الخلط البـيّـن بين (الـديـن) و (الفـن والثقافة والتـديـن) ..!!
قرات مقالات بالصدفة في جريدة صوت الأزهـر ، استفز داخلي فكرة رائعة وجديدة للرد على من يقدسون التراث والحديث..
إليكم المقال وبعده رد وتعليق ...
" يأخذني المشهد إلى هناك لأراني محرراً في بداية مشوراي الصحفي بأخبار اليوم وحدث أن عرض التليفزيون مسلسل (العائلة) ، في شهر رمضان حيث ترتفع نسبة المشاهدة ، ومرت مشاهد المسلسل مرور الكرام إلا مشهدا أقام الدنيا ولم يقعدها ، لدرجة أن وزير الإعلام (صفوت الشريف) وقتها طلب شخصيا منا ان ننظم في الصحيفة ندوة يحضرها نجوم المسلسل لاستعراض حلقاته ومشاهده ، خاصة المشهد (المكهرب) " يعني أيه عذاب قبر ، هو فيه حاجة اسمها عذاب قبر .؟" تلك الكلمات جاءت على لسان نجم المسلسل الفنان (........) وكانت كافية لتفجير قنبلة من الغضب الشعبي ، وجاء الفنان "إياه" الندوة بضغط من وزير الإعلام المصري ، فالمعروف أنه لا يحب الظهور في وسائل الإعلام ، وبدأت النقاشات ، كل أدلى بدلوه ، لكن ارتفع ضغطى عندما قال الفنان (.....) "حكاية عذاب القبر لم تكن ضمن حوار المسلسل هذا كلام من عندي هو فيه صحيح عذاب قبر " ، ورأيتني امسك بورقة واكتب سؤالا له ، وأعطى الورقة لمدير تحرير الصحيفة الناقد الفني الراحل أحمد صالح ، فقراها ثم ابتسم ووضعها في جيبه ، ولأنه كان رئيسي في العمل وأستاذي سكت وبعد الندوة سالته عن سر عدم توجيه السؤال ، فقال " فلان الفلاني ، الفنان المعجزة لا يفيق تقريبا من الخمر ...!
كان سؤالي لنجم المسلسل "إذا كنت لا تدري أن هناك عذاب قبر فتلك مصيبة وإن كنت تدري وتستغرب ذلك في وسيلة جماهيرية فالمصيبة أعظم ، مرت سنوات طويلة رحل معظم من حضر الندوة عن دنيانا ، فما الذي أيقظ المشهد من سباته العميق بداخلي .؟! ربما يكون السبب الحملة الشرسة التي يشنها البعض حاليا لإنتاج أفلام سينمائية يظهر فيها الأنبياء صراحة دون رمزية ويبررون ذلك بحرية الإبداع وأن هذا الظهور في صالح الأديان وليس ضدها.
هذه المرة لن امسك بورقة وأكتب فيها علامة استفهام حائرة وأدسها في يد مدير تحرير ، ولكن سأطلق استفهاماتي في وجه هؤلاء بلا مواربة ، المفروض أن يكون أي ممثل قد عايش الشخصية التي سيؤديها معايشة كاملة ، بكل تفاصيل حياتها ، أو على الأقل يستعين بشخصية مرت بنفس التجربة التي سيقدمها على الشاشة ..
والسؤال : من في الدنيا عايش لحظة نزول الوحي عليه إلا الأنبياء ، فكيف سيتم تجسيد هذه اللحظات لينقل شعور " النبي لنا ".؟ هل من المنطق أن يجسد الممثل شخصية سكير في فيلم ، ثم نراه نبياً في فيلم آخر..؟
عاتبت الفنان نور الشريف الذي جسد شخصية عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين في مسلسل وفي نفس توقيت عرض المسلسل قدم فيلما سينمائيا لعب فيه دور زئر نساء ... وأبدى ندمه على ذلك فما رأيكم .؟ ألا يخدش تقديم ممثل لشخصية نبي قدسية هذه الشخصية وصورتها النقية في أذهان اتباعه..؟
ألستم معى أن المشاهد تترسخ في ذاكرته صورة الممثل وليست صورة من يجسد شخصيته ، وهذا ما حدث في فيلم "بلال مؤذن الرسول" ..؟
ألا تتفقون أن التطرف يغذيه أحيانا ويصنعه من يخرجون على قيم المجتمع ويخرجون ألسنتهم لبعض ثوابته .؟! ..... انتهى المقال ...
وهو منشور في جريدة صوت الأزهـــر في العدد 792 بتاريخ 28 نوفمبر 2014 ، في الصفحة الأخيرة بعنوان (أنبياء على الشاشة) للكاتب الصحفي / محمد الحافي ...
الرد والتعليق على المقال
**********************
بداية يجب أن أشكر الكاتب الصحفي / محمد الحافي ــ على هذا المقال الذي منحني فرصة وفكرة رائعة لكي أبدع وأستخرج أدلة جديدة تدين كل من يقدس بشرا مع الله جل وعلا ، وتثبت أن كل من يقدسون التراث يتناقضون مع انفسهم فيخلطون الدين الإلهي بالتدين والثقافة والفن والعمل البشري ، فتوارثوا تقديس البشر ، وتقديس اقوالهم وأفعالهم البشرية ، وكذلك توارثوا الخلط بين الدين وبين ثقافة المجتمع الدينية وسلوكياته وفنـّه وأفعاله الاجتماعية اليومية التي تتغير بتغير الوقت والظروف بينما يظل الدين ثابت لا يتغير مهما اختلف المكان او الزمان ...
ــ لن أوجه تهمة للكاتب بأنه يحاول في هذا المقال في جزئه الأول أن يظهر الوزير (صفوت الشريف) أنه كان يدافع عن عذاب القبر أحد ثوابت الأمة والدين ، ويبين الكاتب إصرار الوزير أن يعقد ندوة لمناقشة الخطأ الفادح في معلوم من الدين بالضرورة ، لدرجة انه ضغط على الممثل الذي وجه إساءة لعذاب القبر..
ــ من ناحية أخرى حين يصف الكاتب أن هذا المشهد (مكهرب) فهذه مبالغة كبيرة جدا لأن مسلسل العائلة حسب علمى كان يعرض في التسعينات ، وهذا يتزامن مع نشر كتاب كامل بعنوان (أكذوبة عذاب القبر والثعبان الأقرع) لـ د / أحمد صبحي منصور المفكر والأستاذ الأزهري..
ــ الكاتب يعتبر جهل أي إنسان بموضوع عذاب القبر مصيبة ، لماذا لا اعلم .؟ على الرغم أن ملايين المسلمين حتى الآن لا يستطيعون قراءة أو تدبر آية واحدة من القرآن ، ألا تعتبر هذه أكبر المصائب ..!!!! لأنها ترتبط بإهمال امر إلهى لكل مسلم تجاه الرسالة الخاتمة ، ورغم ذلك لم يتكهرب الجو في بلاد المسلمين بسبب هذه المصيبة ، ولم نسمع أن كل مسلم أخذ مجموعة من أقاربه وجيرانه يعلمهم دراسة وتدبر القرآن تنفيذا لمر الله جل وعلا..
ــ يشن الكاتب هجوما ضاريا ويطلق علامات استفهام في وجه كل من يحاول تجسيد شخصيات الأنبياء في الدراما صراحة دون رمزية ، ويقول ان المفروض على أي ممثل يقوم بتمثيل شخصية معينة سيؤديها لابد ان يعايش هذه الشخصية معايشة كاملة بكل تفاصيل حياتها ، او يستعين بشخصية مرت بنفس التجربة التي سيقدمها .. ، وهنا مربط الفرس ..
هنا الخلط البيّـن بين الثقافة والفن والابداع أو حتى التدين (فهم وتطبيق البشر للدين) ، وبين دين الله جل وعلا ، معلوم أنه لم يحدث ولن يحدث أن أي فنان او ممثل بعد تجسيده لشخصية صحابي او نبي سيخرج علينا قائلا أن هذا العمل الدرامي أصبح دينا يجب تقديسه والعمل به واعتباره معلوما من الدين بالضرورة ، ويجب التعامل معه كأنه نصا دينيا مقدسا ... اعتقد لم ولن يحدث هذا أبدا مع أي عمل فنى ...
ورغم ذلك يريد الكاتب من هذا الممثل او ذاك أن يعايش الشخصية التي سيؤديها لحظة بلحظة أو على الأقل يستعين بشخصية مرت بنفس التجربة.. وأكرر رغم ان ما سيقدمه الممثل هو عمل درامي تمثيلي لا علاقة له بدين أو تدين أصلا وسينسب في النهاية لإحدى الوزارات التي لا تمثل الدين..
والسؤال الخطير هنا : لماذا إلى الآن لم يسأل الكاتب نفسه كيف يقدس المسلمون البخاري وأحاديثه ، رغم أنه وُلدَ بعد وفاة النبي بحوالي قرنين من الزمان دون أن يعايش النبي لحظة واحدة ودون ان يعايش أي شخصية من الذين عاشوا مع النبي لحظة واحدة ، ورغم ذلك كتب البخاري كتابا أصبح الآن أصح كتاب بعد القرآن الكريم (حسب زعم من يقدسون البخاري) ، أليس من العجيب والغريب أن تطالب حضرتك الممثل الذي يؤدي عملا فنيا لا يفرضه على الناس كدين ، بل بالعكس يحاول الممثل اختيار أفضل وأبهى صياغة في كتابة العمل الدرامي كما حدث في مسلسل يوسف الصديق حيث ظهرت شخصية يوسف تتميز بالصدق والأمانة والمودة والتسامح والعدل والعفو والصفح والعقل الواعي المتفتح والقائد الناجح ووووو إلخ).. ورغم ذلك عُـرضَ المسلسل وانتهى وهو مجرد عمل درامي جميل وليس دينا ..
لكن على النقيض نجد أكبر و أشهر أئمة الحديث الذين لم يعاصروا النبي ولم يعايشوه لحظة واحدة كتبوا عنه روايات ملفقة بالآلاف ، وتجرأوا ودخلوا حجرة نومه مع نسائه ووصفوا علاقاته الزوجيه بالتفصيل ، وكيف كان يغتسل ، وكيف كان يجامع زوجاته بغسل واحد وكيف أُعطىَ قوة أربعين رجلا في الجماع ، وكيف كانت السيدة عائشة تعلم الشباب كيف كان يغتسل رسول الله ، واتهام الرسول بأنه كان يدخل بيوت النساء دون وجود أزواجهم ، من الذي عايش هذه الأفعال اليومية لحظة بلحظة وظلّ حيا إلى أن رآه البخاري أو مسلم وغيرهم وأخذوا منه هذه الأفعال والأقوال ودونوها وأصبحت دينا مقدسا عند معظم المسلمين ..؟؟!! ، البخارى يكتب احاديثه عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان ، وبكل أسف لم يرى أحدا من الذين كتب عنهم لأنهم ماتوا قبل مائتي عام على الأقل ...
ألا يحتاج هذا السؤال إلى رد ..؟؟!!
إن هذه المغالطات الكثيرة والخطيرة تسببت في أن معظم المسلمين أكثر الناس إساءة لدينهم.
لأنهم لم يتعلموا كمسلمين أن يفرقوا بين الإسلام كدين إلهى نزل محفوظا في القرآن الكريم بقدرة الله جل وعلا ، وبين تدين المسلمين وفهمهم وتطبيقهم لهذا القرآن ، الدين الإسلامي هو القرآن وحده ، أما ما فعله المسلمون في الماضي والحاضر ، وما كتبه واجتهد فيه المسلمون في الماضي والحاضر من فقه وتشريع ديني فهو تدين وثقافة وتراث ديني ينسب للمسلمين وحدهم ، ولا يجوز أبدا أن نعتبر ما فعله المسلمون في أي زمان او مكان جزء من الدين ، ولا يجوز الادعاء بأن فلان أو علان يمثل الإسلام أو شيخ الإسلام أو سيف الإسلام أو حجة الإسلام ، فكل هؤلاء بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق يصيبون ويخطئون يتبولون وسيموتون وتحلل أجسادهم وسيأكلها الدود ، وحرصا على هذا الدين يجب ان نفصل بين أقوالهم وأفعالهم بأن ننسبها إليهم صراحة ، وبين دين الله جل وعلا ، بحيث يكون هناك حدا فاصلا واضحا بين (أقوال وأفعال واجتهادات البشر) وبين (كتاب رب البشر ودينه الحق في القرآن الكريم) ، وإذا لم يُقْـدِم المسلمون بكل شجاعة على الاعتراف بأن تاريخهم وتراثهم الفكري والثقافي والديني هو عمل بشري يقبل النقاش والأخذ والرد فيه الصواب و فيه الخطأ ، وأنه قد يتفق في بعضه ، وقد يتناقض في معظمه مع تشريعات وحقائق القرآن ، فسيظل الإسلام متهما بالتطرف والإرهاب ، لأن كل من هبّ ودبّ يقتل ويقطع الرقاب ويرجم ويستعبد الأطفال والنساء ويسرق ويكنز الأموال وينشر الفقر والجهل والتطرف والإرهاب باسم هذا الدين ويعتبر نفسه مدافعا عن الدين وهو أكبر عدو له وأكثر الناس إساءة له بأن ينسب أفعاله وجرائمه للإسلام ، والإسلام بريء منه ومن أفعاله ..
في النهاية : أقول اننا حين نطالب ممثل سيقدم عملا فنيا يجسد فيه شخصية نبي او رسول بوجوب معايشته للشخصية لحظة بلحظة حتى لا يمثل شيئا يضر بالشخصية نفسها ، إذن حسب مطلب الكتاب فإن ما فعله البخاري بأن ألف احاديثا ولفقها للرسول عليه الصلاة والسلام دون ان يراه او يعايشه ودون ان يرى شخصا واحدا من الذين عاشوا في عصر الرسول ثم يتحول كتاب البخاري لأصح كتاب بعد القرآن فهذه جريمة و قمة السخرية والتناقض ومخالفة المنهج العلمي ، لأن ما فعله الممثل سيقع ضرره على الشخصية ، أما ما فعله البخاري وقع ضرره على دين الله وعلى معظم المسلمين ، وهذا هو الفارق الجوهري في الموضوع ، ومن هنا واعتمادا على نظرية الأستاذ الصحفي علينا جميعا ان نراجع انفسنا فيما نقرأ وقبل ان نقدس نصا كتبه بشر يجب علينا أن نسأل انفسنا هل كاتب هذا النص عاصر الشخصية التي يكتب عنها.؟ خصوصا إذا كان هذا النص يخص الدين والتشريع ومصائر الناس وحياتهم ...
التعليقات (0)