الرغبة بالتسلط والسلطة والاستعباد ربما تكون رغبة أكثر ما تكون عند بني البشر ، فلم نجد حيوانا أراد أن يكون سيدا ، وكان دكتاتورا ، وحاكما الى الأبد ، ولعل الكرسي الذي يغري الآخر بالجلوس لفترة اكبر مما يتوقع تقع مسؤوليته عل عاتق المحكومين قبل الحاكم نفسه ولا يعني هذا تبرئة الحاكم من تلك التهمة .
فعلى مدار الحياة الإنسانية على الأرض مضى الإنسان بعيدا في هذا الدرب ، والقصص التي تروى عن الحكام المستبدين لا زالت قائمة الى اليوم ، وعلى الدوام كان الكرسي والمنصب دونه الدم ، والموت ، فلم يقف أمام جبروت رغبته والتعلق أي صلة او معتقد او ضمير او إحساس ، فالموت كان وما زال دونه وسيبقى .
فالمتدين يتنازل عن دينه سعيا وراء الكرسي ، كما يقاتل الحاكم المتسلط الناس كافة ، ولا يهمه في ذلك عدد الضحايا والأموات والقتلى من الأقارب والأغراب ومن مواطنيه وغيرهم ، في طريق تحقيق تلك الرغبة التي وصلت بالبعض الى حد الجنون لدرجة انه قد يحرق مدينة كاملة على أهلها بمن فيها هو نفسه ، كما فعل نيرون ، بروما ، أنا ومن بعدي الطوفان ، ولم تقف علاقة دم حاجزا بين الفرد ورغبته ، فكم من أب قتل ابنه أو أخ قتل أخيه او والد قتل عائلته او أصدقائه بل وأحب الأصدقاء ، ليفتح المجال أمامه دون ان يراقبه ايا من المقربين الذين يعرفون دواخله .
فالثائر الذي ثار على الظلم ذات يوم ، وابعد الحاكم الذي زعم انه متسلط ، وساعده بذلك نفر من الجند المقربين ( عادة في بلداننا العربية يسمون أنفسهم الضباط الأحرار) غالبا ما أقدم قائد الضباط الأحرار بعد ان استولى على الكرسي غالبا ما أقدم على قتل او على الاقل إبعاد كافة معاونيه من الضباط الأحرار، قتلا او نفيا او حبسا او ...
كما حدث في مصر وعبد الناصر والسادات وحسني مبارك ، او كما حدث في لبييا معمر القذافي او كما حدث في اليمن وسوريا .
بل ذهبت الرغبة في الحكم والشعور بالفوقية الى حد أن ادعى البعض منهم ما لا يمكن ان يكون له .. كما ادعى فرعون من قبل الإلوهية ( ما عهدت لكم من اله غيري ) ليس هذا فحسب بل أمر فرعون هامان بأن يبني له صرحا عاليا ليرى أسباب السموات ويطلع على اله موسى ... وكأنه بلغ في الجنون حدا بات يصدق انه رب من دون الله . ولكن يقول العرب ( أعلى هامان يا فرعون ؟؟ ) او كما تقول العامة ) ما نحن طابخينها سو ) ا أي مع بعضنا البعض ونحن ادري بالحقيقة من غيرنا .
ولفرط ما صدق نفسه وامن به العامة تحت تأثير القوة والبطش راح يقول انه يملك مصر وشعب مصر وهذه الأنهار تجري من تحته بأمره ويعرف منبعها ومصبها ومتى تفيض ومتى تغيض ...
فما الذي يوفره الكرسي والمنصب للفرد وماذا يفعل به ، ليشعر انه متفرد فريد ، يمتلك زمام السلطة والمال والقوة ، وتلك أسباب التسلط على الناس ، فيعطي من يشاء وكأنه الواهب / ويمنع من يشاء ، يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء ، يحبس من يشاء ويطلق من يشاء ، فنرى العامة تتملق له نفاقا وبهتانا وتزلفا ، ومع مرور الوقت يبدأ يتشكل عنده شبه قناعه بأنه ملهم ومميز وانه هبة الله الى الناس ، وانه لا يمكن للبلاد والعباد ان يمضوا قدما بدونه .. ويؤيده في هذا حاشيته التي تصور له أن الأمر كما يتصور ، لما يستفيدون منه من مصالح وعلاقات متبادلة ..
فنراه يخلع على نفسه ألقابا وأسماء لا يجوز أن يذكر اسمه الا وقد مهدت له بعشرات الألقاب قبل ذكر الاسم ، ثم يترك لحاشية ان تخلع عليه من الألقاب ما تشاء ، وبهذا يكتمل عقد الإلوهية عنده ، فيرى نفسه فوق الناس ، وانه مختلف عمن سواه .
يقول ابن خلدون ي مقدمته :
1-ثم ان الملك منصب ملذوذ يشتمل على الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسية فيقع فيه التنافس غالبا وقل ان يسلمه احد لصاحبه الا اذا غلب عليه فتقع المنازعة وتفضي الى الخراب والقتال والمغالبة وشيء منها لا يقع الا بالعصبية .
2-ان الملك يحصل بالتغلب والتغلب انما يكون بالعصبية واتفاق الاهواء وجمع القلوب وتأليفها .
3-ومن الطبيعة الحيوانية خلق الكبر والانفة فيأنفحينئذ من المساهمة والمشاركة في استتباعهم والتحكم فيهم ويجيء خلق التأله الذي في طباع البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد في الحاكم لفساد الكل باختلاف الحكام لو كان فيها آلهة غير الله لفسدت .. فتجع حينئذ انوف العصبيات وتفلح شكائمهم عن يسموا الى مشاركته في التحكم وتقرع عصبيتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتى لا يترك لاحد منهم في الامر لا ناقة ولا جمل فينفرد بذلك المجد بكليته ويدفعهم عن مساهمته .
4-ويقول في باب ( اذا تحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة اقبلت الدولة على الهرم . ) وفيه كلام كثير من استئثار الملك والمجد والرفاهية والجاه والسلطان ، وزيادة النفقات والمصروفات عن الواردات والممنتجات . ولمن ارد المزيد علية بمقدمة ابن خلدون .
التعليقات (0)