عبـد الفتـاح الفاتحـي
شكل سحب أربع دول من منطقة الكاريبي هي: غرانادا، وأنتيغا وبربودا، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت - لوسيا، اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية، أبرز انجاز للدبلوماسية المغربية على مدار العشر سنوات الأخيرة في قضية الصحراء المغربية.
وقد تم تأكيد مختلف هذه القرارات، بشكل رسمي، في بلاغات مشتركة توجت الزيارات المتوالية، التي قام بها، وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري، لهذه الدول الأربع بمنطقة الكاريبي من 9 إلى 13 غشت 2010.
وتأتي هذه الإعلانات الرسمية الأربعة في أعقاب قرار الدومينك سحب اعترافها، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها للمغرب وزيرها الأول روزفلت سكيريت يومي 23 و24 يوليوز الماضي.
ووصف هذا الإنجاز بغير المسبوق، لأنه جاء من أحد القلاع الحليفة لأطروحة الجزائر المساندة لمبدأ تقرير المصير والاستقلال في الصحراء، والتي ظلت لمدة سنين طويلة تؤيد الجمهورية الوهمية قبل أن تقرر أخيرا سحب الاعتراف بها، وذلك في إطار سعيهم فتح صفحة جديدة في علاقاتها الثنائية مع المملكة المغربية، تقوم على الاحترام والإنصات المتبادلين بين الدول، وعلى الصداقة والتعاون ذي النفع المتبادل بين الشعوب، وإرادتهم في تشجيع مسلسل المفاوضات الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى تسوية سياسية متفاوض بشأنها للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وتأتي هذه التطورات الخاصة بالصحراء المغربية، بعد إعلان الوزير الأول لكومنويلث الدومينيك السيد روزفلت سكيريت أن بلاده قررت سحب اعترافها بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" المزعومة، وذلك في بيان مشترك نشر بالرباط عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد الطيب الفاسي الفهري. وأبلغ حينها روزفلت سكيريت، بأن بلاده وعلى غرار العديد من البلدان، قررت سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة.
وعن هذا الحدث أكد الممثل السابق ل`(البوليساريو) بإيطاليا سيداتي الغلاوي، أن سحب أربع دول من منطقة الكاريبي اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية، "تأكيد لعدالة القضية الوطنية ونجاعة الدبلوماسية المغربية".
واستطاعت إذن الدبلوماسية المغربية تحقيق اختراق في جزء هام من دول أمريكا اللاتينية التي كانت إلى أمد قريب من أشد المؤيدين لتقرير المصير في الصحراء، بل وكانت قلعة من قلاع الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية، التي أسسها مرتزقة البوليساريو من جانب واحد في يوم 27 فبراير 1976، معلنين بالمناسبة أنهم يقيمونها على مساحة 20% من الإقليم المتنازع عليه والتي يعتبرها المغرب منطقة عازلة.
وإن إقناع الدبلوماسية المغربية لهذه الدول سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية يعد أكبر إنجاز لها خلال العشر سنوات الأخيرة فيما يخص النزاع في الصحراء، وتأكيد لمؤشرات تشير إلى دنو زوال عناصر وجود جبهة البوليساريو، تؤشر على تطورات جديدة قد يشهدها تدبير قضية التفاوض حول الصحراء المغربية.
وإن سحب هذه الدول لاعترافها بالجمهورية الوهمية له أيضا أكثر من دلالة، لأنه أعلن عنه رسميا بعد الخطاب الملكي في عيد العرش، والذي أكد فيه محمد السادس تمسك المغرب بمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع في الصحراء، متهما الجزائر بمعاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية، بشأن قضية الصحراء المغربية، واعتبر محاولاتها تلك مناورات يائسة، لنسف الدينامية، التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.
كما تكمن أهمية هذا الحدث في الوزن السياسي للدول التي تراجعت عن اعترافها بالجمهورية الصحراوية، فمن جهة أن هذه الدول كانت إلى الأمد القريب الحليف الرئيسي لأطروحة الجزائر المؤيدة للبوليساريو، وحولت بهم دول أمريكا اللاتينية إلى حصن منيع للدفاع عن مبدأ تقرير المصير الذي يعني بحسبها الاستقلال والانفصال. ومن جهة ثانية فلأن هذا الإنجاز جاء من دول نافذة في منظمة دول الكاريبي ACS، التي تتكون من 25 دولة لها صفة العضو المراقب في قمة الاتحاد الإفريقي.
ومعلوم أن دول الكاريبي أصبحت تمثل قوة سياسية مهمة في العالم، حتى أن الزعيم معمر القذافي اعتبرها دول تتبع لإفريقيا وسكانها أفارقة، مبديا رغبته في أن تصبح هذه الدول أعضاء كاملي العضوية في الاتحاد الإفريقي.
وكانت الجزائر قد عبّأت إمكانيات مهمة من أجل الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المزعومة حتى وصل عدد الدول المعترفة به 80 دولة، وهو ما حمل المغرب على القيام بمجهودات دبلوماسية على قدر دبلوماسية الجزائر، وأسفر ذلك عن تراجع هذه الدول عن اعترافها بالجمهورية الوهمية إلى أن انخفض العدد إلى ما دون الثلاثين دولة.
واعتبر كثير من المراقبين أن هذا الحدث سيكون موجعا بدون شك وإعلان لبدايات العد العكسي لما يسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية، وإعلان لعودة المغرب بقوة إلى القارة الإفريقية، وخاصة إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي، عبر تفعيل مستوى ثاني من الدبلوماسية وهو سحب عضوية جبهة البوليساريو من هذه المنظمة، من مدخل أنه لا يعقل لدولة لا تحظى باعتراف العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد أن تكون عضوا كامل العضوية في هذا التنظيم.
بعض المتتبعين لم ينفوا هذا التوجه، لكنهم استبعدوه على الأمد القريب، على اعتبار أن المغرب سيناضل من أجل هذا المطلب من الخارج التنظيم في حين ستدعم الجزائر ربيبتها من داخل أروقة المنظمة الإفريقية.
وينبه عدد من المهتمين إلى سلسلات الضربات الموجهة التي تلقتها جبهة البوليساريو بين الفينة والأخرى، لما يؤشر إلى أنها تعيش فترة احتضار حقيقي ومرحلة انهيار وزوال، وكانت قد تلقت ضربة قاضية بعد قرار مجموعة من الأطر والمنشقين عنها إنشاء حركة بديلة عنها (بوليساريو خط الشهيد) والتي اتهمت الجبهة بالفساد والمتاجرة في معاناة الصحراويين وقبلت بالتفاوض على الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لإنهاء النزاع.
وهو مما يزيد من ضغط الدبلوماسية المغربية في المنتديات الدولية على أن معركته هي مع الجزائر ولا أحد غيرها، وهو ما يرجح انطلاقا من استقراء خطاب محمد السادس في عيد العرش الأخير، حين لم يورد أي إشارة إلى جبهة البوليساريو كطرف في النزاع. وهو ما قد يفهم منه أن المغرب قد لا يعترف مستقبلا بشرعية التفاوض مع الجبهة على اعتبار أنها لم تعد ممثلا شرعيا وحيدا لكل الصحراويين، وإنما هناك أطراف أخرى وجب الإنصات إليها في إطار الحكامة الدولية تراعي أصوات صحراوي الداخل وتيار خط الشهيد...
التعليقات (0)