تعتبر نظرة الطبيب الشمولية إلى الجانب الجسدي الفيزيائي والجانب النفسي للمريض مهمة جداً للتقدم بالعلاج. من الضروري عدم استثناء الجانب النفسي عند التعامل مع المريض، فهو يرى في الطبيب أملاً لشفائه، حيث يأخذ كل كلمة يسمعها من الطبيب بأهمية كبيرة، بل ويتأثر بها ويبني عليها.
يبدأ التأثير النفسي على المريض منذ اللحظة الأولى في حسن إستقبال المريض من قبل الطبيب والاستماع له جيداً ومناقشته لوضعه الصحي بلهجة يفهمها وتناسب مستواه الثقافي والتعليمي، لذا يجب على الطبيب أن يتحرى الدقة في شرح الحالة المرضية للمريض، وأن يتأكد من عدم حدوث لبس عند المريض في فهم حالته.
هذه العلاقة الوثيقة بين المرض والحالة النفسية للمريض تم التنبه لها منذ القدم، فمثلاً، مما نقل عن أبو بكر الرازي في كتابه "أخلاق الطبيب": "ينبغي على الطبيب أن يوهم المريض أبدا الصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق من ذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس".
في الغرب أجريت العديد من الدراسات التي أكدت العلاقة الوثيقة بين الحالة النفسية ونسبة الشفاء للمريض، ولكن للأسف في عالمنا العربي الإهتمام بهذا الجانب، رغم أهميته، قليل جداً، والدراسات التي بحثت في هذا الموضوع شحيحة نوعا ما، وهنا اخترت كمثال دراسة أجراها د. عبد الله حسن الفقيه، وهي دراسة تناولت موضوع الأعراض النفسية المصاحبة للأمراض المهددة للحياة (السرطان كمثال). وكان الهدف من الدراسة معرفة الفروق بين مرضى السرطان وبين الأسوياء في حدة الأعراض النفسية ـ استنادًا إلى أن الفروق بين المرضى والأسوياء فروق في الدرجة، وليست فروقًا في النوع. ومعرفة أهم الأعراض النفسية التي يعاني منها مرضى السرطان، وهل تختلف حدة الأعراض باختلاف موقع الإصابة بالسرطان، ومعرفة الفروق بين الذكور والإناث من مرضى السرطان في حدة الأعراض النفسية.
ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة وجود فروق دالة بين مجموعتي الدراسة حيث كان مرضى السرطان أكثر اكتئابًا من الأسوياء، وتبين أن هناك أثرا لتفاعل عاملي الجنس والحالة المرضية في حدة الأعراض النفسية المصاحبة لمرضى السرطان. بالإضافة إلى أثرهما منفردين كل على حدة.
وتبين النتائج أيضا أن هناك فروقا جوهرية بين أنواع السرطان المختلفة في الاكتئاب والأبعاد التي تقيسها قائمة الأعراض المختصة، مما يدل على أن اختلاف موقع الإصابة بالسرطان يؤدي إلى اختلاف في درجة الأعراض النفسية.
وفي النهاية أوصت الدراسة بضرورة جعل الرعاية النفسية لمرضى الأورام جزءًا من بروتوكولات العلاج، جنبًا إلى جنب مع الرعاية الطبية للتخفيف من حدة الأعراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء المرضى نتيجة إصابتهم بمرض السرطان، مع ضرورة نشر الوعي الصحي بهذه الأمراض والمصاحبات النفسية لها.
والصحة النفسية بشكل عام تحتاج إلى مزيد من البرامج والتوعية، لما لها من أهمية وأثر إيجابي في جميع المجالات، لذا من المهم التركيز على هذا الجانب في كل المستويات، فمثلا من الممكن إنشاء فرق دعم نفسي داخل المستشفيات للتعامل مع الحالات المرضية الصعبة، والتي قد تطول مدة علاجها، كما يمكن التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة بعمل برامج تلفزيونية وإعلامية تركز على التوعية النفسية ،بالإضافة إلى الكثير من الوسائل التي تساعد في تنمية هذا الجانب.
ومما سبق نستنتج أن الجانب النفسي للمريض له دور مهم ليس فقط في العلاج بل أيضا في المساعدة على الوقاية في الكثير من الحالات المرضية، وهو مكون أساسي في كيان الإنسان، ولا يمكن تجاهل تأثير الضغوطات النفسية المتكررة على الصحة بشكل عام وعلى الحالة المرضية وتطورها بشكل خاص.فالصحة هي، ليست فقط الخلو من المرض، ولكن الصحة تكمن في السلامة النفسية والعقلية والاجتماعية، وتزويد المريض بالدواء ليس كافياً ما لم يكن متوجاً بالعلاج النفسي.
التعليقات (0)