الخيانة الادبية:
تشكل الطبقات المثقفة من اي مجتمع سواء في الاختصاصات النظرية او العملية ذات العلاقة او المالكة لكم وكيف معرفي متنوع، قيادته الطبيعية الحقيقية الاكثر وعيا لحاجات وقدرات المجتمع من غيرها من القيادات التي وصلت بالقوة والغدر والخيانة والعمالة،وهي اقرب لحكومة الظل في الانظمة الديمقراطية التي تراقب عمل وسلوك الحكومة...وهي الممثل الحضاري الرئيسي لأي بلد في العالم.
الحدود الدنيا من الملكة الثقافية او الاكاديمية النظرية والعملية هي قادرة على تشكيل وعي ذاتي لدى اي انسان تجاه الواقع الذي يعيشه او حتى ضمن هذا العالم،هذا الوعي قادر على فرز كل ما ينتج عن الاخرين سواء اكان صائبا ام كاذبا،او حتى التمييز بين التحريف والتدليس من الحقيقي ولو كان متخفيا او مندثرا!.
اي فقدان لاستقلالية الانسان الواعي سوف تؤدي الى فقدانه لكافة الصفات التي تؤهله لقيادة مجتمعه وبخاصة امام الطبقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتحكمة التي هي في حالة صراع ازلي مع كل ما يهدد وجودها وتحكمها!...فالتبعية ذل واستعباد للانسان،وعليه فأن الانسان وبخاصة من الناحية الاقتصادية اذا كان مستقلا فهو اكثر قدرة على التعبير الحر من الاخر الذي يخضع لمن يسد عنه رمق العيش!...ولذلك لاحظنا على مدار التاريخ ان القيادات الدينية اذا كانت مستقلة فأنها تكون اقرب للشعب وتكون قادرة على الدفاع عنه فضلا عن التعبير بصدق عن مشاعره والعكس صحيح اذا كانت القيادات تستلم الرواتب والتعيينات من القيادات السياسية،فعلى الانسان الواعي ان يكون اكثر حيطة وحذرا منها لكونها لا تعبر عنه مهما استخدمت من الفاظ منمقة وبأستدلال شرعي مزيف!.
قد يكون فقدان الاستقلالية والقدرة على التعبير الحر والدفاع والصمود هي ناتجة من الخوف والرعب والارهاب الذي يعيشه ضمن المجتمع ككل من جراء الحكم المتسلط،وهنا يكون العذر قويا وبخاصة اذا كان يحاول الانعزال من التلوث الادبي الحاصل للجميع لحين حصول فرصة تمنحه القدرة على رد الاعتبار والعمل...اما في حالة الخضوع للاخر المتحكم سواء بوعي او بدونه...برغبة او بدونها، ثم العمل تحت ظلاله بكل خنوع وخدمة اغراضه المتنوعة وبخاصة تبرير الاعمال،حينها تكون الامور مختلفة والاعذار واهية،والسقوط في هذا المنحدر الاخلاقي يسمى بالخيانة الادبية!.
الخيانة الادبية:هي سلوك اي منهج نظري او عملي يخالف الوعي الملتزم بالقضايا الاساسية للانسان والدفاع عنها.
وعليه فأن الاعتبار الاخلاقي والقيمة الادبية والعلمية سوف تسقط بمجرد قبول العمل الخياني...هذا في حالة امتلاك القدرة على القبول والرفض!.
اختلاف الاراء في قضية ما هو شيء طبيعي خاصة ضمن القضايا الخلافية، ولا يدخل ضمن صنف الخيانة الادبية التي تكون من ضمنها مخالفة الاغلبية الداعية الى الشرعية فيما اذا قررت الصمت او التحرك.
ان علماء الدين والمفكرين والفلاسفة والادباء والشعراء والعلماء واصحاب الثقافة والفن وغيرهم من المتعارف عليهم ضمن الطبقات المثقفة،هي الاكثر وعيا والتزاما بقضايا شعوبهم والشعوب الاخرى...والقيمة الادبية تزداد كلما كان الموقف يتسم بالجرأة والشجاعة والنزاهة والاخلاص والصلابة والاستقلالية، والعكس صحيح ايضا فأن الصمت بدون دواعي امنية والخنوع والخيانة وقبول كلما يخالف الضمير والاخلاق هو يؤدي الى نقصان في تلك القيمة الى ان يصل الى درجة الخيانة الادبية.
عندما وقعت الثورة في تونس ثم مصر وبقية البقاع فأن نسبة كبيرة من الطبقات المثقفة الانفة الذكر قد وقفت موقف المتفرج او المشارك الانتهازي عندما لاحت بشائر النصر!...ان ذلك هو خيانة ادبية صغيرة اذا ما جرى مقارنتها بالبقاء ضمن صفوف النظام حتى النهاية او ما بعد النهاية!...فهي الخيانة الادبية الكبرى.
تسارع احداث الثورة في تونس جعل التمييز ضعيفا وان كان ظاهرا...ولكن في مصر فالاحوال مختلفة بدرجة اعلى لان المعارضة السياسية للنظام كانت منذ فترة طويلة وقد جرى التمييز بين الاصناف جميعها بدقة اعلى، وعندما بدأت الثورة في 25 يناير(كانون ثاني)2011 فأن المشاركة الخجولة من جانب الطبقات التي هي من المفروض ان تكون القيادة والتوجيه في يديها كانت مرعبة الى درجة تثير الغثيان وبخاصة من الوجوه التي نافقت كثيرا في القضايا الاساسية!...نعم المشاركة المتأخرة وتأنيب الضمير الناشيء منها تمسح الذنوب النفسية والاجتماعية بنسبة معينة وسوف تقلل من قيمة التقدير العالي! ولكن الوقوف بجانب نظام مرفوض بصورة مطلقة ،فهو الامر الاكثر غرابة واشمئزاز!.
بعض القيادات الدينية معروفة مسبقا بخضوعها للنظام لكونها جزءا من اجهزته التنظيمية او الفكرية كما هو شيخ الازهر نفسه الذي تحول من عضو بالحزب الفاسد الى امام اكبر بقدرة الاعلام!وبقية الشلة المستعبدة، وبالتالي فأن اتباع توجيهاتها يصبح امرا مضحكا حتى انتظار لحظات الحسم وحينها سوف يكون التوجه الجديد هو اخراج اولئك الخونة من مناصبهم وتعيين من لديه القدرة والشجاعة والاخلاص وهم كثر في مكانهم...والامر ينطبق ايضا على المتواجدين ضمن بقية الطبقات المثقفة الاخرى وهم اقرب للافاعي السامة في المجتمع منها لاصحاب القيم والمبادئ السامية.
الفرز والتمييز والتقييم!:
ان الثورات التي تقع في البلاد الخاضعة للظلم والاستعباد هي خير ميزان للتمييز بين الجميع من خلال مواقفهم وتصريحاتهم...وعليه فأن الواجب مراعاة الذاكرة الجمعية وحفظها من الاندثار حتى يمكن رفض اي عودة لهؤلاء الى امكانهم التي تربعوا عليها فترة طويلة من الزمن في غفلة من الجميع...فنشوء اجيال عديدة على التربية الخاطئة هو الذي ورث لنا هذا الحجم الضخم من الجهل والتخلف والتبعية!.
ان اعادة الاعتبار للشهداء وبخاصة من اصحاب الثقافة والفكر هو امر جوهري في كل عملية تغيير حقيقية،وهي التي سوف تزيل طبقة كثيفة من الخيانة الادبية،وتحل محلها نهج الالتزام الادبي.
ان عدم المشاركة في الثورة او التقدم ضمن الصفوف الامامية هو خير برهان على الخيانة الادبية وبالتالي فأن الواجب هو اعادة الاعتبار والتقييم ومن خلاله سوف يكون استخلاص النتائج والعبر لتلافي اخطاء المراحل السابقة هو العمل المؤسس لبناء نظام سياسي وثقافي جديد تقوم عليه اسس حضارة جديدة خالية من الاستبعاد والذل وتقوم على الحرية والعدالة.
مراقبة الخونة والمندسين والمنحرفين ادبيا هي مسؤولية كل انسان حر يسعى لاحقاق الحق واتباع نهجه ويرفض الباطل وسطوته،والتهاون في ذلك هو خيانة للحاضر والمستقبل الذي سوف يبنى على خطأ جديد!.
التعليقات (0)