عبـد الفتـاح الفاتحـي
انعقدت أعمال المؤتمر الثامن لوزراء خارجية دول مسار التعاون بين دول غرب حوض البحر الأبيض المتوسط المعروف باسم حوار 5+5، ويضم وزراء خارجية خمس دول أوروبية هي إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا ومالطا، وخمس دول مغاربية هي تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا.
وتشكل قضايا التعاون الاقتصادي من أجل تقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين ضفتي الحوض الغربي للمتوسط، وسبل مواجهة الهجرة غير الشرعية، والقضايا المرتبطة بالأمن والاستقرار في المنطقة، أحد أهم محاور هذا المؤتمر.
ووجدتها تونس مناسبة لبث إشارة الاندماج المغاربي للاستفادة من هذه الشراكة مع الدول الأوربية الخمسة، على أن يلي هذا الاجتماع تعزيز الاندماج المغاربي، إذ وزير خارجيتها على رؤى بلاده تجاه اتحاد المغرب العربي بالقول إن هذا الاندماج يظل مطمحا تاريخيا واستراتيجيا لدول المنطقة وشعوبها كافة.
وفي السياق ذاته أكد رئيس الدبلوماسية المغربية ووزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي، الطيب الفاسي الفهري، أن نجاح مسلسل التعاون والشراكة بين بلدان ضفتي المتوسط رهين بتحقيق الاندماج المغاربي، معربا عن أسفه لكون العلاقات المغربية الجزائرية لم تعرف أي تطور سواء على مستوى تطبيع العلاقات أو بالنسبة لفتح الحدود"، ومشيرا أن الدول الأوروبية بدأت في السنين الأخيرة، أمام تنامي التحديات التي تواجه المنطقة المتوسطية، شمالها وجنوبها، "تطلب وتلح على ضرورة الإسراع بتحقيق الاندماج المغاربي". لكن مثلما سجل في هذا الخصوص لا يسع المغرب إلا التعبير عن أسفه لكون العلاقات مع الجزائر لم تعرف أي تطور سواء على مستوى تطبيع العلاقات، الذي يعد مسألة طبيعية، أو بالنسبة لفتح الحدود". ويؤكد أنه في غياب مغرب عربي مندمج قوي ومنفتح يسوده جو من الثقة بين دوله ونية صادقة للعمل المشترك، فإن العمل مع هذه الفضاءات، سواء تعلق الأمر بالاتحاد المتوسطي أو الاتحاد الأوروبي، سيبقى دون مستوى طموحات شعوب البلدان المغاربية الخمس".
ومعلوم أن الدّعوة للاندماج والتعاون المغاربي كثرا ما ترددت من خارج الدور المعنية. ففي منتصف التسعينات، قدّم وزير التجارة الأمريكية مشروعا للاندماج الاقتصادي، مغربي – جزائري – تونسي، يرتبط باتفاقية تبادُل حُـر مع الولايات المتحدة، أطلق عليه مشروع ايزنشتات، لكنه فشل، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار العقبات السياسية القائمة بين الجزائر والمغرب، وإن كان الغريب أن مسؤولي دول المنطقة رفضوا التعاون في إطار هذا المشروع، بحجّة استبعاده لليبيا، التي كانت آنذاك تقبع تحت الحصار الغربي بسبب أزمة لوكربي.
وأضاف المراقبون أن المغرب يوالي عبر دبلوماسية التشهير بالموقف الجزائري من مسألة إغلاق الحدود التي تربطها الجزائر أتوماتيكيا بحل النزاع في الصحراء، وهو الموقف الذي يجعل الجزائريين أنفسهم أكثر من الفاعلين الأوربيين يرون أن للجزائر يد طولى في نزاع الصحراء، وإلا ما علاقة فتح الحدود بين البلدين.
وأكدوا أن غايات المغرب في النقر على وتر الاندماج المغاربي خلال اجتماع دول 5+5 لا يعدو في الوقت الراهن أن يكون استثمارا لقوة الموقف المغاربي على مستوى ملف الصحراء، وتنبيه المنتظم الدولي إلى الإحساس بأن نزاع الصحراء مغربي جزائري، تقوم فيه جبهة البوليساريو مقام الجزائر، وللتأكيد على أن وضع الجزائر هذا يجعلها معرقلة وغير مساهمة في حل نزاع الصحراء سلبيا. وهو توجه الدبلوماسية المغربية في الوقت الراهن لتقديم الجزائر أمام الاتحاد الأوربي كدولة تفتقد لأي رؤية منسجمة مع قناعاتها السياسية، وتشير عدة تحليلات أن هذه هي أهم معارك الدبلوماسية المغربية في الوقت الراهن، في ظل تعزيز نقط قوة الموقف المغربي وخاصة شحذ التأييد لمقترح الحكم الذاتي، وإضعاف الدور الجزائري عبر مزيد من التشهير بسياسته في المنطقة. وهذا التحليل يأتي منسجما وما أعلنه وزير الخارجية المغربية الطيب الفاسي الفهري بخصوص عدم تحقيق تطور في الاندماج المغاربي المأمول أوربيا "إن المغرب لا يسعه إلا التعبير عن أسفه لكون العلاقات مع الجزائر لم تعرف أي تطور سواء على مستوى تطبيع العلاقات، الذي يعد مسألة طبيعية، أو بالنسبة لفتح الحدود"، وهو قول يحمل الجزائر مسؤولية ذلك، وهو ما بات الإتحاد الأوربي مقتنعا به اليوم. ويفهم من هذا التصريح أن الدبلوماسية المغربية تكثف استثمار ما أوصى به كريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام في الصحراء خلال جولته الأخيرة للمنطقة بدعوة الجزائر إلى التعاون التام لحل مشكل الصحراء.
ويدعم الموقف المغربي في هذا الطرح ما تبديه الجزائر اليوم من عناد كبير تجاه فرنسا والإتحاد الأوربي، ويستشعرونه عمليا في عدم انخراطها في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، ومواقفها من فرنسا؛ إذ يعيش البلدان اليوم أزمة دبلوماسية خانقة، ومواقفها المعارضة لإقامة قاعدة عسكرية أمريكيا بالصحراء الإفريقية، وهو وضع في صالح المغرب في الوقت الراهن.
بينما يسجل المنتظم الدولي تعاونا كبيرا يبديه المغرب وتعبير دائم عن حسن نيته في العمل الجاد على المستوى المغاربي والإقليمي المشترك، وهو بات يشكل إحراجا كبيرا للدبلوماسية الجزائرية. وقد أبدى المغرب خلال مشاركته في الملتقى المغاربي الثاني لأصحاب الأعمال المغاربيين الشهر القادم للبحث عن مخرج للانسداد الذي يواجهه الاتحاد المغاربي منذ 21 سنة. وهو ما برز في مواقف عدد من المسؤولين الأمريكيين، حيث قال رئيس مجموعة التفكير الأمريكية "فورينغ بوليسي ريسيرش أنستيتي"، السيد هارفي سيشرمان "إن الأوروبيين وبلدان المغرب العربي يدركون تماما وينتابهم القلق إزاء انعكاسات فشل الاستفادة من إمكاناتهم الاقتصادية"، موضحا أنه بالنسبة للجانب الأوروبي من البحر المتوسط، يعد اقتصاد مغاربي متنامي (...) أفضل علاج لمواجهة ضغط تدفقات الهجرات غير الشرعية".
والحق أن المبادرات التي يعلن عنها المغرب وإن تكن مبادرات سياسية بحسب الرؤية الجزائرية لا تنفصل عن رغبته في توظيف مسألة المطالبة بفتح الحدود وتحريك جمود الاتحاد المغاربي لتعزيز مكاسبه السياسية في السيطرة على أقاليم الصحراء الغربية.
ولذلك كانت الجزائر تصر على أن تجعل الاتحاد المغاربي في غرفة الإنعاش بسبب نزاع الصحراء الغربية، فظل اعتماد أزيد من 37 اتفاقية معلقة بسبب عدم مصادقة مجلس رئاسة الاتحاد سوى على 6 منها فقط، ولم ترى الاتفاقيات الأكثر جدية على غرار السوق الزراعية الموحدة وتنقل الأفراد ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء وإزالة الحواجز الجمركية وإنشاء بنك مركزي مغاربي وسوق مالية مغاربية موحدة.
إلا أن عددا من المتتبعين يرون أن المبادرات المغربية جد مقنعة أوربيا وشعبيا، وهي في توافق تام للتحديات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا بعد تسجيل مؤشرات هامة لتطورات كبرى ستشهدها المنطقة نتيجة لمسار التكتل الأوربي، وتكتل الاتحاد من أجل المتوسط، وفي وقت تفقد فيه المؤسسات الاقتصادية المغاربية قدرتها التنافسية أمام نظيرتها الأوربية.
وقد توفق المغرب على مستوى تحقيق اختراق على المستوى الاندماج المغاربي، وتكثيف التعاون الاقتصادي مع باقي الدول المغاربية منها بحث الشركة التونسية لتكرير البترول مع المغرب بشأن استيراد كميات من فائض النفط المكرر من المغرب لسد احتياجات تونس.
ويسجل عدد من المراقبين أن المغرب يبقى مؤثرا في سيرورة الأحداث في المنطقة الساحل رغم محاولة الجزائر عزله عن العمق الإفريقي، فكانت نتيجة ما راهنت عليه في إقامة قوة افريقية مشتركة لمحاربة الإرهاب من دون المغرب الفشل.
وقد كشفت مصادر عليمة أن أجهزة الأمن الموريتانية اشتكت من نقص التنسيق بين هذه الدول السبع ودول المحيط القريب التي باتت تشكل موقع تنقل وتحرك للجماعات الإجرامية والإرهابية، خاصة السينغال غينيا ونيجيريا. وكشفت تقارير أمنية أن رؤساء العصابات الإجرامية الكبرى يتحركون حاليا إلى الجنوب، خاصة إلى السينغال وغينيا ونيجيريا بعد الضغوط الأمنية التي تعرضوا لها في الأشهر الأخيرة، خاصة في موريتانيا.
ويرى عدد من المتتبعين أن قضية رضوخ الجزائر للضغوطات المغربية والدولية بشأن فتح الحدود يبقى قاب قوسين أو أدنى أمام تعاظم التحرك الميداني لجمعيات المجتمع المدني المطالبة بدورها إلى تفعيل هياكل الاتحاد المغاربي، وآخرها إطلاق هيئة مغاربية مشتركة للمحاماة بنواكشوظ، على شكل تأسيس اتحاد محامي المغرب العربي، كخطوة أساسية نحو التوحد المنشود الذي تطمح إليه كل الشعوب المغاربية على حد قول الوفود المشاركة.
في وقت تشير فيه بأسف شديد أصوات مغاربية أن نسبة المبادلات التجارية بين الدول المغاربية لا تزال في مستويات ضعيفة بالمقارنة مع مناطق أخرى مثل أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. بعدما كانت دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا بتأسيس اتحاد المغرب العربي سنة 1989 لتشجيع التعاون والاندماج الاقتصادي في سوق مشترك. وشهدت سنة 1994 تأسيس المنطقة المغاربية للتجارة الحرة التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد. كما وقعت اتفاقات للتجارة الحرة بين المغرب وتونس في 1999، وبين المغرب وتونس وليبيا والأردن في 2004 وبين تونس والجزائر في 2008..
محلل صحفي
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)