مواضيع اليوم

الدستور السوري المنتظر

د.هايل نصر

2011-12-03 07:55:01

0

تم وعد شعبنا بدستور "ينافس أرقى دساتير العالم". عن مسؤول كبير صدر الوعد. ووعد الحر دين عليه. وعلى الشعب الانتظار. شهور قليلة ويصدر بمنحة. شعبنا صبور انتظر 42 عاما فقط دون دستور, أو بشبه دستور, أو بدستور معلق يحمل اسم دستور. كان على آلاف الشهداء أن لا يستشهدوا فالدستور قادم.

دستور تنقحه أو تعدله (بإسقاط البعث من المادة الثامنة بعد أن سقط فعليا وبقي مادة شكلية ككل المواد التكميلية) أو حتى تبدله, لجنة تمثل الشعب دون اخذ رأي الشعب, ومع ذلك تنوب عنه في أمور أساسية وفرعية لا قيمة لها, ومنها وضع دستور.

حتى يطمح الدستور الموعود بمنافسة ارقي الدساتير العالمية, لابد ان سيستند واضعوه, لتكون ولادته طبيعية, إلى سلامة الإجراءات الشكلية المطلوبة في وضع الدساتير. والإجراءات هنا هي التي تعطي للدستور علوه وسموه, وتجعله فوق القوانين العادية. كما لابد لتكون له قيمة تنافسية, أو على الأقل مصداقية, أن يستند إلى تراكمات فكر دستوري وسياسي وحقوقي حر ومستقل, وإلى خبرة وممارسة اكتُسبت من طبيعة و مسيرة دولة القانون والمؤسسات, وعلى الممارسة الديمقراطية في الحكم وأصوله, وعلى عقول وثقافة ديمقراطية, غير تهريجية, وسلطة تؤمن على الأقل بان شعبنا ناضج وصالح للديمقراطية, فكيف يمكن وضع دستور ينافس ارقي الدساتير لشعب غير جدير بالديمقراطية, وغير ناضج ومؤهل لها؟. الم يصرح بعدم النضوج والأهلية هذه رأس السلطة ومعاونوه, بمناسبة ودون مناسبة, على منابر داخلية ودولية؟. المنافسة هنا, أيها السادة, ليس موضوعها صناعة أحذية جلدية, ولا ملابس داخلية قطنية.

لم تتوصل الديمقراطيات الغربية, التي سننافسها, (إلا إذا كانت ليست هي المقصودة بالمنافسة وإنما روسيا والصين وكوريا الشمالية) لوضع دساتيرها إلا بعد قرون من التطور الفكري السياسي والقانوني والفلسفي والاجتماعي لمفهوم السلطة والدولة والتنظيم الداخلي والعلاقات الدولية, سقطت خلالها دساتير وعدلت دساتير, وأصبحت التجارب في ذلك ملكا للإنسانية, و مراجع أخذت بها, أو ببعضها, أو استوحت من هديها وتجربتها غالبية الدساتير الدولية في يومنا هذا. وعليه كان لابد من الإشارة سريعا لبعض هذا علّ المنافس يعلم شيئا عن منافسه ويدرس نقاط قوته وضعفه ليأخذ ذلك في الاعتبار, وليتمكن بالتالي من توجيه الضربة القاضية والفوز بالمنافسة.

سبقت ظهور الدساتير أفكار سياسية تبين اصل السلطة ومصدرها, وشرعية ممثليها ومشروعية أعمالهم, فحين كان يعتبر بوسييه, على سبيل المثال, أن الأمير ممثل الله على الأرض, لتبرير الملكية المطلقة, جاعلا الله في اصل السلطة, ظهر آخرون, منهم اغوستين, أكثر اعتدالا في القرن الخامس بعد الميلاد, و القديس توماس داكين في القرن الثالث عشر ليؤكدوا أن السلطة تأتي من الله, ولكنه يترك للبشر المبادرة في تنظيمها وترتيبها وممارستها, وانه لم يفرض عليهم أية صيغ خاصة في الحكم وطرقه.
الإصلاح الذي قاده تيدور دي باز ابتداء من القرن السادس عشر, بني على أن العقد كان قد ابرم بين الملك ورعاياه, فهؤلاء وعدوه بالطاعة مقابل حماية حرياتهم. فإذا ما اخل الملك بهذا العقد يصبح طاغية, وعندها يحق للشعب ليس فقط مقاومته, وإنما كذلك الإطاحة به باعتباره طاغية.

في القرن السابع عشر, تمحور الفكر السياسي, فيما يتعلق بالسلطة, حول ما قال به الانكليزي توماس هوبز من فكرة العقد, معتقدا إن البشر كانوا في البداية الأولى يعيشون في حالة الطبيعة, والتي لم تكن في الواقع إلا الغاب, حيث كان الإنسان ذئب على الإنسان. وللخروج من الخوف والفوضى عقدوا بينهم عقدا قاد إلى بناء دولة تضمن الأمن والنظام.
عام 1690 كان جان لوك يعتقد, عكس هوبز, إن البشر كانوا يعيشون بسعادة في الحياة الطبيعة وان العقد بينهم وبين الأمير جاء ضمنيا لتحسين ما هو موجود, وان خرق الحريات من قبل الأمير يعفي الرعايا من واجب طاعته. وهكذا توصلت النظرية السياسية في القرن السابع عشر إلى جعل أساس ومصدر السلطة في رضاء المحكومين.

في عصر الأنوار في القرن 18 كانت الفلسفة تبحث عن سلطة مطابقة لدواعي العقل, فطالب منتسكيو بان تكون السلطة معتدلة. وعليه قسمها ووزعها بين أيد عديدة. وجعل جان جاك روسو التراضي الكامل في قلب الديمقراطية, فنشر عام 1762 كتابه "العقد الاجتماعي" منطلقا من فرضية أن البشر كانوا يعيشون أحرارا وسعداء في الحياة الطبيعية, ولكن ظهور الملكية (التملك) افسد ذلك. فانتشرت اللامساواة وتردت العلاقات بين الأفراد, وللعودة للعصر الذهبي الأصلي, عقد البشر فيما بينهم عقدا اجتماعيا التزموا بمقتضاه تأكيد الإرادة العامة. فخضعوا للإرادة العامة, ولكنهم اشتركوا جميعا ومباشرة في بنائها. فالإرادة العامة تعبر عن نفسها في القانون الذي يترجم المصلحة العامة. ما هو جديد في فكر روسو بالنسبة لسابقيه انه لا توجد إرادة ضمنية من قبل أعضاء المجتمع السياسي. إذ يجب أن تكون الإرادة صريحة في القوانين, التي تنظم المجتمع, و بالاتفاق والتعبير عنها علنيا في صياغة الدستور. وقد اُخذ عن روسو مفهوم "السيادة الشعبية". فالشعب هو مجموع الأفراد المكونين له. عام 1789 تبنى غالبية أنصار الثورة الفرنسية ومنهم روبسبيير النظرية القائلة بان "السيادة تقوم في الشعب, في كل أفراد الشعب". وليس هنا مجال الحديث عن السيادة الشعبية والسيادة الوطنية.
هذه الأفكار التي بدأت تعرف رواجا واسعا والتي تلائم بشكل متجانس وعقلاني تكوين الحكومات, محددة وظائفهم ومهامهم, بنص محدد. دخلت المفاهيم الدستورية , وأصبح مبدأ الدستور يتضمن مبدأ التنظيم. من هنا جاء قول تيركو للويس السادس عشر "سيدي مملكتك لا تملك دستورا " لم يعن بذلك أن فرنسا لا تمتلك دستورا, وإنما مؤسساتها السياسية القائمة لم تكن منظمة ومرتبط بعضها ببعض ضمن منطق التماسك والتنسيق.

تطورت حركة الدسترة في القرن الثامن عشر, ضمن حركة مقاومة الحكم الملكي المطلق. إن كان هدف الدستور إعطاء السلطة وضعا يبين كيفية ممارستها ضمن قواعد محددة, فانه يهدف كذلك لحماية الأفراد من تعسف السلطة.
وعليه فان مفاهيم القرن الثامن عشر أعطت للدستور وجها مزدوجا: ماديا مجموعة الأحكام المتعلقة بانتقال السلطة السياسية وعملها. وشكليا إصدار حسب إجراءات خاصة أكثر صعوبة من تلك التي تستوجب صدور القوانين العادية
.
وأخير, وهدفنا هنا ليس دراسة في الدساتير, نكتفي بطرح التساؤلات التالية: إلى أي القرون اقرب مفاهيم واضعي الدستور السوري الجديد؟. وعلى أي الأسس سيقيمون السلطة, على الأصل الإلهي ؟,(سوريا الله حاميها وبالتالي, حمايتها تمر عبر حماية راعيها) أم على التفويض الحزبي ذو الفكر الانقلابي الذي جاء به البعث, وقام بسلسلة من الانقلابات العسكرية ليجعل العسكر مصدر السلطة وأصحابها؟. أم على عرف تواتر بـ"تطويب" السلطة لمغتصبها عقودا وعقود إلى ان يرى الله أمرا كان مقضيا؟. أم إلى عقد اجتماعي ينص على مقايضة الأمن والأمان بقبول الجور والطغيان؟. وبالتالي تكون السلطة الفعلية لرجال الأمن وتصبح الدولة دولة امنين تتوجب الطاعة فيها على الرعية؟.

هل سيكون الدستور الموعود المهيأ لمنافسة أرقى الدساتير غير كل ما ذكر, ويضع السيادة في الشعب صاحب ومصدر كل سلطة؟. هل سينص صراحة على طبيعة نظام الحكم في الدولة: برلمانيا أو رئاسيا أو نصف رئاسي نصف برلماني على الطريقة الفرنسية؟. أم سيكون البناء على الطريقة الروسية والصينية والكورية الشمالية, ولكن ناطقا بالعربية؟, بعد أن حُذف الغرب من الخريطة السياسية والجغرافية, وسقط من الجهات الأربع جهة هامشية, وأصبح الهوى والتوجه  شرقيا؟. هل ستكون الديمقراطية مباشرة أم شبه مباشرة أم تمثيلية؟, أم ديمقراطية شعبية, على غرار ما كان قائما في دول الديمقراطيات الشعبية؟.

هل سيأخذ بفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كما هي في غالبية دساتير العالم, أم سيُنقص منها واحدة أو اثنتين؟. أم سيزيد عليها واحدة أو اثنتين: الجيش والمخابرات؟.
هل سيشير إلى الحريات الأساسية وحقوق الإنسان, ويجعلها جزءا أساسيا في مقدمة الدستور, خوفا من أن تنطبق عليه المقولة التي جسدتها المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 وأصبحت معيارا ماديا لتقييم الدساتير " كل مجتمع لا تكون فيه الحقوق مصونة ومؤمنة, والفصل بين السلطات ثابت, لا يمكنه الادعاء بأنه يملك دستورا".

هل ستنهي اللجنة المكلفة بالدستور التنافسي مجهودها, وتعلنه بالربيع القادم من العام القادم, ودون أية حساسية من الثورات ومن الربيع؟, فتفوز بالرهان, وتثبت للجميع أن من يُبدع في الاستبداد والفساد يمكنه أن يبدع في احترام الحريات وحقوق الإنسان؟.

أم أنها ستقطع عملها في ورشة صياغة الدستور التنافسي الموعود, وتعلن, صراحة, بأنها عبثا تفعل, وان النظام السياسي الحالي لا يصلحه إصلاح دستور, ولا وضع دستور, ولا تضبطه أية معايير, فهو خارج كل المعايير؟. وانه لوضع دستور جدير باسمه , لا بد من إعادة بناء الدولة بكاملها, وإقامة دولة من هذا العصر ولهذا العصر.

د.هايل نصر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات