الدراما الإيرانية و تصدير الثورة .
أعاد الجدل الذي عرفه لبنان حول مسلسل المسيح، والذي انتهى بتراجع قناة المنار عن قرار برمجته في شهر رمضان، أعاد الدراما الإيرانية إلى الواجهة من جديد. و بدا من الواضح أن كل ما يأتي من بلاد فارس يثير نقاشات حادة. و نظرا للدور الخطير الذي يضطلع به الإنتاج السينمائي و التلفزيوني في التعريف بالثقافات و التأثير في الرأي العام، فإن الدراما الإيرانية ليست مجرد ترف فني زائد، بل تنطوي على استراتيجية ثقافية تستحق التحليل و المناقشة.
بحكم طبيعة النظام السياسي الذي يحكم إيران، اتجهت معظم الإنتاجات السينمائية في السنوات الأخيرة إلى تناول مواضيع ذات حمولة دينية مكثفة. وقد نجحت هذه الإستراتيجية في اجتذاب قاعدة كبيرة من المشاهدين نظرا لقيمة التأثير الديني في وجدان الناس. غير أن القائمين على الشأن الفني في إيران لا يتوجهون إلى الجمهور المحلي فحسب، بل يطمحون إلى الوصول إلى العالم الإسلامي بشكل عام و إلى الجمهور العربي على وجه التحديد، حيث تعرف المسلسلات الإيرانية عمليات دبلجة في لبنان بالخصوص. و ذلك وفق فكرة التصدير التي انتهجها نظام الملالي في طهران منذ قيام الثورة الإسلامية بزعامة الخميني. و هكذا يمثل تصدير النموذج الفكري الذي تحمله الدراما الإيرانية حلقة من حلقات تصدير الثورة كما نظر لها الخميني و معاونوه منذ ثلاثين سنة. لذلك دأب الإيرانيون خلال السنوات القليلة الأخيرة على إنتاج مسلسلات مستوحاة من قصص القرآن. حيث و صلت هذه الإنتاجات إلى المشاهد العربي عبر وسائط تلفزيونية محسوبة على التيار الشيعي. و تابع الملايين من المشاهدين مسلسلات بحبكة سينمائية متميزة و بتناول جذاب لأحداث تاريخية متعددة من قبيل قصة أهل الكهف و مريم المقدسة ... غير أن مسلسل النبي يوسف و الذي تم عرضه على قناتي المنار اللبنانية و بلادي العراقية في شهر رمضان من السنة الماضية، شكل نقطة فارقة في حضور الدراما الإيرانية. حيث حظي هذا المسلسل بمتابعة شعبية جارفة بلغت مستويات قياسية.
نجح صناع المسلسل المذكور في جذب المشاهد و حثه على متابعته، وذلك لتناغم أحداثه مع القصة التي ذكرها القرآن في سورة يوسف. كما نجحوا أيضا في فتح نقاش عقيم داخل الأوساط السنية في العالم العربي بسبب تصوير وجهي النبيين يوسف و يعقوب و وجه ملك الوحي. حيث اعترض عدد من الفقهاء على هذا الأسلوب في تناول شخصيات دينية مقدسة. لكن النجاح الحقيقي للدراما الإيرانية يتجاوز هذا النقاش السطحي إلى ماهو أعمق بكثير. فالإيرانيون ماضون في مشاريع تصدير الفكر الشيعي باحترافية بالغة. وهم بذلك يتغلغلون في اللاوعي الجماعي تدريجيا من خلال التأسيس لأدبيات عقائدية جديدة تلقى القبول عند المشاهدين من المذهب السني لأنها مغلفة بإبداع فني يأخذ الألباب... لكن الحقيقة الغائبة خلف هذا الحضور الإيراني المتزايد و الذي يتبلور بشكل جلي على المستوى السياسي هي أن واقع المسلمين يعيد إنتاج نفسه بذات الأدوات و الوسائل، وهو يؤهلهم لمزيد من التشرذم و الضياع في ظل تجاذبات لا تنتهي بين التيارات المذهبية الضيقة في الوقت الذي نجح فيه الغرب في قطع أشواط كبيرة في مسيرة أنسنة الفكر و الثقافة بغض النظر عن الإنتماءات العرقية و الدينية الضيقة. و بالرغم من الحمولة الإيديولوجية التي تؤطركثيرا من الإنتاجات الثقافية في الغرب فإنها تتعلق بترسيخ نماذج قيمية تتعالى عن كل التصنيفات الإنتمائية، و تسعى إلى عالم يحتفل بالإنسان و الإنسانية.
مازالت الإيديولوجيا الدينية الموجهة بتأثير مذهبي تؤثث المشهد العام في العالم الإسلامي. و مازالت خطابات الأمة الواحدة تغرق في وحل الطائفية و الإنتماء المذهبي لأنها خطابات أخطأت نقطة الإنطلاق منذ البداية و فشلت في تحديد الهدف أيضا، وستظل رهينة اختياراتها إلى أجل غير مسمى.
محمد مغوتي.26/08/2010.
التعليقات (0)