أليمة هي الأنباء المتواترة التي تصلنا من مختلف بقاع الأرض عن الكوارث الطبيعية والأعاصير والزلازل والأوبئة والمحن التي تصيب الإنسان, وآخرها كان عن تفشي الوباء الذي يطلق عليه لقب أنفلونزا الخنازير والذي أودى بحياة أكثر من مائة حالة في المكسيك وحدها وامتدت تأثيراته إلى أمريكا الشمالية والى أوروبا والى منطقة الشرق الأوسط..
لكن الأشد إيلاما هنا هو حالة الوهن الأخلاقي العضال الذي نعاني منها كمجتمع يدعي تبنى القيم والشعارات السماوية العليا ويستحضرها كضابط ومنظم في كل نواحي الحياة التي نعيش ، فلم نعد نكتفي بالقعود المتطاول في مؤخرة الركب الإنساني في المجالات العلمية والتكنولوجية أو الفشل في استيعاب النظم الحديثة والمتطورة في الحكم والإدارة ..وهو مما لا مجال لمناقشته أو الاعتراض عليه..بل تأتي حالة انعدام التحسس الإنساني لتزيل ما تبقى من ورقة التوت الأخلاقية التي نخفي كل عيوبنا ومآخذنا وراءها..
فمن المثير للقرف مسارعة المتصدين للإعلام الديني عند كل كارثة طبيعية أو تفشي وباء في مجتمع من المجتمعات غير الإسلامية إلى استجلاب كامل مهاراتهم الخطابية المتراكمة واستحضار ذخيرتهم التاريخية من قصص أقوام لوط ونوح وعاقري الناقة ممن باؤا بغضب شديد من الله ومن فقهاءنا الأعلام .. كتفسير قسري لمآسي الشعوب وآلامها بكونها انتقاماً وعقوبة من السماء ينزلها الله على العصاة والمارقين الذين كفروا بنعم الله ، وسنة الله التي يتشرف السادة علماء الأمة الأجلاء بكونهم الأمناء المؤتمنين عليها وعلى تصريفها في أي مذهب يرونه صالحا ..
وبينما نرى تجاوز المجتمع الدولي –الكافر- عن المتباعدات العقائدية والتناقضات السياسية إثناء النكبات والمحن,بل وحتى استثمار الجهد الاغاثي الإنساني في تضييق ومحاصرة الفجوات وإزالة التوترات بين الشعوب, واستخدام دبلوماسية المساعدات وقت الكوارث في التنفيس عن الاحتقانات التي من الممكن أن تطرأ على العلاقات بين الأمم..نجد الجمع المؤمن يضع كل بيضه في سلة الشماتة السياسية ,كتوظيف مبتذل أو إسقاط ميثولوجي ملتبس عقدي مأزوم بإحساس مرضي بالدونية والعجز عن مجاراة الكيانات الطبيعية في الاهتمام بالإنسان وكل ما يحفظ سلامته ورخاؤه ورفاهيته...
ولا يبتعد الإعلام المتفقه دائما عن الترويج للكارثة أو الوباء على انه نوع من العقوبة الإلهية التي تصيب الذين ظلموا خاصة مع استخدام الإسقاط السياسي الشامت للكارثة,بالتلميح الى ان دولة الحاكم بأمره والمؤيد بدعاء الفقهاء محروسة بالعناية الإلهية والبركات النورانية, دون الالتفات إلى المأزق الأخلاقي الذي يعترض الموضوع كون الكوارث قد تصيب مناطق تقع تحت الصفة الإيمانية أو قد تكون خاضعة لسلطة الحاكم شخصيا..فهنا يتحول الأمر إلى التعتيم والتسفيه وإحالة الأمر إلى مكائد الكفار والمغرضين وقليلي الإيمان وعدم التطرق-تحت طائلة التكفير- إلى التجاهل الكامل والامتناع عن استخدام أي إجراء وقائي لدرء الخطر عن الشعوب التي لا تصلح إلا للدعاء بطول العمر للسلطان.
فعندما سأل مذيع الجزيرة السيدة د. ليلى فهمي عن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الجامعة العربية لحماية المنطقة من الآثار المفترضة للوباء.. أجابته بسلسلة من الاتصالات والمشاورات التي أفضت إلى تحديد التاسع من مارس كموعد لاجتماع طارئ في الرياض لتدارس الوضع..طارئا وفي التاسع من مارس؟؟سألها المذيع باستغراب..فلم تحسن السيدة الفاضلة سوى تجاهل الجواب بتلعثم و ارتباك من لا يجيد الكذب..
ودائما,وبالمعية لافتة ,استطاع إعلامنا الفقهي تحويل الأعاصير والزلازل إلى انتصارات مجيدة لكل أعداء المجتمع الغربي الكافر في العالمين العربي والإسلامي، وتجنيد الجراثيم والفيروسات في الجهاد المقدس ضد قوى الاستكبار العالمي الكافر..ولم لا فالغوث يأتي بمختلف الأشكال والأحجام.ويوضع سره في اضعف خلقه. وهو أسلوب يعد –بامتياز- نوع من التطاول على الذات الإلهية وتجاوز واضح على حدود الإيمان بتدخل الفقهاء في توجيه مقاصد المشيئة الإلهية في الحوادث المستجدة ,وادعاء نوع من الاطلاع والوصاية على حكمة الله سبحانه وتعالى من الكوارث والأوبئة..وهنا لا استطيع أن اخفي لهفتي الشخصية لمعرفة التقنية التي سيخرج بها علماؤنا الأجلاء إمكانية وصول المدد الإلهي عن طريق خنزير..
التعليقات (0)