مواضيع اليوم

الدعم المغربي للقضية الفلسطينية

إدريس ولد القابلة

2009-08-19 14:57:16

0

 

 

في إطار حديث مطول مع الباحث المغربي الأستاذ عبد الله بطبوطي صدقي حول موضوع الدعم الغربي للقضية الفلسطينية تم التطرق لجملة من المحطات التاريخية و أعرض في هذه الورقة بعض فحوى الحديث
بخصوص موقف الشهيدين المهدي بنبركة و عمر بنجلون و موقف الحزبين المغربيين : حزب الاستقلال و حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية - المهدي بن بركة عمر بن جلون


منذ إنشاء الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية( الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا) وككل الأحزاب السياسية المغربية والقضية الفلسطينية تشكل إحدي القضايا التي أولاها هذا الحزب إهتماما خاصا داخل الصحف الناطقة بلسانه وأيضا داخل هياكله الإدارية من المؤتمر العام إلى اللجنة الإدارية إلى المكتب السياسي للحزب .


فعلى مستوى الصحافة أصدر حزب الإتحاد الإشتراكي (الإتحاد الوطني للقوات الشعبية) في سنة 1968 صحيفة أطلق عليها إسم “فلسطين” .وهي الصحيفة التي ظل يصدرها الحزب منذ 11 أكتوبر 1968 إلى غاية صيف سنة1971 حيث كانت كل المواضيع التي تتولى معالجتها ترتبط أساسا بالقضية الفلسطينية .


أما بالنسبة لجريدتي ” المحرر” و”الإتحاد الإشتراكي” فبالإضافة إلى كونهما كانتا تخصصان أسبوعيا صفحة خاصة بفلسطين1 ، فالقضية الفلسطينة حاضرة يوميا ضمن أعمدة هاتين الجريدتين إذ لا نكاد نعثر على عدد من أعداد هاتين الصحيفتين لا يتحدث بشكل أو بآخر عن القضية الفلسطينية مع العلم أنه كلما حلت ذكرى من ذكريات الكفاح البطولي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني كذكرى إندلاع الثورة الفلسطينية أومناسبة يوم الأرض أووعد بلفور ….كانت صحافة الإتحاد الإشتراكي لا تتردد في تخصيص أعداد خاصة تبرز فيها كل الظروف التي أحيطت بإغتصاب فلسطين والمؤامرات التي ما فتئت تتعرض إليها القضية الفلسطينية ، وبذلك فصحافة الإتحاد الإشتراكي كانت كلها أعداد خاصة بفلسطين .


وإذا كان ما ينشر بصحف هذا الحزب يصب في إتجاه التعريف بالتطورات التي تمر منها القضية الفلسطينية ، فإنه في نفس الوقت يعبر عن نظرة الحزب لهذه القضية، ويعكس كيفية تعامله مع مختلف الأحداث التي تشهدها الساحة الفلسطينية منذ نشأته في سنة 1959 ، حيث إنشق بعض أعضاء حزب الإستقلال وشكلوا ” الإتحاد الوطني للقوات الشعبية” .


وبالرغم من أن ميلاد حزب ” الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية” يرجع في الواقع إلى سنة 1975 ، فإن هناك من يعتبره إمتدادا للإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لهذا أولينا إهتماما خاصا لدور المهدي بن بركة في دعم القضية الفلسطينية إنطلاقا من كون الإتحاد الإشتراكي يعتبره ” أي المهدي بن بركة” مناضلا من مناضليه ساهم صحبة عمر بن جلون بحظ وافر في رسم وبلورة الخط الإيديلوجي للحزب .
وما دمنا سنتعرض بتفصيل أكثر مواقف كل من المهدي بن بركة وعمر بن جلون من القضية الفلسطينية ،وهي مواقف لا يمكن فصلها عن مواقف الإتحاد الإشتراكي لكونهما من أبرز مناضليه ، فإن تصورات هذا الحزب فيما يخص حل الصراع العربي الإسرائيلي لا تختلف عما كان يؤمن به المهدي بن بركة وعمر بن جلون . لأجل هذا وعندما نقتصر على إبرازمكانة القضية الفلسطينية عند الإتحاد الإشتراكي إبتداءا من سنة 1975( حيث وقع الإنقسام ) ، فالسبب في ذلك يعود إلى كون نظرةالمهدي بن بركة أوعمر بن جلون للقضية الفلسطينية لا تتجزأ عن نظرة حزب الإتحاد الإشتراكي .


وهكذا فمنذ المؤتمر الإستتنائي لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي عقد بالدار البيضاء أيام 10-11-12 يناير 1975 والقضية الفلسطينية حاضرة بقوة في كل الملتقيات الحزبية التي ينظمها الحزب ، ونظرا لكون إنعقاد هذا المؤتمر جاء في ظروف عربية متميزة ، ومباشرة بعد الإعتراف الذي حصلت عليه منظمة التحرير الفاسطينية في القمة العربية التي عقدت بالرباط سنة 1974 ، بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفاسطيني ، وبعد الإنتصار الذي حققته المنظمة على مستوى هيئة الأمم المتحدة ، فإن كل هذه المكاسب من منظور الإتحاد الإشتراكي ما هي إلا ” مرحلة معينة في المسيرة النضالية الطويلة للثورة الفلسطينية ” .ومن أجل إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وبناء دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف .2 ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف فإن المعركة مصيرية وتتطلب ” توثيق التضامن بين العرب ومجموع شعوب العالم الثالث ” 3 .إعتبارا لكون ” الثورة الفلسطينية هي ثورة فلسطينية البداية ، عربية العمق ، عالمية الإمتداد ” 4 .لهذا فحشد كل الطاقات المادية – كالنفط العربي مثلا – والبشرية العربية لمواجهة كل المخططات الصهيونية والإمبريالية أمر يفرضه النضال المشترك .


غير أن خوض المعركة ضد العدوالصهيوني وإفشال مخططاته لا يمكن أن تتم في غيبة مساهمة الجماهير الشعبية العربية ” إن إستأناف نشاط جبهة الأحزاب العربية المشاركة في الثورةالفلسطينية يعد شرطا أساسيا لإفشال مخططات الإنعزاليين المتواطئين مع العدو 5 . لهذا نجد مؤتمره الوطني الثالث يدعوكافة المنظمات والهيئات الجماهيرية عمالية ,طلابية، مهنية ،سياسية إلى تكثيف الجهود في أفق تقوية الروابط بينها وبالترفع عن كل ما من شأنه أن يضعف نضال الجماهير العربية العادية ،وذلك حتى يتسنى لها أن تساهم مساهمة فعالة في وضع استراتيجيةعربية موحدة وواضحة من أجل القضاء علىالأمبريالية الصهيونية والإستعمار الجديد مدعمة في ذلك بالقوة التقدمية والثورية العربية 6 .


غير أن غياب هذه الإستراتيجيةالعسكرية والديبلوماسية للعالم العربي ترجع أسبابها من منظور حزب الإتحاد الإشتراكي إلى مجموعة من العوامل يمكن أن نذكر منها ” غياب ديموقراطية حقيقية وإنشغال القوى التقدمية والديموقراطية داخل الوطن العربي في نزاعات حزبية هامشية ، الشئ الذي حال دون تشكيل جبهة موحدة على أساس برنامج حد أدنى يحدد الأسبقيات الكبرى ” 7 .
لقد ركز الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية على الدور الذي يمكن أن تلعبه الجماهير الشعبية في كسب رهان المعركة التي تخوضها الأمة العربية ضد الوجود الصهيوني على أرض فلسطين إنطلاقا من كونه ( أي الإتحاد الإشتراكي ) “يعتبر نفسه فصيلا من الفصائل التقدمية العربية ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية ومن أجل تحرير الأرض العربية والإنسان العربي من كل أنواع الإستيلاب ” .وفي هذا الإطار تأتي دعوة الإتحاد الإشتراكي لعقد مؤتمر لجميع الأحزاب الإشتراكية والمنظمات التقدمية في الوطن العربي 8 ، وهو المؤتمر الذي بإمكانه أن يعمل على “توحيد وجهات النظر حول البناء الإشتراكي في الوطن العربي ووضع استراتيجية عامة لنضال القوات الشعبية وتحديد موقف موحد من القضايا العربية المصيرية التي تطرح مهاما مستعجلة كقضية فلسطين ” 9 .


وهكذا فالإتحاد الإشتراكي لم يكن يتردد في دعم كل عمل وحدوي كيفما كانت نتائجه ” فنحن نرحب بجميع التجارب الوحدوية في الوطن العربي مهما كانت نتائجها لأنها محاولات ستنتهي مهما كانت نتائجها المؤقتة إلى وحدة فعلية شاملة تقوم على أسس متينة ، أسس تصنعها يوميا جماهير الشعب العربي وفي طليعتها الشعب الفلسطيني البطل بنضالاته المتواصلة المستمرة “10.لكن رغم مرور عدة سنوات على دعوة الإتحاد الإشتراكي ونضاله المستمر من أجل خلق صيغة للعمل الوحدوي داخل الوطن العربي وبالرغم من إرتفاع أصوات عربية أخرى قبله وبعده ، فإن الحلم ما زال حلما ، وأن تلك الوحدة المنشودة من المحيط إلى الخليج ولإعتبارا وأسباب لا يسمح المقام بالتطرق إليها ، فإنها لم يكتب لها النجاح .فاتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون العربي ومجلس دول الخليج مبادرات ما زالت متعثرة ولم تحقق الآمال المعقودة عليها ، وإن كانت الوحدة الصحيحة التي يناضل من أجلها الإتحاد الإشتراكي على الصعيد الإقليمي أو على صعيد الوطن العربي ككل ” لا يمكن أن تجد طريقها السليم ،ولا يمكن أن تجد الضمانة التي تكفل لها الإستمرار والنمو والتعمق إلا إذا إنطلق من وحدة النضال ،ووحدة المنظمات الشعبية التقدمية .”
11


واقع إسرائيل داخل القارة الإفريقية
المهدي بن بركة يتصدى للنشاط الصهيوني في العالم الثالث


أصبح المهدي بن بركة بفضل تحركاته السياسية على مستوى العالم الثالث على الخصوص شخصية سياسية بارزة ومسموعة الصوت داخل الأوساط السياسية العالمية . وكمؤمن بقضايا التحرر ومشاكل الإستغلال والتآمر التي تتعرض لإليها شعوب العالم الثالث ، فقد جعل من محاربة الأمبريالية العالمية والسياسة الصهيونية أحد أبرز القضايا التي تولى التصدي لإليها . فقد أدرك المهدسي بن بركة خطورة وأبعاد التغلغل الصهيوني داخل دول العالم الثالث عموما وإفريقيا على الخصوص والذي اعتمد في تسلله على قنوات متعددة لكنها محددة الأهداف والأبعاد .الأمر الذي أصبح يشكل خطرا كبيرا ليس على القارة الإفريقية وحدها ، بل أيضا على دول العالم الثالث بأجمعها بإعتبار أن إسرائيل ما هي في الواقع إلا أداة تسخرها الأمبريالية الغربية لضرب كل حركة تحررية تسعى لضمان استقلال بلدانها . فكيف تمكن المهدي بن بركة من إدراك الخطر الذي تشكله الأطماع الصهيونية على القارة الإفريقية ؟وكيف سعى لإلى مواجهة هذا الخطر والحدمن إنتشاره ؟. إن الإجابة على هذة الأسئلة تتطلب تسليط الأضواء عما أسماه المهدي بن بركة ” بالواقع الإسرائيلي في القارة الإفريقية ” ، وعن نوعية الأساليب التي اعتمدتها الصهيونية لترسيخ تواجدها داخل هذه القارات الفتية .


كان على المهدي بن بركة أن يتصدى لفضح التواطؤ الصهيوني مع الأمبريالية الأمريكية والغربية داخل إفريقيا ، لهذا عمل على تحديد الأهداف التي سعت الصهيونية إلى تحقيقها والأساليب التي اعتمدت عليها في تنفيذ مخططها .وهذا العمل الذي قام به المهدي كان ضروريا في وقت أصبح للصهيونية نفوذ كبير على الساحة الإفريقية ليس فقط لدى الدول والأنظمة التي تدور في فلك الأمبريالية ، بل امتد أيضا ليشمل الأنظمة التي تدعي التقدمية والثورية والتي لم تنج من السقوط في فخ الدعاية الصهيونية . مما جعل هذه الأنظمة تنظر إلى إسرائيل بعين العطف والتضامن .ويكفي أن نشير هنا إلى المثال الذي أورده المهدي بن بركة عن موديبوكيتا الذي يعتبر من أبرز القادة الثوريين في القارة الإفريقية ، يقول موديبوكيتا سنة 1958 عن لإسرائيل ما يلي :” لقد أصبحت اسرائيل قبلة تحج إليها الشعوب الإفريقية لتستلهم منها أسلوب بناء بلادها ،وأن إسرائيل غدت بحق المثال الحي للشكل الإنساني الذي ينبني على أساسه المجتمع الجديد ” .
12


لقد حدد المهدي بن بركة أهداف التغلغل الصهيوني في إفريقيا في ثلاثة أهداف سياسية لإقتصادية تم عسكرية .
سياسيا: كان النشاط الصهيوني داخل القارة الإفريقية يسعى تحقييق هدفين إثنين .الأول يتمثل في فك الحصار الذي ضربه العرب على إسرائيل لكونها شكلا من أشكال الإستعمار .والثاني يكمن في كسب عطف الدول الإفريقية التي أخذ يزداد وزنها داخل المحافل الدولية والمنظمات القارية والدولية ، وبالضبط على مستوى هيئة الأمم المتحدة حيث كل الدول بصغيرها وكبيرها تتساوى من حيث الأصوات . فكسب إسرائيل للدول الإفريقية والأسيوية سيكون بمثابة ما أسماه المهدي بن بركة ” بالئة الجديدة ” التي بلإمكان إسرائيل أن تتنفس منها والتي ستساعدها لا محالة من الخروج من عزلتها الدولية .


إقتصاديا : وبالرغم من كون الإقتصاد الإسرائيلي يعتمد على ثروة معدنية محدودة تتمثل في الفوسفاط والنحاس وأملاح البحر الميث 13، فإن المساعدات التي تتلقاه إسرائيا من الخارج جعلت منها دولة متقدمة تتمتع بإقتصاد قوي ومتين . وهو أمر تؤكده الإحصائئيات التي كانت تصدرها إسرائيل بحيث لإذا ما أخذنا بعين الإعتبار الدخل القومي الفرديي كمقياس لقياس الوضع الإقتصادي داخل لإسرائيل بالمقارنة مع الوضع الإقتصادي في الوطن العربي نجده بالنسبة لإسرائيل قد وصل ( أي الدخل الفردي) فيها إلى 940 دولارا في السنة ، بينما لم يتجاوز بالنسبة للوطن العربيي 200دولارا. هذه الأرقام التي لمتكن منمنظور المهدي بن بركة نعكس في حقيقة الأمر ذاك”الإقتصاد النمودجي الدي يجب أن تنظر إليه الدول الإفريقية من أجل تنميتها لأنه إفتصاد غير متوازن ، إقتصاد طفييلي معتمد على الخارج ” 14 . ويأتي تصدي المهدي بن بركة للإدعاءات الإسرائيلية هذه في الوقت الذي حاولت فيه إسرائيل أن ” تصور نفسها كنمودج مثالي للتنمية ” حيث يتعين على إفريقيا أن تستفيد منها في تطوير لإقتصادها . لهذذا عملت على إقامة علاقات تجارية قوية مع إفريقيا وحاولتأن تغديها عن طريق المساعدات التي كانت تشمل المجالات الفنية والإقتصادية .


عسكريا: الجانب العسكري كان بدوره من أولويات إسرائيل في القارة الإفريقية والذي كان يتم عبر مجموعة من الأشكال مثل:
وضع بعض الخبراء والمستشارين الصهاينة في الميدان العسكري رهن إشارة بعض الدول الإفريقية ، وهي العملية التي ساعدت إسرائيل على إحكام سيطرتها على الجيوش داخل بعض الأنظمة الإفريقية التي تعتمد أساسا على الجيش في سحق كل حركة تحررية . وأبرزمثال على ذلك ما أورده المهدي بن بركة في محاضرته حول دور إسرائيل في دعمها للجيش الأوغندي من أجل صد الثورة الكونغولية حيث قال : ” أن هناك حقيقة أكثر خطورة ، فلقد قال لي قادة الثورة الكونغولية أن إسرائيل تقوم بتدريب جيش أوغندا الذي لا يزيد تعداده على كتيبتين وسلاح الطيران الأوغندي عبارة عن بضع طائرات إسرائيلية وجميع الطيارين من الضباط الإسرائليين .كما أن قوات حدود أوغندا يشرف على تدريبها وتنظيمها خبراء إسرئليون. وقال أن لإسرائيل داخل حكومة أوغندا أعوانا يحتلون أكبر المناصب . وقد سبق أن قال لي أحد كبار العسكريين الإفريقيين في جيش أوغندا بأن رءيس الوزراء ميلتون أوبوتو يشعر بخطورة النفوذ الإسرائيلي في بلاده . فقد بلغ من تغلغل نفوذهم أن رئيس الوزراء لا يستطيع أن يتحدث مع أحد تليفونيا في أمر هام لأن تليفونه مراقب .

وحكى لي أنه عندما أغارت الطائرات الأمريكية التابعة لحكومة تشومي على أراضي أوغندا مرتين ، أصدر رئيس الوزراء أوامره إلى سلاح الطيران برد العدوان وإسقاط الطائرات المغيرة ، لكن الطائرات الإسرائيلية كانت تحلق في السماء تم تعود إلى قاعدتها في أنطيبي لتبلغ بأنها لم تلحق بطائرات العدو ” 15 .


تنظيم تداريب عسكرية لفائدة بعض الوحدات العسكرية حيث نجد الكونغو كينشاسا ترسل في سنة 1963 وحدة من المظليين لإتمام تداريبها داخل الجيش الصهيوني حيث كان ضمن أفراد الوحدة الرئيس الزائيري الماريشال موبوتوسيسيكو 16 .


هذه المساعدات العسكرية التي وضعتها إسرائيل رهن إشارة بعض البلدان الإفريقية سهل عليها عملية الحصول على قواعد و تسهيلات عسكرية لشن أي هجوم على الدول العربية بالخصوص مثلما حدث سنة1967، عندما إستغلت القواعد العسكرية في إثيوبيا لإنطلاق هجوماتها على مصر .


وهكذا لاحظ المهدي بن بركة أن عدد الخبراء الذين بعثت بهم اسرائيل إلى القارات الثلاث:– أمريكا اللآتينية افريقيا -آسيا ما بين 1958 - 1963 قد وصل إلى 1502 خبيرا منهم 908 خبيرا لإفريقيا وحدها ، وفي سنة 1963 وجهت اسرائيل 544 خبيرا إلى 58 دولة نامية منهم 424 خبيرا إلى ثلاثين دولة إفريقية . كما بلغ عدد الطلبة الدين إستفادوا من منح دراسية اسرائيلية ما بين سنوات 1958 و 1963 6165 طالبا منهم 3431 طالبا إفريقيا . وخلال سنة 1963 وصل عدد الطلبة الأفارقة الممنوحينفي اسرائيل 1231 ينتمون إلى 36 دولة17 . كما ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى إفريقيا ما بين 1956- 1967 من مليونين من الدولارات إلى 24 مليون دولار ، في حين وصل حجم وارداتها سنة 1967 من افريقيا 27,4 مليون دولار ، بعد أن كانت شبه منعدمة سنة 1957
18


وامتدت المساعدة الإسرائيلية لتشمل القروض حيث استفادت دولة غانا في سنة 1956 من قرض اسرائيلي بلغ عشرون مليون دولار . كما عملت اسرائيل على تمويل عدد من المشاريع شملت بناء الطرق والمدارس والمباني الحكومية والفنادق ….. هذه المساعدات لم تكن في الواقع إلا وسيلة سعت اسرائيل من وراء تقديمها للدول الإفريقية خدمة أهداف صهيونية محددة . لهذا يقول المهدي بن بركة : ً ان الدور الذي تقوم به اسرائيل في افريقيا من الناحية الفنية والإقتصادية دور يمكن أن يحدث مغالطة بالنسبة لهذه الدول ، وبالنسبة للرأي العام الدولي ، فلذلك وجب علينا أن نظهر الحقيقة وأن نفضح التزييف ، وأن نبين ما هو الدور الإستعماري من وراء هذا كله ً 19.


أي دور لعمر بن حلون ؟
عمر بن جلون سخر كل إمكانياته من أجل محاصرة النشاط الصهيوني داخل قوى اليسار الأروبي
إصدار جريدة بإسم فلسطين دليل على إيمان عمر بن جلون القوي بعدالة القضية الفلسطينية


لايمكن أن نتحدث عن الدعم المغربي للقضية الفلسطينية خصوصا على المستوى الشعبي دون الحديث عن ما قام به لفائدة هده القضية عدد من المناضلين المغاربة وعلى رأسهم كل من المهدي بن بركة وعمر بن جلون . فالأول بفضل موقعه داخل السكرتارية الدائمة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الأسيوية وكدا بحكم تواجده على رأس اللجنة الدولية التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاث: إفريقيا- آسيا وأمريكا اللاتينية ، تمكن من التصدي لكل أشكال التغلغل الصهيوني داخل هده القارات الثلاث ، وعمل على فضح مختلف الأساليب التي كان يعتمدها العدو الصهيوني بهدف تركيز نفوده بهده القارات . أما عمر بن جلون فإن إهتمامه بالقضية الفلسطينية وإيمانه القوي بعدالتها يبرز من خلال كتاباته داخل صحافة الإتحاد الإشتراكي ( المحرر ، الإتحاد الإشتراكي ) ومن خلال إفتتاحيات جريدة فلسطين التي كان يتولى إعدادها بنفسه .


ونظرا لأن الحدث يتعلق برمز من رموز الحركة الوطنية ، ونعني به عمر بن جلون ، فإننا سنقتصر على رصد بعض الجوانب التي ركز فيها دعمه للقضية الفلسطينية علما أن المجال لا يسمح من جهة بدراسة كل الجوانببب التقافية والفكرية للرجل خلال مسيرته النضالية ، ومن جهة تانية فهده المساهمة هي جزء من عمل تطلب منا سنوات من البحث والتنقيب في موضوع شكل على الدوام أحد إهتمامات الرئيسية للمغاربة . ويتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والتي خصصنا جزءا كبيرا من هدا الموضوع لمظاهر الدعم المغربي لهده القضية خصوصا على المستوى الشعبي والدي نتمنى أن تتاح لنا الفرصة لنشر بعض فصول هدا العمل حتى يتسنى لجمهور القراء الإضطلاع عليه .


ولهدا وإدا كان بالإمكان حصر إسهامات عمر بن جلون في دعم القضية الفلسطينية على كتاباباته على أعمدة صحف حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية مثل جريدتي المحرر والإتحاد الإشتراكي حبث كان يشغل منصب المدير المسؤول عنهما وكدا جريدة فلسطين فإنه من الصعب تحديد المواضيع التي تناولها بالدرس والتحليل نظرا لتنوعهما وتشعبهما . لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن هده الإسهامات رغم لإختلاف مواضيعها وتباين تحليلاتها ، فإنها كانت كلها تصب في إتجاه واحد ، وهو التعريف بالقضية الفلسطينية والتصدي للدعاية الصهيونية خصوصا تلك التي كانت تجد صداها داخل أوساط اليسار في أوروبا . فمختلف الإفتتاحيات الصادرة بجريدة فلسطين على الخصوص حاولت في مجملها التعريف بالقضية الفلسطينية بكل من الإتحاد السوفياتي والقوى اليسارية بأوروبا ، في الوقت الدي كانت إهتمامات زمياه ورفيقه في الكفاع المهدي بن بركة تركز على محاصرة النشاط الصهيوني داخل دول القارات الثلاثك إفريقيا، آسيا،وأمريكا اللاتينية . وكأن إسهامات الأول التي كانت تركز على الغرب جاءت لتكمل مساعي ومجهودات الثاني داخل العالم الثالث .

إلا أن ملاحظتنا هده لا ندعي من وراءها أن كلا من عمر بن جلون والمهدي بن بركة قد قسما فيما بينهما الأدوار . فكتابات عمر كما أشرنا من قبل كانت متنوعة المواضيع وتناولت قضايا أرتبط بعضها بالوضع الداخلي للثورة الفلسطينية ، والبعض الآخر حاول من خلاله إبرازعلاقة هده الثورة بالأنظمة العربية ، لكن أغلبية كتاباته خصوصا داخل جريدة فلسطين كانت تميل إلى فتح الحوار وتعميق النقاش مع قوى اليسار في الغرب وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي . أما المهدي بن بركة ورغم العلاقات القوية التي كانت تربطه بقوى اليسار في أوروبا ، فإن جل أهتماماته كانت تصب على وضعية العالم الثالث وما تتعرض إليه خيراته وثرواته من إستغلال فضيع من جانب قوى الإستعمار والتي سعى إلى محاصرتها عن طريق المنظمةالإفريقية الأسيويية والمؤتمر العالمي للقارات الثلاث الدي كان يتولى التحضير له .


لقد ركز عمر بن جلون في تحليلاته ومناقشاته على فتح حوار إيديولوجي حاول من خلاله إبراز التناقضات التي سقطت فيها سواء القيادة السوفياتية أو بعض قوى اليسار في أوروبا بل وداخل الثورة الفلسطينية نفسها .


فبالنسبة للإتحاد السوفياتي إنصبت كتابات عمر بن جلون على تقويم وتوجيه الموقف السوفياتي من المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني . فإنشاء الدولة الصهيونية لم يكن بدعم الإستعمار الغربي والأمبريالية الأمريكية وحدهما ، بل بفضل المساندة السوفياتية التي إنساقت مع الدعاية الصهيونية . فالإتحاد السوفياتي لم يكن مع قرار التقسيم الدي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1947 وحسب، بل كان أيضا من الدول التي سارعت إلى الإعتراف بالكيان الصهيوني . وهو موقف كشف عن تناقضات الإتحاد السوفياتي كدولة ظلت تساند الشعوب المضطهدة والتي تتطلع إلى الحرية والإستقلال . فإلى غاية سنة 1967 لم تكن مواقف الإتحاد السوفياتي من القضية الفلسطينية إيجابية وفي مستوى تطلعات الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على الخصوص . وهدا واقع عبر عنه عمر بن جلون عندما لاحظ الصمت الدي فرضته وسائل الإعلام السوفياتية على المعارك البطولية التي كانت تخوضها المقاومة الفلسطينية قبل سنة 1967 (ضرورة إصلاح غلط تاريخي : إفتتاحية جريدة فلسطين عدد 70 بتاريخ 13 فبراير 1970 ، وكدا رجوع إلى الوراء لقرار نوفمبر 1967 لمجلس الأمن : كتاب أوراق فلسطين ص 25 ) ، وكيف كانت الوفود السوفياتية في المؤتمرات الدولية ترفض أي لقاء أو فتح أي حوار مع المقاومة الفلسطينية .


هدا الموقف السوفياتي المتخادل الدي كان ينطلق من مصالح ضيقة يرجعه عمر بن جلون إلى كون ٌالقادة السوفيات أصبح همهم الإحتفاظ بالسلم والتعايش السلمي مع الأمبريالية حتى ولو إقتضى دلك الحكم بالإعدام على شعب من الشعوب المستعمرة . فتراهم لا يسكتون عن المقاومة الفلسطينية وأهدافها الواضحة والواقعية فحسب ، بل يعملون بنشاط على إيجاد حل عاجل قبل أن تخلق هده المقاومة واقعا لا رجوع فيه . وبرنامجهم ٌ السلميٌ لا يختلف عن البرنامج الأمريكي أو الفرنسي في الجوهر ، إد أن أساسه هو الإعتراف بإسرائيل نهائيا ، وهده حقيقة لا علاقة لها بتاتا بالأهمية أو بأي مبدإ من مبادئ التحرر أو الإشتراكية . إنها تعبر عن خطة دولية كبرى لها مصالح إستراتيجية معينة معروفة يستلزم تطبيقها ، مواقف ومبادرات مضادة لمصلحة شعب مشرد يحارب من أجل تحرير و إسترجاع   وطنه ٌ
( بمناسبة زيارة بودغورني للمغرب: إفتتاحية جريدة فلسطين . عدد14 . أبريل 1969)


فزرع الكيان الصهيوني داخل الأمة العربية من منظور عمر بن جلون لا يتحمل مسؤوليته الإستعمار الغربي وحده ، بل للإتحاد السوفياتي بدوره نصيب فييما حدث بالشرق الأوسط الدي يطالبه بإصلاح خطإه الفادح . فهو الدي يقول : ٌ … فيما يتعلق بالحالة الخاصة للشعب الفلسطيني وعلاقة قضيته بالإتحاد السوفياتي ، نستخلص موضوعة تقول بأن المقاومة الفلسطينية توجد في مركز لا تنتظر معه الإتحاد السوفياتي العون والمساندة في كفاحها فقط ، فإدا كانت بقية حركات التحرير تقتصر على إلتماس هدا العون وهده المساندة مرتكزة على مبادئ التضامن والأهمية البروليتارية ، فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يطالب أولا بإصلاح الخطإ الدي عانى وما زال يعاني من عواقب إرتكابه . ولا ينبغي أن يحول النضج ولا الواقعية دون المقاومة الفلسطينية والتدكير بدلك الخطإ الدي يعد أقدم خطإ وأظلمه ، أرتكب على حسابه من طرف دبلوماسية القوة العظمى حتى قبل ظهور متطلبات- التعايش السلمي - . وقد وقع إرتكاب هدا الخطإ بإسسم حزب ووطن لينييين ٌ ( ضرورة إصلاح غلط تاريخي : جريدة فلسطين بتاريخ 13 فبراير 1970 عدد 70 ) .


أما بالنسبة لقوى اليسار في الغرب ، فإنه عندما سلبت من الشعب الفلسطيني أرضه وسلمت للكيان الصهيونيي ، حاول هدا الأخير التظاهر بالإشتراكية والثورية مع إبراز أن الصراع الدائر في الشرق الأوسط ما هو في الواقع إلا صراع بين دولة ديموقراطية ، تسعى لبناء كيان إشتراكي من جهة وبين أنظمة عربية رجعية . ومن أجل تكريس هده الحقيقة المزيفة تظاهرت إسرائيل بإستعمال بعض أنماط الإنتاج الإشتراكي مثل الأخد بنظام الكيبوتزيم في الميدان الزراعي ، أو من خلال تركيز اليسار الصهيوني في شخص منظمته النقابية ال – هستدروت - . كل هدا لكسب عطف الأممية البروليتاريية وجرها للوقوف بجانب إسرائيل في قمعها للمقاومة الفلسطينية . وقد كان من نتائج هده الدعاية المزيفة أن أخدت بعض الأصوات التي لها حضور متميز داخل الساحتين التقافية والسياسية في الغرب والتي عرفت بمساندتها ودعمها للحركات التحررية في العالم ،في الفيتنام وفي حنوب إفريقيا العنصرية … والتي كان عليها أن تقف في صف الثورة الفلسطينية أن أخدت هده الأوساط مواقف أقل ما يقال عنها أنها متجاهلة بشكل كلي لمشروعية وعدالة الكفاح الفلسطيني . ويكفي أن ندكر هنا بموقف الكاتب الفرنسي سارتر الدي رغم المدابح التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني ، ظل يتنكر لكفاح هدا الشعب ، لأن سارتر دهب ضحية فكر صهيوني مزيف . ونفس الشئ يتكرر مع الأممية البروليتارية التي حاولت النقابة العمالية ال – هستدروت – استغلالها لأغراض صهيونية محضة . فالغاية التي أسست من أجلها هده المنظمة النقابية العمالية في سنة 1920 لم تكن إلا خدمة أغراض عنصرية ، ولمؤازرة ما تقوم به الجماعات الإرهابية الصهيونيية داخل فلسطين المحتلة .


أما داخل فلسطين ، فقد تمت الإشارة إلى ما تقوم به النقابة العمالية الصهيونية فيما يتعلق بتزييف حقيقة الأوضاع العمالية المعاشة داخل الأرض المحتلة ، وكيفية إستعمالها لوسائل دنيئة من أجل التأتير على البروليتاريا الأممية لكسب التأييد والدعم العمالي . هدا السلوك هو الدي عمل عمر بن جلون على فضحه والتعريف به من خلال الإفتتاحيات التي كان يكتبها بجريدة فلسطين . إلا أن محاولات التأتير على الرأي العام الغربي لم يكن محصورا على ما كانت تقوم به منظمة الهسدروت الصهيونية ، وإنما حاولت فيها إستغلال المقترحات التي أوردها المناضل نايف حواتمة في مقال له نشرته جريدة ٌ لوموند ٌ الفرنسية في عددها المؤرخ في 27 يناير 1970 والدي ركز فيه على إمكانية إيجاد الحل المناسب للمشكل الفلسطيني الصهيوني في ظل النمودج الكلاسيكي للأممية البروليتارية . أي حل بروليتاري مطابق لمبادئ الإشتراكية العلمية والقائلة بأن شغيلة الجانبين سينتهي بهم المطاف إلى اللقاء في كفاح مشترك صد المستغلين ( بكسر الغين) سواء في هدا الجانب أو داك . وإنطلاقا من هدا التحليل يصل نايف حواتمة إلى أمكانية قيام دولة فلسطينية يمكنها أن تزود بهياكل تششكل منها إما فيدرالية أو كونفدرالية من نوع يوغزلافيا أو تشيكوسلوفاكيا ( المواقف الطبقية المزعومة: افتتاحية جريدة فلسطين : عدد 76 بتاريخ 27 مارس 1970) . هدا النوع من الحلول الدي يعتمد تطبيق النمودج العتيق للتضامن بين شغيلدة البلدان الرأسمالية المتحاربة والدي بموجبه يتعين على كل عامل أن يعطي الأسبقية للتضامن مع شغيلة البلدان الأخرى على الإرتباط بوطنه المحكوم  من طرف البورجوازية( جريدة فلسطين : مرجع سابق ) أصبح هدا النوع من الحلول متجاوزا لأن ٌ المادية الجدلية والمادية التاريخية – يقول عمر بن جلون – ليست سلسلة من النمادج المسطرة لكل زمان ومكان ٌ . لهدا فما دهب إليه نايف حواتمة وحاولت أن تستغله الصهيونية لنشر
أفكارها المسمومة لم يكن من منظور عمر بن جلون إلا مفاهيم ونمادج بالية تخدم مصالح إسرائيل .


أي دورلحزب الاٍستقلال ؟


ارتباط المغاربة بأرض فلسطين ليس حديث العهد,بل يعود اٍلى عصور سالفة, وقد ساهمت في تقوية هذا الاٍرتباط عدة عوامل ازدادت ترسيخا وعمقا مع الأيام خصوصا بعد أن اغتصبت الأيادي الصهيونية بتواطؤ مع القوى الاٍستعمارية الأراضي الفلسطينية . واذا كان المغاربة قد تأثروا كثيرا لسقوط أرض فلسطين في قبضة الاٍحتلال الصهيوني الغاشم , ولم يترددوا في دعم الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاٍحتلال, فاٍنها ليست المرة الأولىالتي يقف فيها الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني في صد القوى الاٍستعمارية التي تطاولت على اغتصاب أرضه. فقد تعرضت هذه الأرض الطيبة اٍلى العديد من المؤامرات من أبرزها المحاولة الصليبية في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي استنجد بالسلطان أبي يعقوب المنصور الموحدي الذي لم يتردد في توفير كل وسائل الدعم المادي والبشري لصد العدوان الصليبي على فلسطين. وقد ظل المغاربة بكل فئاتهم وشرائحهم وعل مختلف ميولاتهم السياسية يدعمون الشعب الفلسطيني كل ما تعرض اٍلى الأطماع الاٍستعمارية خصوصا عندما اغتصب العدو الصهيوني الأرض الفلسطينية . وقد كان وما زال حزب الاستقلال في طليعة القوى السياسية الحية التي ناصرت وآمنت بالمعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني. فقد ارتبط حزب الاٍستقلال بالقضية الفلسطينية فقبل أن يظهر على الساحة السياسية المغربية كتنظيم سياسي, حيث أخذت مواقفه من هذه القضية تبرزمع بداية ظهور المشكلة الفلسطينية عندما احتل الاٍستعمار الاٍبريطاني الأراضي العربية. فعندما ظهرت الحركة الوطنية في المغرب كان من أبرز متزعميها قادة حزب الاٍستقلال الذين كانوا يخوضون معركة الاٍستقلال على واجهتين:


- واجهة الاٍستعمار الفرنسي والاٍسباني حيث كانت الحركة الوطنية المغربية تسعى اٍلى تحرير الأرض وفرض السيادة المغربية على كافة التراب المغربي.
- الواجهة الثانية كانت تتمثل في تقديم كل أنواع الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية من أجل تحريرالأراضي الفلسطينية المغتصبة من طرف الاٍستعمار الصهيوني . ولم تكن مظاهر هذا الدعم تنحصر داخل المغرب بل حتى خارجه . فالزعيم علال الفاسي رحمة الله عليه كان من الوجوه البارزة التي قادت الاٍنتفاضة التي عرفتها مدينة فاس في سنة 1929. وقد سهر شخصيا صحبة عدد من الوطنيين على اٍعداد العريضة التي رفعها أهل فاس اٍلى سلطات الحماية يستنكرون فيها عملية هدم مسجد عمر. أما الزعيم عبد الخالق الطريس الذي اوفدته الحركة الوطنية لتمثيل المغرب في اجتماعات البرلمانات العربية والاٍسلامية الذي عقد بالقاهرة في سنة 1938,وهو الذي لعب دورا كبيرا في تهيئ الظروف المناسبة للزيارة التي قام بها الوفد الفلسطيني برئاسة الطاهر الفتياني اٍلى تطوان في سنة 1938 والتي كان لها دور كبير في تقوية وتعزيز العلاقات المغربية الفلسطينية. أماالأستاذ أبو بكرالقادري أطال الله في عمره ومتعه بكامل الصحة والعافية فقد كان من الذين تزعموا المظاهرات التي عرفها المغرب سنتي 1936 و 1936 تضامنا مع انتفاضة الشعب الفلسطيني داخل القدس الشريف آنداك حيث تعرض للسجن.


هذه الأحداث التي سبقت انشاء حزب الاٍستقلال والتي قادهااٍلى جانب عدد من الوطنيين كل من علال الفاسي وعبد الخالق الطريس الذين سيتولون مسؤلية القيادة في حزب الاٍستقلال تِؤكد أن حزب الاستقلال تبنى مسؤولية الدفاع عن القضية الفلسطينية فبل أن يظهر كتنظيم سياسي وكحزب وطني.


ان حزب الاستقلال الذي يعتبر أقدم وأعرق حزب داخل الساحة السياسية المغربية ازداد ارتباطه بهذه القضية بمجرد انشاءه حيث حمل من أولويات برنامجه ومبادئه زيادة عن الدفاع عن الوطن وتحريره, التزامهبالقضايا العربية خاصة فيما يتعلق بمستقبل فلسطين, وهذه مسألة طبيعية نظرا لكون زعيمه المرحوم علال الفاسي ظل يدافع عن القضية الفلسطينية اٍلى آخر نفس من حياته. ” … لم يبق بينه وبين الدنيااٍلا بضعة أنفاس , وهو يجلس أرلى الرئسي تشاوشيسكو في قصره الروماني – تقول جريدة العلم– حينما خاطبه دون أن يكون بينهما في السابق ما يجعله معلما أمام تلميذه , خاطبه قائلا:سيصل وفد منظمة التحرير الفلسطينية وأرجو أن تسمحوا لهم بفتح مكتب لهم في بوخاريست. تردد الرئيس الروماني قليلا وهو يمانع بأدب . فابتسم المعلم الأول( يعني علال الفاسي) وهو يضيف: أرجو منك أن تأخذ قرارك الاٍجابي الآن. فلم يكن من الرئيس اٍلا أن أجاب: متفقون, وكان أول مكتب فتحته منظمة التحرير في أوروبا ” .
هذا التصوير الذي أوردته جريدة الحزب عن دعم هذا الأخير للكفاح الفلسطيني هو الذي (أي الدعم) ظل يطبع مسيرة الحزب منذ قيامه, ولعل أبرز حدث استاثر باٍهتمام حزب الاٍستقلال مباشرة بعد انشاءه هو ذاك الحدث المثمثل في مؤامرة التقسيم التي كانت تدبر ضد الشعب الفلسطيني حيث أكد الحزب رفضه المطلق لتأسيس وطن خاص باليهود على أرض فلسطين لاٍعتقاده الراسخ أنه تبت تاريخيا أن السكان الأصليين لهذه الأرض هم العرب . فقد جاء في مذكرة أصدرها الحزب في 12 يناير 1946 ما يلي : ” اٍن اٍهتمام الشعب المغربي بقضية فلسطين لا يقل عن اٍهتمام الشعوب العربية والاٍسلامية بها. ذلك لأنه زيادة على روابط الدين واللغة التي تصلنا بأهل فلسطين , فاٍن بتلك الديار مسجدا عظيما يعتبر في الدرجة الثالثة في القداسة لذى أربعمائة مليون من المسلمين. لقد قال رسولنا عليه الصلاة والسلام : لا تشدوا الرحال اٍلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام(بمكة) والمسجد الأقصى (بالقدس) ومسجدي هذا (بالمدينة) , وقد أعلن المغرب في غير ما مرة تضامنه مع عرب فلسطين خصوصا في سنتي 1929 و 1934 عندما حاول غلاة الصهيونية أن يصلوا بطريق العنف اٍلى تحقيق أحلامهم . ولأن لم يسمع المغرب صوته كباقي البلاد الاٍسلامية في سنة 1939 عند اٍعلان الكتاب الأبيض الاٍنجليزي فلأن المتكلمين بلسانه كانوا حينداك لا يمكن أن يرفعوا صوتهم . وهل من حاجة اليوم اٍلى اٍعادة القول بأن الصهيونيين غير محقين في مطالبتهم بتأسيس وطن قومي في أرض فلسطين بعد أن تتبث البراهين التاريخية أن العرب يسكنون تلك الديار منذ عشرات القرون, وأن الحكم كان فيها للمسلمين منذ ثلاثة عشر قرنا بدون اٍنقطاع , بينما لم بعمرها اليهود خلال أربعة قرون , وفي عهود متقطعة وبدون اٍستقرار. فمطالبهم اٍذن هي محض تعد على حقوق أهل البلاد الطبيعية, ووعد بلفور الذي يِؤيدها لا يرتكز على أساس شرعي أو منطقي, وليس لاقرار هجرة اليهود الى فلسطين من معنى اٍلا اٍستعمارها من جديد , بل استعمارها بأفضع أنواع الاٍستعمار, لأن الصهيونيين يحملون لعرب فلسطين حزازات أحجبتها الفوارق الروحية , ولكن هناك أشد من الحروب الدينية ولا أضر منها بالأمة. فاٍذا كان يوما للصهيونية الكلمة العليا لتلك البلاد, فاٍنها لا محالة تضيق الخناق وعلى سكانها الأصليين وتستعبدهم استعبادا لا يعرف رأفة ولا شفقة لا سيما وجل اليهود الذين يهاجرون من أوروبا اٍلى فلسطين أوسع معرفة وأغزر مالا وأكثر نشاطا في ميادين العمل, زد على هذا أن انشاء دولة صهيونية في الشرق العربي في وسط الدول العربية سيكون لا محالة مصدر مشاكل وقلاقل لا نهاية لها بتلك المنطقة.هذا وليس هناك من ينكر أن اليهود تحملوا في السنوات الماضية نكبات شديدة وابتلوا بلاء قاسيا خصوصا بأوروبا الوسطى. فالمسلمون أول من يعتقد بأن اليهود جديرون اليوم بالرأفة والشفقة من بعد محنتهم , ولكنهم أيضا أول من يرى أنه ليس من العدل أبدا أن يكون ذلك التخفيف كله على حساب فلسطين , لاسيما وأن المسلمين لم يصلوا اليهود بأدى في القرون الغابرة, بل طالما آسوهم وأكرموا ضيافتهم , فينبغي اٍذن أن تساهم أمم العالم كلها في ضمض جراحات اليهود وتخفيف آلامهم, كما اقترحت ذلك جامعة الدول العربية. على أن مشكلة فلسطين كانت موجودة قبل أن يبتلي اليهود بأوروبا من طرف المحور. ومشكلتهم اٍنسانية كبرى يجب أن تساهم الدول كلها في حلها , وعلى وجه يوافي العدالة ويرضي الاٍنسانية . وهنا يمكن أن نقول بأنه من المتيسر لكثير من اليهود أن يعودوا اٍلى بلادهم الأصلية بأوروبا بعد أن قضى الحلفاء على طغيان النازية واتخذوا الوسائل الناجعة لاٍتقاء بعثها , وعلى كل حال نحن نأمل من الرجال المسؤولين في الأمم المتحدة أن لا يرفعوا جورا بجور آخر,فيزيدوا المشكلة اليهودية خطورة وتعقيدا. هذا ونحن بلسان حزب الاٍستقلال نؤكد القول من جديد بأن الشعب المغربي الذي طالما آوى المهاجرين من اليهود والذي عرقلت حكومته تطبيق القوانين التي سنتها حكومة فيشي أيام اٍحتلال فرنسا , لاينوي أي عداء لعامة اليهود, فأحرى لمن يعيشون منهم وأياهم في آن واحد, واٍنما اٍحتجاجنا موجه ضد مطامع الصهيونية بفلسطين , وآمالنا أن يجد لهذا المشكل رِساء الدول الحليفة باٍتفاق مع ممثلي الشعب الفلسطيني ومع الجامعة العربية حلا تحفظ معه لعرب فلسطين حقوقه المشروعة والسلام. ( وحرربالرباط في 12 يناير 1946/عن حزب الاٍستقلال/ محمد اليازيدي) .


اٍن رفض حزب الاٍستقلال تقسيم فلسطين ينطلق من كونه حزبا وحدويا , فكما قاوم الاٍستعمار الفرنسي الذي كان يسعى اٍلى تجزئة المغرب من خلال الظهير البربري , فاٍنه ظل يناضل من أجل أن تبقى فلسطين جزءا لا يتجزأ . وهو المبدأ الذي ظل يطبع برنامج الحزب اٍلى يومنا هذا . وهو الأمر الذي سنحاول اٍبرازه من خلال موقف الحزب من عدد من المحاولات التي استهدفت ضرب الوحدة الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية .


وعندما تم اٍنشاء مكتب المغرب العربي بالقاهرة لم يحصر علال الفاسي نشاط المكتب في الدفاع عن استقلال المغرب وسيادته , بل جعل منه “مكتبا للدفاع عن اٍضطهاد الطلبة الفلسطينيين” الذين كانوا يدرسون بمصر وم جملتهم ياسر عرفات الذي تم اٍعتقاله في الخمسينيات صحبة عدد من الطلبة الفلسطينيين على اٍثر تظاهرهم. ويأتي دعم علال الفاسي للقضية الفلسطينية ليس لكون الأرض الفلسدينية أرضا عربية وأن القدس مدينة عربية اٍسلامية وحسب , بل لكونه قاسى مرارة الاٍستعمار, ويدرك تمام الاٍدراك أن الغاية من هذه المخططات الاٍستعمارية هي طمس المعالم الحضارية والتاريخية لكل ما هو عربي واٍسلامي . ومن تم فالشعوب العربية والاٍسلامية مطالبة بمقاومة هذه المخططات والتصدي لها بكل الأشكال النضالية, ولهذا كان علال الفاسي من الذين دفعوا أبناء الشعب الفلسطيني اٍلى حمل السلاح في وجه العدو الصهيوني.” فهو من الذين ساهموا بدور كبير في دفع ياسر عرفات واٍخوانه اٍلى التمرد والاٍنطلاق , وهو من القلئل جدا الذين عرفووا بموعد اٍنطلاق الرصاصات الأولى لقات العاصفة …” . وهذا يعني أن علال الفاسي كان له دور متميز وبارز في توجيه العمل الفلسطيني واٍخراجه من دائرة الخطاب والاٍحتجاج اٍلى حمل السلاح باٍعتباره الأسلوب الوحيد والقادر على استرجاع الأرض الفلسطينية , بل واٍنطلاقا من تجربته النضالية في اٍطار الحركة الوطنية المغربية التي كان من كبار قادتها وزعمائها, فاٍنه لم يتردد في اٍغناء الثورة الفلسطينية بخبراته التي اكتسبها في نضاله وكفاحه ضد الاٍستعمار بالمغرب .


فقبل بروز حركة ” فتح” كان علال الفاسي على رأس قائمة الزعماء العرب الذين استشارهم المناضلون الفلسطينيون . ونظرا لاٍسهاماته في اٍنشاء هذه المنظمة واٍعترافا بخذماته لصالح القضية الفلسطينية لقبوه ب”الوالد”. كما أن أول برقية تأييد توصلت بها منظمة ” فتح” بعد اٍطلاقها لأول رصاصة داخل فلسطين . فحزب الاٍستقلال ساند بشكل مطلق الكفاح الفلسطيني المنظم الذي انطلق سنة 1965. وهو الأمر الذي ظل الزعيم علال الفاسي يؤكد عليه في كل المناسبات . ففي الخطاب الذي ألقاه بالدار البيضاء في ذكرى 11 يناير من سنة 1970 قال من جملة ما قاله عن دعم حزب الاٍستقلال لجهاد الشعب الفلسطيني ما يلي:


” …كلكم تذكرون أن فتح العظيمة بدأت عملها الفدائي الجبار سنة 1965, وتذكرون أنني في المجلس الوطني المنعقد اٍذاك عرفت بهذه المنظمة العتيدة وبرجالها الأحرار, وأعلنت تأييد حزب الاٍستقلال لها ومطالبته بنصرتها, ويحق لحزبنا الفخر أن يكون أول هيئة عربية سبقت لتقدير هذه العصبة المؤمنة , ووضعت تقتها فيها , وها هي ذي فتح تفرض الاٍعتراف بها على الدول العربية وعلى غيرها من الدول والجماعات , وذلك بما تواصله من جهاد ا]جابي في سبيل تحرير فلسطين واٍنقاذ القدس من أيدي الصهيونيين الغاشمين …” فلا غرو اٍذن اٍذا اعتبر الشعب الفلسطيني علال الفاسي من كبار المناضلين الفلسطينيين .


حزب الاٍستقلال : ثلاث توابث في دعمه للقضية الفلسطينية:


برجوعنا اٍلى أدبيا ت حزب الاٍستقلال تبين أن دعمه للقضية الفلسطينية يرتكز على ثلاث توابت أساسية:
- اٍعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
- الجلاء عن كل الأراضي العربية التي احتلتها اٍسرائيل بالقوة اٍبان حرب يونيو 1967 واٍنشاء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف .
- تحرير الأرض الفلسطينية يمر عبر وحدة عربية اٍسلامية .


أولا: منظمة التحرير الفلسطينية: الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني


عندما أقدم الشعب الفلسطيني على اٍنشاء منظمة التحرير الفلسطينية زكى حزب الاٍستقلال هذه الاٍرادة معتبرا أن هذا الشعب له كامل الصلاحية وكل الحق في تقرير مصيره دون أية ضغوط خارجية . وعندما حاولت بعض الأنضمة العربية الثأثير على التوجه السياسي للمنظمة , كان موقف حزب الاٍستقلال واضحا من هذه المحاولات . فقد ظل متشبتا باحترام الاٍرادة الفلسطينية وحريته في تقرير مصيره, معتبرا أن دور الأنظمة العربية ينحصر فقط في تمكين الشعب الفلسطيني من الدعم المادي والمعنوي , ويبقى على الشعب الفلسطيني كامل الحرية في اٍختيار الأسلوب الذي يراه مناسبا وكفيلا بتحرير أرضه. فقد جاء في افتتاحية لجريدة العلم ما يلي : “يجب أن تتصرف م.ت.ف. باٍستقلال عن الأنظمة العربية , وعلى الأنظمة العربية أن تتخلى عن محاولة اٍحتواء م.ت.ف. وتسخيرها في سياستها الخاصة .”. وبمعنى آخر أن” لا تحل الأنظمة العربية محل الاٍرادة الفلسطينية , فهناك لن يكون اٍلا تمييعا لن نجني منه اٍلا ما جنيناه من الممارسات السابقة ..” فاٍذا ” كانت للحكومات العربية من أدوار ومسؤولية , فهي يجب أن تنحصر في تقديم المعونة اللامشروطة لمنظمة التحرير الفلسطينية في كفاحها من أجل اٍقرار الدولة الفلسطينية فوق ترابها الوطني , أي يجب أن تكف الدول العربية على الحلول محل المنظمة في القبول أو الرفض أو التفاوض , وأن يقتصر تعاملها مع المنظمة على تقديم العون الذي تطلبه المنظمة ماديا وسياسيا “. لأن منظمة التحرير وطبقا لمقررات القمة العربية بالرباط 1974 هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني . استقلالية القرار الفلسطيني اٍذن هي اٍحدى التوابث التي ظل حزب الاٍستقلال يؤمن بها ويدافع عنها . واٍذا رفضت اسرائيل لحد الساعة الاٍعتراف بالحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني فاٍن ذلك لا يمكنه أن يستمر طويلا أمام اٍصرار الشعب الفلسطيني على استرجاع أرضه المغتصبة . فالممارسات التي تقوم بها اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني من منظور حزب الاٍستقلال لا تختلف عما كان يقوم به الاٍستعمار الفرنسي ضد المغاربة اٍبان عهد الحماية , ومن تم فنصيحة حزب الاٍستقلال للشعب الفلسطيني تتمثل في : ” تكثيف الحضور الفعلي في عين المكان عبر المواجهة المتعددة الأشكال للاٍحتلال الاٍسرائيلي في داخل الأرض المحتلة ليفرض على اسرائيل أن تدعن حينما يصبح وجودها في الأراضي المحتلة غير مطاق , وبهذه الطريقة اضطرت فرنسا الى التسليم بأن هناك مشكلة مغربية , واعترفت بحزب الاٍستقلال بعدما كانت تعتبره فريقا من الاٍرهابيين والخارجين على القانون “.


ثانيا: الجلاء عن كل الأراضي العربية التي احتلتها اٍسرائيل بالقوة اٍبان حرب
يونيو 1967 واٍنشاء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف .


ذلك أن حزب الاٍستقلال لا يعترف اٍلا بالحدود التي تعود اٍلى التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة في سنة 1947 . لهذا فاٍقرار السلم في هذه المنطقة مرهون بعودة الشعب الفلسطيني اٍلى أرضه وتمكينه من ممارسة سيادته الكاملة وبناء دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف . وهذا الموقف لم يكن يتبناه حزب الاٍستقلال عندما ظهر في سنة 1943 . ففي مذكرته التي أصدرها في سنة 1946 حيث بدأت ملامح التقسيم تهدد أرض فلسطين والتي سبق أن استعرضنا كل فقراتها تبرز موقف الحزب الرافض لاٍنشاء دولة لليهود ما بين الدول العربية. لأن ” اٍنشاء دولة صهيونية في الشرق العربي في وسط الدول العربية سيكون لا محالة مصدر مشاكل وقلاقل لا نهاية لها بتلك المنطقة . لهذا يستوجب ارجاع ” اليهود الى بلادهم الأصلية باأروبا بعد أن قضى الحلفاء على طغيان النازية واتخذوا الوسائل الناجحة لاتقاء بعثها “. ولما أصدرت الجمعية العامة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين سنة 1947 احتج الحزب بشدة على هذا القرار من خلال البرقية التي رفعها اٍلى الأمين العام للأمم المتحدة يؤكد فيها : ” أن الشعب المغربي يستنكر قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين والمؤسس لدولة صهيونية خارقا بذلك حقوق الفلسطينيين المقدسة ومستخفا بميثاق الأمم المتحدة , وأن حزب الاٍستقلال وهو المعبر عن الرأي العام المغربي يحتج بشدة صد هذه السياسة الصهيونية التي ليست اٍلا نوعا من الاٍستعمار المنبوذ من الضمير الدولي وسببا في اٍثارة القلاقل المؤدية اٍلى تهديد السلام “. لكن بعد حرب 1967 أخذ الحزب يطالب اسرائيل بالعودة الى حدود ما قبل 1967 : أي اٍلى الحدود التي أقرها تقسيم 1947 , وهذا يعني أن حزب الاٍستقلال غير من موقفه الذي كان يرفض فيه اٍنشاء وطن خاص ياليهود على أرض فلسطين . وهذا التحول بطبيعة الحال له ما يبرره . فهو موقف لا يمكن عزله عن الموقف العربي عموما الذي أصبح بدوره بعد هزيمة 1967 يكتفي بمطالبة اسرائيل بالعودة اٍلى الحدود التي رسمها تقسيم 1947 . ولم ينحصر هذا التحول في الموقف العربي من اسرائيل في هذا الحد بالذات , بل أقر الآعتراف باسرائيل من خلال خطة السلام العربية التي صادقت عليها الدول العربية وبالاٍجماع بما فيه منظمة التحرير الفلسطينية ( بٍاٍ ستتناء ليبيا) في قمة فاس 1982. فحزب الاٍستقلال الذي ظل يحمل شعار احترام الاٍرادة الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية كان عليه أن يساير هذا التحول الذي طرأ على الموقف العربي عموما والفلسطيني على الخصوص , وبالتالي أصبح حزب الاٍستقلال بدوره يرى في مشروع السلام العربي المنبتق عن قمة فاس 1982 الاٍطار العادل لحل القضية الفلسطينية .


ثالثا: تحرير الأرض الفلسطينية يمر عبرتحقيق وحدة عربية اٍسلا مية .


والتي باٍمكانها أن تشكل قوة ضاربة قادرة على وقف المد الصهيوني داخل الأمة الاٍسلامية . لهذا فزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين كان المقصود منه هو الحيلولة دون تحقيق أية وحدة عربية أو اٍسلامية والتي ستقضي اٍذا ما رأت النور على كل الأحلام التوسعية للعدو الصهيوني والتي كانت تسعى أساسا ” لفصل افريقيا العربية عن آسيا العربية , وليمزق وحدة هذه الشعوب … لأن القوة التي كان يخافها الاٍستعمار هي القوة الاٍسلامية المتحدة عربيا “13 . وهو المبدأ الذي ظل حزب الاٍستقلال يردده في مختلف ملتقياته الحزبية . فقد جاء على لسان أمينه العام الأستاذ امحمد بوستة في التقرير المذهبي الذي قدمه الى المؤتمر العام العاشر المنعقد بالدار البيضاء أيام 21-22-23 أبريل 1978 “ان الوجود الصهيوني .. هدفه الأساسي هو فصل جناحي الأمة العربية الشرقي والغربي من جهة , وشغل شعوب هذه الأمة من جهة أخرى عن معارك النماء بدفع الصهيونية بين الفينة والأخرى اٍلى التوسع واٍشعال نار الحرب ” . والذي يزكي هذا الطرح كون الحروب التي شنتها اسرائيل منذ أن تم زرعها داخل الجسم العربي تتم في فترات محددة . فالحرب التي شنتها اسرائيل على العرب خلال سنة 1948 تأتي في ظروف عربية اتسمت بالوعي التحرري , وهي الفترة التي عرفت فيها أيضا انطلاق الحركات التحررية العربية وتأسيس جامعة الدول العربية , بينما صادفت حرب 1956 المبادرة الجريئة التي أقدمت عليها جمهورية مصر العربية والتي تمثلت في تأميم قناة السويس , وتأتي حرب 1967 في وقت أخذت فيه بعض الدول المواجهة نشاطا تنمويا ملحوظا , وهذا يعكس النية المبيتة للعدو الصهيوني والذي لا يتردد في ضرب الشعوب العربية كلما لاحظ انتعاشا في القدرة العربية .
وحزب الاٍستقلال عندما يسعى اٍلى تحقيق الوحدة عربية كانت أو اٍسلامية . فهو ينطلق أساسا ومنذ نشأته سنة 1943 من كونه الحزب الذي يجسد تطلعات الشعب المغربي الذي تصدى لكل أشكال التفرقة التي استهدفت الوحدة المغربية والتي حاول الاٍستعمار الغربي فرضها على المغاربة عندما أقدم من جهة على تقسيم السيادة المغربية اٍلى ثلاث مناطق: الأولى تابعة لفرنسا والثانية لاٍسبانيا والثالثة هي مدينة طنجة التي أعطاها اٍطارا دوليا, ومن جهة ثانية عندما حاولت سلطات الحماية الفرنسية فرض الظهير البربري . وقد لقيت كل هذه المحاولات مقاومة شديدة من طرف المغاربة , وبالتالي فحزب الاٍستقلال الذي تزعم قادته كل أشكال المقاومة والتصذي التي أبداها المغاربة في وجه أساليب التفرقة , لا يمكن أن يكون اٍلا حزبا وحدويا ويسعى من خلال برنامجه ومذهبه الاٍيديولوجي اٍلى تعميق وتجدير الفكر الوحدوي . وهذا ما سيتجسد من خلال دعوة حزب الاٍستقلال اٍلى عقد مِتمر طنجة في 28/ 30 ابريل 1957 حيث شاركت فيه أحزاب المغرب العربي الثلاث : جبهة التحرير الجزائرية – الحزب الدستوري التونسي - وحزب الاٍستقلال والذي كانت الغاية منه اٍرساء قواعد وحدوية على مستوى المغرب العربي.


واٍذا عمل حزب الاٍستقلال على تحقيق وحدة المغرب العربي فلأنه يرى فيها خطوة هامة يجب أن تستهدف وحدة الوطن العربي ثم وحدة العالم الاٍسلامي . ومعنى هذا أن حزب الاٍستقلال لا يعارض تكوين مجموعات اقليمية باعتبارها” مرحلة هامة في اطار تحقيق الوحدة العربية الشاملة ووسيلة للقضاء على كل رواسب الاٍستعمار والاٍحتلال” . وهكذا نجد الزعيم علال الفاسي في تقريره أمام المؤتمر التامن يقول: “وحزبنا يرى أن من الممكن الوصول اٍلى الوحدة العامة عن طريق الوحدات الاٍقليمية بحيث يمكن ضم الحجاز واليمن والجنوب في دولة عربية متحدة , وضم مصر والسودان في دولة أخرى, وتوحيد سوريا ولبنان والأردن والعراق والكويت في دولة ثالثا, وتوحيد ليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومعه الاٍقليم الموريطاني في اتحاد المغرب العربي, ومن هذه الاٍتحادات تتكون دول الجامعة العربية الرباعية .” . ولم تكن هذه القناعة الرامية الى تشكيل مجموعات عربية أحد الأهداف التي عمل حزب الاٍستقلال على تحقيقها بقيادة الزعيم علال الفاسي, بل أن هذا التوجه ظل يطبع مسيرة الحزب حتى بعد وفاته. فالمؤتمر العاشر للحزب يؤكد في اٍحدى توصياته على أن :” نظرته اٍلى وحدة المغرب العربي الكبير هي أنها مرحلة نحو بناء الوحدة العربية الشاملة ” .
___________________
هوامش:
1 - -كانت جريدة المحرر تصدر أسبوعيا صفحة خاصة بفلسطين تحمل إسم” صوت الثورة الفلسطينية”
2 –أنظر التوصية الصادرة عن المؤتمر الإستتنائي : يناير 1975 . ص 261الطبعة الثانية يناير 1978 : من مطبوعات لجنة التوجيه والنشر التابعة لحزب الإتحاد الإشتراكي
3 - التوصية الصادرة عن المؤتمر الإستتنائي : مرجع سابق ص 262
4 – كتاب مقررات المؤتمر الوطني الرابع ص 313 طبعة 1983 .منمنشورات حزب الإتحاد الإشتراكي
5 –- البيان السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني الثا لث 8-9-10 دجنبر 1978 ص 26 .من منشورات الحزب
6 - البيان السياسي .مرجع سابق ص 30
7 - مقررات المؤتمر الوطني الرابع . ص 301 . طبعة 1989
8 – المؤتمر الإستثنائي 10-11-12 يناير 1975 ص 271 الطبعة الثانية يناير 1978
9 –المؤتمر الإستثنائي للحزب.مرجع سابق
10 –المؤتمر الإستتنائي للحزب مرجع سابق
11 - المؤتمر الأستتنائي للحزب ص 183 مرجع سابق
12 - أنظر المحاضرة التي ألقاها المهدي بن بركة في مارس 1965 بالقاهرة في موضوع ” التغلغل الصهيوني بإفريقيا” والتي نشرتها جريدة ” الإتحاد الإشتراكي”ليوم 29 أكتوبر 1986 عدد 1181
13 - دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ” : عادل حامد الجادر .مجلة شؤون عربية يونيو1988 عدد 54 ص 163
14 - انظر المحاظرة التي ألقاها المهدي بن بركة المشار إليها آنفا والتي بين فيها أن ” المساعدات التي تحصل عليها إسرائيل من الخارج تصل إلى 100دولار للشخص في السنة .
15 – هذة الفقرة أوردها المهدي بن بركة نقلا عن تحقيق نشرته جريدة ” الأهرام” المصرية حول الهجوم الذي تعرض إليه ثوار الكونغو.
16 –مجلة شؤون عربية عدد 54 يونيو1988 ص 170
17 - هذه الأرقام وردت على لسان المهدي بن بركة في محاضرته حول : التغلغل الصهيوني في إفريقيا .
18 - مجلة شؤون عربية : مرجع سابق . ص:172
19 - محاضرة المهدي بن بركة : مرجع سابق




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات