا العربية وكان يعطيني أشياء صعبة مقارنة بالآخرين و «جننته وجنني» وفي كلمة التخرج ما كان له إلا أن يوجه لي عبارة شكر لأنه لم يكن لديه شيء آخر يبيض وجهه به، كان يشكك في أن امرأة من هذه المنطقة يمكن أن تفعل شيئا، كأنه يقول لماذا أنت تتعبين نفسك وتأتين إلى هنا مع العلم بأنك سوف تقعدين في بيتك في النهاية ، وكنت أقول أنا معي أولادي، ولن أقعد بالبيت ، فأنا أولادي معي، وكنت أمارس حياتي بكل متعة ما بين العمل والأولاد ومتابعة الموضات، حتى أنني تعلمت قيادة السيارة وكنت أمارسها بشكل يومي.
http://al-madina.com/node/242322
د. خولة الكريع : وعدت المليك بـ “أفضل الوسائل العلاجية” لمرضى السرطان
الجمعة, 2 أبريل 2010
علي خواجي - جازان تصوير: حسين عتودي
اكدت الدكتورة خولة بنت سامي الكريع رئيس مركز الأبحاث بمركز الملك فهد الوطني للأورام وكبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي انها وعدت خادم الحرمين الشريفين أن نعمل جاهدين على تخفيف معاناة مرضى السرطان وإيجاد أفضل الوسائل العلاجية والتي تقوم على أسس علمية مدروسة.. وقالت في محاضرة القتها امس الاول امام 800 طالبة وفتاة ومثقفة في جامعة جازان ، إن المشوار من دخولي كلية الطب إلى وصولي سنة الامتياز أو التدريب إلى عملي الزمالة في جامعة الجورج تاون في أمريكا حدد معالم مستقبلي المهني ورسخ القرار لدي بأن تخصص أمراض السرطان هو ما أريد الإبحار فيه، وأثناء اعتنائي بالكثير من المرضى بمن فيهم مرضى السرطان اكتشفت أن الطب الإكلينيكي البحت لا يستهويني كثيراً وحصر دوري كطبيبة في فحص المرضى وصرف العلاج لهم ثم الانتظار! لا أجده كافياً.. كنت أشعر أنه يجب بذل المزيد لهؤلاء المرضى أكثر من القدرة على تشخيص حالتهم وصرف العلاج لهم! كان يحز في نفسي عندما أشاهد معاناة مرضى السرطان وكل ما نستطيع تقديمه لهم كأطباء هو أدوية كيماوية مليئة بالسموم، يتناولونها ويتحملون أضرارها حتى بدون معرفة إن كانت ستعمل وتؤدي إلى القضاء على الخلايا السرطانية أم لا. لقد كان شيئا يثير فضولي العلمي وتساؤلاتي لماذا عندما يكون لدينا مجموعة من مرضى السرطان ويصارعون نفس النوع من الورم فنقوم بإعطائهم نفس العلاج الكيماوي ونفس الرعاية الطبية، فمنهم من يشفى تماماً ومنهم لا يتجاوب أبدا ومنهم من قد يتجاوب في البداية ثم يعاوده المرض مرة أخرى بعد فترة قصيرة. فمن هنا ظهرت رغبتي في التوغل في هذا المرض والتخصص في جينات السرطان وكشف أسبابه الجينية "الوراثية" لا سيما ونحن نعيش في عصر الخريطة الجينية والتكنولوجيا المصاحبة له والتي أسرعت في حل الكثير من الرموز المحيطة بهذا المرض، وظهرت أدوية جديدة تعطي مرضى السرطان الكثير من الأمل نحاول أن تكون لنا الريادة في تقديمها لمرضانا في المملكة.. ما تسمى بالأدوية الموجهة، والتي تستطيع تصميمها بطريقة تقضي على الخلية السرطانية بدون التأثير على الخلية السليمة المحيطة بها وبالتالي نستطيع القضاء على الورم نهائياً وبأضرار جانبية قليلة. وكان مدير جامعة جازان الدكتور محمد بن علي آل هيازع استقبل الدكتورة خولة الكريع بمكتبه ظهر أمس الاول . وفي بداية اللقاء بين آل هيازع أن تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدكتورة خولة الكريع يجسد دعم قيادتنا الرشيدة للعلم والمعرفة وأن تكريم الجامعة لها هو تكريم تستحقه نظرا لجهودها العلمية والبحثية في مجال أبحاث السرطان الأمر الذي يبعث على الفخر والاعتزاز في نفوسنا كأكاديميين ومسؤولين ومواطنين بما حققه أبناء هذا الوطن وبناته من إنجازات علمية نعتز ونتباهي بها. وأشادت الدكتورة الكريع بما وصلت إليه جامعة جازان من التطورات والإنجازات التي حققتها الكليات الصحية.
جامعـــة جــازان تبحـــث مــع «الـــكريـع»التـعـــاون فـــي أبحــــاث الـســــرطــــان
علي ضباح - جازان
مدير جامعة جازان خلال استقباله د. «الكريع»
استقبل مدير جامعة جازان الدكتور محمد آل هيازع رئيس مركز الأبحاث بمركز الملك فهد الوطني للأورام وكبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتورة خولة بنت سامي الكريع وذلك فى مكتبه ظهر أمس.
وفي بداية اللقاء أوضح آل هيازع أن تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدكتورة خولة الكريع يجسد دعم قيادتنا الرشيدة للعلم والمعرفة وأن تكريم الجامعة لها هو تكريم تستحقه نظرا لجهودها العلمية والبحثية في مجال أبحاث السرطان فيما أشادت د. الكريع بما وصلت إليه جامعة جازان من التطورات والإنجازات التي حققتها الكليات الصحية.
ورحبت بتعاون مشترك في المجال البحثي بينها وبين جامعة جازان في مجال أبحاث السرطان وإلقاء محاضرات لطلاب الكليات الطبية والصحية في الجامعة وتدريبهم في مراكز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي. وأقيمت محاضرة للدكتورة الكريع ضمن فعاليات الموسم الثقافي مساء أمس الأول بمسرح الجامعة بعنوان "طريقنا العلمي تحديات وآمال" وتخللها عرض فيلم "جامعة جازان.. خطوات تسابق الزمن" وقصائد شعرية وكلمة ترحيبية وفي نهاية المحاضرة قدمت طالبات الجامعة هدية تذكارية للدكتورة خولة الكريع تقديراً لاستجابتها لدعوة الجامعة.
مدير جامعة جازان يستقبل خولة الكريع ويبحث التعاون المشترك في مجال أبحاث السرطان
الكاتب عاصم مدخلي
الأربعاء, 31 مارس 2010 15:51
آخر تحديث: الاثنين, 05 أبريل 2010 13:01
فيما ألقت محاضرة نسائية بحضور أكثر من 800 فتاة من طالبات الجامعة ومثقفات المجتمع
مدير جامعة جازان يستقبل خولة الكريع ويبحث التعاون المشترك في مجال أبحاث السرطان
خلال محاضرتها الكريع:
وعدت خادم الحرمين الشريفين أن نعمل جاهدين على تخفيف معاناة مرضى السرطان وإيجاد أفضل الوسائل العلاجية
تغطية: سهام عريشي - سحر أبو طالب - نورة الحامد
استقبل معالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع الدكتورة خولة بنت سامي الكريع رئيس مركز الأبحاث بمركز الملك فهد الوطني للأورام وكبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي بمكتبه ظهر يوم الأربعاء الموافق 1431/4/15هـ.
وفي بداية اللقاء بين آل هيازع أن تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدكتورة خولة الكريع يجسد دعم قيادتنا الرشيدة للعلم والمعرفة وأن تكريم الجامعة لها هو تكريم تستحقه نظرا لجهودها العلمية والبحثية في مجال أبحاث السرطان الأمر الذي يبعث على الفخر والاعتزاز في نفوسنا كأكاديميين ومسؤولين ومواطنين بما حققه أبناء هذا الوطن وبناته من إنجازات علمية نعتز ونتباهي بها.
وأشادت الدكتورة الكريع بما وصلت إليه جامعة جازان من التطورات والإنجازات التي حققتها الكليات الصحية.
كما رحبت الدكتورة الكريع بتعاون مشترك في المجال البحثي بينها وبين جامعة جازان في مجال أبحاث السرطان والتعاون المشترك في إلقاء المحاضرات لطلاب الكليات الطبية والصحية في الجامعة وتدريبهم في مراكز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي.
وفي نهاية اللقاء عبرت عن شكرها لمعالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع على إتاحة الفرصة لها للمشاركة في فعاليات الموسم الثقافي الثالث لجامعة جازان.
هذا ولقد أقيمت محاضرة للدكتورة خوله الكريع ضمن فعاليات الموسم الثقافي مساء يوم الثلاثاء الموافق 1431/4/14هـ بمسرح الجامعة بعنوان "طريقنا العلمي تحديات وآمال" جاء فيها:
الاستاذات الفاضلات أعضاء هيئة التدريس الأخوات منسوبات جامعة جازان الحضور الكرام..
إنه ليسعدني ويشرفني أن أكون بينكم هذا اليوم نحتفل معا من خلال هذا الصرح التعليمي الشامخ "جامعة جازان" أن نحتفل بالعلم والثقافة أن نحتفل في منطقة من مناطق الوطن التي نكن لها كل المعزة والحب والتقدير، وها هي جيزان العريفة بماضيها والشامخة بحاضرها والفواحة بأطيابها الحالمة بشواطئها تدعونا مشاركة فرحتها.. ووالله من شدة الكرم وحسن الاستقبال وسخاء الضيافة حسبت عند قدومي أنني بنت هذه المنطقة الرائعة ولم أحس أن هذه أول زيارة لي لجيزان بل من اللطف الذي غمرتموني فيه أحسست أن عيوني قد لامست ملامح هذه الشوارع من قبل.
نعم هي زيارتي الأولى ولكن أعدكم بأنها لن تكون الأخيرة وكم انبهرت عندما علمت عن الإنجازات العملاقة التي تمت بجامعة جازان في فترة زمنية قصيرة جعلتها من الجامعات التي يشار لها بالبنان على أرض وطننا الحبيب.
إنه من محاسن الصدف أن يكون حضوري بينكم بعد فترة وجيزة من تكريم ولاة الأمر لجهودي البحثية وتقليد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لي لوسام المغفور له الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، ولعل حصولي على هذا الوسام الرفيع فيه مدلولات عدة أولها أن حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سلمه الله تؤمن بأهمية العلم وترعى علماءها وتدرك وتعي أن العلم هو أساس التفاضل والريادة بين الدول والشعوب، أما الدلالة الثانية والتي تهمني كامرأة سعودية أن المرأة السعودية استطاعت أن تخرج من الأسوار المحكمة التي أحاطت بها لعقود طويلة واستطاعت أن تثبت دورها الفعال وكفاءتها العالية في المساهمة في مسيرة التنمية والعطاء لهذا الوطن، وليس هذا فحسب بل إن ولي الأمر يبارك ويثمن هذه المشاركة. وما تكريمي الأخير إلا رد على من يعتقد غير ذلك، ودلالة على أن والد الجميع الملك عبدالله بن عبدالعزيز أطال الله في عمره ينظر بعين العدالة والمساواة لجميع أبناء هذا الوطن من ذكور وإناث، فمقياس المفاضلة لديه ليس الجنس أو المنطقة وإنما مقدار العمل وحجم العطاء من المواطن، وأنا في طريقي للمثول بين يدي والد الجميع خادم الحرمين الشريفين رجعت بذاكرتي إلى الوراء إلى الوراء جداً.. إلى تلك الطفلة الصغيرة بظفائرها الطويلة وهي تقف بين إخوانها الذكور الذين يكبرونها العمر سنوات تحاول أن تجاريهم في لعبهم وفي ضحكهم.. فتلك الطفلة ورغم أنها أنثى إلا أنها بنت بادية وعشيرة لا تدري أن في أنوثتها نقصان لها عن أخوانها الذكور، هكذا نشأت وهكذا نشأت نساء صحراء هذا الوطن.. نشأن شقائق الرجال.. المرأة والرجل جنبا لجنب مكملين لدور بعضنا البعض، وكل يحترم ويقدس خصوصية الآخر ودوره المناط به.
عودة إلى تلك الطفلة الصغيرة والتي ملأتها الغيرة من إخوانها الذكور وهم يحملون حقائبهم للذهاب إلى أول يوم دراسي، فرغم صغر سنها إلا أنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها تستطيع دخول المدرسة وتعلّم ما يتعلمه أخوانها.. أخذت تبكي عند والدها وترتجيه أن يمكنها من الذهاب، ورغم سنها الصغير.. خمس سنوات.. إلا أن والدها تمكن من تسهيل انضمامها لصفوف الدراسة، ومن ذلك اليوم وتلك الطفلة أقامت علاقة دائمة مع النبوغ والتفوق.
نشأت في شمال المملكة حيث لا رياض أطفال أو مدارس لغات ولكن كانت هناك مدارس رائعة للحياة.. فالحياة بدوية بسيطة، جميلة بريئة، ندرس فيها جميع القيم النبيلة.. لم نكن نأخذ تلك القيم من كتب أو حصص مدرسية وإنما مما نراه في حياتنا اليومية، عرفنا معنى الوطنية ليس من خلال مادة وطنية تدرس ولكن تعلمناها من خلال مشاهدتنا لأهلنا وأجدادنا وهم يعملون على بناء الأرض ومن خلال حكاياتهم لنا مع عبق القهوة العربية ودفئ النار التي نلتم حولها كيف صارعوا قسوة الصحراء وعاشوا شامخين على ترابها محافظين عليها، تعلمنا أيضا من تلك المدرسة هناك معنى الكرم، فلم تكن صفة الكرم شيء نبيل نقرأ عنه وإنما طبع نراه ونمارسه كل يوم ونحن نرى أهلنا وهم يقدمون أغلى وأثمن ما لديهم لتكريم ضيفهم وإن كانوا لا يعرفونه.. تعلمنا أيضاُ معنى أن أعتز بأني امرأة فبنت الصحراء حرة أبية شامخة كشموخ أهلها لا ترى في نفسها أي دونية مقارنة بأخيها الرجل، فيعملون جنبا لجنب في مواسم الزرع والحصاد، تربطهم علاقة الاحترام والعفاف والطهارة، بل المدرسة هناك تعدت في تعاليمها العديد من المدارس الحديثة التي تنادي بالمساواة وحقوق المرأة، لأن مدرسة البادية تجعل من المرأة رب البيت في حال غياب الرجل وتقوم بدوره في إكرام الضيف والاحتفاء به.
تلك بيئتي وتلك مدرستي... أحببت الكتب والقراءة، وبحكم قربنا في الشمال من بلاد الشام فقد كانت رحلتنا إلى تلك البلاد مصدر سعادة لي حيث كنت أجمع ما يطيب لي من إصدارات وكتب علمية وثقافية من دور النشر والتوزيع لديهم، وأشتري ما يشبع فهمي للقراءة طوال العام... كان وقت الطفولة البريئة مليء بالانطلاق، يتناغم بين كتب المدرسة وكتب الثقافة والصيد مع إخوتي، والانطلاق فوق رمال هذا الوطن حتى أني من حبي وعشقي للرمال أحس أنها تبادلني المحبة والإحساس.. كنا نعيش في عالم الواقع الجميل وليس الخيال المغلوط الذي تحاول العديد من وسائل الإعلام حشو عقول أبناءنا بهتراته.
أحببت أن أعطيكم ملامح نشأة تلك الطفلة ليعرف الجميع أن نبوغ العقل ووسطية التفكير وجمال الروح لا يمكن أن نصنعها بأبنائنا من خلال الماديات فقط وإنما يكون ذلك من خلال العودة لجذورنا والاعتزاز بذاتنا وعدم الانسلاخ من بداوتنا وشرقيتنا، فإن قمنا بذلك أنشأنا جيل مليء بالثقة متصالح مع نفسه مبدع في إنتاجه.
نشأت في تلك المدارس وحصلت على أعلى نسبة في المرحلة الثانوية "حيث كان ترتيبي الثاني على مستوى المملكة" وقررت الالتحاق في كلية الطب.. عندما قررت ذلك اتهمني العديد بالحالمة وأخذوا يتساءلون إن كنت استطيع المواصلة بعد أن أصبحت أما لابني نواف وأنا في السنة الأولى من كلية الطب.
صعاب الأمور تستهويني وروح التحدي تنعش ذاتي، لذا فقد تجاهلت تلك الأصوات ومضيت في إكمال طريقي في كلية الطب محاولة بعد توفيق الله طبعا الموازنة بين أمومتي وبين ساعات دراستي الطويلة وعملي في أروقة المستشفيات.
لا أنكر عليكم الدرب لم يكن باليسير، ولا أخفيكم أني كنت أمر بلحظات يختفي فيها بريق الأمل أمام وعورة الطريق وعظم الطموح وسهر الليالي، ولكن الإيمان بالله والمثابرة والطموح ما تلبث أن توقد ذلك الوميض مرة أخرى, ولكن دعوني اختصر وأقول إن المشوار من دخولي كلية الطب إلى وصولي سنة الامتياز أو التدريب إلى عملي الزمالة في جامعة الجورج تاون في أمريكا حدد معالم مستقبلي المهني ورسخ القرار لدي بأن تخصص أمراض السرطان هو ما أريد الإبحار فيه، وأثناء اعتنائي بالكثير من المرضى بمن فيهم مرضى السرطان اكتشفت أن الطب الإكلينيكي البحت لا يستهويني كثيراً وحصر دوري كطبيبة في فحص المرضى وصرف العلاج لهم ثم الانتظار! لا أجده كافياً.. كنت أشعر أنه يجب بذل المزيد لهؤلاء المرضى أكثر من القدرة على تشخيص حالتهم وصرف العلاج لهم! كان يحز في نفسي عندما أشاهد معاناة مرضى السرطان وكل ما نستطيع تقديمه لهم كأطباء هو أدوية كيماوية مليئة بالسموم، يتناولونها ويتحملون أضرارها حتى بدون معرفة إن كانت ستعمل وتؤدي إلى القضاء على الخلايا السرطانية أم لا.
لقد كان شيء يثير فضولي العلمي وتساؤلاتي لماذا عندما يكون لدينا مجموعة من مرضى السرطان ويصارعون نفس النوع من الورم فنقوم بإعطائهم نفس العلاج الكيماوي ونفس الرعاية الطبية، فمنهم من يشفى تماماً ومنهم لا يتجاوب أبدا ومنهم من قد يتجاوب في البداية ثم يعاوده المرض مرة أخرى بعد فترة قصيرة.
فمن هنا ظهرت رغبتي في التوغل في هذا المرض والتخصص في جينات السرطان وكشف أسبابه الجينية "الوراثية" لا سيما ونحن نعيش في عصر الخريطة الجينية والتكنولوجيا المصاحبة له والتي أسرعت في حل الكثير من الرموز المحيطة بهذا المرض، وظهرت أدوية جديدة تعطي مرضى السرطان الكثير من الأمل نحاول أن تكون لنا الريادة في تقديمها لمرضانا في المملكة.. ما تسمى بالأدوية الموجهة، والتي تستطيع تصميمها بطريقة تقضي على الخلية السرطانية بدون التأثير على الخلية السليمة المحيطة بها وبالتالي نستطيع القضاء على الورم نهائياً وبأضرار جانبية قليلة.
قبل أن اختم كلمتي لدي همسة لكل امرأة سعودية تطمح للنجاح.. كوني محاربة دائماً، تسلحي بالإيمان، واجعلي ثقتك بالله دائما ثم بقدراتك وذكائك وإبداعك لا تجعلي الصورة البراقة التي يحاول الإعلاميون رسمها عن المرأة الناجحة من أنها امرأة توافرت لديها جميع الظروف فهذا ليس صحيحاً. فبرأيي أن أي إنسان سواء أكان رجل أو امرأة يستطيع أن ينجح إذا كان لديه مقومات النجاح، وعلى رأسها الإيمان بالله وإخلاص النية ووجود الهدف النبيل ثم العمل والاجتهاد والمثابرة.
لن أطيل عليكم أكثر لكي نستطيع أن نتبادل الأحاديث والأسئلة التي تودون طرحها أكانت طبية أو تلامس مشواري العلمي، ولكن قبل نهاية حديثي اسمحوا لي أن أكرر أمامكن الوعد الذي قلته أمام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أنني بالأصالة عن نفسي ونيابة عن أطباء وعلماء هذا الوطن.. سنساهم إن شاء الله في التخفيف من معاناة مرضى السرطان لدينا وسنعمل جاهدين على إيجاد أفضل الوسائل العلاجية والتي تقوم على أسس علمية مدرسة.
وأدعو الله عز وجل أن يمدنا بالعون والقوة لخدمة الإنسانية وجعل وطننا الحبيب منبرا للعلم كما هو منبر للعطاء، واسمحوا لي في الختام أن أكرر خالص شكري وتقديري لتكريمكم وكرمكم وحسن ضيافتكم وحفظكم الله ورعاكم.
الجدير بالذكر بأن المحاضرة تخللتها عرض فيلم "جامعة جازان.. خطوات تسابق الزمن" وقصائد شعرية وكلمة ترحيبية وفي نهاية المحاضرة قدمت طالبات الجامعة هدية تذكارية للدكتورة خولة بنت سامي الكريع تقديراً لاستجابتها لدعوة جامعة جازان.
أعرب عن تمنياته لها بتحقيق مزيد من الإنجازات خدمة لدينها ووطنها
خادم الحرمين يقلّد الدكتورة خولة الكريّع وسام الملك عبدالعزيز
خادم الحرمين خلال تقليده الدكتورة خولة الكريع وسام الملك عبدالعزيز
الرياض-واس:
قلد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله الدكتورة خولة بنت سامي الكريّع كبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى نظير تحقيقها عدة إنجازات بحثية متميزة. جاء ذلك خلال استقبال الملك المفدى لها في قصره بالرياض امس يرافقها معالي مستشار خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور فهد العبدالجبار ومعالي المشرف العام التنفيذي على مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور قاسم بن عثمان القصبي والمدير التنفيذي لمركز الأبحاث بالمستشفى الدكتور سلطان السديري. وقد أعربت الدكتورة خولة الكريّع عن شكرها وتقديرها لخادم الحرمين الشريفين على الثقة الملكية الغالية عادة هذا التكريم الذي تشرفت به تكريماً لها ولجميع الأطباء والعلماء. وأكدت مواصلة العمل بجد وإخلاص لجعل المملكة نبراساً في العلم كما هي نبراس في الإنسانية. وقد أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عن تمنياته لها بتحقيق مزيد من الإنجازات خدمة لدينها ووطنها داعياً الله لها بالتوفيق والنجاح.
بعد ذلك ألقى معالي المشرف العام التنفيذي على مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور قاسم القصبي كلمة قال فيها: «يشرفني يا خادم الحرمين الشريفين وبالأصالة عن نفسي ونيابة عن منسوبي مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث أن أقف بين أيديكم لأتقدم لمقامكم الكريم بحزيل الشكر وعظيم الامتنان والعرفان على دعمكم، رعاكم الله، للمؤسسة ولكل العاملين فيها رجالاً ونساءً ، فاليوم تكرمون ابنتكم الدكتورة خولة الكريّع، نظير تحقيقها عدة إنجازات بحثية طبية متميزة جعلتها من الكفاءات التي يشار إليها بالبنان محلياً وإقليمياً وعالمياًَ في مجال أبحاث الصفات الوراثية (الجينية) للخلايا السرطانية، وبالأمس كرمتم ابنكم الدكتور زهير الهليس، جراح القلب والأوعية الدموية بالمستشفى بعدما حقق إنجازات مميزة بمجال جراحة القلب».
وأوضح الدكتور القصبي أن هاتين اللفتتين الأبويتين من المقام الكريم ستكونان حافزاً لكل الأطباء والباحثين في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث وفي كل القطاعات الصحية بالوطن الغالي لكي يبدعوا وينجزوا ويحققوا كل ما يرفع سمعة مملكتنا الغالية عربيا ودولياً، مؤكداً أن هذا هو أقل ما يفعلونه لرد جميل وطننا المعطاء الذي رعاهم وعلمّهم ووفر لهم الأمن والاستقرار. وسأل الله العلي القدير أن يديم على خادم الحرمين الشريفين لباس الصحة والعافية وأن يمده بعونه ونصره وتوفيقه. ثم تسلم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تقريراً عن النشاطات البحثية لمركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي تشرف بتسليمه معالي المشرف العام التنفيذي على المستشفى.
التعليقات (0)