مسكون المواطن العربي في حله وترحاله ، بما يسمى الخط الأحمر ، وترى العامة والخاصة ، المثقف قبل الجاهل يردد الخط الأحمر ، تذكرت العبارة ، وأنا أقف على الإشارة وكانت حمراء ، ثم تحولت إلى برتقالي ، ثم إلى أخضر ، فانطلقت مع سيل الجموع خلفي لأعبر الطريق ..
خطر ببالي خاطر .. وتبادر إلى ذهني سؤال من هو الذي وضع الإشارات ... ومن هو الذي وضع الخط الأحمر .. وهل بينهما علاقة .. اقصد من وضع الإشارة والخط .. ثم لماذا اللون الأحمر بالتحديد .. تذكرت لون الدم فارتعبت ..هذا الخط الأحمر أوهمي هو أم حقيقة .. أم وهمي يرقى إلى مرتبة الحقيقة .. .. وهل هو خط واحد احمر أم مجموعة كبرى من الخطوط الحمر ...
الديانات جميعها ، والسياسات جميعها ، والأشخاص عموما ، والمجتمع بعاداته وتقاليده يضيف خطوط حمر كل يوم إلى قائمة الخطوط الموجودة أصلا ، لدرجة انك لا تعرف الممنوع من المسموح .
أحيانا تسمع احدهم يقول احذر الدهان .. أو احذر الألغام .. فيقولون أمامك حقل ألغام .. مثلا .. فهل هناك عبارة تفيد بالحذر من الخطوط الحمر .. ام تركت هكذا عامة ، لتشكل حولها وحول من تدور حوله محيط أو مجالا يمنع الاقتراب . كالمجال المغناطيسي .. او المجال الكهربائي ... الذي يعني الاقتراب منه خطر الموت المحقق ..
أحيانا ترى على بعض هذه الأماكن شعار القراصنة ( الجمجمة والعظمتان المتقاطعتان على شكل إشارة الضرب ... ليس الضرب بالهراوة على رأسك وأنت في مسيرة سلمية .. بل إشارة الضرب في الرياضيات والتي تشبه حرف الاكس في اللغة الانجليزية .
بالعودة الى الخط :
يحق لنا أن نتساءل هل يا ترى الخط مرسوم بالطباشير .. فيسهل مسحه وتجاوزه .. أم بالدهان ... أم هو بأشعة ليزرية مضيئة تعمي الأبصار لكل من اقترب منها .. أو نظر إليها .
وللخط الأحمر هذا مهابة ، وهيبة ، ورهبة ، قلما تجرأ احدهم على تجاوزها .. وإذا فعل . فسيكتشف انه بقي أمامه عشرات بل مئات الخطوط الحمر التي يتوجب عليه عبورها ليصل إلى مبتغاه . إذا سلم .. فإذا سلم من الأول هل يسلم من الثاني والثالث والذي بعده وهكذا إلى آخر الخطوط الحمر التي ربما تزداد قوتها كلما تقدم نحو أي منها ..
فالخطوط كثر .. لدرجة انك تجد نفسك محاصرا .. محبوسا من غير حبس .. مقيدا من غير قيد .. وتلك المعضلة الكبرى ..
فلو كنت مقيدا بقيد واضح ظاهر معلوم لسهل الأمر وهان ووهن الخط .. ولكن أن لا تراه تلك قوته الكامنة في سره غير المكتشف ..ربما تجد خطوط حمر في غرفة نومك .. فلا تستطيع أن تتجاوزها ..مهما حاولت وربما تجدها في غرفة الجلوس ..أو أمام الزملاء في العمل أو في الشارع ..أو عندما تفتح فمك ..فستجد خطوط كثر تقف أمامك وفمك إذا ما فتحتها .. ربما لتتكلم .. أو تأكل أو تشرب أو تتنفس أو تعطس او تتثاءب ..فلو عطست وأنت مصاب بالزكام ولم تضع منديلا ورقيا .. ربما تجد من يقول لك لقد تجاوزت حدودك .. ومن المعلوم ان الحدود مرسومة أيضا بالخط الأحمر .. فهل هذه مصادفة ..
ومن العجيب أن الخطوط الحمر ليست حكرا على احد فكل الناس قد تواجههم الخطوط الحمر .. ولكن .. ولننتبه إلى ولكن هذه ..
ولكن بعضهم خطوطه اقل من غيره ربما تجد لي خط واحد ولك ألف خط ..ومن العجيب أيضا في أمر الخطوط الحمر أنها من النوع السهل الممتنع .. فما تجده أنت أو انأ خطا احمرا يصعب تجاوزه ... يجده آخرين إما انه غير موجود عندهم إطلاقا .. أو أنهم لا يكترثون به .. اهو اتهم .. يستسهلون المرور من فوقه أو من تحته او الدعس عليه وكأنه غير موجود ..
وهنا مصيبة أخرى ..كبف ذلك : أوضح الأمر ببساطة : عندما يجد احدهم زميلا له تجاوز الخط الأحمر ممن أسلفنا ، يظن هذا الحزين أن الأمر بهذه البساطة ، فيحاول أن يتجاوز أو يتطاول على الخط الأحمر .. فتكون هناك مصيبته التي ليس لها حل إذا انه سيكون في عداد الأموات .. كمن يقترب من الكهربا وهو يظن أن من السهل التعامل معها ..
فلا يفرق بين الحامي والبارد .. فيمد يده بلا خوف وبلا دراية وبجهل تام إلى السلك الأحمر .. وهنا يكون قد تجاوز الخط الأحمر أيضا فتكون نهايته ... ترى هل من المصادفة أن يكون لون السلك الحامي في الكهرباء احمر ..
في المدارس يصحح المعلم بالخط الأحمر ، وعلى الشهادة المدرسية ( النتيجة السنوية ) يضع المعلم خط احمر أو دائرة حمراء حول المواد التي رسب فيها الطالب ..فلماذا بالخط الأحمر وليس الأسود مثلا .. علامة الحزن كما هو متعارف عليه في العالم ..باستثناء شبه القارة الهندية حيث لون الحداد هو اللون الأبيض ..
والرقيب في الدولة على المصنفات الأدبية ، يشطب ما يشاء بالخط الأحمر ...
وإذا أرادت الدولة أن تغلق محلا تجاريا لأسباب معينة تغلقه وتضع على بابه شمعا احمر ، فيقولن تم تشميع المحل بالشمع الأحمر .. وهنا يوجد خط احمر .. بمعنى يمنع تجاوز الخط .. وفتح المحل .. لماذا الشمع الأحمر وليس أي لون آخر .. هل كل هذا مصادفة ...
لون الإنذار في كل مكان احمر .. في المطارات والقيادات العسكرية .. والطائرات وحتى السيارات ..وأمام مكتب الوزير لمبة حمراء تضيء .. فلماذا الأحمر ..
وكل هذه خطوط حمر .. بمعنى أو آخر ..
هل الخطوط الحمر في بلادنا العربية هي ذاتها في كل مكان في العالم .. هل يعاني المواطن في أوروبا وأمريكا والعالم الأول .. كما نعاني نحن من ازدحام الخطوط الحمر .. التي تعيق الحركة .. وتشعرك بالارتباك .. والتردد .. حيث أن الخطوط أحيانا قد تكون غير واضحة للعيان أنها حمرا أو غيرها .. فيحجم احدنا عن القول أو الفعل مغبة أن تكون الخطوط حمر وهو لا يعرف .. فيختار الإجراء الأسلم وهو أن لا يفعل شيء يذكر على الإطلاق ... كما يقولون ليبقى في السليم .. أو ليبقى في ال safe side .
التعليقات (0)