في قراءة لبعض الوثائق التي تم الكشف عنها بعد سقوط النظام السابق في العراق.. نكتشف ذاهلين ان المخابرات العراقية كانت في اواخر العام 2002مسرفة الانشغال في اعداد خطة محكمة وطموحة وطويلة المدى لمجابهة اخطار انتشار ظاهرة الاستماع الى خطب الشيخ الوائلي في سيارات النقل العام التي تربط بين مدن العراق في نفس الوقت الذي كانت القوات الامريكية تضع اللمسات الاخيرة على حشودها الضخمة في الخليج استعدادا لعملياتها الهادفة الى الاطاحة بالنظام..
ونفس هذا الذهول والاندهاش يعترينا ونحن نلاحظ مجابهة الاخ قائد الثورة الليبية للعقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن على نظامه بالتأكيد على ان الامور على اتم ما يمكن لها ان تكون امنا وسلاما من خلال الزج بمجموعة من الناس المتقافزين فرحا ورقصا في الساحة الخضراء على انغام الهتاف بالنصر المجيد للقائد العتيق..
من حيث المبدأ، لم يكن احد يتوقع سلوكاً مختلفاً من ملك الملوك الاعظم اوممن حوله، اقله من الناحية الإعلامية والتبريرية.. ولكن يبقى من العصي على الفهم والادراك والتحليل المسار الذي يحاول من خلاله الاخ العقيد القائد التعاطي مع مجريات الاحداث العاصفة والناتجة عن الثورة الشعبية المتعاظمة ضد نظامه المحتضر..
خطير ودامٍ ومرعب هوما يحدث الان في طرابلس وما يجاورها من امور.. وعجيب هو ذلك الخلط مابين القصف والقمع والتقتيل الاهوج وما بين ذلك الاستعراض الشائن الذي ليس من الحكمة تصور انه قد يصلح لمخاطبة الدول التي تؤثر على قرارات المنظومات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن او حتى لتخفيف تداعيات الأمر على الوضع الداخلي.. وكل ذلك في الوقت الذي اصبح فيه التغيير أمرا واقعاً لن تقوى على تغييره كل الحناجر الصادحة بحب الامام.
تغيير قد تكون القوى المنادية به تحصلت على الزخم المطلوب لانجازه من خلال الاصطفاف الاممي الكامل والتاريخي مع معاناة الشعب الليبي والذي تجلى في قرار مجلس الامن الاخير والذي يعد رسالة قوية وواضحة من المجتمع الدولي تجاه الجرائم التي تمعن العائلة الحاكمة في ارتكابها بحق دماء وارواح ومقدرات الشعب الليبي الشجاع..
وقد يكون لهدير القطع البحرية التي اصبحت تجوب المياه المحيطة بالشاطئ الليبي دورا في ارتفاع صوت هذه الرسائل الى الحد الذي سيجبر العقيد الى الاستماع اليها ومحاولة فهم ان نوعية السياسة التهريجية البائسة التي يتبعها، وكل ما يفعله الآن هو محاولة قد لا تحمل الكثير من الفرص لترويج صورة البطل القومي الذي يقاوم القاعدة والتدخلات الاستعمارية والامبريالية ..وانها لن تجر ليبيا الا الى التوحل في منزلقات التدخل الخارجي الذي قد يصبح ضرورة مع استمرار النظام في ممارسة التغول والاسراف في الولوغ في دم الشعب الليبي الطهور..
وهنا قد يكون العرض الضمني الذي تردد من بين ثنايا التصريحات الاعلامية الاخيرة حول امكانية القبول بالخروج الآمن للمفكر الاممي وبنيه وعصابته التي تحميه هو الفرصة الاخيرة التي تسبق الانحدار المحتوم نحو الحفرة التي سبقه لها اخ من قبل لم يستمع ايضا الى نصح الناصحين ولا انذار المنذرين.. بل اكتفى بالانصات المنتشي الفخور الى سيل الكلمات المنافقة المداهنة التي كانت تهال عليه من افواه المنشدين المتغنين ببطولات وانتصارات سيأتي بها الغيب من بعيد.. وعلى العقيد ان يسترجع في خياله قبل فوات الاوان سيناريو الخروج المذل من الحفرة ولكن بتعديل بسيط الا وهو انه سيكون بيد من سامهم صنوف العذاب لاربعون عجاف من السنين..
التعليقات (0)