مواضيع اليوم

الخيط الرفيع بين الشرع والتشريع الجزء الرابع

انور محمد

2009-06-10 20:07:09

0

                         الخيط الرفيع
                     بين الشرع والتشريع
المقال الرابع
:
مازالت تلك دعواهم بالحكمة والموعظة الحسنة والتحاور بالتى هى أحسن دائما ، والدعوة إلى التحلى بالصبر والمنطق فى عرض الرأى والرأى الآخر ، ذلك بأنهم يمتلكون الحق وما بعد الحق إلا الضلال ، أما الذى يرفض الحوار العقلى ، فهو ضعيف الحجة ، قليل الفهم ، يختفى خلف بعض المصطلحات التى يعارضها فى أول تصادم معها ، عندما يقع فى تناقض ، أذكر ذلك بعد الدعوة التى قدمتها من قبل بأن يقدم لنا كل صاحب فكر قواعده التى يسير عليها قبل البدء فى بسط مقاله ، لكن أحدا لم يفعل ، ولن يفعل ، وسيردد ما قد قيل قبلا من أقوال يختلف أولها عن آخرها ، فمن يقول لك : ( نفعل كما فعل القدماء لأنهم خير البشر ) ، يعود ليقول لك : ( لا نفعل مثل فعلهم لأنهم خير البشر ، أما نحن فلسنا مثلهم ) . ولا تعلم هل نفعل مثلهم ، أو لا نفعل ، كذا يقول ابن تيمية ، وأظنه لم يكن يعلم أنه سيأتى بعده من يتعصب له بشكل يفسد على الناس دينهم ، ولو حسب ذلك ما كنت أظنه فاعلا . إن غياب المنهج المنطقى هو الذى يترك الأمر يمضى بحيث يشاء الباحث ؛ إن شاء قال به ، أو شاء منعه .
إن الفصل بين ما هو من الدين ، وبين ما هو العادات البيئية ضرورة شرعية ، لتنقية الإسلام من البيئية وانطلاقه للعالمية ، فالذى يحد الإسلام ببيئة ، أو لغة أو زى ، هو فاقد لحقيقة الإسلام ، وزاعم أن الإسلام دين محلى ، مثله مثل المسيحية أو اليهودية ، بل إن المسيحية انطلقت للعالمية واليهودية كذلك ، وهما غير مؤهلين لذلك ، وتخلى الإسلام عن دوره العالمى ، فحدث هذا الخلل فى التوازن بين الديانات ، إن الفرصة لعرض الإسلام كدين صالح لكل البيئات والأزمان يجب أن يصاحبه منطق عقلى ، وتطبيق علمى ، والذى يخشى من هذا هو غير واثق فى فكره ، متشكك فى قدرته على المحاورة والنقاش ، وعليه التخلى عن مكانه ، وتقديم غيره ، إن كان صادقا فى دينه ، أما البقاء فى مواقع الدعوة ، وأنت غير قادر على قوة الحجة وتقديم الفكر السليم ، هو حب للذات والعلو فى الأرض ، وقد قال تعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) .
القول بالزى الإسلامى والاختلاط ، ومعظم ما يتصل بأمور المرأة ، هى من قبيل الحكم البيئى فقط ، وليس للدين منها نصيب ، ولو قيل إن الإسلام لم يمنعها ، فهى باقية ، هو مقال واه ، ليس له أصل لا فى دين أو عقل بدليل أن أهم قضايا الدين والإنسانية عامة ، وهى الحرية ، آثر الدين تركها لزوال البيئة نفسها ، فلم نسمع أن الإسلام أنهى العبودية ، ولم يعلن الرسول عليه الصلاة والسلام الحرية ، أو يأمر بتحرير العبيد ، وأن يطلق كل الصحابة من لديهم من عبيد وإماء ، رغم أن هذا مطلب بديهى ، ناتج من دعوة الإسلام ومبادئه الساعية للحرية ، والمساواة ، فكلنا لآدم وآدم من تراب .
الذى حدث هى ثقة الإسلام فى أن هذا الأمر بيئى سيموت إذا انتشر الإسلام ، وحقق العالمية ، لأن العبودية مرتبطة بالبيئية ، فكل جماعة تأسر من غيرها من الجماعات ، وتطلق عليهم عبيدا ، أما إذا اندمج العالم فى نظام واحد ، فسينتهى هذا النظام ، إذا فالإسلام حقق حرية العبيد قبل سبارتاكوس أو لنكولن ، لكن ذلك عن طريق نشر الدين وعالميته ، فهو عندما رسخ مبدأ العالمية ، ووحد العالم كله تحت راية المبادئ الإسلامية السامية ، هذا هو حال ما يتعلق بالمرأة ، لم يتطرق الدين لها لأنها مرتبطة بالبيئة المحلية ، ولن يغيرها القوم لتعصبهم البيئى ، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ، وأشار غير مرة لقرب العهد بالدين وعدم توغل المفاهيم الصحيحة للإسلام لكن نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم تكن محدودة بيوم وليلة ، بل هى نظرة ترى الأرض كلها والزمان كله لله ، وسيأتى اليوم الذى يسير فيه الراكب لا يخاف إلا من الله والذئب على غنمه .
نقول وبالله التوفيق ، إن نظرة الإسلام كانت هى الرهان على عالمية الإسلام ، وأنها القادرة على ذوبان هذه المبادئ البيئية البالية ، وكلما تقدم المجتمع وانصهر فى بيئة واحدة تحت راية واحدة ، ستموت هذه السلبيات التى تفرق الناس جماعات ، وهذه أيضا تذكرنا بالتفريق الذى حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لسنا منهم فى شيء ، لأننا أصحاب دعوة عامة ليست خاصة بالسعودية أو مصر أو الجزيرة العربية ، بل ندعو للإسلام فى أى مكان وأى زمان حتى قيام الساعة .
آن الأوان لكم أن تتركوا مقاعدكم أيها المرجفون فى مدينه الدين ، تلك المدينة التى تأمركم أن تتركوا المكان لمن يملك الحجة والمنطق القادر على نشر الدعوة ، ولا يغرنكم تجمع بعض العامة من حولكم لأن هؤلاء العامة منخدعون ، وسينفضون عنكم إذا انكشف ضعفكم وسيصبحون بكلامكم كافرين ، وستنقشع الغشاوة التى على أعينهم من لهو الحديث ومعسول الكلام الذى على أحسن الظن يجهل هل هو من الدين أو من الدعوة للسياسة والتحزب لدولة ضد دولة ، إن هناك العديد من التفاصيل والنقاط التى إذا استعرضناها ، فسيرى القارئ عكس المفهوم السائد الذى تروج له هذه الجماعات التى تعود بنا للبيئية ولا تريد العالمية ، لكن المقال الآن عن الأفكار التى فى ذهن هؤلاء ، والتى تدفعهم لهذا الجمود والعودة ألف سنة أو تزيد ، إن أولى هذه الأفكار هى السلطة الزمنية ؛ لقد تولدت لهذه الطبقة سلطة عبر الأجيال ، وأصبحوا حريصين عليها ، قبل كل شيء ، يخشون زوالها ويتمسكون بها لأبعد حد .
الأمر الثانى هو الخوف من المناظرة العقلية المنطقية بدعوى أن الدين عمل غيبي ، والأصل أن الدين مبدأ غيبي فيما يتعلق بالإيمان أما التعاملات المجتمعية فهى متروكة لتطبيق منطقى ، وإلا لفعل كل واحد ما يشاء ، متستر وراء الغيبيات ، وهذا ما يحدث فعلا ، فنرى من يتستر وراء تفسير خاص لنص يحتمل عدة توجهات ، ويريد فرض تفسيره فقط . إن الدنيا إذا نزلت فى قلب أخرجت الدين منه ، ولن يقدم هؤلاء صالح الدين إذا ظلوا متمسكين بمناصبهم ومواقعهم . 
                             والله من وراء القصد
                                               بقلم :
                                               أنور محمد أنور




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !