مواضيع اليوم

الخمر بين الحلال والحرام

kamal kasem

2011-08-29 14:59:07

0

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تعريف الخمر:

هو عصير العنب الذي تتحول المادة السكرية فيه إلى كحول فيسمى خمرا ، وغالبا ما تكون هذه النسبة 12 في المائة.

تعريف النبيذ:

العقد الفريد - (ج 3 / ص 23)

والنبيذ كل ما نبذ في الدباء والمزفت، فاشتد حتى يسكر كثيره.

الفريق بين النبيذ والخمر:

الخمر هو عصير العنب فقط، وهو ما اصطلح عليه الفقهاء على أنه حرام وذلك لتفسيرهم بأن الاجتناب والانتهاء في الآية هو اشد أنواع التحريم، وهذا ما لم يقله القرآن، أما النبيذ فهو كل ما نبذ من الثمار و الحبوب إلا ما استثناء منها رسول الله صلى الله عليه و سلم، على اختلاف الروايات، وإن أسكر كما سيأتي بيانه.

تاريخ الخمر:

عرف الإنسان الخمر منذ آلاف السنين، وهو مرتبط بتاريخ معرفة الإنسان للزراعة، وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن صناعة الخمر جاءت من مناطق جورجيا و إيران و مقدونيا بين فترة 5000 إلى 6000 سنة قبل الميلاد. كما عرفه اليونان والمصريون و الرومان والصينيون، والعرب في الجاهلية وتغنوا به و نظموا الشعر في مدحه.

حكم الخمر في الأديان الإبراهيمية:

التوراة:

(وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما.21 وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه22) ( سفر: التكوين). فهذا أبو الأنبياء نوح قد شرب الخمر وسكر، وهو نبي مرسل من عند الله إلى الناس كافة ولا نجد تحريما لهذا الخمر من الله تعالى لأنه يذهب بالعقل، ولمن؟ لمن يبلغ رسالات ربه، فلو كان يرضاها لأبي الأنبياء في بداية الهداية ولا يعرف مضارها فكيف يحرمها في رسالات من جاء بعده إلا أن نقول أنه كان جاهلا بها وعلم  بمضرها فيما بعد، وفي هذا كلام يرفضه العقل الذي ننافح عن حمايته لكي لا يخامر هذا الشراب عقول البشر.

الإنجيل:

(1 وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك.2  ودعي أيضا يسوع   وتلاميذه إلى العرس.3 ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر .4 قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد .5 قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه. 6  وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة . 7 قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. 8  ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكإ. فقدموا. 9 فلما ذاق رئيس المتكإ الماء المتحول خمرا ولم يكن يعلم من أين هي. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا.دعا رئيس المتكإ العريس 10 وقال له. كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن11.  هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل واظهر مجده فآمن به تلاميذه) (سفر: يوحنا) فهذا نبي الله وكلمته يصنع معجزة تحويل الماء إلى خمر، فأين التحريم لهذا الشراب الذي سبقه إليه نوح؟

تحريف التوراة والإنجيل:

سيقول البعض ردا على ما ورد في التوراة والإنجيل في الخمر أنها من تحريف الرهبان، ونحن نقول: أن القرآن أمر بالإيمان بهذه الكتب في عصر رسول الله أي بعد التدوين لهذه الكتب بقرون، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 136] ونستشهد نحن المسلمون على التحريف بقوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء : 46]،  وقوله: ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : 13]، وقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدة : 41]، فكل هذه الآيات فسرها علماء الإسلام ومنهم ابن عباس كما اورد الرازي في تفسيره - (3 / 39) أنهم كانوا محرفين يحرفون التوراة والإنجيل ، وعند المتكلمين هذا ممتنع ، لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما ، بل كانوا يكتمون التأويل ، لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد عليه السلام ، وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ، ويصرفونها عن محاملها الصحيحة الدالة على نبوة محمد عليه السلام ، فهذا هو المراد من الكتمان ، فيصير المعنى : إن الذين يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب. أما ما يخص أحكام الحلال والحرام فقد قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] وقال: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة: 47]، فلو كانتا التوراة و الإنجيل كتابين يعتريهما التحريف لم أمر الله بالإيمان بهما البتة، ولكن القول الفصل في الإختلاف إن ظهر هو للقرآن؛ لأن الله قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ...)[المائدة : 48] فمثلا هناك اختلاف في من هو الذبيح بين ما أوردته التوراة و القرآن، وهناك أمور ليست موضع نقاش يكون القول والترجيح الفصل فيها للقرآن. ويجدر بنا أن نذكر أن هناك اختلاف في كتابنا مع الشيعة، وهو اختلاف سياسي، يدعي فيه الشيعة تحريف آيات الخلافة والوصاية، فهل هذا يجعل من القرآن كله محرف لا يؤخذ به؟؟

القرآن:

يدعي أهل الإسلام السياسي تحريم الخمر، وكيف لا وقد سيس الدين وأصبح ما يحكم به السياسي وفقهاءه هو الدين الحق، لا ذلك الدين الذي مصدره الكتاب ، وسنأتي على ذكر كل الآيات التي ورد فيها الخمر في القرآن، وسنأتي على ذكر أن هذا القرآن هو المهيمن وهو الحق وهو الهادي وهو الحجة على العباد لكي لا يكون لهم حجة بعد الرسل.

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219]

فهذه الآية أية استفهام من قوم يريدون معرفة حكم الله في الخمر، فأجابهم الله بالآية، ولا يوجد فيها حكم بالتحريم ، كما ورد في كثير من الآيات التي جاء فيها التحريم بسؤال أو بدون؛ لأنه الحرام يجب معرفته والامتناع عنه لكي تقوم الحجة على الناس. ولا حاجة لنا في إيراد سبب النزول لأنه لو كان القرآن ينزل بالأسباب لفاته الكثير من الأمور ولم قامت لله  حجة على خلقه، فالجميع يعلم أن هناك أحكام لم يذكرها القرآن ولكن الناس قاسوا على ما سبق وجعلوا منه دينا باسم الله. ولكن سأذكر هذا السبب الذي ورد في أسباب نزول القرآن - (ج 1 / ص 74) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا خالد بن الوليد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في البقرة (يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ) فدعى عمر فقرئت عليه، فقال اللهم بين لنا من الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية (إِنَّما الخَمرُ وَالمَيسِرُ) فدعى عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فَهَل أَنتُم مُّنتَهونَ) قال عمر: انتهينا. وقد أوردت هذا السبب لكي أبين أن من الهزل بمكان أن يكرر رجل واحد طلبه من الله لكي يبين الحكم في أمر لم يأت فيه الحكم بالتحريم صراحة مثل آيات التحريم، بل بالسؤال عن الانتهاء وهذا فيه فرق بين التحريم وطلب الانتهاء.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [المائدة:90] فهذه الآية يدعى المحرمون للخمر بأن فيه تحريم، بل إن البعض يقول أن التحريم فيها أشد، والجميع يعلم أن أشد التحريم في الإسلام هو الشرك، ولهذا جاء الإسلام، فتحريم الشرك جاء بصيغة التحريم الصريح  قال تعالى:: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  [الأنعام: 1151]

 لا كما جاء من يدعى أن طلب الانتهاء هو أشد من صيغة التحريم.

قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 110)

وسُئل ابن عباس عن قول النبي (ص): كل مسكر حرام، فقال: إن شرب أحدكم تسعة أقداح فلم يسكر فهو حلالٌ وإن شرب العاشر فسكر فهو حرام، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: شهدت تحريم النبيذ كما شهدتم ثم شهدت تحليله فحفظت ونسيتم، وأما شراب ملوك الروم فإنه شراب يطبخ من عصير العنب وتطرح فيه الأفاويه فتعبق روائحها وطعومها وتزداد حرارة وطيب نكهة، وأهل الشام يسمونه الرساطون، والإسفنط لتطييبه النفس.

 وروى شريك عن عمرو بن حُريث، قال: سقاني ابن مسعود نبيذاً شديداً من جرِّ أخضر. يبدو أن أهل الإسلام قد اصطلحوا على أن أمر الرسول ونهيه يعد دينا،  وهذا غير صحيح، لأنه الرسول ما هو إلا مبلغ وبشيرو نذير، وليس له من الأمر شيء قال تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)  [آل عمران: 128]، وقد سبق رسول قبله من الرسل ممن حرم الله نفسه ما أحل الله، فهل يعد هذه دين الله؟ ، قال تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ...) [آل عمران:93]، فدين الله مصدره الكتاب المنزل.

وروى ابن قتيبة يرفعه إلى أنس بن مالك، أنه كان يشرب النبيذ الصلب الذي يكون في الخوابي. وقد أجمع الناس جميعاً على تحريم الخمر بكتاب الله عزَّ وجل إلا قوماً من مجَّان أصحاب الكلام فإنهم قالوا ليست الخمر محرمة، وإنما نهى الله عن شربها تأديباً كما أنه أمر في الكتاب بأشياء ونهى عن أشياء على جهة التأديب وليس فيها فرضٌ، كقوله في العبيد والإماء، فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً، وكقوله في النساء: (واهجروهن في المضاجع واضربوهن)، وكقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)، وقالوا: لو أراد تحريم الخمر لقال: [حرمت عليكم الخمر كما قال] حرمت عليكم الميتة والدم، وليس قول هؤلاء حجة على ما أوردناه من الإجماع على تحريمها. وكما ترى فإن الإجماع جعل الخمر حراما لا نص الله وإلا لم احتاجوا إلى الإجماع، وأنا لهم الإجماع إلا بمن يوافقهم فقط لا غير، وقد جعلوا كتاب الله خاص بهم فهم حفاظه ومفسريه والقائمين عليه ويمنعون الناس من الاجتهاد وذلك بأمرهم بالرجوع لهم والله أمر العباد بالتفقه في الدين من تلقاء أنفسهم بما وهبهم من عقل مكلف.

أقول: ليس للإجماع حجة مع عدم وجود النص خاصة في أمور الحلال والحرام، وقد قال صلى الله عليه و سلم: (لْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)، صحيح البخاري - (ج 1 / ص 90).وليس للإجماع مكان ولا انعقاد، إلا في تعريف الخمر لا حكمه.

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91] هذه الآية جاءت تالية للآية التي سبقت وفيها بيان العلة للانتهاء وهما العداوة والبغضاء ومن قرأ هذه الآية وهو موقن أنها من عند الله لعلم أن العداوة والبغضاء لا يجتمعان إلا بالخمر والميسر أما الخمر بذاته فهو أبعد ما يكون من أن يسبب العداوة و البغضاء، وليس كل من شرب الخمر صد  عن ذكر الله وعن الصلاة بدليل أنهم كانوا يصلون وهم سكارى، ونهاية الآية لم يأت الحكم فيها بالتحريم بل جاء بطلب الانتهاء وهو نوع من الطلب إن تطابقت العلة على فرد من الأفراد، والكل يعلم أن هناك أمور حكم فيها الفقهاء بالتحريم لم يأت فيه نص صريح بالتحريم ولكنهم داروا  مع العلة ، وقالوا الحكم يدور مع العلة وهو حكم مالا يوجد فيه نص، وهنا يأتي التعجب من تحريم الحكم بتحريم الخمر، وقالوا  إن القائل باستحلال الخمر كافر وشاربها فاسق يقام عليه الحد.

الفرق بين النهي والتحريم:

هناك خلط بين التحريم والنهي، فالتحريم لله فقط، والنهي لله والرسول، فالتحريم يوجب الامتثال، أما النهي فهو دائما ما يكون متعلق بعلة، فقد نهى الله في قوله تعالى: (ا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 8، 9] ونهى رسول الله عن كثير أيضا مثل نهيه عن كتابة ما يقوله، فهل امتثال الناس من بعده؟ إذا الامتثال ليس بواجب إلا إذا تحققت العلة في نهي الله، أما نهي الرسول فما قوله إلا للتهذيب و التأديب، والعلة في النهي عن الخمر هي الإسكار لا عين الخمر، فإذا تحقق الإسكار كان حراما وكان حكم القانون نافذ إن أقرته جهة التشريع المدني وإلا فلا.

حكم الخمر في القرآن:

حكم القرآن واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وإلا كيف تقوم الحجة على العباد في أمر لا يحتمل فيه اللبس، وقد أوردنا جميع ما ورد في القرآن في الخمر ولم نجد فيه حكما كحكم الشرك الذي هو أشد الأمور عند الله، ولكن الذي جاء فيها هو طلب الانتهاء عن الخمر إذا خشي أحد وقوع العداوة و البغضاء قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 91]، وقد سبق أن بينا أنهما لا يجتمعان إلا سويا وليس على الإطلاق فالناس أمزجتها ليست بسوء. ولكي ندعم هذا القول نأتي  ما يدعم قولنا هذا من كتاب الله فقد قال جل شأنه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33] فالفواحش محرمة إجمالا الظاهر منها والباطن، وهي تشمل الكثير من الأمور، وإن كانت الفواحش في اللغة تعني القتل والزِّنا والسَّرقة من الأعمال الفاحشة (المحيط) ولا يقع التحريم إلا بعد وقوع المحظور، فلا نستطيع أن نؤاخذ الناس لمجرد أن فكروا في القتل و الزنا ...الخ، ولا نستطيع تحريم بيع السكاكين لمجرد أنها أداة للقتل ...الخ  ولكن نؤاخذهم على فعلهم، وإلا أصبح الناس كلهم في السجون لمجرد التفكير في الفواحش، أو يعيشون كما عاش الرجل البدائي بأدواته البدائية وليتها منعته من القتل، وكذلك ينطبق الأمر في الخمر أو غيرها من المسكرات، فلا نستطيع أن نقيم الحد على أحد إلا أن يسكر، هذا إن قلنا أن كل من يسكر يرتكب فحشا وهذا غير صحيح، وعلى هذا فإذا الخمر و غيرها يكونان محرمتان إن وقع العلة وهي الإسكار لا لمجرد الشرب.

أورد القرطبي في  تفسيره - (ج 3 / ص 60)

قال قوم من أهل النظر: حرمت الخمر بهذه الآية، لان الله تعالى قد قال: ( قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم ) فأخبر في هذه الآية أن فيها إثما فهو حرام. وهذا ما نقول به، خلافا لمن استدل على أن الأمر بالانتهاء هو بمثابة التحريم، وهذا لا يصح.

 

وعن حسان بن مخارق أن رجلاً كان صائماً فأهوى، حين أفطر إلى قربةٍ فشرب منها فسكر، فأُتي به عمر رحمه الله، فقال الرجل: إنما شربتُ من قربتك، فقال عمر: إنما أجلدك لسكرك لا لشربك وقال: من رابه ريبٌ فليُسبحه بالماءِ. قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 107)

حكم الخمر في السنة:

أولا وقبل أن نخوض في السنة يتوجب علينا السؤال عن هل السنة واجبة أم لا، وهل للرسول قول وحكم في التشريع كما لله أم لا، فإذا أجبنا على هذين السؤالين تبين لنا حكم السنة وشرعيتها، وليس لنا طريق لا تشوبه شائبة إلا القرآن الذي لا اختلاف في حفظة ومصداقيته وعدم تحريفه بين المسلمين.

الجواب على السؤال الأول يجيب عليه الله في كتابه في قوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 3]، فهذا الله يقول اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، ومعنى من بدون أي  من دون الله ولا يمكن لأحد أن يقول أن لمحمد صلى الله عليه وسلم أي حق في الأتباع لما هو مخالف للكتاب وإنما إتباعه في بيان الأقوال المجملة مثل الصلاة وكيفيتها ...الخ، وأكد الله تعالى ذلك في قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) [الأنعام: 57]  ، وقال؛ (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ  [المائدة:99]، وهنا يتبين أن الرسول ما هو إلا مبلغ ومبشر ونذير لا غير لا يحق له أن يحكم بغير ما أنزل الله، وما أنزل الله هو القرآن، وقال؛ (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 31، 32]، وهذه الآية قرنت طاعة الله بطاعة الرسول، وقد يقول قائل: هذا دليل على وجوب طاعة جميع ما حكم به رسول الله، نقول له: إن أردت أن تتخذه وليا من دون الله فقد نهاك الله عن ذلك، ولكن طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله، وطاعة الله هي أن تأتي بأحكامه التي بلغها رسول الله فالطاعة في الحقيقة هي طاعة لله بتنفيذ ما جاء به الرسول مبلغا عن ربه، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، ولو كان له حق في التشريع لدونه وأرفقه بالقرآن أو دون سنته لكي لا تكون مسرحا للمتقولين عليه من بعد كما هو حال السنة وتدوينها من بعده بقرون وقد خضعت للأهواء و المذاهب والسياسيون وغيرهم ممن أراد أن تكون له الكلمة الفصل في الدين باسم الله ورسوله، الذي أصبح على أيدي هؤلاء شريكا لله في دينه. وحكم إتباع السنة عند الفقهاء ليس بواجب، وهي الأمور التي تخص المأكل و المشرب والملبس والنوافل من العبادات، لا الأحكام التي هي لله وحده لا شريك له، و قد قالوا: يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها.

أم الجواب على هل الرسول له حق في التشريع، فالقرآن يجب على ذلك بقول:  (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65] ، وقال:  (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) [المائدة: 49]، والذي يقول أن حكم الرسول نابع من اجتهاده بعيدا عن الحكم بما أنزل الله فقد افترى على الله ورسول. وبعد أن فرغنا من بيان ما لله وما للرسول، تعالوا نذكر ما هو حكم الخمر كما جاء في كتب السنة.

صحيح مسلم - (ج 10 / ص 191) 3670 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ. فهذا صحابي يسأل عن حكم الخمر فلو كان الحكم في القرآن جاء بالتحريم لم سأل هذا الصحابي، ولكن يقال يروى أن رسول الله حرمها، وهذا مالا نقبله؛ لن الرسول صلوات الله عليه لا يحرم إلا ما حرم الله ولا يحلل إلا ما أحل الله، وقد قالها عندما أراد ابن أبي طالب الزواج على فاطمة بين رسول الله، قال: ( إنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ يُؤْذِينِي مَا أَذَاهَا ، وَلَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا ) عشرة النساء للنسائي - (ج 1 / ص 133) فكيف نصدق أن الرسول قد حرم ما لم يحرمه الله صراحة في الخمر؟!. وما فعله هذا إلا لرغبته في عدم زواج ابن أبي طالب على فاطمة، وهذا أمر ليس من الدين في شيء.

صحيح البخاري - (ج 14 / ص 143) 4253 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ) لو صح التحريم لقلنا أن هذا هو بيان المجمل، ولكن لا نسلم أن الخمر محرم على الإطلاق ولكن نسلم أن الخمر محرم بعلته كما سبق وأن بينا، ولكن دعونا نتابع هل اكتفى الأمر على هذه الخمس أنواع أم زيد عليها؟، تعالوا نرى، أخرج مسلم في صحيحه - (ج 10 / ص 193) 3671 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ أَبَا كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ) وهذا أقرب للصواب ويؤيده كتاب الله فقد قال تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ]النحل:67[ وليس في هذا الأمر تحريم بل بيان. ولكن الناس تقولوا على هذا الرسول ما لم يقله حتى أصبحت أقواله المنسوبة إليه متضاربة توحي بأن كل ما ذكر في الخمر هو من صنع الناس، أخرج سنن أبي داود - (ج 10 / ص 101)3192 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى الْفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ). فهنا زيد الذرة والزبيب، ولا أدري متى غابتا عن الرسول في أمر بهذا الجلل الذي صوره أهل الدين السائد؟. وبعد هذا التضارب في ما ورد على هذا الرسول الكريم في بيان ما هي الأشجار و الحبوب التي يصنع منها الخمر، وأنه ينهى ولا يحرم، نورد قول القرآن في بيان المراد من الخمر.

ما هي الخمر؟ يقول القرآن وهو سيد البيان في قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:36]، قال الفخر الرازي في تفسيرها : أن يكون المعنى أعصر عنب خمر، أي العنب الذي يكون عصيره خمراً فحذف المضاف . الثاني : أن العرب تسمي الشيء باسم ما يؤل إليه إذا انكشف المعنى ولم يلتبس يقولون فلان يطبخ دبساً وهو يطبخ عصيراً . والثالث: قال أبو صالح : أهل عمان يسمون العنب بالخمر فوقعت هذه اللفظة إلى أهل مكة فنطقوا بها قال الضحاك : نزل القرآن بألسنة جميع العرب. والسؤال هنا كيف يصح تسمية غير عصير العنب بالخمر، خاصة عندما يسند هذا الكلام لسيد العرب لغةً؟

فإن افترضنا أن الخمر يقتصر على ما تضاربت به الأقوال، بعيدا عن تعريف القرآن له وأهل اللغة...الخ، فهل يصح أن يتخذ من غيرها من الأشجار و الحبوب ما يكون مسكرا، وإن اختلقت أسماءها؟

الجواب على هذا جاء في صنع أهل الحديث ما يلائم دينهم الذي فرضوه على الناس على لسان رسول الله، أخرج أحمد في مسنده - (ج 37 / ص 25) 17379 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا)، ونسب له كما أخرجه البخاري في صحيحه  - (ج 13 / ص 240) 3997 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: (وَمَا هِيَ قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) فكما ترى الخمر غير النبيذ، وقد اختلف أهل الدين السائد في النبيذ، هذا إذا سلمنا أنهم لم يختلفوا في الخمر حكما و تعريفا، ولكن الذي اتفق عليه الجميع هو العلة وهو الإسكار، وهذا ما نقوله وإن اختلفت الأسماء، ففقهاء الإسلام يقيمون الحد على من شرب الخمر سوء سكر أو لم يسكر أما النبيذ فإن شربه ولم يسكر لم يحد وإن سكر حد لسكره، وهذا دليل واضح على أن العلة هي المحرمة سوء كان خمرا أو نبيذا ، ولكنهم أبوا إلا تحريم الخمر اسما مع أن القرآن لم يأت على هذا الحكم كما سبق و أن ذكرنا. بداية المجتهد - (ج 2 / ص 364) واختلفوا في المسكرات من غيرها(الخمر)، فقال أهل الحجاز: حكمها حكم الخمر في تحريمها وإيجاب الحد من شربها، قليلا كان أو كثيرا، أسكر أو لم يسكر، وقال أهل العراق: المحرم منها هو السكر، وهو الذي يوجب الحد.

العقد الفريد - (ج 3 / ص 30)

حدث شبابة قال: حدثني غسان بن أبي الصباح الكوفي، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المطهر الوراق قال: بينما زيد بن علي في بعض أزقة الكوفة إذ بصر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله، فأحضره طعاماً، فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غص المجلس بهم، فأكملوا معه، ثم استسقى، فقيل له: أي الشراب نسقيك يا ابن رسول الله؟ قال: أصلبه أو أشده. فأتوه بعس من نبيذ فشرب، ودار العس عليهم فشربوا. ثم قالوا: يا ابن رسول الله لو حدثتنا في هذا النبيذ بحديثٍ رويته عن أبيك عن جدك، فإن العلماء يختلفون فيه؟ قال: نعم، حدثني أبي عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتركبن طبقة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل. ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل منه الغرفة والغرفتين، وحرم منه الري، وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل وحرم منه الكثير

 

صفة حال السكران:

عون المعبود - (ج 8 / ص 186)

قَالَ الزَّرْكَشِيّ : إِنَّ هَذِهِ الْأُمُور الْمَذْكُورَة تُؤَثِّر فِي مُتَعَاطِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي يُدْخِلهُ فِي حَدّ السَّكْرَان ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا السَّكْرَان هُوَ الَّذِي اِخْتَلَّ كَلَامه الْمَنْظُوم ، وَانْكَشَفَ سِرّه الْمَكْتُوم .

وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِف السَّمَاء مِنْ الْأَرْض .

وَقِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنْ أُرِيدَ بِالْإِسْكَارِ تَغْطِيَة الْعَقْل فَهَذِهِ كُلّهَا صَادِق عَلَيْهَا مَعْنَى الْإِسْكَار وَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِسْكَارِ تَغْطِيَة الْعَقْل مَعَ الطَّرَب فَهِيَ خَارِجَة عَنْهُ ، فَإِنَّ إِسْكَار الْخَمْر تَتَوَلَّى مِنْهُ النَّشْأَة وَالنَّشَاط وَالطَّرَب وَالْعَرْبَدَة وَالْحِمْيَة ، وَالسَّكْرَان بِالْحَشِيشَةِ وَنَحْوهَا يَكُون مِمَّا فِيهِ ضِدّ ذَلِكَ ، فَنُقَرِّر مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تَحْرُم إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ ، وَدُخُولهَا فِي الْمُفَتِّر الْمَنْهِيّ عَنْهُ ، وَلَا يَجِب الْحَدّ عَلَى مُتَعَاطِيهَا ، لِأَنَّ قِيَاسهَا عَلَى الْخَمْر مَعَ الْفَارِق ، وَهُوَ اِنْتِفَاء بَعْض الْأَوْصَاف لَا يَصِحّ اِنْتَهَى .

وَفِي التَّلْوِيح : السُّكْر هُوَ حَالَة تَعْرِض لِلْإِنْسَانِ مِنْ اِمْتِلَاء دِمَاغه مِنْ الْأَبْخِرَة الْمُتَصَاعِدَة إِلَيْهِ ، فَيُعَطَّل مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة اِنْتَهَى . وَفِي كَشْف الْكَبِير : قِيلَ هُوَ سُرُور يَغْلِب عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ بَعْض الْأَسْبَاب الْمُوجِبَة لَهُ فَيَمْتَنِع الْإِنْسَان عَنْ الْعَمَل بِمُوجَبِ عَقْله مِنْ غَيْر أَنْ يُزِيلهُ وَبِهَذَا بَقِيَ السَّكْرَان أَهْلًا لِلْخِطَابِ اِنْتَهَى .

وَقَالَ السَّيِّد الشَّرِيف الْجُرْجَانِيّ فِي تَعْرِيفَاته : السُّكْر غَفْلَة تَعْرِض بِغَلَبَةِ السُّرُور عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبهَا مِنْ الْأَكْل وَالشُّرْب .

وَالسُّكْر مِنْ الْخَمْر عِنْد أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه : أَنْ لَا يَعْلَم الْأَرْض مِنْ السَّمَاء وَعِنْد أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد الشَّافِعِيّ أَنْ يَخْتَلِط كَلَامه ، وَعِنْد بَعْضهمْ أَنْ يَخْتَلِطَ فِي مَشْيه بِحَرَكَةٍ اِنْتَهَى .

وَفِي الْقَامُوس : فَتَرَ جِسْمه فُتُورًا لَانَتْ مَفَاصِله وَضَعُفَ ، الْفُتَارُ كَغُرَابٍ اِبْتِدَاءُ النَّشْوَة ، وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ فَتَرَ شَارِبُهُ اِنْتَهَى .

وَفِي الْمِصْبَاح : وَخَدِرَ الْعُضْو خَدَرًا مِنْ بَاب تَعِبَ اِسْتَرْخَى فَلَا يُطِيق الْحَرَكَةَ وَقَالَ فِي النِّهَايَة فِي حَدِيث عُمَر أَنَّهُ رَزَقَ النَّاسَ الطِّلَاءَ فَشَرِبَهُ رَجُل فَتَخَدَّرَ أَيْ ضَعُفَ وَفَتَرَ كَمَا يُصِيب الشَّارِبَ قَبْلَ السُّكْرِ اِنْتَهَى . وَسَيَجِيءُ حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .

وَفِي رَدّ الْمُحْتَار عَنْ الْخَانِيَّة فِي تَعْرِيف السَّكْرَان أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِط كَلَامه وَيَصِير غَالِبُهُ الْهَذَيَان .

وَقَالَ الشَّيْخ زَكَرِيَّا بْن مُحَمَّد الْقَزْوِينِيّ فِي كِتَابه عَجَائِب الْمَخْلُوقَات وَالْحَيَوَانَات وَغَرَائِب الْمَوْجُودَات : الزَّعْفَرَان يُقَوِّي الْقَلْب وَيُفْرِح وَيُورِث الضَّحِك ، وَالزَّائِدُ عَلَى الدِّرْهَم سُمٌّ قَاتِل اِنْتَهَى .

حد الخمر:

إن حد الخمر لم يأت ذكره في القرآن، ولكن بما أن الإسكار أمر منهي عنه لأنه قد، وأقول قد للتقليل، يتسبب في العداوة و البغضاء، و التحريم جاء لعلة الإسكار، إن جاز التعبير بالتحريم لعلة لحقت به، لا لعينه مثل الميتة ولحم الخنزير ...الخ، بعض النظر عن ماذا يتسبب في الإسكار أكان خمرا أم نبيذاً، لا أن كل مسكر حرام، إذ لو قلنا أن كل مسكر حرام لما كان هناك سببا لكتابة ما نكتبه، ولكن التحريم يتحقق عند الإسكار لا شرب المسكر. فأهل الدين السائد الحديث أخذوا بسد الذرائع في كل شيء حتى أصبح دين الله يضيق على ما كان واسعا، وظهر الغلو في الدين و التزمت الذي دفع كثير من أهله خارجا عنه، وهو دين اليسر لا العسر كما جعله معتنقي الفقه البدوي. وبما أن الرسول قد شرع حكما وهو ليس تشريعا دينيا بل تشريعا مدنيا، فالتشريع الديني لا يكون إلا من صاحب الشرعة وهو الله ومن خلال كتابه الذي هو حجة على العباد. وقد رأى الرسول صلوات الله عليه وسلم أن يكون حد السكران أربعين جلدة أخرج مسلم  في صحيحه - (ج 9 / ص 82) 3218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ ) وكما ترى أن الحكم ليس إلهيا فعل زاد فيها عمر وهذا أمر يخضع للظرف، تماما كما تتغير الحكام في الدول المعاصرة حسب لتشرع مجالسها التشريعية. ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن هناك تضارب واضح فعمر كما سبق وأن بينا لم يجلد للشرب بل للسكر وهذا ما نظن أن أهل الدين السائد قد دلسوا في هذا الحديث وغيروا عبارة (سكر) إلى (شرب الخمر)، فعقوبة الحد تقع على السكر لا الشرب كما فعل عمر بعد وفاة رسول الله عندما جلد من شرب من قربته وسكر وقال له: إنما أجلدك لسكرك لا لشربك وقال: من رابه ريبٌ فليُسبحه بالماءِ.

المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 184)

( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَأَوَّلَ فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعِلْمِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْكَرَ مِنْهُ وَقَدْ جَالَسَ مَالِكٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَرَى شُرْبَ النَّبِيذِ مُبَاحًا فَمَا أَقَامَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْحَدَّ وَلَا دَعَا إِلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِمْ بِشُرْبِهِ وَتَظَاهُرِهِمْ وَمُنَاظَرَتِهِمْ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مَشْرِقِيٌّ مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَمَا إنَّهُ آخِرُ مَا فَارَقَنِي عَلَى أَنْ لَا يُشْرَبَ النَّبِيذُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَتْ مُنَاظَرَتُهُ لَهُ فِيهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُ شُرْبَهُ. ونحن نسأل لماذا هذا التفريق في التحليل والتحريم  وإقامة الحد بين الفقهاء و العامة؟

بل إن قوما تطرفوا وقالوا: والخمر حرام بالكتاب، والسُّنَّة، وإِجماع المسلمين. ولهذا قال العلماء: مَن أنكر تحريمه وهو ممن لا يجهل ذلك كَفَرَ، ويُستتاب؛ فإِن تاب وإِلاَّ قُتِل؛ سواءٌ كانت من العنب، أم الشَّعير، أم البُرِّ، أم التَّمر، أم غير ذلك. لشرح الممتع على زاد المستقنع - (ج 1 / ص 428). وربما يكون دليلهم المنسوب لرسول الله صلى الله عليه و سلم: 5921 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ فَاقْتُلُوهُ) مسند أحمد - (ج 12 / ص 458)، فكيف برب الكون يضطرب حديث في عدد قتل الشارب؟؟؟ ولماذا لم يقتل سعد بن أبي وقاص أو عمر رضي الله عنه أبو محجن المشهور بإدمانه للخمر؟؟؟ وربما يطلع علينا احدهم ويقول أنه هذا الحديث منسوخ، وسنأتي لاحقا على تعريف هذا المخرج (الناسخ و المنسوخ) لحذف آي  آية أو حديث عندما لا يناسب أهل الدين السائد.

الطبقات الكبرى لابن سعد - (5 / 365)

أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبدالمجيد بن سهيل قال: قدمت خناصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز وإذا قوم في بيت أهل خمر وسفه ظاهر، فذكرت ذلك لصاحب شرطة عمر فقلت: إنهم يجتمعون على الخمر إنما هو حانوت، فقال: قد ذكرت ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال: (من وارت البيوت فاتركه).

العقد الفريد - (3 / 26)

وفي رسالة عمر بن عبد العزيز إلى أهل الأمصار في الأنبذة قال:  فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شرب ما جعل في الجرار، والدباء، والظروف المزفتة. وقال: ( كل مسكر حرام ). فاستغنوا بما أحل الله لكم عما حرم عليكم. وقد أردت بالذي نهيت عنه من شرب الخمر وما ضارع الخمر من الطلاء، وما جعل في الدباء والجرار والظروف المزفتة، وكل مسكر - اتخاذ الحجة عليكم. فمن يطع منكم فهو خير له. ومن يخالف إلى ما نهي عنه نعاقبه على العلانية، ويكفنا الله ما أسر. فإنه على كل شيء رقيب. ومن استخفى بذلك عنا فإن الله أشد بأساً وأشد تنكيلاً.

وظيفة السنة:

السنة هي البيان لما أجمل في القرآن قال تعالى: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44] هذه هي الوظيفة الحقيقة للسنة،  فالحرام والحلال بين لا يحتاج إلى بيان، ولكن أهل الدين السائد جعلوها دينا جديدا وتشريعات نسبت للرسول حتى لو خالفت تلك التشريعات المنسوبة لرسول الله دين الله والقرآن، ومما بينته السنة هي كيفية الصلاة و بعض الزيادات على مناسك الحج ومقادير الزكاة التي خضعت لفترة من الزمان بنسبة معينة كانت تناسب تلك الفترة ولا ضير في تغييرها إن استدعت الحاجة ومكاسب الناس.

 

أما ما يخص أفعاله وأقواله الخارجة عن الدين فقد سماها أهل الدين السائد بالسنة، ولا بأس بذلك تأسين بهذا الرسول الكريم، ولكنها ليس واجبة ولا يؤثم تاركها، ولكن للأسف الحال اليوم على خلاف ذلك، فأصبحت تلك الأمور مثل اللحية و البس و المشي والأكل..الخ أشد طلبا من تطبيق جوهر الدين.

لقد قالوا: أن السنة وحي، وهذا افتراء على الله ورسوله، قال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف/102] فالوحي هو ما في القرآن لا من أدعى وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كانت السنة وحيا لوجب على الرسول صلوات الله عليه أن يدونها، لا أن يتركها عرضة للوضع والكذب و التقول على لسانه ما لم يقله كما هي أغلب السنة وينهى عن تدوينها وهي أمر من الله.

تدوين السنة:

أول من ذكرت كتب التاريخ بأمره بتدوين سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهو الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، ولا أظن أن هذا حقيقة، فرجل مثل هذا في ورعه وعلمه لا يتصور تخطيه  ما علمه من نهي رسول الله من تدوين السنة سوء كان ذلك بعد أو قبل جمعه لها إن فرضنا صحة القول بجمعه للسنة، إذ لا يوجد ما ادعى البعض أنها كتب قام بجمعها الزهري، ولكن الذي يوجد هو كتاب الموطأ الذي كان تدوينه في عصر العباسيين الذي قاموا بدفع هذه العجلة وتفننوا في وضع هذه السنن ليكون لهم الدين خالص من دون الله والرسول والناس أجمعين، وكان هذا في الربع الثاني من القرن الثاني الهجري، وتوالت بعده الناس في التدوين حتى أصبحت السنة أشد حفظا من كتاب الله وطلبا واستشهادا بها في دين الله، الأمر الذي أدى إلى ترك الكتاب وأحكامه.

نهي الرسول:

لقد نهى رسول الله عن تدوين السنة، أخرج مسلم في صحيحه - (ج 14 / ص 291) 5326 - حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ، قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ). وهناك أحاديث  بدون الزيادة بالتحديث عنه وهو أجدر بالصحة؛ لأن التدوين أكثر وثاقة من التحديث، فكيف يعقل أن يأمر بالتحديث الذي يعتمد على الحفظ فقط، وهو أمر قابل للنسيان، ويأمر بعدم التدوين الذي هو أمر اتبع في حفظ القرآن خطا وحفظا؟ أخرج أحمد في مسنده - (ج 22 / ص 208)10663 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَبَ شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ). أما من سيقول أن قال ذلك لكي لا يختلط القرآن بالسنة، قلنا هذا عذر أقبح من ذنب، فكلام الله غير كلام الرسول، إلا أن يقال أن القرآن من كلام الرسول لا الله.

نهي الخلفية أبو بكر رضي الله عنه:

كنز العمال - (ج 10 / ص 285)

باب في آداب العلم والعلماء فصل في رواية الحديث 29460 (مسند الصديق رضى الله عنه) قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصديق : الحاكم أبو عبد الله النيسابوري حدثنا بكر بن محمد الصريفيني بمرو حدثنا موسى بن حماد ثنا المفضل ابن غسان ثنا علي بن صالح حدثنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن عن إبراهيم بن عمرو عن عبيد الله التيمي حدثنا القاسم بن محمد قال : قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلب كثيرا ، قالت : فغمني فقلت تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ؟ فلما أصبح قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها وقال ، خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك.

نهي الخليفة عمر رضي الله عنه:

تقييد العلم للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 82)

69 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، حدثنا شبابة ، حدثنا أبو زبر ، حدثنا القاسم بن محمد ، أن عمر بن الخطاب ، بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال : « أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي » قال : فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال : « أمنية كأمنية أهل الكتاب ؟.

كنز العمال - (10 / 291)

عن السائب بن يزيد قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس وقال لكعب : لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة (كر).

حكم الخمر والنبيذ عند الفقهاء:

الأحناف:

الاختيار لتعليل المختار - (ج 1 / ص 45)

المحرم منها الخمر وهي النىء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. لثاني العصير إذا طبخ فذهب أقل من ثلثه وهو الطلاء، وإن ذهب نصفه فالمنصف. لثالث السكر، وهو النىء من ماء الرطب إذا غلا كذلك. الرابع: نقيع الزبيب، وهو النىء من ماء الزبيب إذا غلا واشتد كذلك، وحرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر فيجوز بيعها وتضمن بالإتلاف، ولا يحد شاربها حتى يسكر، ولا يكفر مستحلها؛ ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أدنى طبخة حلال، وإن اشتد إذا شرب ما لم يسكر من غير لهو. وعصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه حلال، وإن اشتد إذا قصد به التقوى، وإن قصد به التلهي فحرام.

ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلال طبخ أو لا؛ وفي حد السكران منه روايتان؛ ويكره شرب دردي الخمر والامتشاط به. ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، وخل الخمر حلال سواء تخللت أو خللت.

المالكية:

الكافي في فقه أهل المدينة - (ج 1 / ص 442)

الخمر شراب العنب المسكر وكل شراب أسكر كثيره أو قليله فهو خمر وكثيره وقليله حرام من جميع الأشربة وهو قول جماعة من أهل الحجاز والشام وما خالف هذا القول باطل بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله وقد سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام) وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) وقال عليه السلام: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وقال: (ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام) .

والذي يحل من الأشربة ما لا يسكر كثيره من عصير العنب وغيره ولا بأس بشرب العصير ما لم يغل ولا بأس به إذا طبخ طبخا لا يسكر بعده الكثير منه ولا ينبغي أن ينقص طبخه من ذهاب الثلثين.

وكل شراب لا يسكر منه فهو مباح ما لم تكن عليه معاقرة فإن كانت هناك معاقرة لم يجز والمعاقرة عند جماعة من أهل العلم مكروهة كراهية شديدة على الشراب المباح وعلى غير المباح حرام ولا يخلل أحد خمرا فإن خللها فبئس ما فعل وليستغفر الله وليأكلها إن شاء وقد قيل لا يأكلها إلا أن تعود خلا بغير صنيع آدمي وهو الأشهر عن مالك وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه أقول.

الشافعية:

تحفة المحتاج في شرح المنهاج - (ج 39 / ص 137)

( كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ ) جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ وَفِيهِ ذِكْرُ التَّعَازِيرِ تَبَعًا وَجَمَعَ الْأَشْرِبَةَ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَإِنْ اتَّحَدَ حُكْمُهَا وَلَمْ يَقُلْ حَدُّ الْأَشْرِبَةِ كَمَا قَالَ قَطْعُ السَّرِقَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْقَطْعِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَمَعْلُومٌ ضَرُورَةً وَأَمَّا هُنَا فَالْقَصْدُ بَيَانُ التَّحْرِيمِ أَيْضًا لِخَفَائِهِ بِالنِّسْبَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ فَلَمْ يَقُلْ حَدٌّ لِيُقَدِّرَ حُكْمَ الشَّامِلِ لِلْحُرْمَةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِهِمَا كَالْوُجُوبِ عِنْدَ الْغَصِّ .

شُرْبُ الْخَمْرِ حَرَامٌ إجْمَاعًا مِنْ الْكَبَائِرِ وَشَرِبَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قِيلَ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِوَحْيٍ ثُمَّ قِيلَ الْمُبَاحُ الشُّرْبُ لَا غَيْبَةُ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ فَتَحْرِيمُ غَيْرِهَا قِيَاسِيٌّ أَيْ بِفَرْضِ عَدَمِ وُرُودِ مَا يَأْتِي وَإِلَّا فَسَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْكُلِّ مَنْصُوصٌ وَعِنْدَ أَقَلِّهِمْ كُلُّ مُسْكِرٍ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْمُسْكِرِ مِنْ عَصِيرِ غَيْرِ الْعِنَبِ لِلْخِلَافِ فِيهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ ، أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ وَلَوْ قَطْرَةً ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ ضَرُورِيٌّ وَمَنْ قَالَ بِالتَّكْفِيرِ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ تَكْذِيبَ جَمِيعِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرْعِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّا لَمْ نُكَفِّرْهُ لِإِنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بَلْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّكْفِيرِ مِنْ كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا أَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَلَا جَوَابَ إلَّا مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْهُ .

الحنابلة:

المغني - (ج 20 / ص 320)

كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ الْخَمْرُ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ؛ أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) . إلَى قَوْلِهِ : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِأَخْبَارٍ تَبْلُغُ بِمَجْمُوعِهَا رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ ، وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ ، أَنَّهُمْ قَالُوا : هِيَ حَلَالٌ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) الْآيَةَ .

 

فَبَيَّنَ لَهُمْ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ ؛ لِشُرْبِهِمْ إيَّاهَا ، فَرَجَعُوا إلَى ذَلِكَ ، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ ، فَمَنْ اسْتَحَلَّهَا الْآنَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ ضَرُورَةً مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ تَحْرِيمُهُ ، فَيَكْفُرُ بِذَلِكَ ، وَيُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا قُتِلَ .

 

رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) . وَإِنِّي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ .

فَقَالَ عُمَرُ لِلْقَوْمِ : أَجِيبُوا الرَّجُلَ .

فَسَكَتُوا عَنْهُ ، فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَجِبْهُ .

فَقَالَ : إنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِلْمَاضِينَ ، لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ وَأَنْزَلَ : ( إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ ) . حُجَّةً عَلَى النَّاسِ .

ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ عَنْ الْحَدِّ فِيهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إذَا شَرِبَ هَذَى ، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً .

 

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ : أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةَ ، إذَا اتَّقَيْت اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك .

وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، أَنَّ أُنَاسًا شَرِبُوا بِالشَّامِ الْخَمْرَ ، فَقَالَ لَهُمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ : شَرِبْتُمْ الْخَمْرَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) الْآيَةَ .

 

فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَكَتَبَ إلَيْهِ : إنْ أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا نَهَارًا ، فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ إلَى اللَّيْلِ ، وَإِنْ أَتَاكَ لَيْلًا ، فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ نَهَارًا ، حَتَّى تَبْعَثَ بِهِمْ إلَيَّ ، لِئَلَّا يَفْتِنُوا عِبَادَ اللَّهِ .

 

فَبَعَثَ بِهِمْ إلَى عُمَرَ ، فَشَاوَرَ فِيهِمْ النَّاسَ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَّعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ فِيهِ ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَالٌ ، فَاقْتُلْهُمْ ، فَقَدْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَرَامٌ ، فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ ، فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ.

 

مناقشة واستدلال:

وكما ترى أن بعض من الصحابة والمسلمين لم يفهموا من الآية التي يدعي البعض أنها جاءت  محرمة للخمر، أن الخمر حرام بما في ذلك من شهد بدر وأحد، إذا لو كان التحريم من عند الله كما كانت الميت والدم ولحم الخنزير لما طفت كل هذه الاختلافات والتأويلات، ولا يصح على الله القول أنه  لم يبين الحلال والحرام، وإلا كيف تكون له الحجة أو لرسوله، وقد بينا سابقا أن النهي خلاف التحريم وهذا ما لا يسلم به فقهاء الإسلام للأسف. ومنهم أبو محجن الثقفي، كان مغرماً بالشراب، وقد حده سعد بن أبي وقاص في الخمر مراراً. وشهد القادسية مع سعد، وأبلى فيها بلاء حسناء. وهو القائل:

 

إذا مت فادفني إلى ظـل كـرمة

تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالـفـلاة فـإنـنـي

أخـــاف إذا مــا مـت ألا أذوقــــــهـا

 

وهناك حديث يروى عن رسول الله في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 369) 2295 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، فهل ننفي الأيمان هنا عمن قتل مدافعا عن الإسلام؟

بل أن هناك أحاديث تقول: فتح القدير - (ج 2 / ص 356) أخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن ابن عباس قال : أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا ، فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته ، فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم ، فأنزل الله هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر ) إلى قوله : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ) فقال ناس من المتكلفين: هي رجس ، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر ، وفلان قتل يوم أحد؟ فأنزل الله هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الآية . وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه. فكما ترى التقوى والإحسان هي الغاية حتى لو شرب الخمر ومات وهو في بطنه.

حال أهل الدين السائد مع الخمر والنبيذ:

قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 107)

وكان عمر يشرب على طعامه الصلب ويقول: يقطع هذا اللحم في بطوننا. وقال الشعبي: شرب أعرابي من إداوة خمرٍ فحدَّه عمر للسكر لا للشرب. ودخل عمر على قوم يشربون فقال: نهيتكم عن معاقرة الشراب فعاقرتم وهمَّ بتأديبهم، فقالوا: مهلاً يا أمير المؤمنين، نهاك الله عن التجسس فتجسستَ، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلتَ، فانصرف وهو يقول: كل الناس أفقه منك يا عُمر.

وإنما نهاهم عن المعاقرة، وإدمان الشراب حتى يسكروا ولم ينههم عن الشرب. وأصل المعاقرة من عقر الحوض وهو مقام الشاربة، ولو كان عنده، ما شربوا، خمراً، لحدهم.

وقيل لسعيد بن سالم: أتشرب النبيذ؟ قال: لا، قيل: ولِمَ؟ قال: أترك كثيرة لله وقليله للناس. وكان سفيان الثوري يشرب النبيذ الصُّلب الذي تحمر منه وجنتاه. واحتجوا من جهة النظر أن الأشياء كلها حلال إلا ما حرم الله، قالوا: فلا نزيل يقين الحلال باختلاف ولو كان المختلفون أكثر الناس.

وأهل الكوفة فقد أجمعوا على التحليل لا يختلفون فيه، وتلوا قول الله عز وجل: أفرأيتم ما أنزل الله لكم من رزقٍ فجعلتم منه حراماً وحلالاً، قل الله أذن لكم أم على الله تفترون.

قال عبد الله بن مُصعب لشريك بن عبد الله: يا أبا عبد الله، أتشرب النبيذ، قال: نعم. فقال: سبحان الله، وكيف تشربه وقد جاء في الحديث: ما أسكر كثيره فقليله حرام، قال شريك: اختلف الناس فيه، فشربنا ما اختلفوا فيه، فليتك تدعُ ما أجمعوا على تحريمه.

واحتجوا في تحليل قليله بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن القوم يجلسون على الشراب وهو حلال فلا يزالون حتى يكون عليهم حراماً. وقال بعض أهل النظر، قال الله عز وجل: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. فنصَّ على الخمر ولم يذكر غيرها مع كثرته وشهرته، فعلم أنه قد تركه على إباحته، ولو كان أراد تحريمه لذكره ونصَّ عليه، فوجب أن القليل من هذه الأشربة الذي لا يكون منه سكرٌ، حلالٌ، للإجماع على تحريم السكر.

ويُروى عن ابن مسعود أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت فاستسقى فأُتي بقدح من نبيذ فشمَّه، وقطب، ثم دعا بماءٍ من زمزم فصبَّه فيه وشرب ثم قال: إذا اشتد عليكم نبيذكم فاكسروه بالماء.

وما تقدَّم من قول ابن قتيبة أقرب إلى الصواب في التأويل. وقد قال القوم من أهل النظر: إن السكر حرام، وما كان دون السكر أو بعيداً منه فلا بأس به. واحتجوا أن عصير العنب، ما دام حلواً، فهو حلال مطلق، وكذلك إذا استحال وصار خلاً، وإنما يُحرم منه ما أسكر بالسبب المتوسط بين الحالين.

وقال بعض أهل النظر: إذا انقلبت العين بطبخٍ أو مزج ماءٍ أو غيره فقد زال التحريم على القياس. وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا كان الإنسان منتهى سكره من هذا النبيذ عشرة أقداح فشرب ثمانية أقداح أو تسعة فلم يسكر فهو رُخصة في ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام وفي رواية أُخرى: كل سكرٍ حرام.

وروي عن عثمان بن أبي العاص أن عمر رضي الله عنه لما فطر قال: أعندكم من شرابكم شيء، قالوا: نعم، فأتوه به فشمه فسطع في خياشيمه فكسره بالماءِ وشربه.

وعن أبي هريرة أن عمر شرب في جفنةٍ لناسٍ من أهل الطائف، فلما ذاقه قطَّب وقال: إذا اشتد متنه فاكسروه بالماءِ، ثم قال: إن نبيذ الطائف له عرامٌ، ثم شربه.

وعن حسان بن مخارق أن رجلاً كان صائماً فأهوى، حين أفطر إلى قربةٍ فشرب منها فسكر، فأُتي به عمر رحمه الله، فقال الرجل: إنما شربتُ من قربتك، فقال عمر: إنما أجلدك لسكرك لا لشربك وقال: من رابه ريبٌ فليُسبحه بالماءِ. وروي عن عمرو ابن ميمون أن عمر قال: إنا لنشرب من النبيذ الشديد ليقطع لحوم الإبل في بطوننا، قال: وشربت مما عُمِل له فكان نبيذاً شديداً. وعنه قال: شهدت عمر حين طُعن فجاءه الطبيب فقال: أيُّ الشراب أَحبُّ إليك؟ قال: النبيذ، فأتي بالنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعنتيه.

وروى الأعمش عن النخعي عن علقمة قال: شربت عند ابن مسعود نبيذاً صُلباً آخره يسكر.

وعن ربعيٍّ بن حراش أن عمر رضي الله عنه  أتى قوماً فأخرجوا إليه نبيذاً حلواً، فقال: أعندكم ما هو أشد من هذا؟ قالوا: نعم ولكن كرهنا أن نأتيك به، فأتوه به فكسره بالماء وشرب حتى روي، ثم أعطاه الذي عن يمينه.

قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 108)

وروي أن رجلاً شرب من إداوةِ عليّ فسكر فجلده عليّ وقال: حدُّ النبيذ إذا أسكر ثمانون كجلد الخمر.

وروي عن الحسين بن عليّ أن رجلاً سأله عن النبيذ قال: اشربه فإن خفت أن تسكر فدعه.

وعن العمش عن المنذر قال: رأيت محمد بن الحنفية يشرب من نبيذ الدنِّ وكان يشرب الطلاء الشديد.

وروي عن أبي جعفر أن علي بن الحسين كان رجلاً ممعوداً وكان يوافقه النبيذ الصلب فيشربه.

وقال عاصم: أدركت أقواماً يتخذون هذا الليل جملاً كانوا يلبسون المعصفر، ويشربون نبيذ الجر، لا يرون به بأساً، منهم، زِر بن حبيش وأبو وائل شقيق بن سَلَمة، وكانا يشربان نبيذ الخوابي.

وكان شريح يشرب الطلاء الشديد. وروى الأعمش عن أبي إسحق قال: عرَّست فدعا أبي أصحاب عليّ وعبد الله بن مسعود، فشربوا نبيذ الخوابي وهم يرونها يسقي منها بالزواريق. والأحاديث عن هذه الطبقة من أصحاب علي رضي الله عنه كثيرة جداً. وعن غيلان ابن زيد قال: رأيت أبا عبيدة بن عبد الله يشرب النبيذ في جرٍ أخضر ويقول: إن محرم ما أحل الله كمستحل ما حرَّم الله عز وجل، وكان يشرب الطلاء حتى تحمر عيناه.

وقال مكحول: إذا شرب الرجل النبيذ فطابت نفسه وطرب فليحرم بقيته عليه فإنه ليس بعد الطرب إلا السكر. وكان إبراهيم النخعي وعامر الشعبي يشربان المسكر من النبيذ، وكان يقول لا خير في النبيذ إلا الشديد منه. وقال: أفسد الناسُ النبيذ بميم زادوها في الحديث، قالوا: كل مسكر حرامٌ، وإنما هو كل سكرٍ حرام. وقال: الشربة التي تسكر من النبيذ حرام، ولم يكن يرى بنقيع الزبيب بأساً، ولم يكن يرى على سكران النبيذ حدًّا، ويقول اكتموه عن أصحاب النبيذ. وعن إسماعيل بن عبد الله قال: رأيت سعيد بن جبير يشرب نبيذ الخوابي. وحضر الحسن البصري وليمةً ومعه عشرة من أصحابه فأُتوا بطعامٍ فأكل ثم أُتي الحسنُ بنبيذ شديدٍ فشرب منه ثم ناول القوم فشربوا فقال أحدهم: الماءُ أحبُّ إليَّ، فقال الحسن: إن ذلك عليك لبيِّن. وسئل مطرف بن عبد الله بن الشخِّير عن النبيذ فقال: اشرب ما لا يهلك فيه مالك أو يذهب منه عقلك. وعن أنسٍ قال: كانت أُم سُليم تنبذ نبيذاً لها في جرٍّ أخضر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيءُ فيشرب منه. وسئل الضحاك بن مزاحم عن نبيذ الجرِّ فقال: لا بأس به. وسئل أبو بكر الهُذلي عن النبيذ فقال: تمادى فيه السفهاءُ حتى كرهه العلماءُ. وقال أبو بكر بن عباس المنتوف: أجمع الفقهاء على أن المسكر والخمر حرام وإذا اشتد النبيذ كُسِر بالماء وهذا لا بأس به، والله لو كان النبيذ حراماً ما اختلف فيه اثنان. وكانوا يرون ما اشتد من الأشربة التي قد طبخت على النار، حلالاً، إلا ما كان من عصير العنب فإنهم تحرجوا منه إلا ما ذهب ثلثاه وبقي عسلاً لا يشتد فإنهم أجازوا ثلثه. وكان أبو حنيفة يرى أن شرب النبيذ من السنة. وقال ابن المبارك: أما النبيذ الذي كثيره [حرام] فلو أن رجلاً شدد فيه لم أُنكر عليه ولو أن رجلاً رَخَصَ فيه لم أُنكر عليه.

قال ابن المبارك: روي عن ثقات أهل الكوفة عن عمر رضي الله عنه تحليله، وروي عن ثقات أهل المدينة تحريمه، فمثله عندي كمثل رجلين تنازعا في سلعةٍ في يد أحدهما، كل واحد يقول: هي لي، وليس لواحد منهما بينة، فأقضي بينهما، فلا أقول حلالاً ولا حراماً. وقد فرقَتِ العرب بين الخمر وبين سائر الأشربة.

الرسول:

أخبار مكة للفاكهي - (ج 2 / ص 119)

558 - حدثنا علي بن حرب الموصلي ، بمكة قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن خالد بن سعد ، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : عطش النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت ، فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية ، فلما شمه قطب ، فقال رجل : أحرام هو يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، علي بذنوب من ماء زمزم » فصبه عليه ثم شرب ، وهو صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت.

عون المعبود - (ج 8 / ص 196)

3209 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي الْقَمُوصِ زَيدِ بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ مِنْ الْوَفْدِ الَّذِينَ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يَحْسَبُ عَوْفٌ أَنَّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ النُّعْمَانِ فَقَالَ: لَا تَشْرَبُوا فِي نَقِيرٍ وَلَا مُزَفَّتٍ وَلَا دُبَّاءٍ وَلَا حَنْتَمٍ وَاشْرَبُوا فِي الْجِلْدِ الْمُوكَى عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَدَّ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَأَهْرِيقُوهُ.

الخلفاء الراشدين:

تفسير القرطبي - (ج 10 / ص 130)

قال الطحاوي: وقد روى أبو عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب، خرجه الدارقطني أيضا. ففي هذا الحديث وما كان مثله، أن غير الخمر لم تحرم عينه كما حرمت الخمر بعينها.

قالوا: والخمر شراب العنب خلاف فيها، ومن حجتهم أيضا ما رواه شريك بن عبد الله، حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب: إنا نأكل لحوم هذه الإبل وليس يقطعه في بطوننا إلا النبيذ.

قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 108)

وكتب يعلى بن أُمية إلى عمر رضي الله عنه إنا نؤتى بقوم شربوا الشراب، فكتب إليه: من أُتيت به فاستقرئه أُم الكتاب وألقِ رِداءَه وأردية [أُخرى] فإن لم يعرف رداءه فأقم عليه الحد.

وروى نافع بن الحارث: أن عمر قال: اشربوا هذا النبيذ فإنه يقيم الصُّلب ويهضم ما في البطن وإنه لن يغلبكم ما وجدتم الماء.

وروى الأعمش ن موسى بن طريف عن أبيه، أن علياً رضي الله عنه كان يشرب النبيذ في الجرِّ الأخضر. وسأل رجلٌ علياً قال: أفتني في النبيذ، قال: اشرب ولا تسكر. وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: تعشيت عند علي رضي الله عنه  فسقاني طلاءً فلما قمت لأخرج، كان الطريق يمنةً فأخذت يسرة، فدعاني عليّ فقال: لعل شرابنا أخذ برأسك. يا جارية، خذي معه قبساً.

الصحابة:

قطب السرور في أوصاف الخمور - (ج 1 / ص 110)

وروى شريك عن عمرو بن حُريث، قال: سقاني ابن مسعود نبيذاً شديداً من جرِّ أخضر.

تفسير القرطبي - (ج 16 / ص 333)

وقال عبد الرحمن ابن عوف: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى ! ؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى:

( ولا تجسسوا ) وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم.

وقال أبو قلابة: حدث عمر ابن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك ! قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.

الملوك:

العقد الفريد - (ج 3 / ص 23)

عبد الملك بن مروان، وكان يسمى (حمامة المسجد) ، لاجتهاده في العبادة قبل الخلافة. فلما أفضت إليه الخلافة شرب الطلاء، وقال له سعيد بن المسيب: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت بعدي الطلاء؟ فقال: إي والله، والدماء! ومنهم الوليد بن يزيد، ذهب به الشراب كل مذهب حتى خلع، وقتل. وهو القائل:

 

خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم

 

ثباتاً يساوي ما حييت عقالا

دعوا لي سلمى والنبيذ وقينة

 

وكأساً ألا حسبي بذلك مالا

أبالملك أرجو أن أخلد فيكم

 

ألا رب ملك قد أزيل فزالا

 

العقد الفريد - (ج 3 / ص 18)

قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد، وهو في الفرش منغمس كما ولدته أمه، فقال لي: يا أصمعي، من أين طرقت اليوم؟ قال: قلت احتجمت. قال: وأي شيء أكلت عليها؟ قلت: سكباجة وطباهجة. قال: رميتها بحجرها. قال: هل تشرب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين:

اسقني حتى تراني مائلاً

وترى عمران ديني قد خرب

قال: يا مسروق، أي شيء معك؟ قال: ألف دينار. قال: ادفعها إليه.

التاج في أخلاق الملوك - (ج 1 / ص 33)

وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوماً، ويدع يوماً.

وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليالٍ، ليلةً.

ولم يشرب عمر بن عبد العزيز منذ أفضت إليه الخلافة إلى أن فارق الدنيا، ولا سمع غناءً.

وكان هشام يسكر في كل جمعة.

وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشرب. فأما يزيد بن الوليد، فكان دهره بين حالين، بين سكر وخمارٍ؛ ولا يوجد أبداً إلا ومعه إحدى هاتين.

وكان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء، وليلة السبت.

وكان أبو العباس السفاح يشرب عشية الثلاثاء وحدها، دون السبت.

وكان المهدي والهادي يشربان يوماً، ويدعان يوماً.

وكان الرشيد يشرب ظاهراً، إلا أنه كان يقعد هذين اليومين لندمائه.

وكان المأمون في أول أيامه يشرب الثلاثاء والجمعة؛ ثم أدمن الشرب عند خروجه إلى الشام في سنة خمس عشرة ومائتين، إلى أن توفي.

وكان المعتصم لا يشرب يوم الخميس، ولا يوم الجمعة.

وكان الواثق ربما أدمن الشرب، وتابعه. غير أنه لم يكن يشرب في ليلة الجمعة ولا يومها.

الفقهاء والمحدثون:

الأشربة و ذكر اختلاف الناس فيها - (ج 1 / ص 20)

و قد كان إبراهيم النخعي لمعرفته بأن هذا من القول لا يصح تساق على علة أخرى فقال: إنما حرم السكر فزاد الناس ميما.

العقد الفريد - (ج 3 / ص 29)

وكان سفيان الثوري يشرب النبيذ الصلب الذي تحمر منه وجنتاه.

واحتجوا من جهة النظر أن الأشياء كلها مباحة إلا حرم الله قالوا: فلا نزيل نفس الحلال بالاختلاف، ولو كان المحللون فرقة من الناس، فكيف وهم أكثر الفرق؟ وأهل الكوفة أجمعون على التحليل، لا يختلفون فيه. وتلوا قول الله عز وجل: ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزقٍ فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ) .

حدث إسحاق بن راهويه قال: سمعت وكيعاً يقول: ( النبيذ أحل من الماء ) .

وعابه بعض الناس في ذلك، وقالوا: كيف يكون أحل من الماء؟ وهو وإن كان حلالاً فهو بمنزلة الماء. وليس على وكيع في هذا الموضع عيب، ولا يرجع عليه فيه كذب، لأن كلمته خرجت مخرج كلام العرب في مبالغتهم، كما يقولون: ( هو أشهر من الصباح ) ، و ( أسرع من البرق ) ، و ( أبعد من النجم) ، و ( أحلى من العسل ) ، و ( أحر من النار ) . ولم يكن أحدٌ من الكوفيين يحرم النبيذ غير عبد الله بن إدريس. وكان بذلك معيباً.

وقيل لابن إدريس: من خيار أهل الكوفة؟ فقال: هؤلاء الذين يشربون النبيذ. قيل: وكيف وهم يشربون ما يحرم عندك؟ قال: ذلك مبلغهم من العلم.

وكان ابن المبارك يكره شرب النبيذ، ويخالف فيه رأي المشايخ وأهل البصرة.

 

تفسير القرطبي - (10 / 130)

قال شريك: ورأيت الثوري يشرب النبيذ في بيت حبر أهل زمانه مالك بن مغول.

الناس:

العقد الفريد - (ج 3 / ص 17/18)

قيل للأحنف بن قيس: أي الشراب أطيب؟ فقال: الخمر. قيل له: وكيف علمت ذلك، وأنت لم تشربها؟ قال: إني رأيت من حلت له لا يتعداها، ومن حرمت عليه إنما يدور حولها.

وقال ابن شبرمة: أتانا الفرزدق، فقال: اسقوني. فقلنا: وما تريد أن نسقيك؟ قال: ( أقربه إلى الثمانين ) ، ويعني حد الخمر.

وقال قيصر لقس بن ساعدة: أي الأشربة أفضل عاقبة في البدن؟ قال: ( ما صفا في العين، واشتد على اللسان، وطابت رائحته في الأنف، من شراب الكرم ) . قيل له: فما تقول في مطبوخه؟ فقال: (مرعى ولا كالسعدان! ) . قيل له: فما تقول في نبيذ الزبيب؟ قال: ميت أحيى، فيه بعض المتعة، ولا يكاد يحيا من مات مرة. قيل له: فما تقول في العسل؟ قال: نعم شراب الشيخي ذي الإبردة، والمعدة الفاسدة.

علي بن عياش قال: إني عند الوليد بن يزيد في خلافته، إذ أتي بابن شراعة من الكوفة، فوالله ما سأله عن نفسه ولا سفره، حتى قال له: يا ابن شراعة، إني والله ما بعثت فيك لأسألك عن كتاب الله، ولا سنة رسول. قال: والله لو سألتني عنهما لأصبتني فيهم    ا حماراً. قال: فإنما أرسلت إليك لأسألك عن القهوة. قال: فأنا دهقانها الخبير، وطبيبها العليم. قال: فأخبرني عن الطعام؟ قال: ليس لصاحب الشراب على الطعام حكم، غير أن أنفعه أدسمه، وأشهاه أمرؤه، قال: فما تقول في الشراب؟ قال: ليسأل أمير المؤمنين عما بدا له. قال: فما تقول في الماء؟ قال: لا بد لي منه، والحمار شريكي فيه. قال: فما تقول في السويق؟ قال: شراب الحزين والمستعجل والمريض. قال: فما تقول في اللبن؟ قال: ما رأيته قط إلا استحييت من أمي، من طول ما أرضعتني به. قال: فنبيذ التمر؟ قال: سريع الامتلاء، سريع الانفشاش. قال: فنبيذ الزبيب؟ قال: حاموا به على الشراب. قال: فما تقول في الخمر؟ قال: أوه، تلك صديقة روحي. قال: وأنت والله صديق روحي. قال: وأي المجالس أحسن؟ قال: ما شرب الناس على وجه قط أحسن من النساء.

قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد، وهو في الفرش منغمس كما ولدته أمه، فقال لي: يا أصمعي، من أين طرقت اليوم؟ قال: قلت احتجمت. قال: وأي شيء أكلت عليها؟ قلت: سكباجة وطباهجة. قال: رميتها بحجرها. قال: هل تشرب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين:

اسقني حتى تراني مائلاً

وترى عمران ديني قد خرب

قال: يا مسروق، أي شيء معك؟ قال: ألف دينار. قال: ادفعها إليه.

الناسخ والمنسوخ:

بما أن لا وجود لهذا الأمر الذي اخترعه من أراد أن يلغي آية بحديث أو يسقط آية بأخرى، كان واجب علينا أن نبين هذا الأمر؛ لأن هناك من يريد أن يجعل من بعض الآيات التي تخص الخمر ناسخة لبعض تلك الآيات التي جاءت مفسرة في الحقيقة لا ناسخة، وهذه هي لعبة الناسخ و المنسوخ، فالآية الناسخة تلغي المنسوخة، ولكن لأن هؤلاء الناس لم يستطيعوا حذف المنسوخ، فقالوا أن النسخ يأتي على ثلاثة أوجه:

 وجه ينسخ الآية حكما وتلاوته، مثال ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه - (ج 7 / ص 353)2635 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ وَهِيَ تَذْكُرُ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ بِمِثْلِهِ ووجه ينسخ الآية تلاوة لا حكم، ووجه ينسخ الآية حكما لا تلاوة. ولا مبرر لهذا العبث إلا القدرة على حذف آيات من الكتاب تلاوة وحكما، وإلا كيف نبرر فعل الله هذا؟

ووجه ينسخ الآية حكما لا تلاوة، مثال ذلك، ما أخرجه البخاري في صحيحه البخاري - (ج 7 / ص 44) بَاب ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ نَسَخَتْهَا ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ ووجه ينسخ الآية حكما لا تلاوة. وهذا الأمر يكذبه ما أخرجه البخاري في صحيحه - (ج 13 / ص 444) 4145 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وأنا أقول أن هذا جزء منها دون الزيادة ((أي معنى يطيقونه  يعني فلا يطيقونه)) فسياق الآية واضح، قال تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184]  أي من كان منهم مريضا أو على سفر ويطيق الصيام ولا يريده فعليه بفدية الطعام للمساكين؛ لأن الصيام في السفر تطوع لا فرض.

ووجه ينسخ التلاوة لا الحكم، ومثال ذلك، آية الرجم، أخرج مالك في موطأه - (ج 5 / ص 184) 1297 - حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ وَفُرِضَتْ لَكُمْ الْفَرَائِضُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا قَالَ مَالِك قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت قَوْله تَعَالَى يَقُولُ قَوْلُهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالثَّيِّبَةَ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ. وهذا أمر لا يصح عن رب جعل القرآن حجة على الناس، فكيف يكون حجة وهو يأمر بما ليس فيه؟؟؟

فآيات الخمر ثلاث وهي: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219] ،  فهذه آية استفهامية، وإثمها هو العداوة والبغضاء وهما لا يجتمعان إلا بالخمرو الميسر كما سبق و أن بينا، أما المنافع فقد أثبت الطب الحديث أن للنبيذ منافع صحية بشرط عدم الإدمان كما بين ذلك الله في كتابه، و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]، وهذه فيها تأدب لهم بترك الإدمان عليها ومعاقرته. و (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 91] وهذه رد على قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 43]، فهو لم يحرمها بل بين أن الصلاة لا يأتيه من كان سكرا لأنه حينها لا يعرف ما يقول، وهذا  لا يعني عدم شربها لا من قريب و لا من بعيد.

مبررات التطرف بالقول بالتحريم:

لقد كان القرآن ينزل تباعا، ولو عاش رسول الله  أكثر مما عاش يدعوا إلى الله لنزلت الآيات تباعا حسب ما تقتضيه الأحداث والتشريعات الجديدة التي لم يذكر فيها حكما بعد وفاته، ولكن القرآن جاء على الأصول كلها وجعل العقل قائما مقام الشرع  باتبع النهج المنزل، ولقد كانت هناك أحداث نجمت عن تعاطي الخمر مثال :

حمزة بن عبدالمطلب:

صحيح البخاري - (ج 12 / ص 397)

3702 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح و حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ السَّلَام أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنْ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ قُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا قَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ مَا لَكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ.

أبو بكر الصديق:

 تفسير الصافي – (ج 2/ص 82)

  شرب الخمر قبل أن تحرم الخمر فسكر، فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر، فسمع رسول اللّه , فقال: اللهم امسك على لسانه، فامسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر , فانزل اللّه تحريمها بعد ذلك

عبدالرحمن بن عوف:

تفسير البغوي - (ج 1 / ص 249)

أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا، وحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرا (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون) هكذا إلى آخر السورة بحذف ((لا)) فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)) [النساء: 43]

سعد بن أبي وقاص:

تفسير الألوسي - (ج 2 / ص 206)

اتخذ عتبان بن مالك صنيعاً ودعا رجالاً من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ثم إنهم افتخروا عند ذلك/ وتناشدوا الأشعار فأنشد سعد ما فيه هجاء الأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصار فقال : اللهم بين لنا رأيك في الخمر بياناً شافياً فأنزل الله تعالى : ( إِنَّمَا الخمر والميسر ) إلى قوله  تعالى : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ) [ المائدة : 90، 91]

وبعد هذا السرد حرم الناس والفقهاء من قبلهم ما لم يحرمه الله وهو بنفس القدر من الحكم على من يحلل ما حرمه الله، فلو اقتصروا على القول بالكراهية أو التشريع المدني غير الديني لكان هذا هو الحق، أما أن نحرم مال لم يحرمه الله باسم الله فهذا فيه ما يعلمه كل عاقل من أن التقول على الله بالكذب لا يجوز دينا و عقل، بل فيه مضرة للدين. (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)  [النحل/116].

ثم أن الخمر غير النبيذ ومن النبيذ ما يسكر،  فلو صح التحريم للخمر بعينها لم جاز تحريم غيرها،  ولكن الذي حرم هو الإسكار. وقد قال صلى الله عليه وسلم:  (كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذ إِلَّا فِي الْأَسْقِيَة فَانْتَبِذُوا فِي كُلّ وِعَاء وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا)  شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 86)،  فكما ترى كان أمره بالنهي تماما كما نهى الله ولم يحرم لا الله و لا رسوله، فمن أين جاء أهل الدين السائد بالتحريم؟

تفسير القرطبي - (ج 10 / ص 132)

قال: وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل مسكر حرام ) واستغنى عن سنده لقبول الجميع له، وإنما الخلاف بينهم في تأويله، فقال بعضهم: أراد به جنس ما يسكر.

 

وقال بعضهم: أراد به ما يقع السكر عنده كما لا يسمى قاتلا إلا مع وجود القتل.

قلت: فهذا يدل على أنه محرم عند الطحاوي لقوله، فوجب قياسا على ذلك أن يحرم كل ما أسكر من الأشربة.

وقد روى الدارقطني في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن الله لم يحرم الخمر لاسمها وإنما حرمها لعاقبتها، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر.

قال ابن المنذر: وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة، وإذا اختلف الناس في الشيء وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وما روى عن بعض التابعين أنه شرب الشراب الذي يسكر كثيره فللقوم ذنوب يستغفرون الله منها، وليس يخلو ذلك من أحد معنيين: إما مخطئ أخطأ في التأويل على حديث سمعه، أو رجل أتى ذنبا لعله أن يكثر من الاستغفار لله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم حجة الله على الأولين والآخرين من هذه الأمة.

وقد قيل في تأويل الآية: إنها إنما ذكرت للاعتبار، أي من قدر على خلق هذه الأشياء قادر على البعث، وهذا الاعتبار لا يختلف بأن كانت الخمر حلالا أو حراما، فاتخاذ السكر لا يدل على التحريم، وهو كما قال تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس والله أعلم. أهـ

باب سد الذرائع:

هذا هو الباب الذي أراد أهل الدين السائد من خلاله خلق مجتمع ملائكي أم فقط لمجرد حكم الناس باسم الله لا بحكم الله، وهيهات أن يكون لهم هذا، وقد قالها أهل الفقه أن الأشياء أصلها الإباحة إلا أن يدل دليل على حرمتها، ولكن أهل الدين السائد  وهم أهل السياسة ورجال دينهم، للأسف ضيقوا واسعا، خالفوا سنن الله في خلقه وملكه، فالله لم ينزل الأحكام لتعطل، بل أوجدها لأنه اعلم بخلقه في ارتكاب المعصية والقدرة على التوبة، وقال صلى الله عليه و سلم: إن خير دينكم أيسره، وقال:  كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن أبى أهل الدين السائد إلا مخالفة ربهم بأن ينصبوا محاكم التفتيش والمراقبة والتهديد والتضييق على المؤمنين حتى نفروا أهل الإسلام من دينهم المصطنع بتصورهم الملائكي وهم أبعد ما يكونوا عن هذا الأمر فعلا وقولا.

 الشرح الممتع على زاد المستقنع - (ج 1 / ص 37)

ولذلك يجب أن نعرف أن منع العباد مما لم يدلَّ الشرعُ على منعه كالتَّرخيص لهم فيما دَلَّ الشَّرع على منعه؛ لأن الله جعلهما سواء فقال: )وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ( [النحل: 116] ، بل قد يقول قائل: إن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام؛ لأن الأصلَ الحِلُّ، والله عزّ وجل يحبُّ التَّيسير لعباده.

 

 

 

 

 


 

الفهرس

تعريف الخمر: - 1 -

تعريف النبيذ: - 1 -

الفريق بين النبيذ والخمر: - 1 -

تاريخ الخمر: - 1 -

حكم الخمر في الأديان الإبراهيمية: - 1 -

التوراة: - 1 -

الإنجيل: - 1 -

تحريف التوراة والإنجيل: - 2 -

القرآن: - 2 -

الفرق بين النهي والتحريم: - 4 -

حكم الخمر في القرآن: - 5 -

حكم الخمر في السنة: - 5 -

صفة حال السكران: - 8 -

حد الخمر: - 9 -

وظيفة السنة: - 10 -

تدوين السنة: - 10 -

نهي الرسول: - 11 -

نهي الخلفية أبو بكر رضي الله عنه: - 11 -

نهي الخليفة عمر رضي الله عنه: - 11 -

حكم الخمر والنبيذ عند الفقهاء: - 11 -

الأحناف: - 11 -

المالكية: - 12 -

الشافعية: - 12 -

الحنابلة: - 13 -

مناقشة واستدلال: - 14 -

حال أهل الدين السائد مع الخمر والنبيذ: - 14 -

الرسول: - 17 -

الخلفاء الراشدين: - 17 -

الصحابة: - 17 -

الملوك: - 18 -

الفقهاء والمحدثون: - 19 -

الناس: - 20 -

الناسخ والمنسوخ: - 20 -

مبررات التطرف بالقول بالتحريم: - 22 -

حمزة بن عبدالمطلب: - 22 -

أبو بكر الصديق: - 22 -

عبدالرحمن بن عوف: - 23 -

سعد بن أبي وقاص: - 23 -

باب سد الذرائع: - 24 -

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !