عاد النقاش حول المسألة اللغوية في بلادنا إلى الساحة بقوة بعد المذكرة الأخيرة التي رفعها نورالدين عيوش إلى الملك بشأن استعمال الدارجة في التعليم الأولي. وقد ذهبت أغلب ردود الأفعال المسجلة إلى رفض المبادرة واتهام دعاة الدارجة بالسعي إلى تهديد النسيج الإجتماعي المغربي وانتمائه الهوياتي. وليس في ذلك ما يدعو للتعجب بالنظر إلى الحساسية المفرطة التي يثيرها الموضوع اللغوي في المغرب. لكن الكثيرين من المشاركين في الحملة "التخوينية" لمطلب الإنتقال من الدارجة كلغة عامية إلى لغة مدرسية، يعبرون عن ازدواجية فاضحة وتوهان هوياتي مكشوف.
من المعروف أن النقاش حول المسألة اللغوية بالمغرب ليس جديدا، فمنذ ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية خلال ستينيات القرن الماضي، قفز هذا الموضوع إلى الواجهة بشكل متزايد. واليوم يبدو أن الذين ظلوا دائما يمعنون في تعريب الشخصية المغربية ويدافعون باستمرار عن ما يسمونه: ثوابت الهوية المغربية، مازالوا يقفون كعائق أساسي أمام الوصول إلى حسم نهائي للاختيار اللغوي في بلادنا. ذلك أن الثابت الأساسي الذي يدافع عنه هؤلاء هو العروبة كانتماء معلن لا محيد عنه، بالرغم من أن المنطوق الدستوري الذي استفتي بشأنه المغاربة في يوليوز 2011 يقر بترسيم الأمازيغية إلى جانب العربية. وهذا يعني أن معاداة الدارجة ليس إلا وجها آخر من أوجه حصار الأمازيغية ومصادرتها. ذلك أن كل الذين يشحذون أقلامهم ويرفعون أصواتهم للهجوم على أنصار الدارجة، إنما يفعلون ذلك في سياق حصار الأمازيغية ومحاولة تحجيمها.
إن الدارجة المغربية تمثل صمام الأمان للتعددية العرقية في المغرب، فهي تعبير عن التجانس بين مكونات الشخصية المغربية. وهذا لا يتنافى مع الهوية الأمازيغية المشتركة للمغاربة، لأن العامية المغربية أمازيغية التركيب بالرغم من طغيان المعجم العربي على مفرداتها. والخطاب الرائج الذي يقدم الدارجة كلهجة رديفة للغة العربية يحمل مغالطة شديدة، فهي من حيث مفاهيمها تتكون من قاموس عربي وأمازيغي وأعجمي أيضا، لكنها على المستوى التركيبي لا علاقة لها باللغة العربية الفصحى. وهذا مدخل أساسي يجعلنا نفهم سبب الحرب الإعلامية على دعاة الدارجة. فحماة العربية الذين يرفضون تدريس الدارجة هم في الحقيقة يجددون رفضهم المعتاد للأمازيغية كهوية للمغاربة. أما من يرى في هذا الكلام تناقضا مع واقع الحال، باعتبار أن اللغة الأمازيغية نفسها أصبحت مادة مدرسية منذ عقد من الزمن، فعليه أن يعلم أن ما يعرف بتدريس الأمازيغية ليس إلا ضحكا على الذقون، إذ لا وجود لمادة دراسية من هذا القبيل إلا في جداول الحصص في أغلب المؤسسات التعليمية. وقد كان حريا استنادا إلى الوثيقة الدستورية أن تكون مادة دراسية معممة وإجبارية باعتبار الأمازيغية هوية مشتركة لجميع المغاربة.
واضح إذن، وبحكم حالة الركود التي يعرفها ملف ترسيم الأمازيغية عمليا، أن الهجوم على الدارجة يكذب الحديث عن التعددية والتلاقح الثقافي وغيرها من المفردات الرنانة التي تتردد على مسامعنا باستمرار، فالدارجة هي لغة البيت والشارع، وهي الوعاء الذي يضم خصوصيات التنوع المغربي. والمطالبة بدمجها في المدرسة تستند إلى كثير من المعقولية بغض النظر عن النقاشات السياسية والإيديولوجية المصاحبة لها. وأغلب الأصوات التي تصدت لمذكرة عيوش تقدم للرأي العام صورة مغلوطة عن الحقيقة، يصبح بمقتضاها كل من يغرد خارج سرب الإختيار العروبي مصنفا في خانة العملاء وخدام الفرنكفونية وغيرها من التهم الجاهزة. ماهو معلن إذن يدغدغ المشاعر والعواطف ويستغل الشعور الديني للمغاربة، ويقدم المدافعين عن الأمازيغية والدارجة كأعداء للعروبة والإسلام. لذلك يلقى هذا الخطاب المغلوط والمغالط آذانا صاغية في الشارع المغربي الذي أريد له أن يكون عربيا بالإلحاق، أما التنوع والتعدد المزعومان فلا يحضران إلا على سبيل الفرجة والفولكلور.
محمد مغوتي. 13 – 11 – 2013.
التعليقات (4)
1 - نعم لعروبة المغرب الشقيق
أحمد - 2013-11-16 23:20:15
الدراجة تعني لدينا في مصر العجلة التي تركب كنوع من المواصلات، مع التحية
2 - رد على تعليق أحمد
محمد مغوتي - 2013-11-17 13:50:02
شكرا على المعلومة المفيدة!!!!!!!!. يبدو أنك تحتاج إلى نظارة لقراءة الكلمة بشكل سليم. نحن نتحدث عن الدارجة وليس الدراجة أيها اللبيب. مع تحياتي.
3 - فليغرق المغرب في المحيط أو البحر أيهما أعمق
أحمد - 2013-11-17 18:59:57
أنا أعرف المكتوب ولا أحتاج لنظارة أيها الغير لبيب ولكنني أؤكد على التشابه بين الكلمتين فقط
4 - رد على تعليق أحمد
محمد مغوتي - 2013-11-17 19:31:51
من الغير لبيب ( على حد قولك) إلى اللبيب: شكرا على التوضيح. مع تحياتي.