مواضيع اليوم

الخطر الذي قد يشعل ما تحت رماد الشرق

الخطر الذي قد يشعل ما تحت رماد الشرق
 بقلم/ عبدالهادي محمود كسلا
alhadikassala@hotmail.com

مع إشراقة كل صباح عبر البوابة الشرقية ، تطل علينا حكايات الفقر والجهل والمرض ، هذا الثالوث الذي أنهك إقليم شرق السودان ، فقد يقال قريباً كان هنا بشر دون اهتمام من نظام الخرطوم الذي يتعمد تركه في حالته وذلك لكي لا ينهض المارد الشرقي. ويمارس فيه النظام سياسات (فرق تسُد) و (جوع كلبك يتبعك) و (إستغلال الوازع الديني) مجموعة من السياسات مارستها حكومة المؤتمر الوطني ممارسات لا تكاد تخلو من ملامح القهر والإضطهاد والتهميش في شتى مناحي الحياة . وهي تدرك تماماً بأن مشكلة الشرق اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية لكنها تستمر في نهب ثرواته بل نهب ما يمنحه المانحون لأهل الشرق بواسطة ما يُسمى بصندوق إعمار الشرق الذي ولد كسيحاً من تلك الإتفاقية التي قسمت ظهر كل سكان الشرق . حيث كان يستحسن تركهم في حالهم لأن ما حدث بعد تلك الإتفاقية هو أسوأ ما شهدته البشرية في حكايات المعاناة . هذه الحكايات المتكررة في مختلف وسائط الإعلام الوطنية عن حالة هذا الإقليم .
ما زلت أستمر في طرح مجموعة من القضايا المتعلقة بالإقليم الشرقي قد تتلاقى بعضها في نوعها وتأثيراتها وقد تتنافر عن بعضها لكنها تلتقي في أنها تمارس في حقه كأرض وفي حق سكانه ومتعايشة في وسطه حتى بدت كإحدى ملامحه . والقضية الأولى كانت قضية الباعة المتجولون ومعاناتهم بولاية كسلا والثانية كانت قضية أطفال الشوارع بالشرق وقصصهم و واقعهم المحزن واليوم أتناول قضية مهمة بالغة الأهمية فأكثرها تتم وسط صمت وتعمد إهمال من النظام الحاكم ، وبعد أن كثرت الأحاديث وتكررت الأحداث وجدت جميعها تلتقي تحت إسم واحد هو الإتجار بالبشر. تتعدد صور وأشكال الفعل الجرمي المكون لجريمة الاتجار بالبشر ، على نحو لا يقصر المفهوم على قضايا بعينها بل يمتد ليشمل شريحة واسعة من السلوكيات البشرية المنطوية على استغلال واستضعاف الآدمي.
الإتجار بالبشر خطر يحدق بالشرق من كل الإتجاهات ، خطر يزداد يوم بعد يوم ، يوم يلامس ضيوفه وزوارهـ ، ويوم يلامس إنسانه ، وفي كل يوم تختلف الروايات والحكايات فما أثقل الكلام في هذه الجريمة و مأساتها ، فالحروف تقف عاجزة عن التعبير أمام بشاعتها ، فلم يعد هناك حديث في مقاهي المدن وأسواق القرى إلا عن حوادث الرُعب التي تنسجها روايات البعض عن ما شاهدوه أو عايشوه أو حتى ما نسجه خيالهم عن وجود عصابات بالشوارع تقوم باختطاف البشر ونزع أعضائهم البشرية وبيعها للمحتاجين الذين يملكون من المال ما يدفعونه لهذه العصابات بالخارج نظير الحصول على كلية أو بنكرياس أو حتى قرنية ، وليس مهماً أشلاء الأبرياء التي مُزقت من أجل ذلك.
تتعدد سيناريوهات الهلع التي تتردد في شوارع ومشاريع ولايتي كسلا والقضارف ومن أمثلتها قصة تلك الأم التي كانت تسير بأطفالها الثلاثة فتكتشف في غمضة عين أنهم أصبحوا اثنين فقط ، طفلة تخرج من بيتها لشراء بعض الحاجات فتختفي فجأة لتجد نفسها داخل إحدى رواكيب قرى ولاية كسلا وبسرعة يرن هاتف الأسرة ويطلب المتصل المجهول مبلغ 12ألف جنيه لأجل إطلاق سراح الطفلة والأسرة لا تجد ما تبيع لتبيع فتكررت الإتصالات وتكرر بكاء الأم التي تمثل أماً وأب لأطفالها الثلاث ولا رأفة تدخل في قلب الخاطفين بأن الأم لا تملك وأن الأسرة تفتقر حتى لقوت يومها ، يتم تهديدها ببيع أعضاء طفلتها فلم يكن خيار أمام تلك الأم إلا أن تترك طفلتها للذي خلقها هو أرحم بها ومؤمنة بقدر طفلتها ما أجمل هذا الإيمان وما أسوأ هذا الفعل الإجرامي وأيام حتى ورد إتصال بأن الطفلة ذات الأربعة عشر عاماً أوصلها الخاطفين إلى جزيرة سيناء وإنقطع الاتصال وإنقطع خبر الطفلة .
مآس وقصص كثيرة تؤكد أن سماسرة الإتجار بالبشر وبيع الأعضاء نجحوا في تكوين شبكات وتشكيل عصابات للإيقاع بضحاياهم داخل وخارج مدن الشرق وتعتبر ولاية كسلا من أكثر ولاياته الثلاث ممارسة للجريمة فقد نجح من يمارسونها إبتكار أساليب وطرق مختلفة للخطف بعضها بإقتحام المشاريع الزراعية تستهدف الأجانب وبعضها تستهدف معسكرات اللاجئين التي يتوجب على الحكومة السودانية حماية قاطنيها طالما قبلت بقيام معسكرات للاجئين فالواجب حمايتهم بكل قوة وهم قد أتو بحثاً عن الأمن والأمان لكل منهم أسبابه التي جعلته يقبل صفة لاجئ ، فإن مثل هذه الأعمال ومثل هذه التجارة قد تؤدي لتفجر الأوضاع والترويج لتجارتهم القذرة التي يجنون منها الكثير. و الإنفجار قد يأتى والأحاديث كلها في أرض الواقع وعلى مختلف مساحات الفضاء الإسفيري تتهم واحدة من المكونات الاجتماعية بهذا الجرم وفي ذات الوقت إن لم يكن جلهم فأكثر من نصف أعداد المختطفين هم من مكون إجتماعي له تمدداته الطبيعية مع إحدى دول الجوار وليس بالضرورة أن يكون الاتهام صحيحاً أو خاطئاً إنما الأهم هو خطورة رسوخ مثل هذا الاتهام . وإن تأكد ما جاء في الإعلام بحديث نُسب للسيد/ بابكر دقنة وزير الدولة بالداخلية بأن الوزارة تسعى لتسليح القرى الحدودية بتسليح ما يقارب العشرة أشخاص في كل قرية تحت مظلة الشُرطة الشعبية لمجابهة عصابات الجريمة قد يرى البعض أنها خطوة جيدة وأتت متأخرة ولكن أن تأتي هذه الخطوة في هذا الوقت بالتحديد يجعلنا نتساءل : هل عجزت الدولة بمؤسساتها الأمنية التي تدفع لها أكثر من نصف ميزانيتها أضعاف المرات حسم من يلعبون بأروح الشعب ويهددون السلم الاجتماعي في إقليم يكفيه القهر الذي يعيشه إنسانه ؟ ونتساءل أيضاً هل يسعى النظام الحاكم لإشعال الفتنة بين مكونات الشرق كما حدث في إقليم دارفور بتسليح القرى هناك كانت القبائل وهنا وإن إختلف المسمى (قبائل وقرى) إلا أن الكل يدرك أن هذه القرى الحدودية التي تنتشر جريمة الإتجار فيها بأن نسبة 80% أو تزيد ينتمون لإثنية بعينها ما قد يؤدي لتبادل إطلاق نار كما حدث قبل أيام بين قوات الشرطة والخاطفين في منطقة همسايب . فإذا ما حدث مثل هذا التبادل بين أبناء القرى وعصابات الجريمة المتهمة حسب ما يشاع بإنتماءها وإن لم يكن جميعها لإثنية بعينها وحاملي السلاح الجدد أيضاً جلهم سيكونون من تلك العرقية ، فهذا قد يؤدي حتمياً لفتنة خاصة عند سقوط قتلة وإرتفاع العدد وحينها سيكون الفيصل هو السلاح الذي سيتوسع يوم بعد يوم خاصة بعد أن بدأ خيار مواجهة العصابات يصبح حلاً لدى الكثيرين من شباب الإثنية التي يُختطف بعض من ينتمون لها بالقرى لأنهم يرون الصمت وتقاضي الطرف الرسمي من أجهزة الدولة بإستثناء بعض الحالات التي لا تسوى شيئاً مقابل حجم وتوسع الجريمة بل بعض الأحاديث هنا وهناك تتحدث عن علاقات مشبوهة بين بعض أفراد القوات النظامية والمتاجرين بالبشر وما حادثة الرقيب المتقاعد بودالحليو الذي أُلقي القبض عليه قبل أشهر قليلة ببعيدة ؟ وهنا يبدر سؤال مهم لماذا يتم تسليح أبناء القرى تحت مظلة الشرطة الشعبية بدلاً من أن تخصص قوة من أبناء الولاية المعنية المنضوين تحت قوات الشرطة بالمهمة إن كانت الحجة معرفة وضعية وحساسية مجتمعات الشرق ؟ ولأن هذا السؤال يوصلنا لسؤال أخير وهو الأهم وقد جاء نتاج تجارب ممارسات النظام الحاكم على مستوى الوطن بأنه لا يقوم بعمل أي خطوة إلا إذا كانت هنالك ثلاث أشياء مصلحة حزبية ضيقة وهُنا بالتأكيد لا يُهم كثيراً عنده سلامة الوطن ومصلحة المواطن وإما تزايد الضغط الدولي عليه كنظام أو إما خطر يحدق بنظام حكمه في رقعة جغرافية بعينها ونسأل كغيرنا طالما أتى التسليح في هذا التوقيت هل الهدف الحقيقي من تسليح القرى الحدودية في هذا الوقت هو محاربة تجار البشر أم مراقبة للحدود بعين قاطني الحدود في ظل أنباء هنا وهناك بعضها لصحف لها علاقة بالنظام الحاكم عن توسع دوائر التململ في أوساط الشباب و ما نقرأه ونسمعه عن تحركات مناوئة للنظام في إقليم شرق السودان ؟ .
وبعد تلك التساؤلات يكفي ما يعانيه الإقليم من قهر وذل وإتساع رُقع الظلم والإضطهاد وتمدد الثالوث المُدقع في كل الأطراف. ونظراً للجريمة التي تتسع رُقعتها ويكبر خطرها وفشل الحكومة في قمع هذه الشبكات خاصة التي تستهدف اللاجئين بالمعسكرات وخارجها و العمال الأجانب بالمشاريع الزراعية يستلزم الدولة أن تتحمل مسئوليتها الكاملة تجاه ما يحدث قبل فلتان الأمور من بين يديها ، فالنيران تزيح عن نفسها الرماد مع شروق شمس كل صباح وعلى المنظمات الوطنية والأجنبية والمجتمع الدولي ممارسة عملية ضغط حقيقية على الدول التي تتحرك فيها شبكات الإجرام . ويلزم هذه الدول ويهمنا هنا حكومة بلدنا التحرك بصورة أوسع وأسرع لحماية المواطنين واللاجئين لإيقاف هذا الجُرم الذي بدأ يدخل الهلع في نفوس الجميع فالكل بات يخشى إستئجار عربة أجرة دون معرفة مسبقة بالسائق خشية أن يكون من أعضاء تلك العصابات . وكما يجب تعديل قانون مكافحة جريمة الإتجار بالبشر الذي كانت قد أجازته حكومة ولاية كسلا في العام الماضي بوضع عقوبات أقلها الإعدام أو السجن المؤبد لكل من يُلقى القبض عليه . فليس من المعقول أن يسمح لهم بالكفالة أو أن تكون مدتهم عشر سنوات مقابل إختطاف وتقطيع وبيع أعضاء بشر فالكفالة وهذه المدة القصيرة يُمكن أن يعوضها في أقرب عملية خطف أو بيع أعضاء فالحل يكمن في التوعية القانونية للمجتمعات الريفية والتصدي وإنفاذ عقوبات شديدة القسوة وعدم وضعها على الأوراق فحسب بل يجب أن يشهدها الجميع حتى تُصبح عظة وعبرة لكل من سيتلاعب بأرواح الآدميين ، لأنه لا يمكن رحمة من حول أصابع الرحمة إلى ساطور يمزق البشر .
وإن إستمرت الأمور على حالتها (فقر ، جهل ، مرض ، إتجار ، إستعلاء ، ظلم ، عدم توازن تنموي وتغيير في ديمغرافية الإقليم) فلن يكون بمقدور الحكومة إطفاء ما أشعلته بيدها والنار من مستصغر الشرر وحينها تكون على نفسها جنت براغش ولن يفيد البكاء على اللبن المسكوب وعلى مختلف شرائح مجتمعات الشرق خاصة الطلاب والشباب يجب أن يعرفوا جيداً حول المعاناة التي يقبعون في رحمها أنه ما حك جلدُك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرِك ويجب أن نتعلم باكراً بأن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه وأن على المرء أن يُحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يُريد ولطالما أنكم ميتون بأسباب متعددة عليكم أن تعيشوا أحراراً أو أن تموتو كالأشجار وقوفاً.

كفى ونلتقي في قضية أخرى وليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !