الخلافة ليست من الدين
في أدبيات الإسلام السياسي تحتل مفردة الخلافة موقعاً بارزاً لا يمكن التغافل عنه فهي وسيلة إقامة الدين ولا يقوم الدين إلا بها ، تقول الحقيقة المغيبة الخلافة حقيقة تاريخية وليست فريضة دينية لكن هناك من جعلها أصلاً لا يقوم الدين إلا به وهذه كارثة تدفع المجتمعات ثمنها إلى قيام الساعة ، الخلافة الحقيقية التي يتفاخر المسلمين بها هي الخلافة الراشدة والتي انتهت بمقتل الخليفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجه و رضي عمن سبقه من الصحابة الاخيار ، تلك الحقبة التاريخية لم تخلوا من أحداثِ سياسية مثلت في النهاية بذرة الإسلام السياسي والاحتكام إلى القرآن وتطبيق الشريعة الغراء.
السعي لإقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة طموح بعض من وقع أسيراً للتفسيرات الخاطئة لبعض النصوص من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تفسيرات أيقظت صراعاتِ طائفية وحولت المجتمعات المتصالحة المسالمة لمجتمعاتِ متصارعة يُكفر بعضها بعضا ويلعن بعضها بعضا ، لولا الجهل والحماسة واستغلال العواطف من قبل شياطين الأنس ممن يسعون في الأرض فساداً لم تكن لتولد تنظيمات تحمل شعار الإسلام هو الحل وإقامة الخلافة كنظام سياسي من المحيط إلى الخليج أيضاً الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحالة الثقافية للمجتمعات عوامل تسهم في بروز ظاهرة الإسلام السياسي كظاهرة فكرية ودموية في وقتِ لاحق ، الإسلام السياسي ليس حكراً على السنة فحسب بل حتى الشيعة لديهم اسلام سياسي لا يقل تطرفاً وعداوة عن الاسلام السياسي المحسوب على السنة ، لن تزول فكرة إقامة الخلافة كنظامِ سياسي يلغي المواطنة والقومية والمدنية إلا إذا زال وانتهى ذلك الخطاب الذي يستند على تراث تاريخي يدعم تلك الرؤية التي لم تعد صالحة لهذا الزمن الذي غلبت عليه المصالح المشتركة والمعاهدات والمواثيق الدولية ، جولة سريعة في كتب التراث الإسلامي الفقهية والتاريخية وكتب السير و المؤلفات الحديثة لوعاظ ومنظرين محسوبين على الأصولية الإسلامية تكشف لنا مكارثية فكرية ثقافية نغض الطرف عنها بلا سببِ مُقنع .
لطالما عبث الإرهاب في البلدان العربية والإسلامية والسبب فكرة إقامة الخلافة التي ترى في الانظمة السياسية القائمة جاهلية وردة عن الإسلام ولا يمكنها الاستمرار فالحاكمية لله ولمن اصطفاه ممن سيعيد للأمة أمجادها وهذا ما وقعت فيه القاعدة وداعش وبوكو حرام وطالبان وما صدرته جماعة الإخوان المسلمين التي تؤمن بمبدأ الحاكمية ومنازلة الحكومات القائمة بطرق شتى ، لكي نتخلص من كوارث الإسلام السياسي فيجب علينا وضع اليد على الجرح وسبب الألم وهذا لا يحتاج لتفكيرِ كبير قدر حاجته لشجاعة وقوة تضع النقاط على الحروف وتُخرج الحقيقة من أدراج الظلام .
التعليقات (0)