الخنزير يحمل 493 مرضًا خطيرًا
د. محمد بديع
- التعامل الأمني المصري مع الأزمات البيئية سبب الكوارث
- "جامعو القمامة" مراكز متنقلة لنشر إنفلونزا الخنازير
- الحيوان أكبر "مطبخ" للفيروسات ويُعد أكثر الحيوانات "خسة"
- نقل "الزرائب" تمَّ بشكل غير علمي في بعض المحافظات
- لحم الخنزير محرم أكله عند المسلمين واليهود والنصارى
حاوره- محمد يوسف:
فجأة وبدون سابق إنذار، تصاعدت التحذيرات العالمية من خطورة وباء عالمي يهدِّد حياة البشر في جميع أنحاء العالم، بعد اكتشاف فيروس إنفلونزا الخنازير (H1N1) شديد الضراوة الذي ينتقل بين البشر، وأدى خلال أيام قليلة إلى وفاة أكثر من 160 بالمكسيك وأمريكا، فضلاً عن إصابة العشرات في كندا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا والصين والكيان الصهيوني، الأمر الذي يوشك بكارثة إنسانية عالمية.
وتزايدت في مصر المخاوف من احتمالية تواجد المرض القاتل وانتشاره، خاصةً بعد الفشل الحكومي في التعامل مع كارثة إنفلونزا الطيور، وتحذيرات منظمة الصحة العالمية من خطورة انتشار الفيروس بشكل وبائي.
(إخوان أون لاين) التقى الدكتور محمد بديع عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين والأستاذ المتفرغ بقسم الباثولوجيا بكلية الطب البيطري جامعة بني سويف ورئيس مجلس إدارة جمعية الباثولوجيا، والباثولوجيا الإكلينيكية لكليات الطب البيطري على مستوى الجمهورية، والذي يقع اسمه ضمن أعظم مائة عالم عربي في الموسوعة العلمية العربية التي أصدرتها هيئة الاستعلامات المصرية 1999م.
وتعرفنا منه أكثر على أسباب الظهور المفاجئ لإنفلونزا الخنازير، واحتمالات ظهوره في مصر وطرق الوقاية منها، وما الدور الذي يجب على الدولة فعله لمواجهة تلك الكارثة المحتملة، وما أعراض الإصابة بالفيروس، وهل هناك أزمة متوقعة، وصدام مع المسيحيين بسبب قرار الحكومة المصرية بذبح الخنازير بشكل فوري.. فإلي نص الحوار:
بداية.. في الوقت الذي كان يحذِّر فيه الخبراء من خطورة تحور فيروس إنفلونزا الطيور، وانتقاله من الإنسان إلى الإنسان، فوجئنا بالتحذير مما هو أشد فتكًا وضراوة، وهو فيروس إنفلونزا الخنازير.. ما الذي حدث؟
أولاً: أقول لشعب مصر كان الله في عونكم وعوننا، فمن كوليرا وطواعين وسل وإنفلونزا الطيور، ونهاية بإنفلونزا الخنازير.. أما فيما يتعلق بإنفلونزا الخنازير فهناك عدة حقائق لا بد من إبرازها؛ نظرًا لأن هناك تعاملاً إعلاميًّا وشعبيًّا قد يؤدى لكارثة ما لم نوضح الأمور، وخاصةً أننا أمام فيروس شديد الفتك بالإنسان.
حكومة فاشلة
وما أهم تلك الحقائق؟
أولاً: التعامل الأمني مع الأزمات البيئية في مصر سبب كوارث بيئية أبرزها توطن فيروس إنفلونزا الطيور وفيروس إنفلونزا الخيول والحمير والطاعون والسل والحمى القلاعية؛ حيث أعلنت السلطات المختصة عن اعتقال تجار الطيور الحية، أو غلق متاجرهم دون تعويضات حكومية، وهو الأمر الذي دفع بالتجار إلي إخفاء الدواجن، خوفًا من إعدامها وضياع لقمة عيشهم، وهو ما ستكرره الحكومة في أزمة الخنازير الحالية، ولكن تلك المرة ستكون المصيبة أخطر.
ثانيًا: هناك جهل ومعالجات غير علمية في التعامل مع الكارثة، وهو الأمر الذي أدى إلى الحديث عن تحور إنفلونزا الطيور، وزيادة التحذيرات من المنظمات الدولية من تحول مصر من دولة يتوطن بها المرض، إلى مصدِّرة له، إلى الحد الذي يضطرها إلى تطبيق قواعد الحجر الصحي على مصر، ويمنع قدوم أو خروج أي شخص منها.
• صف لنا طبيعة فيروس إنفلونزا الخنازير؟
تنتمي فيروسات إنفلونزا الخنازير في معظم الأحيان إلى النمط الفرعي (H1N1)، ولكن هناك أنماط فيروسية فرعية تدور أيضًا بين الخنازير، مثل الأنماط الفرعية (H1N2 و H3N1 و H3N2)، ويمكن أن تصاب الخنازير كذلك بفيروسات إنفلونزا الطيور وفيروسات الإنفلونزا البشرية الموسمية وفيروسات إنفلونزا الخنازير، ما يمكن جينات تلك الفيروسات من الاختلاط ببعضها البعض؛ لينشأ ما يسمى بالفيروس "المتفارز"، وعلى الرغم من أن فيروسات إنفلونزا الخنازير تمثل عادة أنواعًا فيروسية مميزة لا تصيب إلا الخنازير، فإنها تتمكن أحيانًا من اختراق الحواجز القائمة بين الأنواع وإصابة البشر، وحكمة الله عز وجل أن يثبت للإنسان أن تلك الأجسام الضعيفة التي لا ترى بالعين المجردة، والتي يتم تكبيرها تحت الميكروسكوب الإلكتروني 500 ألف مرة تستطيع تعجيزه.
وما هي مواصفات فيروس H1N1 المتحور، والذي عرف بإنفلونزا الخنازير؟
فيروسات مجموعة الإنفلونزا عبارة عن أشكال على هيئة عقل صغيرة جدًّا تركيبتها الفيروسية معقدة للغاية، وللأسف قادرة على التحور والتكيف مع العديد من المناخات والأوضاع المختلفة، كما أنها تتميز بالتوافيق والتباديل، وهو الأمر الخطير بالفعل.
مطبخ الفيروسات
هل الخنزير هو الوسيط الوحيد في نقل الفيروس بين الإنسان والحيوان؟
لا، ولكن الخنزير هو الوسيط الأخطر؛ لأنه كما يقال هو "مطبخ" الفيروسات، وللخنزير عدة مواصفات أهَّلته لتلك الصفة:
أولها: أنه من أكثر الحيوانات "خسة"، فهو الحيوان الوحيد الذي يأكل الجيفة والميتة، بل يتغذى على الميت من نوعه، وهو أمر غريب على العالم الحيواني الذي يأنف أن يأكل لحم فصيلته، ثانيًا: أن صفات خلاياه الطلائية قادرة على استقبال أكثر من فيروس في نفس الوقت، وتتحد مع بعض منتجة فيروس جديد بشكل معقد للغاية، وأحيانًا كثيرة لا يظهر عليه أعراض الإصابة بأي مرض.
كما يحمل الخنزير أكثر من 450 مرضًا مشتركًا، منها 57 من الطفيليات، أشدها ضراوة "الدودة الخيطية" التي تصيب قلب الإنسان، وينتج من أكل لحمه 16 مرضًا، بالإضافة إلى 27 مرضًا معديًا ينتقل من الخنزير إلى الإنسان.
لحم الخنزير محرم شرعًا في الإسلام، ولكن هناك بعض أتباع الديانات الأخرى يتناولون لحمه، كما أن دهونه تستخدم في بعض الصناعات أبسطها البسكوتات، والتي يتعامل معها كثير من الأطفال والكبار.. هل في ذلك خطورة على صحة المتعاملين مع تلك المنتجات؟
أولاً: وكما هو معلوم شرعًا أن الإسلام حرَّم لحوم الخنازير لما فيها من صفات خسيسة تأنف الفطرة الذكية للإنسان من التعامل معها وكذلك أكلها، هذا بالإضافة إلى الآثار المرضية الخطيرة المترتبة على أكل تلك اللحوم؛ بغض النظر عن وجود فيروسات بها أم لا، أما عن سؤالك، فأنا أؤكد أنَّ أكل لحوم الخنازير لا تنقل العدوى بفيروس H1N1؛ لأن الإصابة بالفيروس تكون عن طريق التنفس فقط بين البشر، أو من خلال الاختلاط بين الخنزير والإنسان، كما أن فيروس إنفلونزا الخنازير لا يستطيع تحمل درجة حرارة تبلغ 160 درجة فهرنهايت، أي ما يعادل درجة الحرارة المرجعية الموصى بها لطهي لحوم الخنازير واللحوم الأخرى.
إعدام فوري
وما أعراض الإصابة بالفيروس؟
فيروسات الإنفلونزا عمومًا؛ سواء الطيور أو الخنازير تشترك مع الإنفلونزا البشرية في عدة أعراض؛ مثل ارتفاع درجة الحرارة، والرشح، وبلل العينين "تدميع العينين"، والسعال الشديد، وتتميز إنفلونزا الطيور والخنازير بالقيء المتواصل، والإسهال، بالإضافة إلى ألم العضلات، وضيق في التنفس.
إذا ثبت إصابة خنازير مصرية بالفيروس.. ما العمل وقتها؟
أولاَ، وبدون تردد لا بد من إعدام تلك الخنازير بشكل عاجل قبل ظهور الفيروس؛ لأن ظهوره كارثة لا بد معها من خطوة استباقية بإعدامها بشكل علمي من خلال حفر عميقة بمناطق صحراوية بعيدة عن المد العمراني مع استخدامات أدوات الرش الكيميائية المستخدمة في تلك المواقف.
الخنازير تعيش على القمامة
وما الإجراءات الاحترازية الفورية التي ينبغي أن تتخذها السلطات المختصة؟
أولاً: حصر المتعاملين مع الخنازير وأسرهم، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات الصحية على جامعي القمامة "الزبالين"؛ لأنهم سيُعدون في حال وصول الفيروس لمصر من أهم ناقليه؛ لأنهم من أكثر المتعاملين مع الخنازير، ومن ثم ينتقل هؤلاء الزبالون لبيوت مصر حاملين الفيروس؛ وكأنها حملة "لتوزيع الفيروس" على كل بيت، وربنا يستر!.
هل يوجد لقاح لحماية البشر من إنفلونزا الخنازير؟
لا يوجد حاليًّا أي لقاح مضاد لفيروس إنفلونزا الخنازير، ولا يعرف ما إذا كانت اللقاحات المتوافرة حاليًّا لمكافحة الإنفلونزا الموسمية قادرة على توفير حماية ضد هذا المرض، ذلك أن فيروسات الإنفلونزا تتغير بسرعة فائقة، وقادرة على مقاومة المضادات.
انتظار الوباء
إذن وما الحل؟
حتى الآن يظل عقار "التاميفلو" هو الحل السريع لمرض الفيروس وإن كان لا بد أن يعطى خلال الـ48 ساعة الأولى من الإصابة بفيروس H1N1؛ لأنه يتعامل مع جزء "N"، ويعمل على إيقافه وتكسيره فقط، ثم يتم التدخل الطبي للقضاء على الجزء "H" من الفيروس فيما بعد، وهو ما نجح فيه الأطباء المصريون إلى حد كبير في الفترة الأخيرة في التعامل مع فيروس إنفلونزا الطيور"H5N1"، وتناقص أعداد الوفيات.
فقط هذا هو الحل .. أم على المصريين انتظار الموت؟
لا بالتأكيد هناك حل؛ ولكنه سيأخذ وقتًا يتراوح بين 3 لـ 4 أشهر حتى يتم أخذ عينة من الفيروس، والبدء في عمل لقاح متوافق مع البيئة والمناخ المصري من أجسام سلالة الفيروس المتواجدة في مصر.
مافيا اللقاحات
وهل تتوقع أن يحدث تلاعب في موضوع اللقاحات مثلما حدث فى إنفلونزا الطيور؟
بلا شك هناك تلاعب حدث في استيراد لقاح "التاميفلو"؛ حيث قامت شركات مقربة من الحزب الحاكم باستيراد اللقاح من الصين؛ رغم أنه من المعروف علميًّا ضرورة تصنيع اللقاح من أجسام الفيروسات من البلد المصابة؛ لأن فيروسات الإنفلونزا معروف عنها قدرتها على التلون والتغير، وطبيعة الفيروس في الصين تختلف عن نظيرها في أمريكا، وبالتأكيد في مصر.
ما هو تقييمك لقرارات نقل بعض الحظائر وقرارات إعدام أخرى؟
أولاً، لا بد أن نحيي مجلس الشعب على ذلك القرار الشجاع؛ رغم ضغوطات ونفوذ من إمبراطوريات أصحاب "زرائب" الخنازير؛ حفاظًا على صحة وسلامة المواطنين؛ ولكن أود أن أشير إلى أن هناك كارثةً يرتكبها المحافظون بنقل "زرائب" الخنازير إلى أماكن أخرى خارج التجمعات السكنية دون إشراف طبي متكامل، وكأنهم ينقلون الفيروس "ديلفري" من مكان لآخر، ونقلوا الأزمة من محافظة لأخرى مثلما فعل محافظ الجيزة بنقل زرائب منطقة أرض اللواء لمحافظة حلوان بمنطقة 15 مايو، أو قرار محافظ كفر الشيخ بإعدام مزارع بأكملها بشكل غير علمي، وهو ما تبعه في ذلك الكثير من المحافظين الذين يريدون التخلص من الأزمة على شاكلة "كله تمام يا ريس" الأمر الذي ينذر بكارثة لا تحمد عقباها.
وهل من الممكن حدوث أزمة مع المسيحيين لارتباط تربية وأكل الخنازير بعقيدتهم ؟
هذا أمر مغلوط فلحم الخنزير عند المسلمين واليهود والنصارى محرم أكله؛ ولكن ارتباط الكثير من أصحاب الصوت العالي بمصالح مع تجار لحوم الخنازير، هم من يريدون إحداث صورة وهمية أن تلك فرصة استغلها المسلمون للقضاء على الخنازير المحرمة في الإسلام.
وتلك لعبة مكشوفة لن يقع فيها الشعب المصري الذى يعلم جيدًا أن الفيروس- لا قدر الله- إن ظهر في مصر لن يفرق عندها بين مسلم ولا مسيحي، ولا كبير ولا صغير؛ لأنه أمر متعلق بالأمن القومي لا بتلك الدعوى التي تحاول نشر بذور الفتنة بين فصيلي المجتمع المصري.
هل تتمتع تقارير منظمة الصحة العالمية بالمصداقية فيما يخص أزمة إنفلونزا الطيور وتحذيراتها من خطورة إنفلونزا الخنازير، أم أنها محاولة لتشويه صورة مصر وإظهارها على أنها بلد "موبوء"؟
للأسف تقارير منظمة الصحة العالمية صحيحة هذه المرة، فرغم علم السلطة المصرية أن هناك خطرًا بيئيًّا موجودًا إلا أنها لم تحرك ساكنًا، وكأن شيئا لم يكن، وأسباب المشكلة أن هناك مؤامرة تتم داخل مجلس الشعب على مشروع قانون الإشراف البيطري على التجمعات الحيوانية والداجنة، الذي تقدم أعضاء من الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين به، وأقرته الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء البيطريين 11 أبريل الجاري، ومن قبلها مجلس النقابة العامة، ورغم تلك الموافقات يلاقي تعنتًا شديدًا رغم عرضه على لجنة المقترحات، والموافقة عليه من الناحية المبدئية.
الميزانية لا تسمح
وماذا عن توقف تكليف الأطباء البيطريين منذ 1994 رغم الحاجة الملحة لهم في هذه الفترة بالذات، ورفض وزير المالية تعيين 1250 طبيبًا بيطريًّا بعقود مؤقتة؛ رغم وعد رئيس الوزراء بتعيينهم لمواجهة فيروس إنفلونزا الطيور؟
أقولها للمرة المليون: للأسف، الأطباء البيطريون سقطوا من ذاكرة الحزب الحاكم وحكومته، فكيف يمكن لبلد كبير مثل مصر متوقف فيها التكليف منذ عام 94 رغم تلك الأزمات والكوارث المتلاحقة وحاجة البلد إليهم في ظل تلك الظروف.
أما عن رفض وزير المالية تعيين 1250 طبيبًا بيطريًّا بعقود مؤقتة ومبالغ لا تتجاوز الـ300، وضعف ذلك العدد في مواجهة الفيروسات والأمراض المنتشرة، وآخرها فيروس إنفلونزا الخنازير؛ بحجة أن "الميزانية لا تسمح" أمر بالغ السوء، ويدل على أن بلدنا مصر للأسف "تمشي بظهرها" ويقودها مجموعة من المغامرين الفاشلين الذين جعلوا أهلها عرضة للفقر والمرض والموت.
كلمة أخيرة...
أولاً وأخيرًا، نلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء أن يقي الشعب المصري من تلك الكوارث المتلاحقة، فالجو كله امتلأ بالفساد الإداري والسياسي والاقتصادي، ويجب على الحكومة أن تفيق لما ينتظرها، وينتظر شعبًا حياته أمانة في أعناقها.
التعليقات (0)